دعوة صريحة للحرب…؟!

نواف الزرو

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1936)

خطاب نتنياهو: بلورة للإجماع الوطني الإسرائيلي مقابل الرفض الفلسطيني.

أهمية خطبة نتنياهو: رسمت الاتجاه الذي يستطيع أكثر الجمهور اليهودي في اسرائيل التوحد حوله.

اذا أصرت الجماعة الدولية على أن تسمي ذلك دولة، فإن نتنياهو قد اعطاها مطلوبها.

إسرائيل وصلت إلى أقصى حد من التنازلات التي يمكن لها أن تقدمها”.

* * *

خطاب لا يبشر بجديد…وكما كان متوقعا، فهو خطاب استهلاك وتضليل ولاءات كبيرة تجاه كافة الملفات والحقوق الفلسطينية..!.

وان كان نتنياهو استخدم مصطلح دولة فلسطينية منزوعة السلاح، فقد جردها من مقوماتها كدولة سيادية، فهي دولة دون اي سيطرة على البوابات الفلسطينية البرية والبحرية والجوية، وبدون القدس، وبدون اللاجئين.

ويمكن القول ايضا هنا : إن الجبل تمخض فلم ينجب سوى نتنياهو الذي خرج لنا كما كان بل واشد وضوحا صهيونيا استعماريا، اذ تمسك نتنياهو بثوابته الايديولوجية الاستعمارية التي لا تتقن سوى لغة الحراب والحروب والاستعمار الاستيطاني والغاء الآخر العربي…!.

عكيفا الدارالمعلق البارز في صحيفة هآرتس يقول: ان الخطاب اعاد الشرق الأوسط الى ايام “محور الشر” ، وتابع: لقد القى نتنياهو خطابا أبويا استعماريا وفقا لأفضل تقليد للمحافظين الجدد: ان العرب هم الأشرار، او في احسن الاحوال ارهابيون ناكرون للجميل، وان اليهود، بالطبع، هم الأخيار، وهم اناس عقلانيون بحاجة الى تربية ورعاية اطفالهم.

ما يعني بدهيا اننا سنكون امام صراع مفتوح وحروب مفتوحة ما بين الخير والشر حسب نتنياهو..!.

المحلل الاسرائيلي جدعون ليفي كتب في هآرتس معلقا حول خطاب نتنياهو في قلعة المستوطنين جامعة بار ايلان وقبل ان يلقي نتنياهو خطابه، قائلا: “ان نتنياهو سيحدد مصيرنا في هذه الامسية: هل نتوجه نحو (60) عاما اخرى من اراقة الدماء والقتل والعزلة الدولية والعيش على أسنة الحراب، ونهب العقارات وابقاء ابناء الشعب المجاور تحت احتلال وحشي لا رحمة فيه، ام اننا نسير نحو بداية جديدة واستنهاض للمشروع الصهيوني كله، مضيفا: ليس رئيس الوزراء وحده بل المجتمع كله سيردان في هذا المساء مختارين: السلام او الحرب، هذه فرصة نتنياهو التي لا تتكرر لمعانقة التاريخ، ليس كمؤرخ مثل والده وانما كصانع للتاريخ، بضع كلمات وستفتح بوابة ضخمة امام اسرائيل، فلتفتح لنا هذه البوابة يا نتنياهو في لحظة اغلاق البوابة”.

وجاء الجواب من نتياهو واضحا سافرا، فقد اختار ستين عاما اخرى من الحروب والمجازر، وكما هو متوقع لم يفتح البوابة ولم يعانق التاريخ، ولم يصنع شيئا حقيقيا من هذا التاريخ الذي كان روجه له رئيس “اسرائيل” شمعون بيريز حين بشر الرئيس اوباما قائلا: ان حكومة نتنياهو ملتزمة بالسلام، ونتنياهو يرغب في ان يصنع التاريخ، وفي اسرائيل يصنعون التاريخ بالسلام وليس بالحروب.

ورغم ان نتنياهو لم يقدم شيئا حقيقيا في خطابه يؤشر لاحتمالية منطقية للتسوية مع الفلسطينيين، الا انه حظي بترحيب واسع اسرائيلي وامريكي واوروبي، وكان واضحا ان هذا الترحيب منافق ومصطنع …!

اسرائيليا- لخص الجنرال احتياط موشي يعلون المضمون والابعاد الحقيقية لخطاب نتنياهو قائلا: ان خطاب نتنياهو هو بلورة للإجماع الوطني الإسرائيلي مقابل الرفض الفلسطيني، مضيفا: إنه يعبر عن رأي الأغلبية الصهيونية، مردفا: إن النقاش حول حل الدوليتين مبتذل.

والمحلل الاستراتيجي ايتان هابر يضيف في يديعوت 15/6/2009: في بحر من الكلمات قيلت كل الكلمات التي سربت الى وسائل الاعلام على مدى الاسبوع: تجريد، القدس لنا الى الابد، الاعتراف بدولة يهودية، لن نبني مستوطنات جديدة، شيء ما عن “النمو الطبيعي” وهكذا دواليك، كان هذا خطابا برنامجيا، سياسيا – امنيا لو أنه القي دون جلبة اوباما لحظي باهتمام اقل.

اما درور ايدار فكتب في “اسرائيل اليوم” 16/6/2009″:”أهمية خطبة بار ايلان أنها رسمت الاتجاه الذي يستطيع أكثر الجمهور اليهودي في اسرائيل التوحد حوله، وسيتبين أن الاقوال التي قالها نتنياهو قد توحد صفوف الشعب ازاء التحديات الشديدة التي تواجه اسرائيل، وكانت الخطبة صوغا لكلام سابق قاله بنيامين نتنياهو يتعلق بالشروط السياسية والأمنية في كل تسوية سلمية، اذا أصرت الجماعة الدولية على أن تسمي ذلك دولة فإن نتنياهو قد اعطاها مطلوبها.

بل ان دان مريدور وزير الشؤون الاستخبارية في الحكومة الإسرائيلية كان الاوضح حينما استبعد في سياق مقابلة إذاعية/ الثلاثاء 16 / 6 / 2009 التوصل إلى أي اتفاق إذا ما استمر الجانب الفلسطيني في الإصرار على تطبيق حق العودة وتقسيم القدس وإقامة جيش فلسطيني، مؤكدا: أن إسرائيل قد وصلت إلى أقصى حد من التنازلات التي يمكن لها أن تقدمها.

الليكود باجماعه وقف وراء الخطاب بما اشتمل عليه من لاءات وخطوط سياسية، والعمل كذلك الامر، ولم يتأخر كديما عنه، الى جانب كافة الاحزاب الدينية واليمينية المتشددة التي ذهبت في تطرفها ابعد من خطاب نتنياهو…!

لقد جاء الخطاب اذن، مدججا بالايديولوجيا والاستراتيجيا والامن والاقتصاد والنوايا الشريرة، رابطا كل ذلك على نحو خفي بهواجس “ارض اسرائيل الكاملة ” و”الدولة اليهودية النقية” التي لن تقوم لها قائمة الا بالتخلص من وجهة نظرهم من الخطر الديموغرافي العربي، عبر سياسات التطهير العرقي التي لم تتخل عنها الدولة الصهيونية منذ اختراعها عام/1948…!.

واصبحنا كذلك امام اجماع سياسي اسرائيلي وراء هذا الخطاب، وبهذا الاجماع تغدو اسرائيل على حقيقتها بلا قناع، والحكومة تصبح عمليا ببرنامج ايديولوجي متطرف، واجندة حربية صارخة، ولذلك لن نرى في ظل هذه الحكومة عمليا -سوى لغة القوة والغطرسة والاخضاع والتهديد والوعيد…!.

الى ذلك فقد خفض نتنياهو ليس فقط من سقف الاوهام والتوقعات الفلسطينية العربية، وانما حطمها وشظاها بلا رحمة وحطم الآمال التسووية معها، وحطم معها رهانات دول الاعتدال العربي التي تبنت السلام كخيار استراتيجي، وحمل المنطقة كلها ليضعها مجددا أمام التهديدات والمخططات والمشاريع والاطماع الصهيونية على حقيقتها…!

فحينما تجمع الخريطة السياسية الاسرائيلية على اللاءات الكبيرة والتنكر لكل الحقوق العربية الفلسطينية ولكافة المواثيق والقرارات الاممية، وحينما تجمع على اختطاف الوطن العربي الفلسطيني بكامله والى الابد، فان في ذلك لو كنا في زمن عربي عروبي حقيقي دعوة صريحة للحرب…!.

nawafzaru@yahoo.com