عادل سمارة
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1875)
رابط الحلقة الاولى:
https://kanaanonline.org/?p=1028
والثانية:
https://kanaanonline.org/?p=1032
والثالثة:
https://kanaanonline.org/?p=1034
والرابعة:
https://kanaanonline.org/?p=1040
الحلقة الخامسة والاخيرة:
الخلاصة
من تفكيك مفاصل الدولة القطرية إلى إسقاط سلطتها
طالما بقي النظام الراسمالي العالمي مهيمناً، ويزداد هيمنة رغم أزمته الأخيرة، ويزداد شراسة في الدفاع عن اغتصابه للأكثرية الشعبية على صعيد عالمي، تبقى قضيتا القومية والاشتراكية في مركز الصراع الدائر على صعيد عالمي فهو يفترضهما ويتناقض معهما بما هما اليوم، في المحيط على الأقل سلاح الطبقات الشعبية وشرورة وجودها وانتصارها. ولا يقلل من هذا اتخاذ الصراع الطبقي تحديداً أشكالاً متعددة وليس الشكل العنيف وحده والذي يشكل جوهر الصراع الطبقي. وهذا العنف ليس من اختراع الطبقة العاملة/الطبقات الشعبية/ الأمم المُستغلَّة والمُخضعة والمُحتلة، بل هو من مبتدأ وجود راس المال استمراراً في تثبيته لسيطرته وقمعه لضمان تواصل عمل خط الإنتاج داخل البلد الواحد وبزل القيمة الزائدة و/أو تواصل نهب المحيط. فلو كان لراس المال أن يرفع يده عن استغلال الطبقات وحتى الأمم، كما حلم كثيرون، لما كان لجوء المضطَهَدين إلى العنف الثوري سوى بطراً وفنتازيا.
ولكي لا نبتعد عن موضوعنا، فإن المسألة القومية باقية في مركز الصراع طالما لم يسقط النظام الراسمالي، وكما اشرت في غير موضع، فإن الطبقات والنخب الحاكمة/المالكة على صعيد عالمي ما تزال تعمل في النطاق القومي، فقرار النظام العالمي هو من المركز، ومصير النهب وبزل فائض القيمة ينتهي إلى المركز، وإلا كيف تراكم ما اسميته منذ خمس عشرة سنة ” الأموال الكسولة Lazy money ” في المركز حتى حولته إلى حي بن يقظان الذي لم يعد قادر على إدارة جبال المال من حوله، فكان انفجار الفقاعة في أميركا لينتشر الوباء منها إلى العالم باسره. لكن تراكم او تمركز القرارين الإداري والمالي لراس المال في المركز لا يعني بالضرورة أن الطبقات الشعبية هناك ذات نصيب فيهما كما هي البرجوازية. وربما الأمر عكس ذلك حيث كان لهذا التركز دوره في رشوة قيادات في الحركة العمالية وتعميق الهيمنة الإيديولوجية لرأس المال والسوق على وعي الطبقات الشعبية.
باختصار، حتى خلال الأزمة، وربما بسبب الأزمة يظل راس المال استقطابياً، وهذا يضع المحيط، وخاصة الوطن العربي أمام تحدٍ قومي وليس طبقي وحسب، وكما اشرنا فالتحدي القومي في الوطن العربي يتخذ حالة صراع قومي من جهة وطبقي من جهة ثانية. قومي ضد المركز الذي:
□ يحتل او يستغل أو “حتى يستوطن أجزاء من الوطن العربي من سبتة ومليلية إلى فلسطين فالجولان فسيناء فالعراق فالجزر الإماراتية فالأهواز فالإسكندرون، وقد تكون هناك بقاعاً لا نعرف عن وضعها كجزر القمر”.
□ أو يشن المركز حروبه ضد بلدان عربية مباشرة منه أو عبر أنظمة وظيفية كالكيان الصهيوني الإشكنازي أو إثيوبيا…الخ.
أو صراع طبقي ضد الأنظمة القطرية لراس المال الكمبرادوري الذي يشكل مع نخب أخرى حالة من الكمبرادور السياسي والاقتصادي والثقافي. وهذا النضال الطبقي هو نضال قومي للقومية الكامنة ضد القومية المزيفة الحاكمة التي تحاول الهيمنة على وعي الطبقات الشعبية.
ولكي لا نخدع الأجيال الطالعة في الوطن والعالم، فإن هذه المعركة متواصلة منذ هيمنة النظام الرأسمالي العالمي، لا بل منذ تبلوره وعبر تطبيق الاستراتيجية، التي ربما ليست مكتوبة نصاً، لكنها مطبقة فعلاً، وهي “لا أوربا بعد أوروبا” هي معركة بين الغرب والآخرين كما قيل The West and the Rest، وليس المقصود بالآخرين هنا مجرد حديث خيالي أو شاعري، بل مقصود كل العالم خارج الغرب الراسمالي مقابل هذا الغرب (سواء في أوروبا أو المستوطنات البيضاء التي ولدت من رحم أوروبا ولكنها أُقيمت على أراضي الآخرين) ! ومن هنا موقع الكيان الصهيوني في الموقف ضد الآخرين أو (الغوييم) ولكن جوهرياً ليس على اساس ديني كما يزعم الهّبّل السلفي، بل على اساس تحصيل الربح الأقصى بالإخضاع الأقصى.
لا أوروبا بعد أوروبا إذن، وليس فقط “لا يابان بعد اليابان”، وفي هذه المقولة بشقيها يكمن شقاء الأمة العربية، التي تُستهدف كل يوم، وتقاوم كل يوم، وهذا ما يعطي القومية العربية والقوميات الشريكة لكل الطبقات الشعبية في الوطن جوهرها الثوري وجوهرها الاشتراكي. هي أمة مشتبكة، وهذا ما يجب او يولد المثقف العضوي المشتبك، وليس فقط المنتظر على شاطىء المعركة التي تخوضها الطبقات الشعبية منظمة او بلا تنظيم، ممثلة أو بغياب ممثليها.
لا أوروبا بعد أوروبا بمعنى أن موجة القوميات الأولى في أوروبا انتهت كاستعمارية وإمبريالية، وقفت وتقف ضد تطور أية قومية أخرى، وكأنها قومية المركز ضد قومية المحيط. الأولى استعمارية والثانية ثورية. وإلا، فما معنى دولة صغيرة ومتخلفة نسبياً عن أوروبا الغربية مثل التشيك، التي أصرَّت على إرسال مئة جندي “مساهمة ” في احتلال العراق، “على قدر أهل العزم تأتي العزائم!” وقام حاكمها بتأييد المذبحة الصهيونية ضد عزة، ووقفت مؤخراً ضد مؤتمر ديربن في جنيف مدافعة عن الصهيونية؟ إذا كانت هذه تشيكيا الصغيرة التي أرسلت باخرة محملة بالأسلحة للكيان الصهيوني عام 1947 ، وهي في ظل “الاشتراكية”، فما حال فرنسا التي حاولت ضمان تأبيد بقاء الكيان الصهيوني افشكنازي العدواني بأن أهدته المفاعل النووي في ديمونا. بهذه اللغة والمعطيات يجب أن نُعرِّف الجيل الجديد على طبيعة المعركة وطبيعة العدو إلى أن يتغير. والمهم، كيف نقاوم كل هذا؟ هل بحفنة رجال شرطة من هذه المشيخة او تلك، من ذاك الكنتون أو ذاك، أم بالمشروع القومي النهضوي للطبقات الشعبية على صعيد الأمة العربية وشريكاتها في الوطن؟
وكما هو حال نضال الطبقات الشعبية في المركز والعالم ضد راس المال بأنه نضال عنف مرغمين عليه وليس لأن هذه الطبقات مأخوذة “بروعة” العنف” فإن سواد وسيطرة أوروبا بل شقي الأطلسي هو عدوان متواصل للمركز ضد القومية العربية منذ محمد علي وهي معركة امتدت قرنين إلى أن هُزمنا في سبعينات القرن العشرين وحتى اوائل الواحد والعشرين.
من قبيل محاولة البلاغة اللغوية وحسب، أن نسمي هذا العدوان المتواصل لقرون، انقلاباً. فحقيقته أن هناك خطة ضخمة تتخذ حالات انقلاب أو مؤامرة في لحظات، أما هدفها فهو النهب المتواصل. لقد شاركت وتشارك في الانقلاب ضد الأمة العربية ثلاثة أطراف اساسية وشريحتين تابعتين:
o المركز الإمبريالي والصهيونية كمركز القيادة في التجزئة والكنتنة
o الإسلام السياسي الكلاسيكي الذي كان ولا يزال يفتح معركته ضد الأمة العربية وبالطبع القومية العربية، منكراً وجودها قبل الإسلام، ولكن لسوء حظه تولد عنه رغما عنه نقيضه الجهادي. وهو تولد ناتج عن حيوية الأمم للدفاع عن ذاتها[1].
o أنظمة القطرية الكمبرادور القومية الحاكمة التي تتولد عنها نقيضتها ايضاً القومية الكامنة حراك الشارع، وبروز المثقفين العضوييين المشتبكين.
في الذيل من هذه هناك القوى الاشتراكية التي وقفت ضد الأمة العربية ومع الكيان الصهيوني لنرى فيها لوحة فريدة ربما هي الوحيدة التي التقت فيها الستالينية المتخلفة فكريا مع اليسار الغربي إبن السكرتيرة[2] ومنها الأجنحة التروتسكية المخترقة صهيونياً.
لا بد كذلك من الحذر من طرح يدور هذه الأيام، وهو استمرار لطرح ربما بدأ منذ منتصف القرن العشرين بشأن انتهاء عصر الدولة القومية، وحلول الشركات الكبرى محلها أو حلول الإمبراطورية الأميركية…الخ. فاليوم تركز مؤتمرات العشرين على رفض الحمائية الاقتصادية ورفض دور الدولة الوطنية. وكل هذا يدور في نطاق تبرير وتسهيل هيمنة راس المال من المركز على المحيط، وعلى الراس من المحيط الوطن العربي ليبقى منهوباً برضى المنهوبين منه.
إن المسألة بالعكس، فالنضال القومي للطبقات الشعبية العربية، كما كل المحيط، هو الذي يقرب نهاية مصير راس المال، في المركزخاصة، سواء بمقاطعته او وقف التبادل اللامتكافىء، أو طرده من المستعمرات، أو الاحتفاظ بالفائض في البلد نفسه، أو تأميم ما يسمى مصالحه في هذه البلدان، أو اعتماد قانون قيمة وطني مواز لقانون القيمة العالمي وصولاً بالطبع إلى إلغاء القيمة والانتقال الاشتراكي.
إن حماية الاقتصاد القومي، وهي في الأساس اقتصاد الطبقات الشعبية، هي معركة ضد “أممية راس المال” التي هي جوهرياً مصالح الطبقات الراسمالية على صعيد عالمي، تنتقل اليوم من الثمانية إلى العشرين. وهذا يجعل من خزعبلات “القرية العالمية”، الأسرة الدولية…الخ” الأفيون الحقيقي للشعوب. ستبقى قريتهم العالمية من ضاحيتين Down Town and Shanty Town مركز/محيط وفي افضل الأحوال سيُلحق برجوازيو المحيط بالمركز؟ لا شيىء تغير: بقي الفقراء تابعين، يعملون بما يشبه المجان، ويموتون على شواطي جنة أوروبا! فرفض الحمائية ليس سوى تسويق انتاج المركز في المحيط (مركز منتج قائد مجمع للثروة، ومحيط يستهلك وينزف ويتبع) من هنا القومية ضرورية وحتى الأوتاركية. بكلمة أخرى، أية قرية التي تضم بيل جيتس، وصومالي يموت جوعاً، بئست “القرية الظالم أهلها”.
اذن يبقى الأمر هو:
قومية حاكمة : رجعية مرتبطة وعميلة وتندمج في عالمية راس المال
وقومية كامنة: ثورية واشتراكية وتندمج في أممية الطبقات الشعبية. ولهذه القومية دورها الواضح في تقويض المركز ومن هنا ثوريتها وعدائه لها، ومن هنا هي حليفة الطبقات الشعبية في المركز.
ومرة أخرى، فالأمة العربية واقعة تحت الاستهداف الأقصى من المركز وحلفائه، ربما في هذه الحقبة بالذات، أكثر من غيرها، ليس لأن هذا الوطن هو الأغنى والأخصب، بل لأسباب أهمها:
□ لأنها عاجزة بعد عن الدفاع عن نفسها مما جعل ثرواتها مستباحة، فلا بد أن يستميت العدو لإبقاء التجزئة
□ ولأنها بسبب النفط تمتلك سيولة مالية في حقبة اصبحت هذه السيولة دواء استمرار النظام الرأسمالي لا سيما في مركز المراكز، اي الولايات المتحدة.
من هنا، يصبح الوقوف ضد الوحدة العربية والأمة العربية هو وقوف رجعي بامتياز، وعمالاتي بوضوح. ومن هنا كانت ضرورة، ونأمل فائدة، ما كتبناه بتواضع ضد الدولة القطرية، (في حلقات سابقة) سواء عن قطريتها أو وجوب تفكيك مفاصلها أو في هذه الحلقات الخمس.
لقد حاولت في هذه الحلقات الخمس ترسيم كثير من القضايا، وحتى المغامرة بطرح قضايا ليست مألوفة، بل ويتربص بها أعداء متعددون، ولكن أود هنا إعادة ترسيم وتوضيح المسألة الجوهرية في حق العرب في الوحدة كطبقات شعبية، دون إغفال قط لواقع المساواة مع القوميات والإثنيات الأخرى الأصيلة في هذا الوطن، وهذا التوضيح يقوم على المثلث التالي، الذي أُشير إليه في الحلقات السابقة:
أولاً:وجود أمة على أرضها وحده الوجود الشرعي
ثانياً:امتداد الأمة في زمان هذا المكان ،الحيِّز، في التاريخ
ثالثاً:وجود مشروع لهذه الأمة هو مشروعها القومي للطبقات الشعبية، مشروع المصلحة المادية للطبقات الشعبية الذي يساهم في إنقاذ الوطن والعالم ليعبر الاشتراكية.
هذا لا يستثني اللغة والعادات والدين…الخ، لكننا اليوم في عصر يستوجب بلورة مشروعنا الوحدوي والاشتراكي القائم على ما يدفع الطبقات الشعبية لمشروع نضالي متميز عن ومضاد لِ مشروع التبعية لراس المال الكمبرادوري.
هذا المثلث يفترض مثلثاً آخر بالضرورة وهو:
أولاً:التقاط القوى الثورية بمن فيه المثقفين الثوريين المشتبكين للحظة الشعبية الحالية في الوطن العربي، لحظة الفوران لصالح المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان،
وثانياً:التقاط اللحظة الحبلى بالمتغيرات بسبب الأزمة الراسمالية العالمية ولا سيما تراخي قبضة عتاة راس المال.
وثالثاً:توظيف هذه وتلك لتفكيك مفاصل الدولة القطرية وصولاً إلى إسقاط السلطة القطرية وتحقيق الوحدة والإشتراكية.
ملاحظة من المحرر
ورد في الفقرتين التاليتين من الحلقة الثانية بالخطأ ما يلي:
1) الفقرةالتالية من ص 7 من الحلقة المذكورة، تكون الكلمة الأخيرة فيها أكثر (لذا اعدنا كتابتها بالأحمر) وليست اقل:
كانت قمة الاستخفاف بغير علم في موقف الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين أو الطرح الستاليني الذي اعتبر الأمة العربية “أمة في طور التكوين”، واعتبر في الوقت ذاته أن الكيان الصهيوني سيكون قاعدة للاشتراكية في المنطقة. مأخوذا بحركة الكيبوتصات التي كانت مصيدة لليهود ذوي النزعة اليسارية الذين لم يكن لهم ليصمدوا ضمن مشاريع خاصة سواء يقيموها أو يقيمها غيرهم من الراسماليين. لكنهم كانوا يهوداً وصهاينة، أما الاشتراكية فكانت صيغة من النوع الرديىء الذي يذوب مع الندى، فما بالك بالغسيل. اما هذه الكيبوتصات، فكانت مختبر خداع الكثيرين من يسار العالم الأبيض والعنصري كذلك، ولولا عنصريته لفهم أنه يتعاطف مع مستوطنة بيضاء. وهذا يعني أن تضمُّخه بالعنصرية والمركزانية الأوروبية كاناكثرتاثيراً عليه من الفكر الاشتراكي.
2) والفقرة التالية هي الأخيرة من نفس الحلقة حيث وردت في نهايتها كلمة المحيط، والصحيح في المركز، وكتبناها بالأحمر كذلك.
لكن اللافت، أن الصراع الطبقي في المركز طالما تم التجاوز عليه بآليات هي اساساً تصبح آليات ممكنة لخصي نضال الطبقات الشعبية لأنها اي هذه الآليات تضمن تدفق الفائض من المحيط إلى المركز، مما يرشي الطبقة العاملة هناك.إذن، فإن النضالات القومية في المحيط ضد الاستعمار ومحاولات تجريد برجوازية المركز من تثبيت نفسها عبر استخدام فوائض المحيط هو نضال تقدمي، بل يشكل رافعة لنضال الطبقات الشعبية في المركز.
[1] لا بد من الحذر من السقوط في التبعية للمركزانية الأوروبية البيضاء “اليسارية” هذه المرة التي تربى الكثيرون منا على يديها في الوقوف ضد القومية عامة والإسلام باكمله، فأصبح بيننا من اضاع كافة الثقافة الثورية الاشتراكية او الماركسية أو الشيوعية ولم يحتفظ إلا بموقف ضد العروبة وضد الإسلام ليجد نفسه في الطابور الآخر شاء أم ابى.
[2] هو اصطلاح يبين كيف يتولد عن الاستغلال الجنسي للرجال أولاد سفاحون من استغلال السكرتيرات، وقصدت فيه أن اليسار الذي يدعم الإمبريالية في النهاية، في المعركة الفاصلة يقف لصالحها، كما فعلت قوى يسارية غربية إبان تدمير العراق عام 1991، حيث وقف هؤلاء مع العدوان، كان هؤلاء مثابة ابناء السكرتيرة لراس المال بنظامه العالمي. أنظر مقالتي في كتاب:
See, Adel Samara, The New International Order, in The Gulf War and the New World Order, ed by Haim Bresteet and Nira Yuval Davis, Zed Books, 1991.