د. صالحة رحوتي ـ المغرب
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1921)
ومرة أخرى اضطر الإسرائيليون إلى إعادة ما رددوه مرارا ـ وما هو المعلوم ـ علهم يتخلصون من أولائك “الطفيليين” أضحوا ثقيلي الظل و المتسببين في الكثير من المشاكل والعثرات، فلقد طُرحت للنقاش في الكنيست دعوة إلى اعتبار الأردن الدولة الفلسطينية المطالب بها من طرف الفلسطينيين، و كذلك من طرف بعض المهتمين بالقضية الفلسطينية عبر العالم ككل:
“… كشفت إذاعة الاحتلال العبرية النقاب عن أن البرلمان الصهيوني “الكنيست” يناقش قريبًا اقتراح قانونٍ يعتبر المملكة الأردنية الهاشمية هي “الدولة الفلسطينية”.وقالت الإذاعة مساء أمس الاثنين 18/5/2009م إن “لجنة الخارجية والأمن” البرلمانية تناقش اقتراح المتحدث باسم “الاتحاد الوطني” اليميني المتطرِّف أرييه ألداد “اعتبار الأردن هي الدولة الفلسطينية” ، وبحسب موقع المركز الفلسطيني للإعلام، نقلت عن النائب اليميني ألداد قوله: “إن هذا الطرح من شأنه ضمان أمن دولة “إسرائيل”، والاستجابة لطلب المجتمع الدولي منح دولة للفلسطينيين”…”(1).
قد يبدو هذا الاقتراح غريبا و صادما و حتى وقحا فجا بالنسبة لغير المتتبعين لمجمل المواقف السياسية الإسرائيلية، لكنه في الحقيقة ليس إلا حلقة من سلسلة من الخطوات أساسي تفعيل القيام بها ، وذلك من أجل الحفاظ على تواتر الإنجازات الضرورية لبناء صرح الدولة الإسرائيلية اليهودية الكبرى ، تلك التي ـ حسب الزعم منهم ـ “أنعم” بها يهوه على “شعبه المختار”.
ف”إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات” مقولة ما هي بالنكرة ولا غير المتداولة حتى بين العرب جميعهم…فإسرائيل لم تأل جهدا منذ المُخطِّط الأول لها “تيودور هرتزل” وإلى حد الآن في ترديدها من حين لآخر، و ذلك عسى أن يستفيق النائمون ويهب التائهون، ليس طبعا من أجل أن ينازلوها فيما تصبو إليه ـ فما هم الأهل لذلك ـ بل من أجل أن لا يضطروها للتكرار مُضن ومُضيع للجهد ضروري أن تتحرى عدم إنفاقه إلا فيما يُعين على تحقيق الأهداف معينة، وسُطّرت بعناية منذ زمن بعيد…
تريد منهم هم العرب الفلسطينيون أن يستوعبوا أن لا مكان لهم بين ظهراني مواطنيها اليهود، فهي اليهودية سواء أ قبلوا بترديد ذلك كما طلبت منهم أم لم يفعلوا…فالمسار مُعد والخطة محكمة والخطى سديدة، ثم ولا نشاز ولا تفلت ولا استهتار.
فلقد كان هنالك التذكير تلو الآخر…و الفلسطينيون يلهثون ساهمين وراء وَهْمِ سلام باهت…سلام يُسَوِّقُه ويدعو إليه فريق إسرائيلي سياسي مُدَّع للتفتح يتولى السلطة من أجل ذر الرماد في العيون واستكمال عمليات الاستيطان ومصادرة الأرض، ثم ويأتي بعده الفريق الآخر متشدد ينفي كل ما سطره ذاك الذي سبق، ويؤكد للعالم أجمع أن ما على غير المُتقبِّل لما يُمليه سوى أن يشرب البحر أو يرمي بنفسه بين أمواجه ، ذلك البحر الذي كانت إسرائيل يوما هي الموعودة أن يُلقى بها فيه…
ففي سنة 2002 ـ مثلا ـ وزع حزب “أفيغدور ليبرمان” ـ صاحب الشأن الآن ـ منشورات تدعو إلى “إخلاء الأرض لأصحابها” واتخاذ الأردن وطنا بديلا:
“…يُشار إلى أن “حزب الاتحاد الوطني” تكتلٌ انتخابيٌّ يمينيٌّ متطرِّفٌ تم تشكيله أواخر 2002، ويضم ثلاث أحزاب يمينية؛ هي: “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان، و”موليدت” بزعامة الحاخام بني أيلون، و”تكوما” بزعامة تسيفي هندل.
وسبق أن وزَّع الحزب المتطرِّف منشورًا على مسافرين فلسطينيين عبر جسر الكرامة على الحدود الأردنية في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2002 يحثهم على البقاء في الأردن بوصفها دولتهم القائمة التي يمكن أن يعيشوا فيها بعيدًا عن الكيان الصهيوني.
وجاء في المنشور الذي وزِّع باللغتين العربية والعبرية: “رافقتكم السلامة إلى الدولة الفلسطينية القائمة التي بات الفلسطينيون يشكلون 75% من سكانها.. لقد قمتم بالخطوة الصحيحة عندما قرَّرتم الانضمام إلى إخوانكم؛ ففي دولتكم لن تعانوا من الاحتلال، ويمكنكم ترشيح أنفسكم وانتخاب برلمانكم الخاص.. وكجانبٍ من خطةٍ إقليميةٍ، سيتم تطوير اقتصادكم وزراعتكم وبنيتكم التحتية ومياهكم بمساعدةٍ دوليةٍ”…”(2).
كما وُزعت خرائط سنة 2006 تثبت أن إسرائيل الكبرى مشروع حقيقي يتم الإعداد لتنفيذه، ولن يطول الوقت حتى يتم إثباته على أرض الواقع المشهود:
“… وكانت صحيفة “معاريف” قد نشرت في عددها الصادر يوم الأربعاء خبرا تحت عنوان: لم ينتظروا المسيح: الوكالة اليهودية أقامت الهيكل للحياة مجددا ، وقالت فيه قامت وزارة التعليم والوكالة اليهودية بتوزيع خرائط حديثة للبلدة القديمة لآلاف التلاميذ في عشرات المدارس في روسيا، إلا أنهم وضعوا مكان مسجد قبة الصخرة صورة للهيكل، وجاء في الخبر أيضا انه يظهر في الخارطة التي وزعت شعار دولة إسرائيل وشعار الوكالة اليهودية، كما يظهر في خلفية الخارطة المذكورة خارطة أخرى تظهر البلاد كما وعد بها إبراهيم ـ عليه السلام ـ وحدودها من النيل إلي الفرات (في ارض العراق)، علي حد قولهم…”(3).
وإذا كانت هذه المذكورة أعلاه من قبل الحديث المعاصر من الإشارات أو لنقل الإنذارات، فغيرها القديم كثير ومعروف ومتداول ومنذ زمن بعيد، ف”دافيد بن غوريون” لم يقل اعتباطا سنة 1937 ما ترجمته:
“…يجب أن نطرد العرب و نحتل مكانهم…”(4).
كما أن “جوزيف وايت” رئيس شعبة الاحتلال في الوكالة اليهودية لم يكن يهذي حين قرر سنة 1940:
“…يجب أن يكون الأمر واضحا بيننا، ليس هنالك متسع لاستيعاب شعبين في هذا البلد، و لن نتمكن من بلوغ هدفنا إذا بقي العرب فيه.ليست هنالك خيارات أخرى غير نقل العرب إلى بلدان مجاورة…كلهم، ولا قرية واحدة و لا قبيلة يمكن أن يبقيا…”(5).
وهكذا يبدو وكأن الأمر قد قُرِّر و منذ زمن الاحتلال الأول…اتفق آنذاك على أن على العرب أن يرحلوا… وليس فقط مما يُسمى “فلسطين” ، ولكن من كل ما يُطلِق عليه ذلك الآخر الغالب على الأمر “إسرائيل الكبرى”، تلك التي تحدث حولها “رافائيل إيتان”رئيس القيادة العامة للقوات المسلحة الإسرائيلية سنة 1983:
“…إننا نعلن بوضوح للجميع بأنه ليس للعرب أي حق في الإقامة ولو في سنتمتر واحد من أرض إسرائيل الكبرى…القوة هي الوسيلة الوحيدة التي يفهمون، ويجب علينا أن نستعمل القوة القصوى من أجل دفع الفلسطينيين إلى الزحف أمام أنظارنا…”(6).
تلك ال”إسرائيل” التي رسموا لها حدودا منذ البداية وفق مرجعيتهم التوراتية، وارتأوا أنها الممتدة من النيل إلى الفرات، وتلك التي قال بشأنها “بن غوريون”:
“…إن الخريطة الحالية لفلسطين رسمت تحت الحماية البريطانية، والشعب اليهودي يملك خريطة أخرى بجب على الشباب والبالغين تحقيق وجودها على أحسن وجه:تلك لدولة إسرائيل الممتدة من الفرات إلى النيل…”(7).
لكن يبدو وكأن كل هذه الإعلانات و حتى الصرخات ـ الواضحة لا المرموزة في الماضي كما في الحاضر ـ ما نفعت في إزالة الغبش عن أعين المسؤولين الفلسطينيين، وذلك حتى يكفوا عن خوض غمار خيال جامح، وتمثيل دور “القادة” على “أرض حقيقية كساسة حقيقيين”!!!
فلقد أعماهم وهج المال وحب الرئاسة، وخطف ألبابهم القعود على كراسي السلطة، فما أهَمَّهُم أن يستيقنوا من كنه وأبعاد ذلك الكيان الذي يعتقدون أنهم يتربعون على عرشه، أهو الموجود فعلا في مقررات تلك الدولة التي بوأتهم الحكم ؟؟؟أم أنهم فقط السجانين أُوكِلت لهم مهمة حراسة و قمع أمثالهم في بقعة أرض محددة ومحاطة بجدار العار حتى حين؟؟
تيه وأصابهم في مقتل ويصطرعون…يدورون حول أنفسهم كما وصفهم “رافائيل إيتان” مؤسس حزب “تزومت” المتطرف وصديق “أرييل شارون” الحميم إذ أعلن:
“…حينما سنحتل الأرض كل ما يمكن للعرب فعله هو الدوران حول أنفسهم كصراصير مخدرة سُجنت داخل قارورة…”(8).
يخبطون خبط عشواء إذا، وما كان لهم أن يكونوا المستديمين لفقدان العقل و المنطق حتى الآن، فلقد قام الإسرائيليون عبر التاريخ بكل ما يلزم من أجل تهيئتهم لتلقي الاقتراح أو لنقل القرار الأخير:اعتبار الأردن الدولة الفلسطينية…ومن ذلك رفضهم الآني القاطع وفي العلن الواضح لنظام الدولتين، وذلك بعد أن ورط سابقوهم في مركز القرار أولائك الفلسطينيين، واستغلوا سذاجتهم وجعلوهم يقبلون بتطبيع مشين، وبتوقيع معاهدات مركسة في وحل ذل مُهين…
ولعلنا نتمكن من إدراك لغز النصر الذي حققه للإسرائيليين زعيمهم السابق “دافيد بن غوريون” عندما نقرأ تصريحه ذات حين:
“…لو كنت زعيما عربيا لم أكن لأوقع معاهدة مع إسرائيل، هذا أمر عادي، لقد أخذنا بلدهم.لا شك أن الله وعدنا إياه، لكن في أي شيء يمكن أن يهمهم هذا الأمر؟فإلهنا ليس بإلههم. لقد كانت هنالك معاداة للسامية، و كذلك النازية و هتلر و معتقل “أوشويتز”، لكن هل هذا تم بفعل أخطاء منهم؟؟ إنهم لا يرون إلا أمرا واحدا: لقد سرقنا بلدهم، فلماذا عليهم أن يقبلوا بهذا الوضع؟…”(9).
فلقد تمكن من تثبيت أقدام دولته المُغتصِبة بسبب وعيه بأهمية “عدم موالاة المحتلة أرضُه للغاشم المحتل”، وما استطاع ـ في المقابل ـ “الزعماء” الفلسطينيون إلا نسف الفتات من الأرض تحت أقدام شعبهم باندلاقهم ركعا على أعتاب الأسياد المستعمرين.
فتات كانوا يعلمون مسبقا أنه “المتبرع به عليهم” حتى حين، فهم المنذرون بالرحيل منذ زمن طويل، لكنهم استلذوا التكالب على سلطة تُطعم مصالح شخصية ، واقتنعوا أنه لا ينبغي التفريط فيها ولو كان السبب تفعيل “إيديولوجيا” كانت تمجد الأرض والمقاومة سكنتهم ذات أيام ، ثم وغادرتهم حين هبت رياح السلطان عاصفة كنستها من كل فج من حناياهم ومن كل غور عميق…
لربما هو عسل الاستقواء بالغرب ـ أمريكا نموذجا ـ ما جعلهم ينسون علقم التفكير في موعد طرد قريب، عسل استلذوا طعمه بعيدا عن التحقق من أصله، أهو الأصيل أم فقط ذلك الزائف المغشوش…فقد قال أرييل شارون مخاطبا “شيمون بيريز” في برنامج بث في إذاعة “كول إسرائيل” سنة 2001:
“…كلما قمنا بعمل ما تقولون لي بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستفعل كذا وكذا…سأقول لكم قولا واضحا: لا تهتموا بالضغط الأمريكي على إسرائيل، فنحن اليهود من يتحكم في مسار أمريكا ويراقبها، والأمريكيون يعلمون ذلك…”(10).
هي استقلالية في التصرف وثبات على المرجعية ما وهب القادة الإسرائيليين الجرأة والقدرة على الاقتراح ثم تفعيل و تطبيق كل الاقتراحات، وهي تبعية و تأرجح وميل في الأمور عينها ما لم يترك ل”القادة” الفلسطينيين سوى خيار القبول والانبطاح أمام ما يُقترح ويُخطط لهم ومن أجلهم.
وختاما…
وقد أعرب الإسرائيليون الأقوياء عن رأيهم فهم حتما سينجرون…و حينئذ سيجعجع “القادة” ويثرثرون وحتى ينددون ويشجبون…ثم حين سيجد الجد سيحملون حقائبهم وحتى مفاتيح منازلهم…ثم وهم الخانعون المستكينون “سيقودون” شعبهم وينصرفون….
وهذه أدلة تثبت أن ذلك الجد قريب جدا…فهذا هو الهدف المسطر منذ الأول (11):
الهوامش:
للمزيد من الاطلاع انظر الروابط:
http://www.mondialisation.ca/index.php?context=va&aid=8852
http://www.globalresearch.ca/index.php?context=va&aid=8812
1 ـ “الكنيست” يناقش اقتراحًا باعتبار الأردن هي “الدولة الفلسطينية” ـ الثلاثاء 19 مايو 2009
http://www.paltimes.net/arabic/news.php?news_id=91390&
2 ـ المرجع نفسه.
4 ـ David Ben Gourion 1937, principal fondateur d’Israël.
http://www.aredam.net/citation-sioniste-genocide-palestiniens.html
5 ـ Joseph Weitz, chef du département colonisation de l’Agence juive en 1940, tiré de solution to the refugee problem A
http://www.aredam.net/citation-sioniste-genocide-palestiniens.html
6 ـ Raphael Eitan, chef d’Etat-major des forces de la défense israéliennes. Gad Becker, Yediot Aharonot, 13 avril 1983, New York Times, le 14 avril 1983.
http://www.aredam.net/citation-sioniste-genocide-palestiniens.html
7 ـ Ben Gourion.
http://www.aredam.net/citation-sioniste-genocide-palestiniens.html
8 ـ Raphael Eitan, chef d’Etat major des forces de défense israéliennes (Tsahal), New york Times, 14 avril 1983.
http://www.aredam.net/citation-sioniste-genocide-palestiniens.html
9 ـ David Ben Gourion, le premier ministre israélien, cité par Nahum Goldman dans le paradoxe juif, p. 121.
http://www.aredam.net/citation-sioniste-genocide-palestiniens.html
10 ـ Le premier ministre israélien Ariel Sharon, 3 octobre 2001, à Shimon Pères, cité sur la radio Kol Yisrael.
http://www.aredam.net/citation-sioniste-genocide-palestiniens.html
11 ـ http://la-paille-et-la-poutre.blogspot.com/2008/12/du-nil-leuphrate-le-drapeau-du-urheimat.html
12 ـ المرجع نفسه