موفق محادين
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1860)
سيمون بوليفار، هو زعيم وقائد حركة التحرر الوطني التي اندلعت ضد الاستعمار الاسباني، خصوصا، والأوروبي عموما في أمريكا اللاتينية، وتمكن بوليفار من تحرير العديد من بلدان أمريكا الجنوبية ومات قبل أن ينجح في توحيد هذه البلدان المحررة في فدرالية واحدة.. وتعرض مشروعه التوحيدي الفدرالي إلى نكسات معروفة تراوحت بين دور المخابرات الأمريكية في تسعير الهويات الوطنية المحلية وبين النزعات العدمية التي أخذت طابعا أمميا عند بعض القوى اليسارية.
بعد قرن كامل على هذه التجربة تعرض جمال عبد الناصر لظروف مماثلة بعد أن طرح مشروعه للعمل القومي العربي انطلاقا من القاهرة، بل أن عبد الناصر عاش تجربة مماثلة لتجربة بوليفار الذي اعتقد في البداية أن بإمكانه التحالف مع الأمريكيين لطرد الاستعمار الأوروبي من أمريكا اللاتينية.. وكما توهم عبد الناصر أن بإمكانه تكرار هذه التجربة مع أمريكا أيزنهاور كان الأمريكيون في تجربة أمريكا اللاتينية قد أعلنوا مبدأ مونرو (الرئيس الأمريكي آنذاك) ضد التدخل الأوروبي تماما كما أعلن الرئيس أيزنهاور مبدأ ملء الفراغ ضد التدخل الأوروبي الفرنسي- الانجليزي في الشرق الأوسط.
وقد انتهت هاتان التجربتان أمام رفض الأمريكيين التعاون مع بوليفار وعبد الناصر كشركاء لا كعملاء.
اليوم وبعد قرن كامل على ما اعتقده البعض نهاية لأحلام سيمون بوليفار في بناء فدرالية أمريكية لاتينية قائمة على العدالة والمساواة والتنمية، تعود روح بوليفار تخيم على القارة من جديد وتتداعى أحجار الدومينو العملية لواشنطن أمام نهضة أمريكا اللاتينية انطلاقا من كوبا وفنزويلا التي أعلن رئيسها شافيز، وفي مصادفة ذات دلالة انه خليط من بوليفار وعبد الناصر بل أن معظم القوى اليسارية اللاتينية التي كانت تضع الأممية في مواجهة النزعة التوحيدية عادت لتتبنى إستراتيجية بوليفار التوحيدية ولم تعد ترى فيه مجرد جنرال وطني غير ديمقراطي.
بالمقابل، متى يستعيد اليسار العربي التجربة الناصرية ويحذو حذو اليسار اللاتيني ويربط بين مهام التحرر القومي والاشتراكية؟ ولماذا يتعين علينا دائما استيراد التجارب عوضا عن إنتاجها؟
لقد تطور عبد الناصر من كولونيل وطني إلى زعيم للأمة كلها وساعد كما بوليفار في تحرير العديد من البلدان العربية، من الجزائر إلى اليمن والعراق، كما طور إستراتيجية من أوهام التعاون مع القوة الرأسمالية الشابة، أمريكا إلى الصراع معها قبل أن تتمكن منه في حزيران 1967 وتحاول إغلاق كتابه القومي، فهل نفتحه من جديد كما فعل شافيز بعد إغلاق كتاب بوليفار عقودا طوال؟