السعودية والولايات المتحدة: نهاية وشيكة لشهر العسل

د. مضاوي الرشيد

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1832)

دشن فوز أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حقبة جديدة في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط رغم أن الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأمريكية تظل مُرتبطة بمصالح الولايات المتحدة وحاجتها الداخلية للأمن والاقتصاد والرفاهية إذ أن ليس للولايات المتحدة أصدقاء دائمون وأعداء دائمون فسياستها ترسمها المصالح الكبرى للدولة ذاتها ولا تختلف الأحزاب الأمريكية على هذا بل هي تختلف في بعض جزئيات تنفيذ الأحلاف التي تخدم المصلحة العامة والإستراتيجية التي تضمن المصلحة العليا للطبقة الحاكمة الأمريكية والمرتبطين بها شعبياً.

وبما أن الأكثرية قد صوتت للحزب الديمقراطي يُعتبر نجاح أوباما ومشروعه السياسي الخارجي هو المسنود من قبل الأكثرية الأمريكية

وفي مشروع أوباما الجديد بتفاصيله القديمة بأهدافه المتصلة بالمصلحة الأمريكية العامة نجد أن هناك تركيزاً أولياً شاملاً لهذه الإدارة على الأزمة الاقتصادية وتبعاتها وكيفية معالجتها.

ومن هنا أصبحت السياسة الخارجية مرتبطة بفك طلاسم الأزمة التي بدأت في الولايات المتحدة وانتشرت بسرعة فائقة إلى بقاع العالم.

لقد كرر الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته السيدة هيلاري كلينتون أن الهم الأول والأخير هو معالجة الوضع الاقتصادي الداخلي وتجنيد السياسة الخارجية من أجل هذا الهدف.

ومن هنا أتت الزيارة الأمريكية للصين والتعاطي مع روسيا بشكل أكثر ليونة مما سبق من أجل تحقيق حشد المساعدة العالمية لحل أزمة أمريكية لها أبعاد عالمية مهمة.

ومن هنا نستنتج من خلال قراءة سريعة لتحولات السياسة الأمريكية أن الإدارة الجديدة غير قادرة على خوض حروب باهظة الثمن ومشاريع عسكرية فاشلة.

وكل ما تستطيع القيام به هذه الإدارة هو إستيعاب الأزمات وليس حلها وبذلك تستطيع ان تكرس جهدها للوضع الاقتصادي الذي يتطلب ضخ أموالاً طائلة في سبيل الخروج من الأزمة.

وقد تجلى ذلك واضحاً في رغبة الإدارة الأمريكية الملحة بإيجاد مخرج للازمتين العراقية والأفغانية. وقد حاولت الإدارة الأمريكية السابقة أن تجند السعودية في سبيل الوصول إلى حلول ولو آنية للمعضلتين ولكنها وجدت قدرة السعودية محدودة.

فهي فشلت في مُبادرات المصالحة بين الأطراف العراقية المُتناحرة ومحاولات الحوار بين كرزاي وطالبان والتي لم تنتج عن شيء إيجابي بل تزايدت ضربات طالبان والتي تسيطر الآن على مساحات شاسعة في أفغانستان رغم الوجود العسكري الأجنبي المكثف.

لقد أدركت الإدارة الأمريكية من خلال التجربة أن المؤهلات السعودية قاصرة على إعطاء النتائج المرجوة.

وهذا أيضاً ينطبق على أزمتي لبنان وفلسطين وفي كلتيهما لم تستطع السعودية أن تحتضن حواراً يؤدي إلى نتيجة مقبولة أمريكياً.

ويبدو أن الإدارة الجديدة اكتفت بإنجازات النظام السعودي المحلية والتي استهدفت القضاء على التيار الجهادي ولو في المرحلة الحالية وكذلك إنجازاته على صعيد التغيير الديني الذي فرضته عليه كإصلاح النظام التعليمي والانفتاح المزعوم على الأديان وتحجيم التيارات الدينية وتقليم أظافر الهيئة المشهورة وبعض التعديلات القضائية التي ستؤدي إلى تقنين الشريعة وإنهاء للاحتكار المفروض عليها من قبل أعضاء المؤسسة الدينية.

وقد اقتنعت الإدارة الأمريكية من أن إدخال السينما والمسرح خير وسيلة لمكافحة الإرهاب في الأمد البعيد مع استمرار عمليات القمع والإرهاب المركزي الذي يخلط الحابل بالنابل ويحد من الحراك السياسي ويفكك قدرته على المواجهة والذي تقوم به أجهزة الدولة المختلفة الثقافية والدينية والإعلامية والأمنية.

واستجابت الدولة لدعوات إبراز العنصر النسوي على مسرح الأحداث فساقت النساء إلى مؤتمرات عالمية ومحافل اقتصادية وثقافية وتوج التوجه الجديد بتنصيب امرأة في مركز نائب وزير لتحظى بذلك الدولة باهتمام إعلامي عالمي يكرس أسطورة الإصلاح المزعوم.

فمن وجهة نظر الإدارة الأمريكية قامت السعودية بالدور المطلوب وانتهت قدرتها على تقديم المزيد ومن هنا جاء تحول اهتمام الإدارة الأمريكية إلى الشأن الإيراني والذي قد تنخرط به هذه الإدارة من باب إعادة تفعيل الدور الإيراني في المنطقة.

لن تستطيع الإدارة الأمريكية أن تقلص هذا الدور أو تلغيه لأن الوقت قد فات ولا يمكن تحجيم إيران في هذه المرحلة.

لذلك نجد أن خيارات أمريكا هي احتضان الدور الإيراني حتى لو أقتضى ذلك فتح حوار علني مع إيران وحلفائها.

وهنالك حديث يجري حالياً في أروقة مراكز الأبحاث التي تقدم النصائح للإدارة الأمريكية عن أهمية تجاوز الشخصيات القائمة على الشأن الخارجي في إيران والتوجه مباشرة إلى المرشد العام.

ورغم وجود صعوبات يجب تجاوزها قبل أن تبدأ حلقات الوصل والاتصال إلا أن بعض النصائح تتضمن مثل هذه الخطوة.

ولن تفعل أمريكا ذلك إلا لأنها فقدت إيمانها العميق بحليفها القديم وهو الطاقم السعودي الحاكم والذي قد يوضع على الرف خلال الفترة القصيرة القادمة بينما تنشغل أمريكا في احتواء إيران والتعجيل في التقرب منها في سبيل المساعدة في تهدئة البؤرة الساخنة الخطيرة في أفغانستان.

ومما يعجل في المحاولات الأمريكية هو كون باكستان الحليف القديم أيضاً ربما يحتاج إلى إعادة نظر في قدراته وأهميته للسياسة الأمريكية.

لقد تحولت السعودية اليوم إلى عامل غير فعال بل هو من منظور الإدارة الجديدة يشكل عبئاً ثقيلاً عليها أمام جمهورها المحلي، وبما أن الاقتصاد العالمي اليوم قد فقد شهيته وشجعه اتجاه استهلاك النفط والذي تهاوت أسعاره منذ الصيف الماضي حيث تعتبر الولايات المتحدة توفر هذه السلعة ليس بالأمر المهم الذي يحتاج إلى ضغط على السعودية من أجل زيادة الإنتاج طالما بقي الاستهلاك منخفضاً تحت ظل الأزمة الاقتصادية العالمية.

وقد استبق النظام السعودي سيناريو تهميشه لصالح إيران من قبل الولايات المتحدة عندما نشر تركي الفيصل رسالته إلى الإدارة الأمريكية على صفحات ‘الفايننشل تايمز’ ولم تكن هذه الرسالة إلا نداء استغاثة من غريق يهدد ويتوعد بسحب مُبادرات قديمة ونفاد صبر أمام عدم مُبالاة عالمية بأهمية المشروع السعودي للسلام.

وما الاستفاقة السعودية المتأخرة والتي بدأت بعد مؤتمر الكويت وتمخضت عن رحلات مكوكية بين عواصم عربية إلا محاولة بائسة لحشد العرب الذين وقعوا في خانة العداء للسعودية والجفاء والقطيعة مع مشاريعها السابقة.

وإن كانت الإدارة الأمريكية الجديدة تخطط لعملية تقارب مع إيران من أجل استيعاب الأزمات في أفغانستان أولاً وفلسطين ثانياً ستجد السعودية نفسها الحليف المنبوذ والمجمد حالياً.

وليس من الغريب أن تشعر بحالة رعب عبرت عن نفسها من خلال رسائل العتب المبطن حيناً والتهديد والوعيد بالتراجع عن الاعتدال المعروف عنها والتهدئة السابقة حيناً آخر.

وليست الولايات المتحدة الوحيدة في موقفها من السعودية الذي يبتعد عن الود المعهود سابقاً، بل إن بريطانيا هي أيضاً تمر بحالة مُراجعة لمواقفها حينما صرحت بفتح باب الاتصال مع الجناح السياسي في حزب الله وربما يكون ذلك من باب الغزل غير المُباشر مع إيران وليس من باب المحبة الفجائية.

السياسات الخارجية للدول الغربية لا تقوم ولم تقم يوماً على مبادئ ثابتة بل هي تعتمد على استراتيجيات متنوعة ومتضادة بعض الأحيان حسب مبدأ النفعية وإن كان لها مبدأ واحد فهو مبدأ الحفاظ على المصلحة القومية وإن اختلفت استراتيجيات الأحزاب المُتناحرة والمُتنافسة.

وكما تحالف تشرشل مع من أسماه بالشيطان ويقصد هنا ستالين وآخر اسماه صليب اللورين ويقصد بذلك ديغول من أجل مصلحة بريطانيا تحت ضغط الحرب العالمية الثانية ومواجهة النازية سنجد أن الولايات المتحدة والتي لا تربطها علاقة ود أزلية مع إيران أو السعودية قد تكون مُستعدة لأن تختار الحليف المُناسب في اللحظة المُناسبة.

وعلاقاته أقرب ما تكون بزواج المتعة وليس الزواج الكاثوليكي ستنتهي مدة أحدهما في المستقبل القريب ويتم بعد ذلك الانخراط في عقد جديد.

وفي مواجهة هذا الوضع ما هي خيارات النظام السعودي الذي أدى مهمته أمام الدولة الحامية للعرش؟

ليس للمحميات خيارات مصيرية ولكن هناك بعض الخطوات التي ممكن أن تقدم عليها الأنظمة الضعيفة أمام دولة كبيرة كالولايات المتحدة وإيران أهمها هو تبين الخطاب التصادمي مع الولايات المتحدة من خلال رسائل الأمراء لواشنطن تماماً كما حصل أو تجييش الشارع المحلي وفتح المجال أمامه من أجل الفضفضة السياسية عن طريق التلويح بشعارات العداء وقد تلجأ السعودية إلى لعبتها المعهودة التي تغازل بها الغرب وهي ‘اكتشاف’ أسلحة مخبأة هنا وهناك وأوكار إرهابية في البيوت والأزقة ومن ثم إصدار لوائح للمطلوبين.

ولن نستغرب أن هي أعلنت عن اكتشاف خلايا مسلحة تربطها علاقات مع القوة الأخرى على شاطئ الخليج المُقابل.

مثل هذه الإعلانات كفيلة بإرسال ذبذبات خفية للأجهزة الغربية التي ترصد الوضع السعودي بشكل متواصل وعميق وتجعلها تتكهن بمستقبل منابع النفط والتي لا تزال مهمة رغم انخفاض الطلب حالياً.

صعود إيران إلى هرم الاهتمامات الأمريكية كعضو فعال في تهدئة الجبهة الأفغانية حالياً واعتماد الجيش الأمريكي على النفط الإيراني المصدر إلى هذا البلد هما بداية لدخول الطرفين في عملية حوار لن تكون مبنية على الحب والمودة وإنما على مصالح مشتركة.

لقد فرضت إيران نفسها على الساحة ولها اليوم الخيار في أن تدخل في علاقة ولو محدودة وآنية مع الشيطان الأعظم بينما فقدت السعودية هذا الخيار منذ زمن بعيد وليس لها سوى أن تنتظر تجديد علاقة مشبوهة قائمة على وصال مرحلي لم تباركه شرائح اجتماعية وأطياف مُختلفة في الداخل السعودي.

كاتبة وأكاديمية من الجزيرة العربية

http://www.madawialrasheed.org