وللأسبوع الرابع من المحرقة… غزة تصمد لتنتصر

عبد اللطيف مهنا

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1777)

تُذبح غزة هاشم… تنزف، تكابر، تقاوم، عنيدة أبيّة تصمد لتنتصر… تسطر هذه العصية على الكسر أسطورتها… ودمها الطهور المسفوح يصنع ملحمته، ويرسل فلسطين أغنية كونية تطوف أربع رياح الأرض… تُعلِّق غزة شهدائها القادة أوسمة من درجة ريان وصيام على صدر أمتها… الأمة التي تفتديها غزة بدمها، وتذود بأظافرها، بلحمها وعظمها، عن حياضها المستباحة، عن كرامتها، وتنتظر نصرتها… الأمة التي وحّدها الدم الغزاوي، وفرّق التخاذل أنظمتها أيدي سبأ… الأنظمة التي توزعت بين الممانع والمحايد والممالئ… الأنظمة التي غدا حالها حال التي تهرب من مستحقات القمة الواحدة الموحدة إلى القمم التي تحيل مواقفها إلى أخرى، وتفرّ بمواقفها القومية المستوجبة في ساح المواجهة إلى حيث متاهات مهازل المبادرات الغامضة و اشراك الحلول التهدوية، و لا تترفع، وغزة تنزف، عن صغائر الضغائن…

تُذبح غزة، و تعلم علم الدم المراق، أنها لثلاثة أسابيع خلت وحلّ رابعها قد عاشت محرقة موت ودمار وإبادة… محرقة تدرك أنها تظل هي الصغرى مقارنة بمحرقة سياسية كبرى موازية بدأت… محرقتان، متوازيتان، الأولى جهاد أصغر والثانية الأكبر… وغزة وهي تعيشهما لا تخشى هيستيريا الدم الصهيونية-الأمريكية المنفلتة، لا تخيفها ولا ترهبها ولا تفل بأساً لها طائراتهم ودباباتهم وبوارجهم وفسفورهم… ولا مذكرة تفاهم ليفني رايس الأمني… وإنما هي تتوجس من كمائن جلعاد-سليمان التهدوية، وتعلم أن التهدئة تعني حصاراً، والمساومات تعني تنازلاً، والتنازلات تحصد دماً مسفوحاً، والتخاذل يعنيإنساناً يستباح و وطناً يباد و قضية تصفًّى… ولهذا خيارها الذي لا خيار سواه هو أن تصمد، وقدرها الذي لا منجاة إلا به هو أن تنتصر…

* * *

تُذبح غزة هاشم، تنزف مستفردة و تقاوم، تصمد لتنتصر… ترفع رأس قومها… تدافع عنهم، تدفع ضريبة عجزهم الذي أذلهم مديداً ويذبحها راهناً… ويحزنها ويؤلمها أكثر من ذبحها أن تسمع بعضاً مما يروى:

يقال، أنه لإقترافه خطيئة طرده سفير جزاريها القتلة، ورداً على سابقة رفع العلم الفلسطيني تحت قبة برلمان بلاده، كافأ بعض الأشقاء أخاها غير العربي هوغو شافيز بإغلاق سفارة بلاده في بعض بلادنا!

… وعليه، تحار غزة، إذ لا تدري بماذا سوف يعاقبون ابن العم غير العربي موراليس، لإقتراف هذا الغريب البوليفي ما إقترفه ذاك المتطفل الفنزويلي المصرّ على نصرتها، الذي زاد فتطاول فأمعن تدخلاً في شأن عربي لا يعنيه عندما أزمعت بلاده التقدم بشكوى ضد مجرمي محرقتها أمام محكمة العدل الدولية!

لم يرق لغزة أن تأتيها أخبار تحكي أن اللاتين غدو أكثر عروبةً من بني جلدتها، وأن أحفاد الهنود الحمر هم أكثر إسلاماً أو غيرةً على دمها من بني دينها… يوجعها حتى القهر أن تسمع بعض ما تسمع مما يشيع، و المحرقة دائرة، في ديوانية أخبار عار العجز العربي…

* * *

تُذبح غزة هاشم، تنزف شامخة و تقاوم، تصمد لتنتصر نيابة عن من خذلوها و قعدوا يوم الكريهة عن نصرتها، ونشغلوا عن وقفة عز مفقودة بنعيها و الترحم عليها و حتى لومها، لدرجة التواطئ مع ذابحها و حتى بعض مشاركته في ذبحها، وتعلن:

دمي يا أخوة يوسف عصيّ على الصفقات، كاشف لخبايا السمسرة ودفين المساومات، وفاضح لألاعيب التسويف ونصاب القمم الهارب… و شهدائي وجرحاي ولحمي… نسائي و أطفالي وشيوخي… ليسوا مجرد أرقام في بورصة الدم المعقود مزاداتها من حول أشلائي… دمي ليس موضوع مراثي القاعدين يوم النصرة، المستبدلين وامعتصماه بوضع أيديهم في جيوبهم، وإرسال ما تيسر من الأمصال و الأدوية… وكفى الله المؤمنين شرّ القتال!

… وتقول… دمي ليس برسم جدل القمم الشائن، أو هو مسفوح هبةٍ تنتظر أسابيع لتهدى تقدمة آن تتويج سيدهم أوباما في البيت الأبيض… عربوناً يبدأ المتوّج به استئنافاً أوبامياً لذات البازار التصفوي… وخطوات أطلسة حصارها و تدويل مذبحتها!

… وللجميع تؤكد غزة… لا هدف حققه الأعداء سوى إنجاز التذبيح… يخبركم عن هذا حي الزيتون و حي التفاح، وملحمة واقعة تل الهوى… وهذا ما تنبئكم به جباليا و القرارة و بيت حانون و خزاعة… ألقوا عليها ما فاق قنبلة نووية في أسبوعين، وتقلّصت أهدافهم في الثالث، وفي الرابع هاهم يبحثون عن ثمة انتصار يعيد الإعتبار لآلة موتهم الهوجاء الهائلة العاجزة… تقدموا بضعة أمتارٍ فلاقوا إرادة عصيّةً على الإنكسار… غزة تصمد لتنتصر… لا تساوي غزة بين قمة غزة… قمة الحد الأدنى… قمة من مانع و تجنب شرخاً و لم يمنع فرزاً… وبين قمم التسويف التي تحيل مواقفها إلى الأخرى… وتفرّق بين من عجز أو تخاذل ومن تواطئ أو شارك… وهي إذ لا تنتظر ذيل فأرٍ من مخاض قمم خبرت، فهي إنما فضلت هزيل مردود تواضع على عار قعود قاتل… تراهن على صمودها و تظل تنتظر نصرة أمتها.