نواف الزرو
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1790)
السؤال الكبير الذي فرض نفسه على الاجندات السياسية والاعلامية بعد ان اتخذت الحكومة الاسرائيلية قرارها ب”وقف اطلاق النار بصورة احادية” هو:
لماذا اتخذت تلك الحكومة هذا القرار احادي الجانب…؟!
وبعد ان دخل “وقف اطلاق النار حيز التنفيذ -اسرائيليا-” اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي أولمرت ” بعد وقف الحملة العسكرية ما زالت لدينا طلاقة اليد للرد على الهجمات”.
اذن وفق الادبيات الاسرائيلية هذا هو المضمون الحقيقي للخطوة احادية الجانب “ان تبقى يد “اسرائيل” طليقة وان تحتفظ اسرائيل بمساحة مفتوحة من حرية العمل الحربي على اختلاف اشكاله في غزة او في الضفة…!.
وليس ذلك فحسب، فان حكومة اولمرت وبالاجماع لا تريد عمليا اي اتفاق مع حماس وغزة، يلزمها بالتهدئة الكاملة في غزة وفي الضفة معا، ويلزمها وهذا الاهم برفع الحصار و فتح المعابر وغير ذلك…!
وصفت بعض التحليلات القرار الإسرائيلي بوقف اطلاق النار من طرف واحد، بانه “مطب تنصبه اسرائيل لقيادة “حماس”/ سما / 2009/1/19″، وقد “وصفت اسرائيل بدولة ارهابية وهي لا تريد المزيد من العداء الدولي وبالتالي المزيد من القرارات الدولية التي تدينها وتحاول إجبارها على وقف النار، ولأن اسرائيل تخشى من أن تستغل «حماس» كل لحظة من أجل الفوز بـ «صورة النصر» تلك، قامت قواتها بتشديد الغارات الجوية والقصف المدفعي البري والبحري بتصعيد خطير، ” فلا تتركوا لهم مجالا للتنفس”، أمر قائد العمليات الحربية يوآف غالانت”، وبما “ان هذا الضغط الأعمى يسفر عن المزيد من الكوارث الانسانية لأهالي غزة، تريد اسرائيل أن تجد طريقة لوقفه، حتى ولو من جانب واحد، فتعلن انها أوقفت الحرب لأنها حققت أهدافها منها (استعادة قوة الردع وضمان مكافحة تهريب الاسلحة الى قطاع غزة)، فإذا لم تتجاوب حماس وواصلت القتال، فإن اسرائيل تستطيع ان ترد وتستأنف حربها وهي تقول: “لقد بذلنا كل جهد ممكن لوقف النار ولكن حماس هي التي تريد الاستمرار، واسرائيل تهدد فعلا بالرد على استئناف القتال بصورة أشرس في حالة خرق حماس لوقف النار، وكل ما تريده عندئذ هو أن تبدو حماس مذنبة في ذلك”.
ووفقا لتحليل آخر يبدو “أن المحرقة في قطاع غزة روت ظمأ مصاصي الدماء بعدما أوقعت أكثر من 6500 شهيد وجريح، فأعلنوا وقفاً مفخخاً لها/ الخليج-18/1/2009″، واعتبرت الحكومة “ان الحرب على غزة حققت ردعاً مقابل حماس وسكان غزة أيضاً”.
وحسب المصادر الاعلامية الاسرائيلية ، وفي السياق ذاته، وفي إطار جهود “إسرائيل” لتحسين صورتها ما بعد الحرب، “أقامت وزارة الخارجية الاسرائيلية مؤخرا طاقما خاصا مهمته تقديم توصيات حول سبل تحسين صورة إسرائيل في الغرب، كما أوكل الطاقم ببحث سبل منع إيران وحماس من إعمار قطاع غزة لمنعهما من تعزيز مكانتيهما في أوساط السكان الفلسطينيين/ عرب48 -15/1/2009 “، وفي الجانب الإعلامي تحديدا وتمهيدا لما بعد “وقف اطلاق النار -المزعزم-” أشارت التوصيات الأولية التي ناقشها الطاقم إلى أنها “تهدف إلى بث رسالتين، الأولى للعالم العربي مفادها أن “الردع الإسرائيلي تحقق، وأن إسرائيل لن توافق على تعرض مواطنيها للقصف”، وللعالم الغربي رسالة مفادها بأن “إسرائيل دولة ديمقراطية متنورة ولديها قيم شبيهة لقيم الدول الأوروبية”.
وفي ضوء ذلك – فان هذا القرار الاخير ب”وقف اطلاق النار احادي الجانب” يتيح لنا استحضار ما يمكن ان نسميه تراث القرارات والاجراءات والحروب الاسرائيلية احادية الجانب…!.
ويمكن ان نقول هنا ان فلسفة “الخطوات احادية الجانب” انما هي سياسة صهيونية/اسرائيلية هجومية مستمرة بلا توقف …ويمكن ان نتحدث في هذا السياق عن قرن كامل واكثر من الهجوم الصهيوني / الاسرائيلي احادي الجانب على الفلسطينيين والعرب…ولكن مع بالغ الاسف والخجل دون اي دفاعات عربية عن النفس والوجود والحقوق والكراة…؟!!!.
وقد انطلق هذا الهجوم على نحو ارهابي مبيت منذ ان تبنى المؤتمر الصهيوني الاول فكرة ومشروع “اقامة دولة اليهود في ارض اسرائيل” …وتتابع عبر الهجوم المسعورمن اجل السيطرة على الاراضي العربية ووظفوا في ذلك الانتداب البريطاني الذي وفر لهم الغطاء الكامل عبر “وعد بلفور” وعبر الميدان على الارض هناك في فلسطين .
واقترفوا خلال هذا الهجوم المتصل كافة اشكال الانتهاكات والجرائم والاستباحات لكل الخطوط والحرمات العربية / الفلسطينية، وكانت تتويجات ذلك كم هائل لا حصر له من المجازر الدموية الجماعية وسرقات الارض وتهويدها …مرورا بمشروع شارون -اولمرت للفك والتجميع والانطواء”، وصولا الى هذه المحرقة التي من المتوقع ان تتبعها محارق اخرى اذا لم يجد الجد عند العرب…!.
فالواضح تماما اذن اننا مقبلون على مدى السنوات القادمة ايضا على موجات اخرى من القرارات والاجراءات الاسرائيلية احادية الجانب، فهكذا اراد وخطط شارون ان تسير الامور مع الفلسطينيين…
وهكذا يريدها اولمرت وليفني وباراك، والمؤسسة الامنية / العسكرية والسياسية / الحزبية في معظمها …لدرجة ان هذه الفكرة تحولت لديهم الى فلسفة تحتل صميم الاستراتيجية الاسرائيلية الاحتلالية في مواجهة الشعب والقضية والحقوق الفلسطينية…
والحقيقية الموثقة في ادبياتهم هنا ان حروبهم احادية الجانب وخططهم الاستيطانية والسياسية انما تشكل ذروة حرب “الابادة السياسية” التي يشنونها ضد الشعب العربي الفلسطيني ، حيث انه – اي شارون – لم يخف ابدا نواياه واهدافه الحقيقية، كما لا يخفيها الثلاثي الحالي اولمرت-ليفني-باراك…؟!
ما يستدعي من الدول والانظمة والمؤسسات العربية على اختلافها اتخاذ مواقف حقيقية وجادة ومسؤولة وقومية تجاه ما يجري وفي مواجهة الخطة الاسرائيلية الحربية والاستيطانية والاعلامية احادية الجانب …
ولا يكفي هنا الاكتفاء بالتصريحات الرافضة والاستنكارية والتحذيرية بينما تمضي “اسرائيل” في هجومها احادي الجانب على الارض والشعب والوجود والهوية والسيادة والحاضر والمستقبل…اليس كذلك ….؟!!!!
nawafzaru@yahoo.com