الصبر.. وسلوان: سلوان وحق البقاء

فادي محمد كناعنة

يافا ـ كفر قرع ـ نيو يورك

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1843)

في ظل حالة البلبلة وعدم الاستقرار السياسي على الثلاث أصعدة: الفلسطيني، الامريكي والاسرائيلي، تأتي المؤامرة المدروسة لتهويد بقايا الوجود الفلسطيني على ارض القدس لتصل ذروتها ممثلة بحملات جديدة من اوامر الاخلاء والهدم من جهة وتشريعات قانونية لدمث معالم تاريخية ودينية من جهة اخرى، ناهيك عن المخططات الاستيطانية الضخمة في القدس وجوارها.

في الاونة الاخيرة يجري الحديث عن قرابة التسعين أمرا للهدم في حي البستان وحده في سلوان كما تضاف اليها مئات الملفات القديمة، الحديثة وتلك طور التخطيط لمناطق واحياء عربية اخرى. يذكر ان مخطط لهدم 88 منزلا في سلوان قد اصدر قبل 5 اعوام على يد مهندس البلدية الذي تم تعديله مؤخرا وطرحه من جديد. تخضع المناطق المحيطة بالبلدة القديمة وسكانها الفلسطينيون لمخاطر الهدم والاخلاء العنصرية منذ احتلالها عام 1967 ويذكر انه تم كشف النقاب في صيف العام 2005 عن مستند يصف مخطط اسرائيلي يعود لسنة 1977 يقضي بتحويل المناطق المذكورة الى حدائق عامة وقد وصف وبوضوح معدو المستند من خلاله غاية هذا المخطط بانه ياتي لايجاد اساليب للسيطرة على المناطق العربية الملاصقة للبلدة القديمة واخلائها من سكانها لتحول الى حدائق عامة ابرزها حديقة “عير دفيد” المتاخمة لسور البلدة القديمة.

سلوان، هي مثال حي لصمود الوجدان الفلسطيني المستهدف باستمرار على ارض القدس، فيتعرض اهلها الاصليون لشتى انواع التضييق والقمع منذ عشرات السنين في الحين ذاته نشهد سياسة التسهيلات والاغراءات المتبعة من قبل السلطات لتسكين اليهود في القدس وضواحيها.

برغم الواقع الحياتي الصعب وبرغم انعدام ادنى الظروف المعيشية الا ان السلوانيين ابوا الرحيل، ففي سنة 1990 قاد صمود اهالي سلوان، اريئيل شارون، وزير الاسكان في حينه الى تجنيد جمعية “العاد” الصهيونية المدججة باموالها وارصدتها الخيالية للعمل على تهويد المنطقة، واصفا الجمعية بانها “جيوشه لتهويد سلوان”، ولم يأت توظيف كلمة “جيوش” مجرد صدفة. منذ تلك اللحظة قام اعضاء الجمعية بعرض مبالغ تفوق الخيال على السكان مقابل تخليهم عن بيوتهم، وحين ابدى الاهالي تشبثهم بالارض والمسكن لجأت الجمعية الى عمليات تزوير المستندات والوثائق التي تلفق صفقات بيع كاذبة وصلت احداها ان تم وعن طريق الرشوة استراق “بصمة” مسنة لتوقع على وثيقة بيع بيت العائلة وذلك اثناء غسل جثمانها بعد وفاتها! وغيرها من المحاولات الاشبه بحكايا الخرافات. في خلال جولة كنت من مشتركيها في منطقة سلوان منذ قرابة عام، بارشاد خبير وعالم الاثار الاسرائيلي جدعون سوليماني، والذي شغل قبل ذلك منصب المشرف المسؤول للحفريات الاثرية في منطقة القدس ومن ضمنها سلوان، اشار الاخير الى بضع محاولات التهويد وفبركة الحقائق التاريخية والعلمية التي تاتي نتيجة سياسة مخططة وضغوطات من قبل جمعية “العاد” والتي تمول بنفسها مشاريع الحفريات الاثرية المدارة على يد علماء اسرائيليين واجانب. واعرب الخبير سوليماني بانه وبرفقة باحثين من زملائه يحاولون التصدي لعمليات التزوير الخطيرة والتي تقوم سلطة الاثار الاسرائيلية بالتغاضي عنها. جدعون سوليماني ذاته تحدث منذ بضعة شهور لوسائل اعلام مقدسية عن تزوير التقرير العلمي الذي اعده لمحكمة العدل العليا بخصوص مقبرة “مأمن الله” التاريخية في القدس والذي يوثق فيه وجود اكثر من الف قبر عربي واسلامي على ارض المقبرة، والتي اقرت السلطات والمحكمة السماح بمشروع اقامة “متحف التسامح” المقرر تنفيذه على يد شركة اسرائيلية امريكية على ارضها بعد ان اشار التقرير الاصلي لسوليماني بحظر هذا البناء وهذا الانتهاك لقدسية المقبرة التاريخية. فتجري في هذه الايام عمليات التهيئة لمباشرة البناء المذكور والذي ويا لشدة المفارقة يسمى “بمتحف التسامح”!

كل هذه الامثلة، وغيرها الكثير، تاتي في سياق المخطط التهويدي الشامل للقدس العربية وضواحيها وعمليات القرصنة التي تخالف الاتفاقيات السياسية الدولية وتنتهك القانون الدولي الذي “يحظر على القوة المحتلة أن تقوم بأي تدمير للممتلكات العينية أو الشخصية الخاصة التي تعود ملكيتها لأفراد أو جماعات.. كما لا يجيز لدولة محتلة أن تعمل على تهجير أو نقل جزء من سكانها المدنيين الى مكان اخر”

من هنا، وفي ضوء ما ذكر، فانه يتوجب على الجميع حشد كل الوسائل الشرعية وتوجيه الجهود اللازمة لاعلان موقف صادق وحازم لمناهضة الانتهاكات البشعة لحقوق اهالينا في سلوان ومنطقة القدس عامة وللتصدي لعمليات الهدم والاخلاء ، فطالما وعلى مدار السنين اثبتت الجهود الجماهيرية  قدرتها وشرعيتها ،بمؤازرة اصحاب الحق في محنهم وللحد من ظواهر الاجحاف والظلم. فحق سكان القدس الفلسطينيين بالبقاء هو حقنا جميعا ولا يضيع حق وراءه مطالب كما ان المتباطئ في اخذ حقه هو الظالم لنفسه قبل ان يظلمه غيره.

*استندت بعض المعلومات على المصادر التالية:

– الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان: المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية -مفتاح.

– بتسيلم- لحقوق الانسان في الاراضي المحتلة.