عزمي بشارة المفكّر الأجوف

الحلقة الأولى

يحي أبوزكريا

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1894)

آخر نظرياته أن حسن نصر الله يشبه حكام العرب في الستنيات و أن نصر الله لم ينتج للعرب والمسلمين أي إنتصار….

* * *

كان يوم نكبة عندما لبيت دعوة النادي الثقافي الفلسطيني في الجامعة الأمريكية في بيروت يوم الخميس 14 أيّار – مايو 2009، لحضور محاضرة للدكتور عزمي بشارة والتي تمحورت حول أسئلة النكبة والتاريخ، أو فلسطين قضية العرب أم مشكلة الفلسطينيين…

وأعترف أنني كنت أتتبع كل النتاج المعرفي لعزمي بشارة ليس من باب أنه يضيف إليّ شيئا جديدا، لكني قررت منذ زمن أن أعيد تفكيك نصوص عزمي بشارة ووضعها في سياقها الطبيعي، والتأكيد على أن عزمي بشارة أطلقت علية صفة المفكر ظلما وعدوانا وتجاوزا حيث بتنا نطلق الصفات الكبيرة على من لا يستحقها، وبقدرة قادر تحولّ الرجل الذي إستظلّ بظل الكنيست الإسرائيلي لسنوات إلى مرجع ومفكر للعرب والمسلمين، بل بات واحدا من أهم المعلقين في الفضائيات العربية ومنها قناة الجزيرة التي إحتضنته بتوجيه رسمي من أعلى المستويات في قطر.

و كنت دوما أقمع عقلي ووجداني لتأجيل غربلة أفكار عزمي بشارة وأدواره الجديدة في العالم العربي بعد أن ضخمّ إسرائيليا و ضخمّ من قبل من بينه وبين إسرائيل أوشج العلاقات وأعمقها في الجغرافيا العربية، مع العلم أن الحصيلة المعرفية التي وصلت إليها بشأن النتاج المعرفي لعزمي بشارة تشفع لي أن أنقل من الوجود الذهني إلى الوجود الخارجي ما تراكم لديّ من ثنائيات وتناقضات في فكر – أستخدم كلمة فكر هنا تجاوزا وتسامحا و كنت أريد أن أسميه التكديس الثقافي – عزمي بشارة..

وقد حدث ما دفعني للتعجيل بالشروع في مهمة قومية وإسلامية لتجريد عزمي بشارة من لقب مفكر عربي وبالتالي تسليط الضوء على حقيقة مشروعه الإختراقي في الدائرة العربية والإسلامية..

قبل شهور وعندما زار عزمي بشارة العاصمة اللبنانية بيروت، تطاول على المقاومة الإسلامية في لبنان وإعتبر ما أنجزته في تموز -يوليو 2006 ليس إنتصارا، وقالها صراحة في النادي الثقافي العربي.

وكرر الموقف نفسه في ذكرى النكبة في الجامعة الأمريكية، وكأنه جاء إلى بيروت ليتممّ ما بدأه المصريون من محاولات تفكيك كاريزما رجل وهب حياته للإسلام والمسلمين و تخليص فلسطين من الأسر الذي يجعلنا نحتفل سنويا بذكرى النكبة. إذن هو سعي فكري للنيل من شخصية السيد حسن نصر الله، والذي لم يدخل في صراع مع أحد، وحتى اللبنانيون بكل طوائفهم يعترفون أنه الرجل الوحيد الذي لم يلطّخ يده بدماء المدنيين بل كانت معركته مع الأعداء التقليديين و التاريخيين للعرب والمسلمين.

ومما قاله عزمي بشارة في محاضرته عن النكبة أن إسرائيل لو لم تنجز غير الإعتراف بها عربيا لكفاها ذلك، وأنا أقول لو لم ينجز عزمي بشارة لإسرائيل غير تقزيم شخصية حسن نصر الله وإنجازه الرباني لكفاه ذلك.

و قبيل إنتهاء المحاضرة التي جمعت بين الميمنة و الميسرة والقلب، وكانت تخوض في كل محور دون رابط منطقي بين المتواليات الفكرية، دخلت مع عزمي بشارة في سجال ساخن، تجاوز معه عزمي بشارة كل الخطوط الحمراء – علما أنّ عزمي بشارة رجل عصبي وحاد المزاج ولا يقبل النقد أو المناقشة ويعتبر نفسه نصا مقدسا، ويلقي كلامه على أساس أنه بديهيات ومسلمات على الجميع أن يقبل بها -، فمبدئيا طرحت عليه سؤالا إستفساريا حول آليات تفكيك الكيان الصهيوني، وقلت له صراحة أنّه يكررّ ويجتر ولا يوجد عقل فلسطيني أو عربي رسم لنا خارطة واقعية و علمية لتحرير فلسطين، وهنا بدل أن يتحدث عن التفكيك، فقد إستمات في تضخيم الكيان الصهيوني وتأسسّه على منطق المؤسسة، وغيرّ حديثه بإتجاه النيل من سماحة السيد حسن نصر الله، قائلا:

أن حسن نصر الله يكرر نفس خطاب الحكام العرب في سنة 1967 وهو يحوّل الإنجاز البسيط إلى هول إنتصاري تماما كما فعل حكام العرب في ذلك الوقت.

وهنا قاطعته قائلا : يا عزمي لكن حسن نصر الله ليس الحسن الثاني أو بورقيبة أو النميرى، وهنا ضجّت القاعة بالتصفيق، وبدل أن يصحح موقفه، قال هو حسن نصر الله و أنا عزمي بشارة، وواصل حديثه قائلا : كيف يبني حسن نصر الله نظرية زوال إسرائيل مستندا إلى مقولة لبن غوريون من أن أول هزيمة لإسرائيل ستشكل بداية لهزيمتها..

تمادى أكثر وقال : كيف نبني نظرية سياسية على قول لأحد الساسة اليهود، علما أن بشارة يبني كل طروحاته الفكرية على قالوا وقلنا، وأشار هذا وذكر ذلك، وهذا مبدأ إحتجاج منطقي، ويجيزه لنفسه ولا يجيزه لحسن نصر الله…

والأخطر ما في الموضوع أن عزمي الذي كان يشيد بالمقاومة كخيار أوحد لتخليص فلسطين من الأسر، ختم محاضرته بقوله : لن تتحرر فلسطين بمقاومة من الداخل، والفلسطينييون في الداخل لا يمكن أن يحرروا فلسطين، وهنا قلت له يا عزمي : أنت تطلب من الفلسطيين أن يشربوا قهوة ويتفرجون على الترسانة العسكرية الإسرائيلية و هي تحصد رؤوسهم..

وهنا أبدى بشارة إمتعاضا، وتبين كما لو أنه سجال شخصي بين يحي أبوزكريا وعزمي بشارة.

وقد أحصيت له : ثلاثين جملة تتناقض مع بعضها البعض، فأكدّ لي ذلك أنّ هذا الرجل جامع نظريات وليس منتجا لها، وهذا ما سأؤكده في الحلقات المقبلة.

وطبعا التهم الصهيونية التي وجهت لعزمي بشارة لم يكن الغرض منها إحراجه بقدر ما كان الهدف منها فرش بساط واسع له بإتجاه دوائر القرار العربي وقيادات المقاومة ليواصل مهمة الخرق و الإختراق من جهة على الصعيد السياسي والأمني، وليواصل الإختراق الثقافي عبر نشر عناوين عامة على غاية من الخطورة في العالم العربي، والأخطر ما في نصوص عزمي بشارة وهذا ما حملت على عاتقي كشفه، هو تمرير نص أو جملة ذات بعد إسرائيلي بين كل جملتين أو نصين جميلين عربيين وفيهما رنين الإبداع، وهنا لا يتشوّه الرأي العام العربي فقط، بل يتدكدك، ويصاب بالحيرة و الإضطراب بين ما هو نص أمني وضعه سيكولوجيو الأجهزة الأمنية وبين ما هو فكري.

ومن قبيل المتناقضات البشارية :

المقاومة ضرورة، لكن مقاومة لبنان لم تحقق شيئا يذكر، وقد لجأت إلى الدوغمائية لتعبئة الجماهير.

يجب ان يكون للاجئين دور تحريري، لكن الفلسطينيين في الداخل لا يمكن أن يحرروا فلسطين. الدولة العبرية قد تزول، لكن إسرائيل دولة قوية وذات مؤسسات وهي نجحت إلى أبعد مدي في إقامة كيان إقتصادي، والطبقة الوسطى فيها إنتعشت.

وهناك مئات النصوص التي فرزتها، و التي تبين واحدة من أمرين، إما إصابة عزمي بشارة بالشيزوفرينيا الفكرية وهذا قد يحدث، أو في داخله شخصيتان واحدة إسرائيلية والأخرى عربية كونه من عرب 48، وهما مطلوبتان لأداء الهدف الإستراتيجي الموكول لمن تربى في بيت العنكبوت…

والعجيب أن عزمي بشارة الذي أصبح عضوا في الكنيست الإسرائيلي سنة 1996، ظل مستظلا بفيئه، مقرا بشرعيته، حاصلا على راتبه ممن سرقوا زيتون شعبه، ومائلا لأمتيازاته ممن سرقوا ظاهر الأرض وباطنها.

وفي تلك السنين، التي كان فيها عزمي بشارة يحمل صفة عضو الكنيست، مرّت – ضمّ الميم – أخطر القرارات والقوانين في الكنيست، تلك القرارات التي شرعنت الحروب الصهيونية على لبنان وفلسطين، ولم يحركّ عزمي بشارة قيد أنملة في ذلك الوقت، ولو كان فلسطينيا حرا لما إختار الإنتظار إلى هذا اليوم لينسحب، أو ليبعد تكتيكيا، فرائد الإصلاح في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس وعندما طلبت منه فرنسا أمرا بدعمها قال :

والله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إله إلاّ الله لما قلتها..فيما عزمي بشارة و لدى تقديمه إستقالته للسفارة الصهيونية في العاصمة المصرية القاهرة، كتب في إستقالته ما يلي : “أقدم بهذا استقالتي من الكنيست. هذه هي الولاية/النيابة الرابعة لي في الكنيست منذ العام 1996، حيث بذلت أقصى الجهود في عملي بموجب القيم العالمية التي أؤمن بها، مثل المساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام العادل بين الشعوب، كما مثلت بإخلاص المواطنين عامة، والمواطنين العرب بشكل خاص.

حاولت من خلال نشاطي البرلماني ربط القيم التي أؤمن بها بالمنطق العملي والإستخدام الهادف للقواعد البرلمانية. وفي هذا السياق لا أنوي تلخيص مختلف النشاطات، وسأترك ذلك للآخرين، إلا أنني استطيع النظر إلى الوراء، والقول، برضا، إنني ساهمت في تطوير خطاب برلماني جديد يتصل بالمواطنين العرب كمجموعة قومية وبمصطلح المواطنة.

منذ الانتخابات الأخيرة وأنا أفكر بقرار الاستقالة من الكنيست، وتكريس وقت أكبر للكتابة الفكرية والأدبية، إلى جانب النشاط الجماهيري. علاوة على أنني كنت على قناعة بأن وجودي في الكنيست هو دور أقوم به، وليس مهنة “، وهذا إقرار أنه كان يمثل الصهاينة – المواطنين – وهذا يمنح المحتلين والمستعمرين اليهود شرعية ويمثل المواطنين العرب.

و هذه لعمري ألطف و أنظف وأخفّ و أحلى و أغزل – أشدّها غزلا – كتبت في التاريخ البشري، فهو لم ينددّ بإحتلال ولا بعدوان على هذه الدولة العربية أو تلك، بل كان ممثلا للصهاينة و الفلسطينيين – عرب 48 -، وهذه دلالة على الشيزوفرينيا فهو في الشاشات العربية يرعد ويزبد ضد الكيان الإسرائيلي، وفي مراسلاته الرسمية مع الإدارة الصهيونية يبدو لطيفا سمحا، ياليته قال في السيد حسن نصر الله ربع ما قاله للإدارة الصهيونية وهو يعلن إنفصاله التكتيكي عنها.

هل أوكل له دور آخر في الداخل العربي..دور ثقافي وسياسي وأمني، ذلك ما سنعرفه في الحلقات المقبلة

* عن موقع “منتدى الشروق”

http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=86490