شكراً لكِ يا إسرائيل وعفواً غزة

عبدالباسط الحبيشي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1777)

لقد أخطأنا دائماً في صب جم غضبنا عليك يا إسرائيل دون معرفة الاسباب التاريخية واللاهوتية التي تنطلقي منها تبريراً لكل جرائمك اللاإنسانية. وإنطلاقاً من تنفيذ أعمالك المقدسة التي أمرك بها الرب تقومين دون قصد بتعرية أقربائك المندسين في صفوفنا الذين يقومون بتنفيذ سياساتك اللاهوتية.

بأي حق نلومك وندين عربداتك الوحشية ونهدد بالثبور وعظائم الامور

ونتبرع بأنفسنا للجهاد والتضحية بارواحنا لقتالك.!!؟؟ طالما أننا نعجز عن القيام بأبجديات الجهاد الحقيقي المتمثل في جهاد النفس أولاً لنصل إلى مستوى الإلهام الإيماني أنك لا تَمُتين لعقائدنا الإنسانية بأي صلة.

كم نحن أغبياء ومغفلين كوننا لم نستوعب حتى الان أنك تقومين بهذه الاعمال إنما بواعز يقيني من الرب الذي يؤمن به شعبك منذ أن وجد على الارض ورفض كل الانبياء والرسل ليس لعناده كما كنا نتصور ولكن لأنه يؤمن بأن خالق الأنبياء والرسل بل والانسانية جمعاء إنما هو ربٌ آخر.

لم نستطع أن نفهم أنك يا إسرائيل لا تؤمن بنفس الإلّه الذي نؤمن به نحن. لقد عرفنا إن إلّهكِ هو “إلوهيم” وأن الله هو إلهنا لوحدنا .. إلّه الإنسانية. وأنك لا تؤمني بأن الله خالق شعبك وخالقنا بل تؤمني أنه “إلوهيم”. إذاً لماذا نعتب عليك إن أجريت فينا ما تريدين كوننا بالنسبة لك ليس أكثر من حيوانات غبية وان إنسانيتنا لا تهمك أو تعنيك كما كنا نتصور. إنما المزيد من قتلنا يعتبر قرباناً وتقرباً لك من إلآهك “إلوهيم” لأن من يحمل السمات الانسانية لا يمكن أن يقوم بإرتكاب جرائمك الأولوهيمية الشيطانية التي يشهدها العالم. واعتبارك بأن ما تقومين به من سفك لدمائنا إنما هو دفاع عن نفسك وعن شعبك وعن طموحاتك التوسعية ، وهذا من حقك طالما أن السياسة في عالمنا الافتراضي الذي قمت بزرعها سميت {بفن الممكن} لاسيما أرتضينا نحن بأن تبقى على حساب دمائنا وأجسادنا وأرواحنا.

لذلك نقول شكراً لك يا إسرائيل لأنك عززت الكثير من الحقائق التي كنا نشك بمصداقيتها:

كنا نشك أنه يمكن التعامل معك لو قدمنا لك بعض التنازلات من أرضنا وإنساننا.

شكراً لك لانك علمتنا أنه لا يمكن أن نفكر بالقدسِ أو بالاقصى أولى القبلتين وثاني الحرمين إلا إذا حررنا أولاً ثاني القبلتين واولى الحرمين.

كنا نشك بأننا نبالغ عندما نقول بأن حكامنا خونه وعملاء فشكراً لك لأنك علمتنا بإنهم ليسوا كذلك بل هم أكثر من ذلك. لأننا أكتشفنا ان حقيقة إلاههم أيضاً هو نفس إلاهكِ “إلوهيم” الذي لا يحبذ وجود بشر من فصائل أخرى ليس لها خصائص الحمض النووي الخاص بفصيلتك.

لذلك فحكامنا يمنعوننا حتى عن التعبير عما تقترفه يديك من سفك لدمائنا لأنها ليست من فصائل دمائهم.

شكراّ لك يأسرائيل لآنك علمتنا كم نحن سُذج وأغبياء وبلهاء كوننا لم نعرف حتى من هم الذين يحكموننا اوأنهم على الاقل من يقفون وراءك ويمدوك بالعون والمال والسلاح والنفط والغاز والماء الذي يسرقوه منا ويمنعوه عنا للإستمرار في سحلنا وتقطيعنا.

لقد قال بعضنا عن غير قصد أو في لحظة غضب بأنه سيقذف بك إلى البحر وآخر بأنه سيمحوك من الخارطة. وقال آخر “ما أخذ بالقوة لا يمكن إلا أن يسترد بغيرالقوة”. وأعتذرنا عن كل ذلك عملياً وقبلنا كل نظريات السلام .. والارض مقابل السلام .. وسلام الشجعان .. وإنبطاح الجبناء ومبادرات السلام .. وذهبنا معك إلى كامب ديفيد وإلى مدريد وإلى أوسلو وإلى نيويورك وإلى شرم الشيخ وإلى وإلى وإلى نطلب السلام والتصالح والتسامح معك بينما نرفضه لأنفسنا بل ونقتل من يدعو إليه منا في كل عيد أسميناه يوم التصالح والتسامح فيقوم القتله الذين يؤمنون بنفس إلالهكم بتحويله إلى يوم دام بنفس إسلوب ما تقومين به في غزة.

قدمنا لك كل ما تريدين من إعترافات بوجودك على أرضنا معززة مكرمة على أطباق من ذهب وفضة دون مقابل فقط لتتركيننا نعيش بقربك بسلام كوننا معتقدين بصلة العمومة حسب ما جاء في القصّص. وأعتبرنا أنهم في أوروبا قد ظلموا أهلك ونكلوا بشعبك وأحرقوه ثم طردوه من بلدانهم بعد إذلالهم في عيشهم وحياتهم وأصبح الجيتو مصطلح عالمي يشير إلى حياة البؤس والشقاء التي عاناها شعبك هناك في كل أنحاء اوروبا.

ومع ذلك لم نفهم بإنك لا تريدين السلام او العيش بسلام. كيف تريدين السلام وأنت تستبشعين بضرواة في قتلنا بكل الطرق اللاإنسانية أقسى من أساليب الهولكوست النازي الذي لم يمحى من الذاكرة الانسانية دون خوف من حتى إنتقام جراحات الذاكرة التي لن تندمل على مر الاجيال القادمة لأن من يريد السلام لايمكن أن يقوم بهذا العبث التاريخي دون حساب العواقب التاريخية. من يقوم بقتل الرضع وبقر بطون الحوامل لا يمكن أن يكون هدفه السلام بل بالعكس هدفه التوغل في البحث عن الإنتقام والثأر الأبدي. هدفه إستمرار تدفق الجراح لا إندماله لأن سفك الدم وحرق اللحم حتى العظم لا يمكن إلا أن يشكل لك مصدر أساسي لاهوتي لبقاء وإستمرار تواجد كيانك الناتئ الدراكولي الذي يعيش على مص الدماء ولا يؤمن أصلاً بإنسانية الانسانية او وجودها معتبراً أنه ليس منها بل هو أولوهيمي .. نموذج فوق البشر.

نشكرك يا إسرائيل لأنك أعدت لنا ذاكرتنا وذكرياتنا التي لم نشاهدها بالصورة حينذاك أو لم نصدق أنها جرت بتلك الوحشية التي ذكرت لنا. لكن بفضل تقتيلنا وسحل أطفالنا في غزة اليوم نستطيع أن نعرف بالصورة اليقينية كيف جرى تقتيلنا في دير ياسين وفي أريحا وفي صبرا وشاتيلا وفي قانا الاولى والثانية وفي بيروت وفي جنين وفي كل مجازرك ومسالخك الأولوهيمية.

لقد توحد العالم بأسره حول نازية الهولوكوست وأقاموا له المحافل الدولية والمتاحف الدولية والتبرعات الدولية بل وإتهام من لا يعترف به بالنازية.

من هنا تأتي المفارقة عندما نجد زعمائنا لم يتحدوا على مجرد إجتماع ديكوري إستهلاكي للنظر في الهولوكوست الصهيوني المتمثل في مجازر ومحارق غزة. لماذا؟! لأننا فعلاً أغبياء. لم نفهم بإن “زعمائنا” هم أنفسهم من زرعوك شوكة فوق قلوبنا .. وأنه هو .. نفسه ذلك الاجتماع الذي رفضوا حضوره جميعاً بل فروا منه للتصويت ضد إنشاءك في الاربعينيات من القرن الماضي في أروقة الامم المتحدة.

إذاً هم زعمائك المستترين بيننا من نفس جلدتك الآولوهيمية لأنهم من يقومون بنفس أعمالك الشريرة في أوطاننا.

bassethubaishi@yahoo.com