كوتا ام ارستقراطية مطلوبة لاستكمال اكسسوارات المشهد؟

جمال محمد تقي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1828)

اكشون ـ مزاد بالسويدية ـ قالتها وهي تبتسم بسخرية، الصحفية ليليان العاملة في جريدة المدينة التي اقيم فيها، حيث نلتقي احيانا بطلب منها، عندما تنوي الكتابة عن موضوعات عراقية اوعربية شائكة، قالتها عندما حدثتها عن نسب الكوتا النسوية في البرلمان العراقي 25 %، وكيف ان برلمان اقليم كردستان زايد عليه بجعلها 30 %، في نفس الوقت الذي يحرم على المرأة الراشدة القيام باي عمل مهم دون اذن من ولي امرها، وبنفس الوقت الذي مازالت فيه عقوبة جريمة غسل العار مخففة الحكم لدرجة مهينة!

لقد سمعت مني استعراضا اجماليا لحالة المرأة العراقية بعد مرحلة مابعد صدام، التي يفترض ان شيئا من ” التحرير” قد شملها، بعد ان غمر التحرير العراق بالطول والعرض، ومنذ 9 نيسان 2003 وحتى الان!

قلت لها دعي الارقام تتكلم فانتم مولعون بها، بلاد البطالة فيها تصل الى نسبة 70 %، ونسبتها بين الشباب تحديدا 57 %، في مجتمع نسبة النساء فيه تجاوزت النصف بكثير.

ارقام الارامل بالملايين وكذلك الايتام، والمضطرين للهجرة مع عوائلهم الى بلاد الجوار ويعانون الامرين بالملايين ايضا.

بلاد الفساد فيها فائق اي تصور، بلاد ليس فيها نظام للتامينات الاجتماعية، للطفولة او لربات البيوت اوالعاملات في القطاع الخاص او الفلاحات او البدويات او الجبليات او الغجريات ناهيك عن العجائز والمعوقات وهذه الفئات تشكل نسبة اكثرمن 90 % بين نساء العراق، لان نسبة الموظفات والعاملات في مؤسسات الدولة اقل من 10 % من نساء العراق القادرات على العمل.

بلاد فيها اكثر من 740 الف عائلة دون معيل ” مرأة او رجل ” حسب الاحصاءات الرسمية، ونتيجة لخوف الحكومة من تحول هذا الموضوع الى سبب مباشر في الخلل الامني والاضطرابات الاجتماعية التي تفور، وتطفر بعض فقاعاتها على شكل مظاهر للزنى العلني والدعارة المنظمة بغطاء زواج المتعة ـ خاصة بمناسبات زيارات الائمة وما اكثرها ـ او بسهولة تجنيد الانتحاريات، او بالهروب الى دول الجوار والعمل باي شيء ممكن للحصول على لقمة العيش، فعملت على تكليف وزارة الشؤون الاجتماعية بصرف مبلغ شهري وقدره 50 دولار لكل امرأة لا معيل لها و12 دولار لكل طفل لديها. وقالت الوزارة لا قدرة لدينا لتقديم المساعدة للجميع، فقط نستطيع مساعدة العدد الحالي وهو 120 الف وهذا الرقم هو ثلث اجمالي العدد المسجل. ومن المضحكات المبكيات هنا انه وفي بعض المحافظات يطلب من المشمولات بالاعانة احضار ولي امر لاستلامها وفي حالة عدم وجوده يعرض عليهن بعض ناقصي الضمير والدين من موظفي الوزارة والمرتبطين بالاحزاب الطائفية نكاح المتعة كوسيلة لاستلام الاعانة، على اعتبار ان الناكح هو ولي الامر وبالتالي من حقه استلام الاعانة وتسليمها للمنكوحة المستحقة للاعانة!!

في بلاد حكومتها تحتضن عدداً من الوزيرات يقارب عدد زميلاتهن في الحكومة السويدية، في بلاد سجلت اعلى معدل تراجع في محو الامية ـ من نجاح في محوها تشهد عليه اليونسكو حتى مطلع الثمانينات الى ارتفاع باثر رجعي غير مسبوق ـ اكتفت ليليان بعد ان زودتها بتقارير من منظمات الشفافية الدولية والعفو الدولية والنزاهة الدولية والمفوضية الدولية العليا للاجئين، ومنظمة حقوق الانسان، وبعد ان جعلتها تشاهد فلما وثائقيا كانت قد عرضته محطة البي بي سي عن الاوضاع المزرية والمؤذية لعاملات الطابوق في حواشي المدن ـ اكثر من 16 ساعة عمل باجور لا تسد الرمق وبظروف عمل شبيهة بالقرون الوسطى ـ!

فئة “الارستقراطية ” النسوية في العراق تخدم من؟

كلما احتجت لاستعمال كلمة ارستقراطية تنط جملة ـ الارستقراطية القريشية ـ على شاشة تفكيري، وعندما حصل ذلك معي في هذا الموضوع ايضا اصريت على استعمالها والاستفادة منها، ماذا نسمي هند بنت عتبة زوجة ابو سفيان؟ اليست هي جزء من الارستقراطية الحاكمة في مكة وقتها، ماذا نسمي خديجة بنت خوليد كواحدة من اغنياء وتجار قريش؟ اليست هي واحدة من النخبة اياها، الجزيرة العربية كانت مليئة بالارستقراطيات حتى ـ سجاح التي تزوجت من مسيلمة الكذاب وكان اول زواج واخر زواج في التاريخ لنبي ونبية ـ كانت ارستقراطية، الخنساء ايضا كانت واحدة من الارستقراطية الحربية في قومها!

على مدى تاريخ العراق كانت هناك ارستقراطيات لهن مكانتهن وعزوتهن واملاكهن وامجادهن، منذ ايام دويلات المدن وحتى يومنا هذا، ويتضح من خلال التدقيق باساطير العراق القديم ـ الخليقة، وكلكامش، والطوفان ـ ان هناك بين الالهة ايضا من هن ارستقراطيات، خاصة وان المجتمع قد انتقل للتو من نظام العائلة الامومي الى الابوي، فآلهة السحر والغيرة والحسد كن من انماط ارستقراطية لا يحفل بها الا العالم السحيق بسفليته او علويته، اما آلهة الخصب والمطر والحب، فهي كعشتار آلهة للعامة وليست للخاصة!

راغبة خاتون وسارة خاتون، وما اكثر ـ الخاتونات ـ في بغداد والموصل والبصرة، هن ارستقراطيات مجتمعية حداثية، كان لهن ادوار مؤثرة، بحثت في جداول الكتاب الاول للعلامة المرحوم حنا بطاطو فلم اعثر على اسم حتى ولو لمرأة واحدة، لا في الحكم ولا في التجارة ولا في الحيازة، لكن ذلك لا يمنع من اعتبار ذكر العائلات التي كانت تملك اكثر من مليون دينار مثلا، كذكر جمعي، اي يشمل ارستقراطية كل عناصر العائلة رجالا ونساءا، وعليه فانهن وبحكم كون المجتمع محافظ وتحديدا ازاء المرأة فان ارستقراطيتهن مدغمة بارستقراطية العائلة، وعندما يذكر الجدول عائلة مكية مثلا فسيكون من الطبيعي شمولها على نساء العائلة ايضا، وهكذا الحال بالنسبة لعوائل فتاح باشا، والشابندر، والجلبي، ومرجان، والصابونجي، والصراف، وحافظ القاضي، والدامرجي، والدهوي، وقنبر والسربادي، وعندما تشير الجداول الى طبقة الحكم فتبرز اسماء تخضرم في مواقعها واغلبها في الاصل اما من النخب التجارية او العسكرية او الدينية او العشائرية او من كبار العائلات المالكة للاراضي الزراعية او من السادة والاشراف والنقباء، وهكذا هو سجل كل تاريخ الوزارات العراقية ومجلس النواب ـ طبعا في العهد الملكي ـ كعائلة المدفعي والسويدي ونوري السعيد وجعفر العسكري والسعدون وبابان والجاف وباش اعيان والهاشمي!

نعرف ان اول جمعية نسوية في العراق تكونت من نساء بعض العائلات الارستقراطية ـ زوجة نوري السعيد وجعفر العسكري واخت جميل صدقي الزهاوي، وغيرهن من نساء البيوتات المعروفة!

في العهد الجمهوري اختلف الحال، بعد ان كانت للحركات السرية بين الرجال والنساء دورها الفاعل بشحذ الوعي الوطني الطبقي، وبعد ان تراكمت التطورات التعليمية والصحية وازداد التفتح الاجتماعي وازدهرت احوال الطبقة الوسطى في المجتمع، وجاء النظام الجمهوري ليفتح الباب على مصراعيه امام تحولات دراماتيكية عاصفة ما زلنا نعيش تبعاتها!

كانت المناضلة نزيهة الدليمي اول وزيرة معينة في تاريخ العراق، وكانت رابطة المرأة العراقية منظمة جماهيرية تنتسب اليها اعداد غفيرة من النسوة ومن كل انحاء العراق، ولم تكن الرابطة نخبوية او فئوية او طائفية او محصورة بالعرب اوغيرهم كانت توحد كل النسوة العراقيات فيها العاملة والفلاحة والمدرسة والطبيبة والمهندسة وربة البيت، الكردية والتركمانية والصابئية والفيلية والمسيحية، واشتركت النساء بالتطوع لكتائب المقاومة الشعبية التي كانت عبارة عن هيئات مسلحة للدفاع عن النظام الجمهوري في بداية عهده وكانت تاتمر من قبل الحزب الشيوعي العراقي!

بعد انقلاب 63 انقلب الحال وعادت العجلة الى الوراء، رغم ان الحال بعد 17 تموز قد تغير وعادت الامال من جديد خاصة وان البعث كان قد رفع ذات الشعارات التي احبها الشعب بعد ثورته الاولى في 14 تموز 1958.وفعلا انتعشت الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، واستطاعت المرأة ان تحتل مواقع متقدمة في كافة المجالات وصدرت قوانين تقدمية لمصلحتها بالتزامن مع قوانين واجراءات مماثلة في مجال العمل والصحة والتعليم ومحو الامية والاصلاح الزراعي والنفط، وتقلدت المراة وزارة التعليم العالي ” سعاد خليل اسماعيل “، لكن المشكلة بقيت هي ذاتها مشكلة السلطة والتفرد بها والصراع عليها دون التسليم بان الشرعية الثورية تنتهي مهماتها بانتهاء فترتها الانتقالية لتحل محلها الشرعية الانتخابية باجواء من تكافوء الفرص المحمية من اجهزة الدولة المحايدة. هذه المعضلة جرت الويلات على العراق واهله واكلت كل المنجزات العظيمة المتحققة، وساعدت على تفاقمها العوامل الخارجية التي تتجسد بالاطماع الغربية والصهيونية والقوى التابعة لها في المنطقة، فانفرط العقد وعادت الديكتاتورية بابشع صورها، لكن شعبنا لم يستكين او ينسى حلمه المخطوف، وراح يقاوم رغم البطش والحروب والحصار، وكاد ان يثمر نضاله بتحول يهز العرش ويعيد العراق الى دروب البناء من جديد وباتجاه خبير هذه المرة، باتجاه سلطة مدنية محمية بقوة دولة المؤسسات وليس الافراد، لكن العدو الاكبر كان ينتظر لحظة حصاده الكبير ليخطف هو مباشرة هذه الامكانية، بغزو غاشم مدمر حطم كيان الدولة العراقية معتمدا على ذات الاعمدة الطائفية والعنصرية التي اراد تكريسها المحتل البريطاني سابقا، والنفط واخضاع امكانيات العراق وشعبه لخدمة مصالح امريكا واسرائيل هي الدافع لكل الذي جرى ويجري حتى يومنا هذا، فهذا هو حصادنا من وراء احتلال العراق وجعله تحت المضلة الامريكية!

الان وبعد ان قتل من قتل وهجر من هجر وسجن من سجن وتخفى من تخفى ليقاوم، وبعد ان راحت الاكثرية الصامتة ترقب الوضع وما يعزم عليه المحتل واعوانه، بدات تبرز نخب نسوية رسمية اغلبها من اللواتي يقمن في الخارج ومن عوائل ارتبط رجالها بعقود عمل مع الامريكان او منخرطات باحزاب وتنظيمات كانت معارضة وعادت الى العراق اثناء وبعد احتلاله بالاتفاق والتنسيق مع المحتلين، واشتركن بعمليته السياسية المنكحة على كل الطرق التي تؤدي لبقاء السلطة بيد من جاء مع الاحتلال طرق تشبه علاقات زواج المتعة والزواج الكاثوليكي والزواج على الطريقة الحنبلية!

كان ابريمر قد ركز على عمل القوى الناعمة ـ المثقفين، والتكنوقراط، والنخب النسوية، والاكاديميين ـ وخاصة من خريجي مدرسة المعارضة للنظام السابق اي من المستفيدين برغماتيا وبشكل مباشر من عملية غزو العراق واحتلاله، فخصص 80 مليون دولار لانشاء شبكة منظمات المجتمع المدني وفعلا تقدم بطلبات التاسيس ونيل المنح المئات من المنظمات الوهمية او التابعة للاحزاب المشاركة بمجلس الحكم وقد نالت ما سعت اليه من اموال نزلت بجيوب القائمين عليها اضافة الى المساعدات المقدمة من بعض مؤسسات الدول المانحة بحكم صلات قادة هذه المنظمات بدول اللجوء الاول!

عشرات المنظمات النسوية والخيرية الفاسدة، فهناك منظمة نسوية لحزب الحكيم وهي عضوة في مركز منظمات المجتمع المدني حالها حال منظمة شهيد المحراب وبعض المواكب الحسينية التي تعمل تحت اسماء مستعارة!

اسماء جديدة لارستقراطية جديدة.

رند رحيم عراقية الاصل امريكية الجنسية واول سفيرة للعراق في الامم المتحدة، لها اوسع العلاقات مع اللوبي الصهيوني هناك.

صفية السهيل، ابنت لاحد المعارضين السابقين والذي كان مقيما في لبنان واغتيل هناك من قبل مخابرات صدام، وهي متزوجة من بختيار امين وزير حقوق الانسان في اول وزارة شكلها ابريمر، وحاليا هي عضوة برلمان.

ميسون الدملوجي مهندسة تصاميم متجنسة في بريطانيا من جماعة معارضات لندن التي احتوتها السي اي اية منذ وقت مبكر.

شيرين برواري، جوان فؤاد معصوم، هيرو ابراهيم زوجة السيد جلال الطالباني وامرأة اعمال وهناك اسماء اخرى عديدة غير لامعة عند الحزب الاسلامي وحزب الحكيم وحزب علاوي والحزب الشيوعي!

نسجل هنا ان البرلمانيات المحسوبات على التيارالصدري وبعض من المحسوبات على حزب الدعوة كن اكثر مصداقية في مواجهاتهن لتردي الحالة من غيرهن، وهن لسن بارستقراطيات باي حال من الاحوال!

واخيرا وعلى طريقة احمد فؤاد نجم والشيخ امام اقول : لا كوتا نفعت ولا اونطة، ولا الكورة وجدل بيزنطة، الحرية يا اخوان مفهوم طبقي وتحرير ومساواة المرأة جزء لا يتجزء منه، وبما ان السائد الان في العراق هم طبقات طفيلية وكمبرادورية مدعومة بوجود امبريالي مباشر فان قضية المرأة وتحررها قد تراجعت الى الوراء بما لا يقاس عليه، وبوجود الكوتا او عدمه!