اليهود والأغيار: الصراع الأبدي بين “سرّ الخير” و”سرّ الشرّ”

أحمد أشقر

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1840)

سمو يِسْرَءِل [اليهود] وقضية الشتات

سعدي جرامِه

ليكوود، الولايات المتحدة الأمريكية

الطبعة الثانية، 2003/ 110 صفحات بالعبرية

تعتبر العلاقة مع الآخر، الحياد../ التعاطف/ الحبّ../ الكراهية، إحدى محركات إنتاج الهوية، فردية كانت أم جمعية. قد تكون هذه العلاقة مبنية على مستندات واقعية: كلون البشرة وطول الفرد ووزنه ومستواه الثقافي والمادي وقوة وضعف الجماعة التي ينتمي لها الفرد أو الأفراد. أو أيدلوجية متخيلة: كالانتماء إلى عرق أو دين أو طائفة أو مذهب معين، دون المستندات الواقعية. إذ تعتبر العلاقة (الهوية) التي تستند إلى المحركات الأيدلوجية، التي هي الأعقد والأخطر بين هذه المحركات؛ حيث يغيب عنها الواقع (العقل)، ويحل محله الخيال والمتخيّل (الأيدلوجية)- إذ لا حوار ساعتها، بل حواجز من الشعور بالفوقية أو الدونية، والكراهية والضغائن، وصراعات وحروب..

الكتاب الذي بين أيدينا، يتحدث عن العلاقات التي تبنى على الوهم والتخيّل الأيدلوجي: العرقي والديني. يقول: “كم طهارة القلب ونظافة المعرفة مطلوبة لمعرفة حقائق وجهة نظر التوراة[i] على حقيقتها […]” (ص 5). أي أن فهم التوراة فهمها حقيقيا، لا يتطلب الإلمام بتاريخية وأسباب تدوينها، وفقه لغتها وخطابها، وسيكولوجيتها، والوقوف على فهم وشرح الأقدمين لها، وفهمها على ضوء الواقع المعيش، بل إلى “طهارة القلب ونظافة المعرفة”، فالطهارة والنظافة ليسا بحاجة إلى الواقع- العقل، بل إلى المتخيّل- الوهم. وعلى امتداد صفحات الكتاب جميعها، سيكدس جامع الكتاب ومحرره، “سعدي جرامه”[ii]، أمامنا الشعارات، دون أن يحاول تقديم سبب عقلاني واحد عن الفرق بين اليهود والأغيار. “[…] فَهْمُ سموّنا على بقية أمم العالم، هو مقدمة لكل التوراة، وقبول التوراة المقدسة يجب بالذات من خلال هذا التوجه!” (ص 7)، يقول الكتاب.

تكمن أهمية الكتاب، لأنه يستند إلى التراث اليهودي الكلاسيكي، وآراء ومواقف كبار الفقهاء في العصر الحديث، الذين ذكرهم بالاسم. وقد صدّر الكتاب بتوصيات ستة من كبار الفقهاء- غير الذين يستند إلى أرائهم- في المجتمع الأصولي اليهودي. وفي عرضنا هذا لن نقوم بذكر أسمائهم، لأنها لا تعني شيئا للعرب أو غير المختصين بالفرق واللاهوت اليهوديين المعاصرين. ماذا يعني إذا قلنا مثلا: العبقري من فِيلْنا، أو/ وراغب الحياة، أو/ والرؤية رجل السلام؟! فجميعهم أصحاب طرق في المجتمع الأصولي/ “حَرِدي” ولهم مئات آلاف المريدين والأتباع والمحبين في أصقاع الأرض قاطبة. ولأنه أيضا يصف اليهود بأتباع “سرّ الخير” والأغيار/ goyem بأتباع “سرّ الشرّ”. فإذا كانت المانوية تعتبر الصراع بين الخير والشرّ أبديا (فكرة جديرة بالتمعن)، فإن الكتاب (اليهودية) تعتبر الصراع بين اليهود الأخيار، والأغيار الأشرار صراعا أبديا!! والأهمية الأخرى للكتاب أنه صدر طبعتين على التوالي بسنة واحدة في الولايات المتحدة الأمريكية، دون أن يقوم أحد بنقاشه أو ردّ عنصريته إلى حامليه وراعيه!! والكتاب- على ما يبدو- ليس موجها بالأساس إلى طلبة المدارس الدينية الأصولية والتقليدية والإصلاحية، بل إلى القراء العاديين؛ إذ يمكن استنتاج هذا من مستوى لغته وخطابه السهلين، على خلاف من الكتب الدينية الأخرى، التي تعتمد العبرية التوراتية والآرامية والييدش لدى الفرق والطوائف الأشكنازية الغربية، إلا فيما ندر.

يمكن تقسيم الكتاب على خمسة محاور. ولن نقوم بسجال آرائه بتاتا! بل سأضيء على بعض الأفكار والنقاط، التي تبدو لي-على الأقل- غير واضحة بما يكفي لدى بعض القراء، والتي أعتبرها مهمة.

الأول- الفرق اليهود والأغيار جوهراني ، وراثي- إيماني:

يؤمن الكاتب أن الإنسانية وبعد الخطيئة الأولى انقسمت إلى يهود وأمم العالم. فاليهود كانت حصتهم “سرّ الخير”، وبقية أمم العالم كانت حصتهم “سرّ الشرّ”؛ “وهكذا انقسم العالم لسبعين أمّة- سبعون أمة نامية من سبعين جذر، وكل واحدة حسب قانونها وطبعها. ولكن الجانب المشترك في جميعها، أن كانت من الناحية الإنسانية سافلة(أو دونية)، وفي مقابلهم وقف جذر من الناحية الإنسانية بسموّه- ءَبرهم/ إبراهيم أبونا، وشجرته النامية منه- جماعة يسرَءِل- من الناحية الإنسانية بسموّها”. ويضيف: إن كل “جوهر الأمم هو الشرّ”. وهذا الشرّ يستند إلى التوراة: “جذر الشرّ في عيسو هو القتل، وجذر الشرّ في عمون وموءب هو الزنا ، وجذر الشرّ في يشمعـءل هو السرقة […]”. وإن أرادوا أن يتخلصوا من هذه الصفات ما عليهم إلى قبول التوراة، “لأن قبولها هو تناقضا مطلقا لواقعهم”. ويلخص وجهة نظره قائلا: “[…] اليهودي ليس goy طيّب، اليهودي هو نوع سامي أكثر، أخر مختلف كلية عن الـ goy، جنسان منفصلان كليّة”. إلا أنه يعترف أن بين الأغيار فيما بينهم فروقات معينة. فجميع الأغيار- ما عدا الـ”عَمَلِق/ العماليق”- فيهم من الشرّ والخير، أي بإمكانهم تحويل الشرّ على خير، مثلا: “الغضب- للانتقام من الخطاة، والقتل- أن يكون جزّارا أو مُطَهّرا […]”. أما “العماليق”، الذين هو أبناء البلاد الأصلية، “أرض كنعان”، التي أِحتلها “بنو يسرءل” عندما خرجوا من “مصريم/ مصر”، فأساسهم “شرّ بدون جانب خير” (ص 16- 22). أي أن الفروقات بين اليهود والأغيار جوهرانية ولا تتغير أبدا. وإن تغيرت فيجب أن تتغير في اتجاه تطبيق شرائع التوراة، وليس باتجاه بناء مجتمعات تعاونية وتشاركية وتسامحية أكثر.

الثاني- الحروب الأبدية بين اليهود والأغيار:

بما أن الإنسانية: اليهود والأغيار، نقيضين، فهذا يحتم أن يصبح الصراع والحروب بينهم أبدية. وهذا الصراع فيه منتصر واحد: “لذا لا يمكن أن يكون نصرا لجموع يسرءل وأمم العالم سوية، فإذا انتصر واحد وانتعش من الضرورة أن الثاني لا ينتصر ويسقط”. أي الصراع والحروب بين اليهود والأغيار هي حرب لا مناص ولا مفرّ منها، أي واقعا أبديا، “لأن جذرها هو الحرب بين قوى الخير وقوى الشرّ”. وعندما يتحدث عن الحروب والصراعات بينهم وبين الأغيار، فإنه يعتبر سببها “الاغتصاب والسيطرة”، وعندما تتوقف الأسباب، تتوقف الحرب. أما الحرب بين اليهود والأغيار فهي أبدية (ص 23- 27). بكلمات أخرى: لا فرصة للتعايش أو التعاون أو الهدنة أو أي من قبيل الهدوء والتسوية الممكنة بين اليهود والأغيار. فمثلما صفات الأغيار شرّ جوهراني، فإن الحرب مع الأغيار أبدية.

يدخل الكاتب حقلا مليئاً بالألغام لدى اليهود، إلا أنه وكسائر المتدينين اليهود لا يتردد في دخوله، ألا وهو: النازية. يقول: “جماعة يسرءل [اليهود] هي جماعة تاريخية لإله الروح، ومقابلهم الشعب الألماني الذي هو شعب اختيار جديد الذي انتقل إلى إله الطبيعة، لذلك لا يمكن أن يتصالح الفريقان هذا مع هذا”. بكلمات أخرى: استعار الكاتب من الأيدلوجية النازية صفات كي يثبت تفوق اليهود على بقية الأمم/ “الأغيار”. بمعنى آخر: تبنى النازية بحذافيرها، إلا أنه وبدلا من أن “يقرّ” بتفوق الشعب الألماني على بقية الشعوب، واليهود تحديدا، كما هي الأيدلوجية النازية ، فإنه يعتبر بتفوق اليهود على الألمان، ليس وحدهم، بل على بقية الأمم/ “الأغيار”. ويضيف مقويّا الإدعاء النازي، إلا أنه مقلوباً هذه المرّة أيضًا، فيقول: “هذه هي القضية: حرب الأمم بيسرءل [اليهود] هي حرب عميقة وداخلية، حربّ الشرّ بالخير، يحاول الشر جاهداًً إهانة واقتلاع الخير”. لذلك، “الهتلرية حالة طبيعية ولا عجب منها”. وينهي مؤكدا: نعود [ونؤكد]، إن كل حروب الأمم بجماعة يسرءل [اليهود] هي حرب قوى الشرّ ضد قوى الخير، النجاسة ضد الطهارة، هذه هي مقومات الحرب وليس غيرها!”. بكلمات أخرى يقول: جميع الأمم/ الأغيار نازيّون، إلا أن الفروقات بينها هو شدّة الكراهية والرفض لليهود (ص 26- 28). أي أنه لا يميّز بين بقية الأمم والألمان النازيين الذين “أبادوا” اليهود بحسب الادعاء اليهودي “الإسرائيلي” الرسمي. فكل من هو آخر، فهو نازي! وسيتكفل به الـ”مشيح” كما سنرى.

الثالث- انعزالية وتمايز اليهود عن الأغيار:

إذا كانت الصراعات والحروب بين اليهود والأغيار أبدية، فلا بدّ إذاً من تجنبها قدر الإمكان. وتفاديها ليس معناه البحث عن سبل التعاون والاشتراك معهم في سبل العيش المختلفة، بل بالانعزال عنهم. فـجمع منعزلا- وليس وحده كما يرد في الترجمات العربية- يسكن”- كما يرد في التوراة -، ليس معناه السكن في مناطق خاصة والتميّز بالملبس والمأكل والعادات، لكيّ يحافظوا على تميّزهم وتمايزهم، بل لأن: “مثل أي إنسان سويّ فإنه لا يقلد عادات ونمط حياة الحيوانات والبهائم، كذلك اليهودي السويّ بيهوديته فإنه لا يقلد عادات ونمط حياة “الأغيار”/ الـgoyem“، والأغيار حيوانات سيئة” بطبعهم. وما لباسهم وعادهم وأدبهم وأخلاقهم إلا غطاء لهذه “الحيونة”. ألا يوجد أسبابا لذلك؟ دعونا نقرأ الجواب: “الحقيقة هي، أن لا إجابة على هذا، ولا يوجد توضيح. السؤال نفسه هو الجواب، وعدم الفهم هو التوضيح.- من هنا نتعلم معرفة الوجه الحقيقي للجوي/ الـ goy، لا يوجد جوي حصيف! كل حكمتهم وأخلاقهم ليست إلا قناع ، ظاهري يُخفي ما بطن. في الداخل- الجوي هو حيوان سيء، واقعه- قاتل ومفسد. ولا فرق بين جوي ألماني لجوي أمريكي أو إنجليزي، كلهم سواء من فَرْعُه/ فرعون إلى آخر الجالس خلف حجار الرحى. خطأ كبير هو أن نعتقد فقط النازيين يقطع نسلهم مستعدين لإحداث دمار مرعب كهذا، كل الأغيار مستعدين لذلك […]”. ورغم موقفه السلبي تجاه الآخرين الأغيار وقدحه وكراهيته ولهم، فإنه يحملهم مسؤولية العداء لليهود قائلا: “نعرف أن كراهية أمم العالم ليسرءل هي كراهية ثابتة منذ أجيال، التي تشمل كل الأمم وكل الدول في العالم، بدون استثناء […]”. فالشعور بالمطاردة وعداء الأغيار لليهود هو الضمان لبقائهم، لذا يوصي اليهود قائلا: “لا تتمردوا عليهم” (ص 35 – 60) . هنا يؤكد للمرة تلو المرّة، أن عداء الأمم لليهود جوهراني، على الرغم من أن الأمم لا تؤمن (بالشكل المقلوب) بأيّ من هذا القبيل عن اليهود!

وعندما يتحدث عن الأعمال الإيجابية والحسنة التي فعلها بعض الأغيار لليهود، فإنه لا يعزِي هذا إلى حسن أخلاقهم قط، بل يؤكد قائلا: “وإذا وجدنا بين الأغيار أية قيادة طيبة أو أي شيء حسن، هذا ليس إلا من قوة تأثير التوراة” (ص 50). أي لا طيبة في نفوس ووعي الأغيار، الطيبة هي توراة اليهود ومن أجل اليهود فقط! فالأغيار لا يفعلون الأفعال الحسنة من خلال وعيهم لواقع أفضل، بل من شدة تأثير التوراة. فالأغيار ليسوا كائنات حرّة واعية لمصيرها!!

الرابع- الحق في فلسطين:

يعترف الكاتب أن العرب هم نسل “يشمعـءل/ إسماعيل بن أبينا ءبرهم/ إبراهيم”. لذا يختلفون عن بقية الأمم/ الأغيار. فبقية الأمم “حيوانات”، أما العرب فهم: “حيوانا وحشيا بشريا”، كما يرد في سفر التكوين 16: 12. أي أنهم أعلى مرتبة من بقية الأغيار، وذلك لأنهم يُختنون، وكل من يختن “له حصة في ملكوت السماء”. لأن الاختتان يهوديي الأصل. وبما أن الوعد- الوعد بأرض كنعان- أعطي “لأبينا ءبرهم/ إبراهيم”، فإن للعرب الحق فيها أيضًا، لأنهم نسل ابنه البكر “يشمعـءل/ إسماعيل”- إلا أن وبعد أن خُصّص العهد بـ”يصحق/ إسحق”، “شريطة الحفاظ على الشرائع والقيام بها”، وإذا لم يتم تنفيذ هذا فإن الوعد المخصص لنسله يصبح باطلا؛ فإن العرب، “اليشمعـءليم”، قد تم سحبهم من العهد، وتمت تصفية حصتهم في وطنهم كنعان. وبطبيعة الحال لن يقبل العرب بهذه النتيجة. لذا فإن الصراع على “أرض يسرءل”، أي فلسطين، يستمر وسيدوم. ولن تحسمه الحروب ولا المراكب ولا الخيول، “من أجل طرد العرب منها”. فنتيجة الحرب ستحسم تكثيف العبادة وإقامة التوراة وشرائعها. بداية يخرج الكاتب من لاهوته.. الظلامي إلى الحيّز المعيش؛ فيقول عن تحرير العرب لقبر يوسف في نابلس في بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، هو إشارة إلى “الأساس” في بداية حرب العرب ضد اليهود. وهذه إشارة من السماء.. ومن هنا تأتي أهمية ولادة “يشمعـءل/ إسماعيل” ونسله وتكاثرهم في البلاد. يقول: “هنا يتضح أن جوهر ولادة يشمعـءل ومجيئه للعالم وتكاثر نسله، الكل لهدف واحد، ضغط يسرءل للصلاة لله سبحانه وتعالى […] نحن موعودين أن الله سبحانه وتعالى سيسمع صلواتنا ويستجيب لنا!”. ومن كان يعتقد أن العرب سيهزمون أمام صلوات اليهود، أو أن يتهوّدوا فقد أخطأ، لأن ما من حلّ سلمي على هذه الأرض، بدليل قوله: “[يقول سبحانه وتعالى] أرسل غضبي وغلياني في الأغيار الذين يضايقونهم [اليهود] وأقضي عليهم مثلما تقضي النار على الأشواك وحقل البور سوية […]”. (ص 86- 97). بمعنى أن الله خلق العرب: ليس أسوة بسائر خلقه، بل من أجل أن يضغطوا على اليهود وينجسون عيشتهم، أي يؤدون وظيفة لليهود، لكي يكثفوا من صلواتهم وعباداتهم للفوز بأرض فلسطين. أي أنه عزّ شأنه وحاشا قدره يعمل خادما عند اليهود!!، وبطبيعة الحال لم تحسم ولن تحسم الصلاة والعبادة أي معركة قومية، هذا ما يقرّ به الكاتب.. لذا سيقوم “الله سبحانه وتعالى”- إله اليهود طبعا- بتوجيه غضبه وعنفه تجاه العرب. وعنف إله اليهود كنّا قد تعرفنا إليه في التوراة.. إبادة كل كائن يتنفس في “يريحو/ أريحا”، عل سبيل المثال فقط!!

الخامس- شتات أمريكا والخلاص:

من يعتقد أن اللاهوت اليهودي يتحرك في فلسطين والبلاد من “النيل إلى الفرات” فقد أخطأ! يقول الكاتب ما يلي: “[إن] شتات أمريكا- المسير الأخير لجماعة يسرءل قبل الخلاص”. والشتات بالنسبة له، هو “القبر”، وأمريكا رغم “ديمقراطيتها” فهي الأخرى قبر. لأن أمريكا الديمقراطية لا توجد قوانين وحدود شرعية؛عندما تنعدم القوانين والعقبات- كل واحد يبحث عن المُتَعِ، وطرق تحقيقها، بدون مانع ومعيق. هكذا تبدو اليوم الصورة بكافة دول العالم”. والواقع ما يخيف الكاتب جداً، بدليل قوله: “هبوط كهذا في جماعة يسرءل، تفريغ الأحمال- ديمقراطية بعبادة الله- لم تكن أبدا. هذه المنزلة الأسفل […]”، لذلك يتوجب الإكثار بالصلاة والعبادة. وبالتالي سيؤدي الوضع إلى “مجيء المشيح ولمّ الشتات” (ص 101- 110). و”مشيح” اليهود، هو على عكس مسيح المسيحيين والمسلمين، الذي سيملأ الأرض “عدلا وسلاما”- بل هو، وبحسب ما جاء في التلمود البابلي وكما شرحه الفقيه موسى بن ميمون/ الرمبام (1135- 1204)، فإنه سوف يأتي من بني الإنسان، وسيقوم بإزالة نير الأغيار من رقبة اليهود، وينشأ دولة تستند إلى الشريعة اليهودية في “أرض يسرءل”، عندها سيتم هزيمة الأغيار المسيطرين عليها ثم يُبْعدون عنها. وفي رواية أخرى، وهي أكثر دموية فقبل ظهوره/ أو أثناء ظهوره/ أو بعد ظهوره، ستندلع حرب “جوج ومجوج/ يأجوج ومأجوج”، سيتم فيها إبادة من يعترض له. وبعد ذلك يكون الخلاص العالمي، فيه يقبل جميع الأغيار بسلطة الـ”مشيح” الذي من نسل “دَوِد/ داوود”، ومن لا يقبل يحارب إلى أن يقبل أو يُقتل[iii].

هذا ما جاء في الكتاب.. كأساس جوهراني في هوية اليهود المتدينين، وقطاع واسع من هوية بقية اليهود.. هذا الكتاب يدرس في غالبية المدارس الدينية في “إسرائيل” وأمريكا.. وهذه المدارس الدينية تعيش ويعيش طلبتها على أموال من ميزانية دولة “إسرائيل”، وتبرعات قطاع لا بأس به من أغنياء اليهود المتدينين و”العلمانيين” على حدّ سوا!


[i] – أوردت “التوراة” كما ترد في المصدر. علما أني أفضل استخدام “التناخ”، لأن التوراة هي كتاب اليهود المقدس بنظر المسلمين.. أما “التناخ” فإنه كتاب اليهود المقدس كما يفهمونه هم. أما العهد القديم، فهو الفهم المسيحي للـ”تناخ”. لكل تسمية أو مصطلح يوجد بابا خاصا له في الدراسات الدينية.

[ii] – سعدية جرامي رابي معاصر، وليس الفقيه الذي يحمل نفس الاسم وعاش في القرون الوسطى.

[iii] – شرحت نشأة وتطور عقيدة المشيح “وأفعاله في الآخرة” في كتاب يقدم تفسيرا لقصة (لوط) “التناخي”، سيصدر هذه السنة.