الموالاة تسعى إلى إطاحة قواعد اتفاق الدوحة
والمعارضة متمّسكة بالثلث الضامن.. وتسعى إلى مراجعة شاملة
محمد ابراهيم
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1920)
شكلت نتائج انتخابات 2009 صدمة للمعارضة التي استفاقت على نتيجة لم يكن يتوقعها خصومها أيضاً. وإذا كانت هذه المعارضة لم تخسر حسابياً أي مقعد من المقاعد النيابية )ما زالت تحتفظ ب 57 مقعداً(، فإنها لم تنجح في استثمار النجاح السياسي والشعبي الذي تحقق لصالحها، والذي ترجم باتفاق الدوحة الذي فرض على الموالاة تراجعاً واضحاً ترجم أولاً بالقبول بانتخاب رئيس توافقي وليس رئيساً تقترحه الأكثرية النيابية، وثانياً بإعطاء الثلث المعطل في مجلس الوزراء للمعارضة، وثالثاً بتراجع 14 آذار عن مشروع مصادرة مراكز الدولة والإدارة في المجالات الأمنية والاقتصادية والمدنية، بشكل عام. وفي قراءة عامة لنتائج الانتخابات، تبين للمراقبين أن هناك أسباباً عديدة جعلت الموالين يحتفظون بالأكثرية في وجه المعارضة التي تمّ تجيير كل العالم ضدها. ويكفي الإشارة في هذا المجال الى التحذيرات العلنية التي صدرت عن الإدارة الأميركية ودوائر غربية وعن إسرائيل وبلدان عربية »معتدلة«، إذا ما فازت المعارضة في لبنان. لقد كانت الانتخابات اللبنانية تحت المجهر الدولي والأميركي خصوصاً، وهذا يكشف مدى اهتمام واشنطن وتورطها في هذه الانتخابات لصالح 14 آذار، والذي ترجم بتحرك كبار مسؤوليها وعلى رأسهم نائب الرئيس إلى لبنان، واجتماعه بأركان واقطاب فريق الموالاة. إذاً لقد كانت هناك أسباب عديدة جعلت المعارضة تخسر الانتخابات، لعل أبرزها:
1 – الإمكانات المادية الهائلة التي سخرت لصالح 14 آذار من موارد داخلية وخارجية، ولا يختلف اثنان بأن المملكة العربية السعودية تعتبر المصدر الأول الممول للحملة الانتخابية لهذا الفريق. أما في المقابل فقد تبين أن الكلام عن توازن مالي تحققه إيران لصالح المعارضة هو في غير محله، وإن الأموال التي صرفها الموالون على الانتخابات تفوق بأضعاف وأضعاف، الأموال التي صرفتها أطراف المعارضة.
2 – الدخول الأميركي والغربي المباشر على خط الانتخابات، حيث تم تقديم دعم سياسي و »لوجستي «لفريق الموالاة في لبنان والاغتراب.
3 – نجاح الموالاة بدعم مالي هائل من نقل آلاف المغتربين إلى الدوائر الحساسة التي تشهد منافسة شديدة مثل البترون والكورة وزغرتا والمتن وزحلة والبقاع الغربي. وقد فاق عدد المغتربين الذين صوتوا لصالح لوائح 14 آذار أضعاف عدد الذين صوتوا لصالح المعارضة، وهذا ما جعل النائب المنتخب سليمان فرنجية يعرب عن صدمته للعدد الهائل والامكانيات المادية الكبيرة التي سخرت لنقل أنصار اللائحة المنافسة إلى لبنان، من أبعد المسافات (أوستراليا، أميركا، والبرازيل( للمشاركة في الانتخابات.
4 – الحملة التي يمكن القول إنها تهدّ الجبال، والتي تركزت على العماد عون من جهات مختلفة خارجية ومحلية، حيث نظمت الموالاة منذ اتفاق الدوحة وحتى الانتخابات )رغم قرار التهدئة( حملة عنيفة على الجنرال، مستعينة بوسائل الإعلام التي تسيطر عليها، وببكركي التي تدخلت أكثر من مرة وأطلقت مواقف تستهدف التيار الوطني الحر وحلفائه، وكان آخر هذه المواقف تصريح البطريرك صفير قبل يوم من الانتخابات. يضاف إلى ذلك استعانة الموالين في حملتهم بمن سموا أنفسهم المستقلين أو الوسطيين، ويكفي الإشارة هنا إلى حملة النائب المنتخب ميشال المر على العماد عون، والتي تخطت حدود لهجة صقور 14 آذار. ولم تقتصر الحملة على عون على الصعيد الداخلي فحسب، بل نظَّم فريق 14 آذار في الاغتراب مستعيناً ببعض دوائر بلدان الاغتراب لا سيما في الولايات المتحدة حملة ظالمة على التيار الوطني الحر، متهماً إياه السير في المحور الإيراني السوري، وغير ذلك من النعوت. كل ذلك أدى إلى التأثير على جزء من الناخبين المسيحيين الذين كانوا يميلون إلى تأييد التيار، ولكنهم تراجعوا عن ذلك فاعتصم بعضهم في منازلهم،واقترع القسم الآخر لصالح لوائح 14 آذار و»المستقلين. «
5 – خطاب الشحن المذهبي الذي استخدمته الموالاة، لا سيما تيار المستقبل، مثل تكرار كلام النائب المنتخب سعد الحريري عن أحداث 7 أيار والهجوم على بيروت وصيدا وغيرها. وهذا عامل مهم، ساهم في كسب الآلاف من الأصوات على حساب الفريق المنافس.
6 – انخراط آلاف أعضاء المجالس البلدية والاختيارية في الحملة الانتخابية لصالح الموالاة، كما حصل في المتن وعكار والبقاع الغربي. مع العلم أن هذا العمل يشكّل عاملاً من عوامل التأثير على الناخب.
7 – تفسير مواقف رئيس الجمهورية الأخيرة، على أنها مناهضة للعماد عون ومؤيدة لخصومه، لا سيما أن الرئيس ميشال سليمان بدا واضحاً أنه مستاء من بعض مواقف العماد عون، والتي فسرت على أنها موجهة ضده، وتستهدفه في مرحلة ما بعد الانتخابات.
8 – مشاركة الإعلام الخارجي في الحملة على المعارضة والتهويل بأن فوزها يعني تغيير وجه لبنان، وتهديد كيانه.
ولا بد هنا من القول إن الإعلام المحلي التابع للموالاة ركز على هذا الأمر في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية، وحذر من الويل والثبور، إذا ما فازت المعارضة.
9 – وفي المقابل بدا أن المعارضة ذاهبة إلى الانتخابات باطمئنان، فلم تجار الطرف الآخر في الإعلام ولا في التحضيرات اللوجستية للانتخابات. لا بل إن المعارضة لم تكلف نفسها عقد اجتماع موسع واحد على مستوى الأقطاب والقيادات كما فعلت 14 آذار غير مرة. ويكفي الإشارة إلى أنه رغم التباينات التي ظهرت بين بعض أطراف هذا الفريق إلا أن التدخلات المحلية والداخلية كانت تفعل فعلها فتعيد وصل ما ينقطع بينهم وتجمعهم مرة في قريطم ومرة في «البريستول » ومرات في «البيال »، كل ذلك لتأكيد وحدة 14 آذار ووحدة الخطاب السياسي فيها، بينما بقيت المعارضة موحدة بالشعارات العامة، ولم تصدر بياناً واحداً مشتركاً، ولا برنامجاً انتخابياً مشتركاً، بل إن كل طرف من أطرافها نظم حملته لوحده. ويكفي الإشارة إلى ظهور الحملات الإعلانية الموحدة ل 14 آذار، بينما لم ترفع لافتة واحدة باسم المعارضة. لقد كان الثنائي الشيعي «أمل » و »حزب الله » مرتاحين لوضعهما في الجنوب وبعلبك الهرمل وظهر ذلك من خلال النتائج التي كان الفرق فيها بين لائحة المعارضة واللائحة المنافسة حوالى 95 ألف صوت. والفرق بين لوائح المعارضة في الجنوب واللوائح المنافسة عشرات الألوف من الأصوات. أما الحليف المسيحي العماد عون، فقد نظَّم تياره حملته بنفسه، مستعيناً بتحالفه مع الثنائي الشيعي في جبيل وبعبدا، وبتحالفه مع الحزب السوري القومي الاجتماعي في المتن والكورة ودوائر أخرى. وكان من الطبيعي أن يتركز الضغط على العماد عون، كون نتائج الدوائر المسيحية هي التي تحسم نتيجة المعركة، ويمكن القول أن التحضيرات للانتخابات في هذه الدوائر كان يمكن أن تكون أفضل، لا سيما على مستوى إشراك المغتربين في المعركة.
وبعيداً عن التنظير، فإن هناك عوامل أساسية حسمت المعركة لصالح الموالاة، وهناك نموذجان يجب الإشارة إليهما وهما:
أولاً في دائرة زحلة لعب الصوت السني الدور الحاسم في المعركة، حيث فاق عدد الناخبين السنّة على لوائح الشطب كل التوقعات وقد شارك منهم عدد ضخم تجاوز ال 28 ألف ناخب ذهب معظمهم أو غالبيتهم لصالح لائحة 14 آذار. وقد سبقت الانتخابات حملة استخدم فيها تيار المستقبل كل الأسلحة للضغط على الناخب السني ونجح في حسم المعركة. مع الإشارة إلى أن للتيار المذكور نائبين هما: عاصم عراجي )سنّي( وعقاب صقر )شيعي(.
من هنا فإن حذف هذا العامل أو إبقائه في الحدود الطبيعية، كان سيقلب النتيجة لصالح لائحة المعارضة. وفي أصعب الأحوال كان سيعطي المعارضة 4 مقاعد من أصل 7 ويعطي الثلاثة الباقين للموالاة. وفي الكورة تكرَّر المشهد نفسه لصالح لائحة الموالاة التي كان نجاحها مبنياً على ثلاثة عناصر: الناخب السنّي الذي ذهب معظمه للائحة المذكورة، وعامل المال الانتخابي الذي فاق كل التوقعات، وعامل المغتربين الذي رجح أيضاً كفة الموالين. وإذا ما تم احتساب نتيجة هاتين الدائرتين فقط، لتبين أن الفوز كان لصالح المعارضة وليس للموالاة.
أما الحديث عن دور الصوت الشيعي في حسم المعركة في بعبدا لصالح المعارضة فهو صحيح نسبياً باعتبار أن هناك مقعدين للشيعة في هذه الدائرة، وبالتالي فإنهما شريكان كاملان في اللائحة. كما أن الوضع في جبيل مختلف، حيث أن الفرق كان كبيراً جداً لصالح لائحة العماد عون.
أما في الدوائر المسيحية فإن النتيجة المسيحية تبقى لصالح الجنرال عون وتياره، حيث فاز بالمقاعد الموارنة الخمسة في كسروان )مع الإشارة إلى أن المسافة ضاقت بين اللائحتين( كما فاز بالمقاعد نفسها التي فاز فيها في المتن ) 6 مقاعد(، وفاز ايضاً بالمقاعد المسيحية الثلاثة في جزين، وحقق نتيجة جيدة على الساحة المسيحية في الشوف وعاليه والكورة. أما في البترون، فقد تعرض لخسارة، ولعب المال الانتخابي والمغتربون والحملة الإعلامية دوراً مهماً في هذه النتيجة.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن دور الناخب «السني » هو الذي لعب دوراً اساسياً في نجاح لائحة الموالاة في بيروت الأولى، بينما لم يسجل رقم أرمني كبير في الانتخابات، كما كان متوقعاً.
وفي الخلاصة، يمكن القول إن نتائج الانتخابات لصالح الموالاة يفرض على كل أطراف المعارضة مراجعة حساباتهم، ووضع برنامج واضح للمرحلة المقبلة، وتشكيل هيكلية تنظيمية لهذا الفريق، وعدم الاكتفاء بسياسة التواصل بواسطة الموفدين والمعاونين والمستشارين. وإذا كانت المعارضة تركز على مطلبها الأساسي، أي المشاركة بالثلث المعطل وما فوق، فإن الموالاة تسعى لاستثمار فوزها بتغيير قواعد اللعبة التي فرضها اتفاق الدوحة، ولا شك أن الكلام الإيجابي والهادئ الذي صدر عن أقطاب في 14 آذار يعكس رغبة في الحوار والتلاقي، لكن النتائج تبقى مرهونة بتطورات المرحلة المقبلة.
“البناء” 10/06/2009