نبش قبور القادة

عبد الستار قاسم

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1839)

وسائل الإعلام الأردنية مستاءة جدا من المعلومات التي قدمها السيد محمد حسنين هيكل على قناة الجزيرة في برنامج “مع هيكل” حول ارتباط الملك الراحل حسين بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وإسرائيل. إنها تهاجم قناة الجزيرة وكذلك هيكل لأنهما يعملان على بث الفتنة، علما أن المعلومات الواردة ليست جديدة وهي معروفة منذ سنوات، واعترف النظام الهاشمي بها على الملأ.

المشكلة هي في الحديث عن الفتنة. هل المفتن المفسد الذي يقوم بعمل الموبقات واقتراف المحرمات ويتآمر مع الأعداء، أم الذي يتحدث عن الشخص الذي يقوم بها أو يقترفها؟ في الوطن العربي، المفتن هو الذي يحاول فضح المفسدين الذين ينهبون ثروات الشعوب ويتآمرون مع الأعداء ويبيعون الأوطان، ويجرون دائما وراء شهواتهم على حساب الفقراء والمساكين. بينما في الحقيقة أن قادة العرب هم المفسدون الفاسدون المفتنون الذين يوظفون أموال الشعب ووسائل إعلامه ومقدراته من أجل مصالحهم الشخصية ومصالح بطانتهم من المنافقين ومصالح أعداء الله والأمة. ومن العار على عربي أن يسكت على الحقيقة وألا يجاهر بالحق وبصوت قوي. صحيح أن أجهزة أمن القادة قوية وتبطش، لكن هذه الأمة لا يمكن أن تنهض ما دام الناس يستكينون أمام إرهاب الأنظمة وإرعابها.

ساد فقه إسلامي خاطئ يقول بأن القبول بالظلم والظالم أفضل من مواجهتهما من الناحية الشرعية لأن المواجهة تقود إلى الفتنة. هذا فقه يندرج تحت باب تعليم الناس الخنوع والذل والاستسلام، وهو من صناعة المنافقين من رجال دين السلاطين. الفتنة في الإسلام هي أن تسكت على الظلم لأن في ذلك ما يشجع الظالم على مزيد من الظلم مما يؤدي إلى مزيد من التدهور في حال الأمة. الأصل في الإسلام أن تواجه الظلم فورا حتى لا يستشري، وأن تقف في مواجهة الظالم حتى لا تأخذه العزة بالإثم. الفتوى الصحيحة هي أن السكوت على الظلم ظلم، ومحاباة الظالم فتنة. المنافقون من القائمين على وسائل الإعلام والذين يزينون للناس أعمال أنظمة العرب وقادتهم هم المفتنون المساهمون في تخلف الأمة وانحطاطها.

حكام العرب لم يطغوا في الأرض ولم يبغوا إلا بمساعدة رجال دين لا يعرفون الله، وبمساعدة متعلمين من أصحاب الشهادات العليا والخبرات الطويلة الذين اختاروا النفاق على حمل الأمانة.هؤلاء نراهم دائما ينبرون للدفاع عن الحكام المهزومين الذين جعلوا الأمة مطية للأعداء، وقبلوا بإسرائيل، وأحنوا ظهورهم ورقاب الأمة للأمريكيين، ونحن نراهم على شاشات التلفاز ومختلف وسائل الإعلام يعملون على تجميل القبيح، وتبرير الهزائم.

الملك حسين ومن أتى من بعده ليسوا فوق الشبهات، بل هم فيها غارقون. هذه الأمة ليست متخلفة في مختلف المجالات بفعل قوى سحرية، ولم تنخر عظامها الهزائم بفعل قوى خارجية، وإنما بفعل قادة شهوانيين متآمرين عجزت جماهير الأمة عن إسقاطهم.

تغضب أنظمة العرب دائما على قناة الجزيرة، ولا يوجد وسيلة إعلام عربية حازت على نقمة الأنظمة العربية أكثر من الجزيرة. أنظمة مصر والأردن والسعودية والمغرب والسودان والسلطة الفلسطينية وغيرها لم تخف هذه النقمة. وإن دل هذا على شيء إنما يدل على أن القناة تقول حقا حول هذه الأنظمة، ولو لم تكن لكانت ردود الأنظمة هادئة وعلمية خالية من الهوجائية. وواضح أن الحكام العرب يكرهون الحقيقة، ويكرهون بالتأكيد من يحاول أن يوصلها أو بعضها لجمهور الناس.