نجاد.. أسباب كثيرة للفوز

فاطمة الصمادي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1926)

أسباب عديدة جعلت محمود أحمدي نجاد يفوز بملايين الأصوات ليكون رئيسا لإيران لدورة ثانية، أولها أنه لم يفقد مكانته لدى القطاعات المحرومة والفقيرة رغم ما وصف بأنه “إخفاق اقتصادي كبير” أوصل نسبة التضخم إلى 25%، وثانيها دخوله حربا شرسة ضد الفساد واستخدامه “لغة شعبية” هددت بقطع يد المفسدين وثالثهما الهجوم الكبير عليه وما يمكن وصفه بـ “المظلومية”.

بينما كان الفريق الانتخابي لمير حسين موسوي يدير عملية دعاية انتخابية قل نظيرها من حيث التكلفة المالية والأسلوب الدعائي غير التقليدي مدعوما من رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، كان أنصار نجاد يتطوعون مستخدمين أسلوبا شعبيا يقوم على التواصل المباشر. وفي حين اعتمد أنصار موسوي بشكل كبير على الإنترنت ورسائل الهاتف لتنسيق تجمعاتهم كان المسجد هو المركز لأنصار نجاد واتخذت أنشطتهم بعدا دينيا واضحا منه كالدعوة إلى الصوم، وفي يوم الاقتراع كانوا يتوجهون من المسجد بعد صلاة الفجر ليقفوا بانتظار أن يبدأ التصويت. أما الإعلام الخارجي فبدا مبهورا بشكل حملة موسوي الخضراء وبدأ يروج لمقولة “الانقلاب المخملي” وتعمد التركيز على التجمعات المؤيدة له كما تعمد تجاهل أنشطة مؤيدي نجاد وغيبهم بشكل مقصود عن المشهد الإعلامي العالمي، وانضم صحافيو الوكالات والصحف والفضائيات إلى جوقة مهاجمة نجاد بشكل لم تشهده أي من الدورات الانتخابية السابقة.

وفي مقابل البذخ الذي شهدته حملة موسوي وكروبي كانت الحملة الانتخابية لنجاد متقشفة تشبه أسلوبه في الحياة الذي لم يغيره حتى بعد أن أصبح رئيسا، وحملت لافتات مؤيديه شعارات تصفه بـ “الرئيس الذي يشبه الشعب” بل وعاتبه أحد مؤيديه على مدونته الالكترونية لأنه “بدأ يغير في شكل لباسه “، والبساطة تلك هي التي جعلته أثيرا في قلوب الفقراء والشباب المتدين الذين يرونه الأكثر وفاء لخط الثورة كما رسم خطوطها الإمام الخميني. وطوال فترته الرئاسية ظل نجاد قريبا من الفقراء وزار قرى نائية ومحرومة لم تطأها قدم مسؤول من قبل وبينما كانت التقارير الإخبارية تنقل سخط الناس جراء سياسته الاقتصادية في مناطق لا يمكن وصفها بالفقيرة كان نجاد يلقى استقبالا حاشدا في المدن والقرى البعيدة عن العاصمة.

أما الفساد، فلم تكن المناظرات التلفزيونية غير المسبوقة التي جمعته مع منافسيه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها عنه، فقبل عام أعلن نجاد من “قم” المواجهة مع ما أسماها بـ “مافيا النفط” وهدد بكشف أسماء شخصيات تسيء استغلال المال العام، وفي المناظرات وجه نجاد أصابع الاتهام مباشرة لأبناء رفسنجاني وابن رئيس مجلس الشورى السابق ناطق نوري، وسأل منافسه موسوي بشكل استفزازي إن كان لا يعلم ماذا يفعل أبناء الاثنين وعاتبه لقبوله أن يمول رفسنجاني حملته الانتخابية. ويبدو أن عودة موسوي الذي يعرف بأنه محافظ معتدل مستظلا بعباءة الإصلاحي خاتمي ومدعوما من رفسنجاني قد أضر به كثيرا رغم رصيده الإيجابي لدي الناس منذ أن كان رئيسا للوزراء في فترة الحرب مع العراق. وكان اللافت للنظر أن الإعلام الغربي لم يلق بالا لأي مما قاله نجاد بهذا الشأن واختار من مناظراته جميعها موضوع المحرقة ليؤكد أنه أعاد تكرار مواقفه السابقة منها.

وفي هذه الانتخابات تعرض نجاد لهجوم غير مسبوق، واتهمه خصومه بأنه جر إيران إلى العزلة وأراق ماء وجه الإيرانيين في جنييف، وتساءل نجاد مستغربا عن تلك العزلة مؤكدا أن أكثر من 150 رئيس دولة ومسؤولا دوليا كبيرا زاروا إيران خلال فترته الرئاسية الأولى، ودافع نجاد عن “دبلوماسية الشعب” التي انتهجها طوال السنوات الأربع الماضية. لقد شعر الكثير من الإيرانيين أن الهجوم على نجاد بهذه الصورة لم يكن منصفا، فشاطروه الإحساس بـ “المظلومية” وكان من اللافت للنظر أن يحصل على أعلى الأصوات في مدن وقرى مسقط الرأس لمنافسيه الثلاثة وخصومه السياسيين بمن فيهم رفسنجاني وناطق نوري.

ومستقبلا يبدو أن الأيام السابقة كشفت عن معضلات داخلية ستواجه نجاد في فترة رئاسته المقبلة في مقدمتها أن خصومه لن يفوتوا أيه فرصة للإطاحة به وسيعملون على إفشاله، أما المواجهة مع الفساد فسيكون لها الكثير من التبعات.

(العرب اليوم)