مازن كم الماز
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1861)
هناك اليوم حالتان مختلفتان عن رأسمالية الدولة نراها اليوم:
ـ تلك التي نراها في مراكز العالم الرأسمالي بإعادة إحياء السياسات الكينزية لإنقاذ النظام المالي، ومعه مجمل النظام الرأسمالي، من أزمة عميقة التأثير وطويلة المدى على أقل تقدير،
ـ تلك التي نراها في أطراف النظام الرأسمالي، خاصة في عالمنا العربي، نتيجة “تطور” الأنظمة العربية القائمة بحيث تلعب السلطة القائمة دور الرأسمالي الوحيد أو الأساسي، والتي ما تزال تصر على تطبيق السياسات النيو ليبرالية التي جرى التخلي عنها في مركز النظام الرأسمالي العالمي لإنجاز سيطرة رأس البيروقراطية الحاكمة على الاقتصاد.
يتم ذلك في اتجاهين مختلفين فيما يتعلق بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي خاصة.
هناك اليوم انقلاب في النمط السائد في أطراف النظام الرأسمالي على ما سماه الأستاذ ياسين الحاج صالح بالعقد الاجتماعي الشعبوي الذي وعدت فيه السلطة السائدة بشكل ما من السياسات الاجتماعية القائمة على تشغيل واسع لقوة العمل (شاهدنا هذا مثلا في التأكيد على حق العمل كحق أساسي في دساتير الدول القوميوية والتابعة على حد سواء أكثر من الحق في التعبير أو التجمع السياسي) واقتسام الدخل الوطني مع الطبقات الدنيا ضمن معادلة كانت تزداد فيها حصة البيروقراطية الحاكمة باضطراد وتنكمش فيه حصة تلك الطبقات باستمرار.
و كان هذا العقد الافتراضي قد استخدم كمبرر للسلطة الهائلة، بل المطلقة، التي راكمتها هذه الأنظمة…هكذا مثلا يمكن اعتبار حصة رواتب العاملين في قطاع الدولة أو ما يسمى بالقطاع العام إلى جانب مخصصات دعم السلع الأساسية لاستخدام الطبقات الأفقر مشعرا دقيقا نسبيا لحصة الطبقات الأفقر من مجمل الدخل القومي أو الميزانيات الحكومية.
وهناك في الفترة الأخيرة اتجاه قوي جدا في الدول العربية عموما، باستثناء الدول النفطية، لتخفيض الاثنين، مع اتجاه قوي جدا مواز يتمثل في اقتطاعات ضريبية هائلة واستثناءات أخرى مختلفة تمنح للمشاريع الخاصة التي ينفذها عادة مستثمرون محليون أو خليجيون أو عالميون مرتبطون على الأغلب بالسلطة الحاكمة أو حتى بعض المتنفذين فيها.
مثل هذا في الحقيقة أكبر من مجرد تغيير في سياسات الأنظمة القائمة.
لقد مثل إعادة توزيع جذرية للثروة بين البيروقراطية الحاكمة وبين أكثر الطبقات فقرا، ورافق هذا بالضرورة انهيار غير مسبوق في الوضع الحياتي لتلك الطبقات، ومما فاقم أو سيفاقم هذه الأزمة هو الأزمة الاقتصادية التي ضربت مراكز النظام الرأسمالي وتأثيراتها على اقتصاديات الدول الخليجية الأمر الذي سيؤدي إلى مفاقمة مشكلة البطالة وسيحد من إمكانيات الشباب الذي ينتمي إلى الطبقات الأفقر للتكيف مع ظروفه الناتجة عن هذه السياسات.
يأتي هذا أيضا في وقت تتراجع فيه شرعية هذه الأنظمة شعبيا، هذا على التوازي مع الانكماش الحاد في القاعدة الاجتماعية لهذه الأنظمة، يعني أن الأزمة العامة مرشحة للمزيد من الاحتقان والتعقيد، ومع غياب أي آفاق للإصلاح الداخلي أو لأي فعل مجتمعي مؤثر و مستقل، يبدو المخرج بالضرورة خارج كل الأطر المترهلة القائمة وعلى الضد من كل السياسات القائمة لرأسمالية الدولة.