التمكين إصلاح..وتساوق مع التيار السائد

عادل سمارة

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1850)

لم تُبقِ بلدان محيط النظام شيئاً في الغرب الرأسمالي دون أن تستورده دافعة كلفة ذلك سواء بالنقد كالبضائع أو بتوريط الأجيال الطالعة في تبعية ثقافية عبر استيراد المصطلحات والأطروحات التي هي أكثر كلفة وأكثر ضرراً إذا لم تُعالج. فالبعض من الطروحات البرجوازية الغربية تحتاج إلى معالجة كما تُعالج المياه العادمة إذا ما طُلبت للشفَّة. من هنا كان الكمبرادور الثقافي أخطر من الكمبرادور الراسمالي لأن الأول يدخل في تربية أجيال بأكملها، بل هو لا يُستهلك لمرة واحدة، بل يُولَّد من يعيدون إنتاجه لمرات لا تُحصى. ومن بين ما يستورده وكلاء فبارك الفكر البرجوازي الغربي مصطلح التمكين الذي تتقاطب عليه النساء اللبراليات في الأراضي المحتلة كما لو وجدن إكسير الحياة.

ما زال لأفكار ميشيل فوكو المتمردة في ربيع العمر والعبثية في وسطه والمستسلمة في النهاية بريها لدى الكثير من مثقفي الطبقات الوسطى، وخاصة مصطلح السيطرة والقوة. يبقى استخدام مصطلح القوة والسيطرة لدى فوكو، وكذلك الهيمنة لدى غرامشي محل خلاف ونقاش جدي فيما يخص تناول هذه المصطلحات بذاتها، أي في إبعادها، وليس ابتعادها، عن العوامل المادية والاجتماعية الطبقية التي اسست لها واقامتها على ارضياتها.

وهذا يطرح السؤال الأساس، وهو الذي يتهرَّب منه المثاليون والكثير ممن يحاولون الإنزياح عن الفكر الشيوعي بعامة والماركسي بخاصة، وتحديداً عن التحليل المادي التاريخي لأن في البدء بالتحليل المادي التاريخي جرثومة الوصول إلى التحليل الطبقي ومن ثم تحديد موقف من الملكية الخاصة اي من الطبقة المالكة الحاكمة وهو ما يترتب عليه مشروع نضال طبقي، أو كلفة وجوب المشاركة في الصدام والصراع الطبقي ، وهو ما يفهمه جيداً وبوعي مثقفو البرجوازية الصغيرة، ويبتعدون عنه بقصد ووعي أيضاً.

فالقوة والسيطرة، لا سيما في ظل نمط الانتاج الراسمالي لم تعد مستمدة من حق الملك الإلهي وظل الله في الأرض، بل هي بلا مواربة مستمدة من أو هي ترجمة او تجلٍ باشكال متعددة للملكية الخاصة التي تسمح لمن يتحكم بها ان يمتلك سيطرة وقوة سياسية. ومن هنا لا تكون المشكلة في تفسير الأحداث على اساس القوة والسلطة والسيطرة بقدر ما هي فك هذه المصطلحات عن اساسها المادي لأن هذا الفك يعفي متبني هذه التفسيرات من مهام الاشتباك مع الطبقة مغتصبة جهد الطبقات الأخرى.

قد يصح تناول مصطلح التمكين بدءاً بأساسه اللغوي أي الفارق بين التمكُّن كفعل نسوي ذاتي، كمبادئة واشتباك وبين التمكين بمعنى مساعدة المرأة أو السماح لها بذلك من قبل المؤسسة المسيطرة وهي ذكورية بما لا يختلف عليه حتى دُعاة التمكين أنفسهم.

وإذا أُتفِق على أن تبني التمكين والمطالبة به كان على يد الإصلاحات البروتستانتية وحركات الكويكرز والسود والمطالبين بالعدالة الاجتماعية بهدف الحصول على قسط او حصة من القوة والثروة، فهذا يعني أن هذه الحركات هي حركات مطلبية تعمل ضمن وتحت سقف النظام السائد، وأنها من عوامل خصي توجه المضطَهدين كي لا يجابهوا النظام ومن ثم يعملوا على تغييره. وقد يكون العمل ضمن سقف النظام ومسموحاته ناجم عن أكثر من سبب وأهمها:

□ إما الاعتقاد بأن النظام هو من الرسوخ بحيث لا يمكن هزه فما بالك بتغييره.

□ أو أن هذه الحركات مؤدلجة بإيديولوجيا النظام، لكنها تشعر بضآلة حصتها.

والنتيجة بالطبع غير مختلفة فيما يخص إصلاحية هذه الحركات.

من المفيد الإشارة إلى أن طغيان مصطلح التمكين ترافق مع حقبة العولمة، حيث الانتشار الهائل لفكر اللبرالية الجديدة، التي روَّجت لأبدية النظام الراسمالي، وبالتالي عبثية مقاومته لا سيما إثر تفكك كتلة الإشتراكية المحققة، وهذا ما تجلَّى في تبني المؤتمرات النسوية (مؤتمر بكين الرابع 1995) بما فيها التي اشرفت عليها الأمم المتحدة لمصطلح التمكين كمصطلح وشعار معا. هذا ناهيك عن تبني البنك الدولي لنفس المصطلح، وهو المؤسسة الأكثر خدمة للنظام الرأسمالي العالمي.

والسؤال الذي يبرز هنا، إذا كانت الأنظمة السائدة، لا سيما في المركز، والمنظمات الدولية الكبرى كالأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي، إذا كانت هذه كلها قد حصرت حق المرأة في نطاق التمكين، وهو ما قبلت به الكثير من المنظمات النسوية كحال مؤتمر بكين المذكور، يكون السؤال هنا، هل اصبح التمكين هدفاً نضالياً للمرأة لمواجهة النظام السائد ام هو طي المرأة ضمن رؤية النظام نفسه، مما يخول النظام مواصلة هضم حقوقها بما فيه جعل التمكين نفسه شكلانياً فوق شكلانيته في الأصل.

إذا جاز لنا هذا الاستنتاج، يصبح التمكين نفسه أحد أدوات تكريس النظام السائد، وخاصة علاقات السيطرة والقوة التي تتحدث عنها النسويات بأنواعها وألوانها.

ومن هنا، تُغلق فرص المبالغة بأن التمكين يسمح للمطالبين به بالتمتع بفرص وخيارات واسعة لحياتهم لأنهم يبقون تحت مظلة النظام السائد والذي في حال المرأة تحديداً ليس، هذا النظام، مرشحا للتغير الذاتي لصالحها. وقد تكون مكاسب مستضعفين آخرين، الذكور مثلاً، أعلى من مكاسب المرأة في هذا النظام بما هم ذكوراً، مما يعني ان خيارات المرأة ضمن هذا النظام تظل هي الأقل.

وعليه، فإن مصطلح التمكين لا يخرج عن كونه مدخلاً إصلاحياً لتوسيع اختيارات النساء ضمن سقف النظام السائد. وهذا يفتح في حقيقة الأمر على تطور هام حين تتبناه المنظمات، بله المؤتمرات النسوية، بمعنى ان الحركة النسوية تخلت عن خياراتها الجذرية واستكانت لما يعرضه عليها النظام، وهو أمر يتدرج حسب تطوراته الداخلية بمعزل عن حقوقها وحتى رغائبها.

أين يكمن الفرق أو الخلل؟ هل هو في النظرة اللبرالية الرأسمالية الذرية التي تعرض على كل فرد انفصاله الفردي، ودفاعه منفرداً عن نفسه، هل هو في النظر إلى النساء كما لو كنَّ كإمرأة واحدة، أم إذا ما تم التعامل مع النساء طبقاً لانتمائهن واوضاعهن الطبقية والسياسية التنظيمية والعقيدية. هذا ما تهرب منه نسويات التمكين، وهو نفسه ما يجعل من النسويات والمرأة بالعموم تابعة من جهة وقانعة بما يُقسم لها من جهة ثانية.

ضمن تبعية بلدان المحيط للمركز، انتقلت كذلك تبعية احتضان مصطلح التمكين بما هو مصطلح لبرالي أفرزته المناخات المطلبية في بلدان المركز وهي مناخات تدجين الحركات النسائية والعمالية وإلى حد ما الطلابية. وهي مناخات أتاحت للمرأة بعض التحسينات في حياتها، وهي بالطبع لا ترقى إلى تغيير نوعي في حقوقها، فما بالك بالمطلب السلبي تقاسم السلطة أو المشروع النوعي وهو إسقاط النظام نفسه. وفي حين يُؤخذ على بلدان المحيط عجزها حتى عن توفير المناخ اللبرالي الراسمالي للنساء في المحيط، بمعنى أن فعالية التمكين هناك، حين تبنيه، تظل اقل مما هي في المركز، فإن ما كان يجب أن يُؤخذ على هذا الأمر هو مبدأ نقل عدوى التمكين إلى المحيط، لأنه مثابة نقل التوجه الإصلاحي هناك ليتناتج كتبعية في المحيط، بمعنى أن عدم الاستيراد هذا على اساس كمبرادوري ثقافي، يمكن أن يفسح الطريق لنضال نسوي ثوري في المحيط. وهكذا، فإن تعدد مجالات التمكين سواء في نطاق الديمقراطية، او تشغيل المرأة، أو سن بعض القوانين أو غيرها لا يغير من حقيقة ان كل هذا تحت مظلة السلطة الحاكمة، وهو ما اكده ماوتسي تونغ بأن سن القوانين حتى في الدولة الاشتراكية لا يعني تحقيق المساواة للمرأة.

لعل مسألة التمكين قد ساهمت في تقوية دور الدولة /السلطة أكثر مما ساهمت في تمكين المرأة نفسها، بمعنى أن الارتكاز على أو مساهمة الدولة في السماح للتمكين او الترويج له، بما هو مطالبة بمساواة المرأة بالرجل هو بحد ذاته تثبيت المشروعية التمييزية او الذكورية للدولة نفسها. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن هذا المطلب بما هو منحصر في تقاسم السلطة مع الرجل على قدم المساواة، لا يعني الاعتراض على السلطة وإنما على الحصة. وإذا افترضنا نظرياً حصول هذا، فهو يعني انتقال الديالكتيك إلى مستوى متدني وهو تبلور تفارقات طبقية داخل طبقتي المجتمع المفترضتين، ولاحقاً انعقاد تحالف طبقي بين شرائح كل طبقة/نوع على حساب الطبقات/نوع التي لا تملك! لنعود إلى تجديد شعار ماركس من مدخل آخر، يا عاملات وعمال العالم …إتحدوا! من هنا أهمية التأكيد على أن المطلوب النضال لإلغاء الدولة/ السلطة وليس اقتسام العرش.

وطالما أن التمكين هو من تحت سقف الدولة بجوهرها اللبرالي الغربي، فإن “التمكينيات/التمكينيين” الذين يطالبون بتطبيق متساو لقوانين الدولة، او التساوي الجنسوي أمام القانون، لا يخرجون بذلك عن تكريس ديكتاتورية الدولة، بل إن تطبيق القوانين هو الذي يزيد من “شرعية” الدولة ويجعل الخروج عليها أكثر صعوبة حيث يتم تقنين عملية التمكين.

ليس شرطاً أن تُنسب مسألة التمكين لنظرية برجوازية واحدة. فيمكن قراءة التمكين في نظرية كارل بوبر في إعادة هندسة المجتمع ، في المجتمع المفتوح كما يسميهن وهي العملية التي يتم بها تطويع المواطنين دون أن يشعرو بحيث يسيروا بمقتضيات مشيئة الطبقة الحاكمة، الدولة. كما يمكن قراءة التمكين على اساس الداروينية الاجتماعية التي بالإشراك الشكلي وبثقافة الإصلاح تُدحل اصحاب الحق المحتمل في الثورة ضمن هيمنة الدولة.

يفتح هذا الحديث على العلاقة بين مسألة التمكين من جهة وبين منظمات الأنجزة من جهة ثانية. هنا تجدر الإشارة إلى أن حكم اية طبقة هو جوهريا ديكتاتورية تلك الطبقة، بغض النظر عن المساحيق البرجوازية المتقدمة في تجميل ما هو شديد القبح. ونقصد هنا تحديداً أن توليد منظمات الأنجزة من رحم الأنظمة السياسية في المركز، أعطى هذه المنظمات فرصة لتلعب دوراً في تشويه الوعي والأداء الثوري في المحيط وتحديداً في أوساط النساء. وعليه، لإن جدلية التسلُّح بنظريات التمكين إلى جانب الحصول على دفوقات تمويل الأنجزة، خلق في بلدان المحيط شريحة مزدوجة من الرجال والنساء الذين يعيشون بعائدات غير منظورة، هم مدراء وكبار موظفي مؤسسات الأنجزة. وحيث استهدفت هذه العملية كوادر اليسار من الجنسين، فإن التمكين محمول على الحوامل المالية للأنجزة قد لعب دوراً كبيراً ولا يزال، في تنشيط الثورة المضادة وبطرق كانت لها درجة من الخبث واللؤم المرتكز على وجود الفقر وحاجة الناس واندحار معسكر الثورة.

لطالما تلقفت الأوساط الأكاديمية والفكرية البرجوازية التفكير الخطي لمراحل التطور التاريخي حسب التحقيب الستاليني ناقدة ذلك بالتفكير الخطي المعمم على الجغرافيا والتاريخ. لكن كثافة الدعاية والإعلام البرجوازيين كثيراً ما حالاْ دون كشف أن المركزانية الأوروبية ، وأن اللبرالية التي تُعلِّم بوضوح ان على كل العالم اقتفاء خطاها هي نفسها الخطية الأكثر دوغمائية وحتى عنصرية. وهي الخطية التي تعرض “منافع” اللحاق، وتحول في الوقت نفسه، دون اللحاق[1].

ولكن، كي نضع المركزانية الأوروبية في سياقها الصحيح تاريخيا وتطبيقياً، ربما لا يمكننا موضعة تبعية نساء المحيط لنساء المركز في ذمة نساء المركز أو مركزانية هاتيك النسوة. فقراءات ومتابعات أكثر لهذا الأمر تفيد بأن المشكلة ربما ليست هنا، ولا حتى في الإقرار الإستسلامي بأن الحداثة فقط أوروبية[2]، بقدر ما هي، اي المشكلة، في محدودية ثورية الأحزاب والمثقفين والنسويات في بلدان المحيط. فالانشغال المطلق في خلق ثقافة عالمثالثية بقصد او الاعتقاد بالاستقلال عن الحداثة الأوروبية، ليس شرطاً أن ينتج ذلك ثقافة أو حداثة ثورية، بقدر ما أنه محاولة، سواء نجحت أم فشلت، لخلق مركزانية أخرى، وكأن الأمر ليس هدف الإنسانية بشكل عام بل تنازع السيطرة والقوة على صعيد عالمي وعلى أساس جغرافي وليس طبقي. في حين أن المطلوب هو ثورة عالمية تفكك الحدود الجغرافية وتنفي العلاقات الجنسوية القائمة وتنتهي حتى بلا طبقات، أي تجاوز كل ما هو قائم. ومن هنا خطورة الأطرحات التي هي جوهرياً، تُباعد ما بين نفسها وما بين الفكر الثوري التغير الجذري، سواء في المركز أو المحيط. لأن الحديث عن ثقافة ولغة عالمثالثية منقطعة عن تلك المتأوربة شبيه بمحاولات النسوية خلق عالم نسوي في مواجهة عالم ذكوري.

النظام والإرادة الشعبية

هل يمكن تناول موقف النظام بما في ذلك النصوص القانونية التي يصوغها ويصدرها النظام الرسمي وتعاطي الناس معها على انهما جزئين متكاملين لعملية واحدة او موحدة؟

على ضوء التعاطي اللبرالي مع مسألة التمكين، يمكننا الاتفاق مع هذا الافتراض، وهو بهذا المعنى يعني ان ما تسمى هنا الإرادة الشعبية ليست سوى عملية هندسة الإرادة الشعبية ضمن وفي حدود النص القانوني الذي طرحه النظام السائد. وهنا، تكون الإرادة الشعبية قد تعرضت للخصي والتدجين، ولم تتطور على سجيتها، لأن المبنى الطبقي في المجتمع وتحديداً المبنى الاجتماعي للتراكم في اي مجتمع راسمالي هو مبنى طبقي، وعليه لا يمكننا الحديث عن إرادة شعبية بهذا العموم التصالحي والجماعي لأن الواقع ليس كذلك. وليس شرطاً أن يعني عدم التطابق هذا، أو أن يفترض أن البلد داخل في صراع طبقي حاد، ولكن الحد الأدنى من تحليل وفهم الواقع الاجتماعي يؤكد أن ما هو في مصلحة الطبقة الحاكمة ومثقفيها العضويين من المشرعين والقانونيين ليس شرطاً أن يكون في مصلحة الشعب ككل، بل هو ليسَ.

من هنا، فإن إدغام، وليس إندغام، الإرادة الشعبية في “إرادة” السلطة هو تجاوز على، وتناقض مع، الحماية الشعبية، لأن الحماية الشعبية بجوهرها هي حماية من الطبقة الحاكمة وسطوتها وسيطرتها وما لديها من قوة. بل هي مشروع تجاوز للنظام السائد عبر تقوية للذات، وقد تكون هذه التقوية انسحاباً إلى الذات-انسحاباً إلى الداخل- وصولاً إلى الاشتباك معه، اي مع النظام، أو ليلحق بالحماية الشعبية وليس العكس.

في انتقادها لدور البطريركية، تسقط بعض النسويات في نقد الدور البطريركي عبر عزله عن النظام السائد، وتبيان وكأن المسألة هي محض ثقافة بطريركية تهيمن على النساء وتقمعهن. وفي الحقيقة، فإن البطريركية ما كان لها لتبقى في مجتمعات الجنوب قط، ما لم تكن مقبولة ومرعية ومستخدمة من أنظمة الراسمالية المحيطية دون إغفال ذكوريتها بالطبع. وفي هذا الصدد، يكون وجوب التصنيع وصولا إلى التحديث والحداثة من الأمور التي قد تقلص دور البطريركية، لكنها لا تقود بالطبع إلى تجسيد حقوق المرأة وليس هذا هدفها في الأصل. والإشارة إلى التصنيع هنا لا يُقصد بها قط تحسن الوضع الاقتصادي للمرأة عبر العمل المأجور حتى لو تحكمت بأجرتها، وإنما تأثير العمل المأجور والكسب المباشر والخروج من المنزل على ثقافة المرأة، بما انه درجة إصلاحية إلى الأمام مقارنة مع البقاء في المنزل والعمل المنزلي والإنجاب الموسع…الخ.

لقد اضاف عصر المعلومة المتوفرة بغزارة وباقل كلفة مستوى معرفيا لا بأس به للناس كافة. واصبح فهم الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي وإدراك معنى الحرية في المتناول. نعم إن المعلومة هي قوة، وهي قيمة بالطبع. لكن التقصير في هذا المستوى هو في تحويل المعلومة إلى معرفة والمعرفة إلى أداة توظف لصالح الإنسان، والإنسان هنا لا يمكنه توظيف المعلومة إلا إذا اصبحت معرفة والمعرفة كحالة جماعية وليس كملكية خاصة كما هي الثروة. إن المعرفة، وإن بدت في المجتمع البرجوازي كثمرة للمثقف كي يرفع من مركزه وقدره المادي، إلا أنها، اي المعرفة، أكثر قابلية للتأميم وللملكية الجماعية. ومن هنا دور المعلومة في خدمة الثورة مقارنة مع دور الثروة، مجسدة في ارتباطها الطبقي، في إعاقة الثورة.

ربما يجوز لنا هنا قراءة وضع المرأة ومدى تأثره بموضوعتي المال والمعلومة، وأيهما الأكثر قابلية للمساهمة في تحرير المرأة. فسواء حصلت المرأة على عمل مأجور، أو على قرض للمشروع الصغير، فليس شرطاً أن تتحكم في دخلها، وحتى لو حصلت عليه وتحكمت به، فهي لن ترتفع لما هو اعلى من الحصول على الملكية الخاصة، اي الاقتراب او الوصول إلى تقاسم السلطة مع الرجل وبالتالي الانخراط في السيطرة الطبقية، وهذا أمر لا يعني تحرر المرأة ولا يعني إبداع علاقات ولغة وثقافة ضد رجولية بل اندغاما فيها. فالملكية الخاصة هي مشروع ذكوري تاريخي، ولا يعني حصول المرأة عليه، حصول تغير ثوري في وضعها.

ولا يختلف الأمر كثيراً في المجتمعات الريفية حين تقود عملية التصنيع إلى طرد الفلاحين من الأرض، كما هو بشكل موسع في الصين والهند اليوم، بمعنى أن هذا لم يُحدث برتلة للنساء، والرجال كذلك، لا سيما على ضوء الأزمة المالية الحالية التي طالت الاقتصاد الحقيقي في العالم. فطرد المرأة من الزراعة ليس أفضل من ممارستها الزراعة لصالح الأسرة. فمن يقرأ العلاقات الجنسوية في الزراعة يصل إلى الاستنتاج أن المرأة العاملة في الزراعة هي اقرب إلى احترام الرجل والتأثير عليه من المرأة التي تنحصر في المنزل أو لا تعمل قط حيث تخلق علاقات العمل علاقات اكثر إنسانية من الانحصار المنزلي وذلك بسبب التواجد الإنساني جنبا إلى جنب، والتعاون فيما بين الجنسين. وبالطبع، لا نتجاهل هنا ان شغل المرأة في الزراعة يقرِّبها من علاقات السوق والتي هي في النهاية الاستغلال والملكية الخاصة وهيمنة الذكورة، ولكن مع ذلك، فهي اقرب إلى تحسين أوضاع المرأة من الاعتقال المنزلي.