نواف الزرو *
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1770)
في ظل هذه الحرب الاسرائيلية الشاملة على غزة، تكشفت بعض النوايا الاسرائيلية الحقيقية المبيتة الكامنة وراء الحرب في سياق مخطط ” ما بعد غزة”، فعلى خلاف كافة مراحل الصراع السابقة مع”اسرائيل” على سبيل المثال، لم يحدث ان اثارت المجازر والجرائم الصهيونية المقترفة ضد الشعب الفلسطيني جدل”الوطن البديل”لتصفية القضية، كما اخذت تثيره “المحرقة” الاسرائيلية الجارية في غزة هاشم..!.
حيث تربط الدوائر العسكرية والاستراتيجية الاسرائيلية عمليا ما بين محارقها المفتوحة وما بين اجنداتها السياسية وعلى نحو حصري منها مخططات”الترانسفير- الترحيل” و”الوطن البديل”..!.
الامر الموثق لديهم في الكثير الكثير من الادبيات السياسية…!.
فأن ترحل الدولة الصهيونية من تبقى صامدا راسخا من العرب على ارض فلسطين المحتلة من بحرها الى نهرها، كي تصبح فلسطين “دولة يهودية نقية”، هو اذن حلم ومخطط صهيوني قديم جديد متجدد بانتظار اللحظة المناسبة فقط من وجهة نظرهم…!
ما ينقلنا هنا للتوقف وان بعبارات واستشهادات مكثفة امام غيض من فيض الوثائق والتصريحات السياسية القريبة التي ما تزال ساخنة -في الذاكرة – المتعلقة ب”المحرقة” و”الترانسفير ” و “الوطن البديل – الاردن ” .
فها هو الشيخ رائد صلاح العالم الخبير بالفكر الصهيوني وادبياته يكثف لنا خلاصة الفكر والاستراتيجيات الصهيونية المتعلقة بفلسطين وشطب القضية ومحاولة فرض ما اسموه”الوطن البديل” على الجميع…!.
فهو يقول بمنتهى الوضوح:”لا أستبعد ان يكون العدوان على غزة جزءا من العودة الى مخططات اسرائيل للبحث عن وطن فلسطيني بديل شرقي الأردن على حساب أشقائنا الأردنيين/الناصرة – العرب اليوم – 4/1/2009″.
ولذلك لم يكن مفاجئا ايضا ان تنتعش هواجس “الوطن البديل” في ضوء “المحرقة” المجازرية الاسرائيلية المفتوحة في فلسطين وغزة في هذه الايام على نحو حصري في الاردن ايضا..!.
ففي مختلف المحافل اخذت تطفوا الهواجس على نحو واضح وصريح على الاجندة الاردنية عبر سلسلة من التصريحات والتحليلات التحذيرية، التي كثفها مستشار الملك الراحل عدنان ابو عودة في تصريح للجزيرة- نت قائلا: “أن القضية الآن مرتبطة بأمن الأردن ومصالحه الخاصة، وصناع القرار في الأردن يدركون وجود مخطط لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، من خلال طرح فكرة الوطن البديل، أو إلحاق الضفة الغربية بالأردن وقطاع غزة بمصر”، وهي وجهة النظر التي أيدها الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي زكي سعد بن إرشيد، قائلا: “إن هناك تخوفا لدى الأردن من مخطط إسرائيلي لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن”، معتبرا “أن ما جرى في غزة هو بداية عملية لتنفيذ هذا المخطط”…وليس انتهاء بعدد من المحللين والتحليلات..!.
الى ذلك- تحدث د.عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق عن “وجود مخطط يرجع لعدة سنوات لجعل مصر وطنا بديلا للفلسطينيين بإلحاق قطاع غزة بشبه جزيرة سيناء، وإدارتها سياسيا من قبل القاهرة كما كان الوضع قبل حرب يونيو/حزيرن 1967، مضيفا:”أن الضم هذه المرة يختلف عن سابقه، بأن اسرائيل والولايات المتحدة يريدان أن يكون حلا نهائيا وبديلا للدولة الفلسطينية، مع تطبيق الأمر نفسه على الضفة الغربية التي كانت تخضع أيضا للادارة الأردنية قبل ذلك التاريخ/ من لقاء له مع الحقيقة الدولية – العربية نت 6.1.2009”.
الامر الذي عززته دراسة صدرت عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى وهو احد مراكز الفكر الامريكية الموالية لاسرائيل بقضية الصراع العربي الاسرائيلي تحت عنوان ” اعادة التفكير في حل الدولتين” للباحث الاستراتيجي الاسرائيلي” غيورا أيلاند”، وتروج هذه الدراسة لطرح خيار ” الوطن البديل” الحل الذي يطرح دمج الضفة الغربية مع الاردن من خلال صيغة اتحادية بحجة عدم واقعية وصعوبة تحقيق الخيارات والمطالب الاسرائيلية من جهة والفلسطينية من جهة اخرى. العرب اليوم -8/1/2009″.
ما سارع منّظر المحافظين الجدد “المسيحيين المتصهينين” “دانييل بايبس” للتأكيد عليه في مقال له في الجروزلم بوست الاسرائيلية– 7.1.2009 اذ كتب: “ان الحل الوحيد الناجح للقضية الفلسطينية هو ضم الضفة الغربية وقطاع غزة للحكم الاردني والمصري المشترك”، موضحا “انه يجب ان تخضع الضفة الغربية للوصاية الاردنية وغزة للوصاية المصرية”.
وهو ما اكد عليه كذلك السفير الاميركي السابق لدى الامم المتحدة جون بولتون الذي اعتبر” ان تسوية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني على اساس مبدأ قيام دولتين، غير قابلة للتطبيق”، مقترحا “اعادة الاراضي الفلسطينية الى السيادة المصرية والاردنية”، وكتب بولتون -الباحث حاليا في مركز الدراسات المحافظ “اميريكان انتربرايز انستيتوت” في واشنطن- في مقالة نشرتها صحيفة واشنطن بوست- ا.ف.ب -2009/1/6 : “ان خارطة الطريق” المدعومة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة من أجل احلال السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين لم تعط نتائج مقنعة”، وتابع “عوضا عن ذلك ينبغي التفكير في مقاربة على اساس (ثلاث دول) توضع بموجبها غزة مجددا تحت سيطرة مصر فيما تعود الضفة الغربية وفق صيغة معينة تحت السيادة الأردنية”. ورأى ان “استعادة هذين البلدين العربيين سيادتهما السياسية (على المناطق الفلسطينية) هي وسيلة فعلية لتوسيع بقعة السلام، والأهم من ذلك لبناء حكومات تضمن السلام والاستقرار في بلدانها”.
وهو ما ذهبت اليه ايضا سمدار بيري مراسلة” يديعوت احرونوت (11-1- 1009) “للشؤون العربية التي قالت في مقال لها تحت عنوان:”ملك غاضب وقلق ” “ان الانتخابات عندنا (في اسرائيل) اصبحت عندهم كابوسا، ومنذ الان رسمت هذه سيناريو الرعب الاردني: نتنياهو كرئيس للوزراء سينفض الغبار عن مشروع “الاردن هو فلسطين”، يفتح معابر الحدود، يؤدي الى توحيد الضفة الغربية بالشرقية، وكأثر للطوفان الفلسطيني، فان مستقبل ومصير الاسرة المالكة الهاشمية سيتبددان، وليس هناك سبيل في العالم ( بفضل ليبرمان وامثاله) لاقناع الاستراتيجيين في القصر، بان الخيار الاردني لن يصفعهم على وجوههم فور الانتخابات، وان نتنياهو، الذي سبق وان ورطهم في محاولة التصفية الفاشلة لمشعل، لا يعد بنك مغامرات جديدة، واذا سألتم الان الملك، فهو غاضب جدا على اسرائيل وبقدر لا يقل عن ذلك قلق من ان تتعقد الحملة في غزة “.
لنقف هنا في الخلاصة المكثفة ونحن امام “المحرقة” الصهيونية المفتوحة في غزة وامام الحقيقة الكبيرة الساطعة الماثلة امامنا في فلسطين: اننا ما زلنا امام مشروع صهيوني استعماري استيطاني اقتلاعي احلالي كبير ومرعب يستهدف فلسطين والاردن معا وليصل الى حدود الفرات.
بل ان هذا المشروع لن يتوقف ابدا وربما يشهد مسقبلا المزيد من التصعيد و”المحارق” المرعبة الرامية الى محاصرة وخنق الشعب الفلسطيني لاجبار اكبر عدد منه على الرحيل باتجاه الشرق ..باتجاه “الوطن البديل” لتكريس ادبياتهم ومخططاتهم المشار اليها، اذا لم يجد الجد لدى العرب واذا لم يتحملوا مسؤولياتهم العروبية والتاريخية في عملية التصدي لذلك المشروع.