مصطفى أبو سنينة – فلسطين
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1814)
آخر مظاهر ثقافة “أوسلو”، ظاهرة “الأكاديميات” التي نَسَلَتها منظمات الأنجزة التي لا تزيد كثيراً عن كونها مصالح عائلية لمن يديرونها. في أيلول القادم ستفتتح في رام الله “الأكاديمية الدولية للدراما” التي يقف وراءها جورج إبراهيم صاحب “مسرح وسينماتك القصبة” وبار “زان” الملاصق له. جورج إبراهيم مقدم البرامج المخضرم السابق في التلفزيون الإسرائيلي وقع اتفاقية مع جامعة فولكوانج الألمانية، التي ستمول هذه “الأكاديمية” التي من المقرر أن تبدأ بتدريس 12 طالبا وطالبة من “أراضي السلطة الفلسطينية”، ما يجعل إطلاق صفة “الدولية” عليها أمراً عجيباً. فهل من الممكن إنشاء “أكاديمية دولية” أو حتى “مخيم صيفي دولي” باثني عشر طالباً من جنسية واحدة؟!
ولا تتوقف المبالغة هنا، إذ تبدو صفة “أكاديمية” مفرغة من المحتوى، في ظل عدم توفر أكاديميين متخصصين في الدراما والمسرح، وأن الذين سيدرسون الطلاب هم من أصدقاء صاحب الأكاديمية من قليلي الأجرة والكفاءة! جورج إبراهيم الذي أسس “مسرح وسينماتك القصبة” بعد إتفاقية أوسلو بأموال يهودية غربية، سرعان ما جيّر المشروع لحسابه الشخصي وأغلب الظن أن “الأكاديمية” التي ستؤسس من المال القادم باسم الشعب الفلسطيني ستؤول إليه وإلى عائلته في النهاية مثلها مثل “مسرح القصبة”.
هذه المبالغات في المسميات، لها سوابق في رام الله، ففي أيلول 2007 بدأ التعليم في “الأكاديمية الدولية للفنون”، وأيضاً بـ 12 طالباً فلسطينياً يدرسون الفن المعاصر! وبطاقم يفتقر للخبرة الأكاديمية الكافية، إذ أن مدرسي تلك الأكاديمية هم أنفسهم أفراد “الشلة” التي استلمت “المشروع” من النرويجيين، الذين يسيطرون على الأكاديمية من خلال مدير نرويجي تابع لوزارة الخارجية النرويجية التي مولّت تأسيس الأكاديمية.
السيطرة النرويجية لم تقتصر على تعيين فنان نرويجي شاب يفتقر للموهبة يدعى هنريك بلاخت، بل تعدتها إلى اعتماد منهاج أكاديمي مستورد من النرويج. المجموعة التي أختطفت مشروع الأكاديمية نجد على رأسها سليمان منصور أبرز الذين يقومون منذ الثمانينات بمشاريع تطبيع بين فنانين إسرائيليين وفلسطينيين، كان من آخرها “جيل الصحراء: 40 سنة على الاحتلال” الذي أقيم في تل أبيب عام 2007 والذي لقي استنكاراً واسعاً ووقعت مجموعة من الفنانين الفلسطينيين بياناً ضده في ذلك الوقت.
لا يوجد رقابة من أية جهة فلسطينية على عمل مثل هذه “الأكاديميات”، ولا سيما “وزارة الثقافة الفلسطينية” في رام الله، التي بدلاً من قيامها بدور رقابي تواطأت مع أكثر المشاريع التطبيعية ضرراً بالثقافة الفلسطينية وخصوصاً في أيام “الوزيرين” ياسر عبد ربه ويحيي يخلف. حيث وفرت أيامها “وزارة الثقافة” الغطاء لبعض رموز التطبيع والفساد، من جورج ابراهيم الذي منحته “جائزة القدس” وجاك برزخيان الذي بدأ حياته منشطاً فنياً في “متحف إسرائيل” وشرّع مؤسسة المعمل التي يديرها في القدس للنشاط التطبيعي.. حتى وصوله للإمارات العربية المتحدة بوصفه مديراً لـ”بينالي الشارقة” حيث لم تنقطع نشاطاته التطبيعية!
والعجيب أيضاً أن بعض هؤلاء يتلقى معاشاً شهرياً من وزارة الثقافة الفلسطينية بشكل سرّي منذ عام 1994! وأولهم سليمان منصور الذي كشفت جريدة الأخبار اللبنانية بتاريخ (23-7-2008) أنه قدّم شهادة لمحامي إسرائيلي (هو محامي أرييل شارون) ضد الفنان الفلسطيني الكبير كمال بُلاطه وضد مجلة الدراسات الفلسطينية!
في بلاد أخرى ومجتمعات أخرى سيتعرض هؤلاء لمحاكمات وستتم محاسبتهم، ولكن في زمن الاحتلال الإسرائيلي ورموزه يتحكم هؤلاء بالثقافة الفلسطينية ومؤسساتها ويصبحون نجومها المتوجين!