وراء الخطابات مخططات لإنهاء قضية وأمة!

“خذ لك كلام زين وعطيني كلام زيّهْ”

عادل سمارة

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1936)

إعتلى المستعمِر الحداثي المنبر الحزين الذي اعتلاه من قبل محمد علي وسعد زغلول وعبد الناصر. تحدث اوباما في مصر مستشهدا بالقرآن الكريم مرات عدة، ولم يبق عليه سوى أن يعتمر العمامة (كما فعل نابليون) ويقدم طلب إسلام إلى الأزهر. وكل ما في الأمر أنه باع المسلمين وليس العرب، حقنة من البلاغة، فالعرب لم يَرِدوا على لسانه الأعجمي قط. وبالمثل لاقاه عرب أميركا بكلام أبلغ. هكذا كان يرد الفريقان من الفلاحين على بعضهما في سهرات الأعراس (السحجة تحديداً):

ُخْذ َلْك كلام زين وعطيني كلام زيَّهْ.

ألقى لهم بكلام، وسمع منهم كلاماً، لكنه احتفظ بوطن وأمة سبايا بيده لزمن قادم قد يطول، طالما بقي هؤلاء أحياءً ومتسلطين. نعم:

هتفوا لمن شرب الطلا في تاجهم وأباح عرشهم فراش غرام

ومشى على آثارهم مستهزءاً ولو استطاع مشى على الأهرامِ

في حمأة الاستعداد الرسمي العربي لاستقبال خطاب أوباما، خطر لي أن أكتب عن المسألة الجوهرية في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع العربي الصهيوني، المسألة الخطيرة بل الأخطر وهي شطب حق العودة. فكتبت قبيل زيارته الإذلالية بايام قليلة في كنعان الإلكترونية: السنة التاسعة ـ العدد 1906 30 ايّار (مايو) 2009 ، (جذور الزائر أوباما ليست كجذور الفلسطينيين: فلسطين وطن وليست مكاناً) قصدت بهذا طرح وجهة نظري في :

1) إن مشروع الدولة منذ الكذبة الكبيرة لشعار السلطة الوطنية على كل شبر محرر عام 1973 وحتى اليوم هو مشروع وراء تصفية حق العودة، وهو على اية حال الآن شاهد على الصراع المحموم بين كبريات الفصائل فتح وحماس. فلا شبر تحرر بعد، فما معنى “الدولة[1]“؟ ما معنى، بل ما هو الهدف من دولة في بطن الاحتلال؟ وإذا كان الصراع على سلطة الحكم الذاتي قد أوردتنا التذابح، فماذا سيحل بنا مع دولة بلا وطن؟

2) إن الهدف الأوروبي والأمريكي كأعداء بالضرورة والاستمرار هو تحويل قضية الشعب الفلسطيني من قضية سياسية/وطنية /قومية إلى مجرد قضية إنسانية، وبالتالي ليست قضية وطن. وهذا ما توقعته من خطاب أوباما أن يقارن بين حقوق ونضال شعبنا وبين حقوق ونضال السود في أميركا. ومرة أخرى، فالسود هناك أُستجلبوا كأفراد ومجموعات وليس كشعب وبالتالي، فما قبلوه لأنفسهم لا ينطبق علينا. إن أخطر ما جاء في خطاب أوباما هو هذا ، لأنه يقصد شطب حق العودة. وهذا ما فعل حيث نصحنا بأن نفعل كما فعل هو وكونداليزا رايس في خدمة الرجل الأبيض. أما السود الحقيقون فيتطوحون في شارع هارلم متضورين جوعاً حتى ايام الازدهار الأميركي، فما بالك اليوم؟

دولة الخطابات

لذا، جاء خطاب أوباما ليتحدث عن دولة، وليس وطناً لفلسطينيي الضفة الغربية، ولم يحدد مساحتها، فقد يكون باعاً ليكون قبراً: ألم يقل أحدهم “واترك لقبرك ارضاً طولها باعُ”. كما أكد أن تكون منزوعة السلاح. وتبعه خطاب نتنياهو الذي لم يتجاوز خطاب أوباما، إلا في كون خطابه بالعبرية. وبسرعة لم يتوقعها أحد رد الأوروبيون والأميركيون مؤيدين خطاب نتنياهو. وكان هذا مدهشاً لعرب التبعية الذين اشبعهم الخطاب المجرد في خطاب أوباما، وبالطبع منهم من لم يفهمه ومنهم من رغب في تخطيب الخطاب ما يحب أن يسمعه هو.

أطرف استخفاف بالعرب وبالنفس، نفس المتحدث، كان من وزير خارجية السويد الذي تترأس بلاده بعد ايام الاتحاد الأوروبي حيث قال عن خطاب نتنياهو:

“يكفي أنه ذكر كلمة دولة، يا للهول! نطق أبي جهلٍ بالشهادتين”. أمر عجيب أن يكون هذا النفاق للكيان الصهيوني، والاحتقار ، وكلمة احتقار قليلة، على أصحاب المبادرة العربية[2].

بعدها خطب الرئيس المصري، قائلاً، إن الوقت مناسب لتسوية عادلة. حديث فضفاض لا حدود ولا شواطىء له. ثم خطب رئيس وزراء الحكم الذاتي وأكد أن دولة فلسطينية ستقام خلال عامين. وبالطبع لم يقدم اية دلائل ولا حدوداً.

للخطابات معلِّم واحد!

لم ينطق الخطباء عن الهوى. فوراء كل ما يحدث هناك شغل فكري/استراتيجي /مخابراتي/عسكري خطير وكبير، تقوم به أل (ثنك تانك -ث ت – Think Tank اسميها هكذا لعدم اقتناعي بتسمية لها بالعربية).

لنرجع قليلاً إلى الوراء. عُقدت في واشنطن عام 1993 ورشة عمل اقتصادية وخرجت بكتاب عن العلاقة الاقتصادية بين الكيان وبين الضفة والقطاع. وضمت اقتصاديين من أميركا برئاسة ستانلي فيشر (هو اليوم حاكم البنك المركزي للكيان) واقتصاديين من الكيان ومن الأردن ومن الضفة والقطاع. بالمناسبة كان من فريق الضفة كل من د. عاطف علاونة و د. عمر عبد الرازق.

كان ملخص الكتاب، أن الضفة والقطاع لن تكونا كياناً مستقلاً اقتصادياً. لم ينص الاتفاق على منطقة تجارة حرة بين الطرفين لانعدام وجود الحدود الجمركية بين المستمِر والمستعمَر، لأن الضفة والقطاع ليستا دولة مستقلة! أما عملياً فالضفة والقطاع منطقة مفتوحة للكيان! ليس هذا مجال الحديث، بل مجاله أن نفس هذا الكتاب جاء في اتفاق باريس الاقتصادي بين منظمة الحرير والكيان الصهيوني عام 1995.

ليس الأمر توارد خواطر بالطبع. بل تخطيط ومن ثم تنفيذ. وعليه، فالمفاوضين الفلسطينيين في باريس كانوا يتحركون ضمن خطوط محددة.

وهكذا الخطابات الأربع المذكورة أعلاه. فما ورد فيها كان قد كُتب مؤخراً في وثيقة نكتب هنا تفاصيل عنوانها بالإنجليزية لتسهيل الرجوع إليها:

· U.S /Middle East project

· Henry Siegman, President, Brent Scowcroft Chair, International Board.

· A last Chance for a Two State Israeli-Palestine Agreement

· A Bipartisan Statement on U.S. Middle east Peacemaking

· By, Zbigniew Brzeinski, Chick Hagel, Lee H. Hamilton, Carla Hills, Nancy R. Pickering, Brent Scowcroht, Theodore C. Sorensen, Paul A Volcker, James D. Wolfenson.

· E-mail: usmep@usmep.us

· http://www.usmep.us/

ملخص الوثيقة التي من 17 صفحة هو أن مصلحة الولايات المتحدة قبل خروجها الشكلي من العراق، وهو برايي مهزوم على كل حال، لا بد أن تتوصل في الأشهر أل 6-12 القادمة، إلى دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، منزوعة السلاح، وإن هذا في مصلحتها ومصلحة الكيان، وإن علاقتها مع إسرائيل استراتجية، وأن مصير اللاجئين هو التعويض والتوطين، وأن تبادل اراض سيحصل بين الطرفين وأن المستوطنات باقية…الخ.

من هنا، رغم التعارض الشكلي بين خطابي أوباما ونتنياهو، فإن اوباما وحكام أوروبا باركوا خطاب نتنياهو!

وهم الدولة ونصف الحل

كان لا بد من أجل تطبيع الشارع الفلسطيني على التخلي عن حق العودة، أن يُرمى له بأكذوبة الدولة. هكذا تاريخ الاستعمار: أن يعيث فساداً وأن يخلق مصالح للنخب كي تخون الطبقات الشعبية. نعم شبه دولة ونصف حال، فأية معادلة هذه؟

نصف دولة، لأنها كما وصفها المشروع الميركي أعلاه. وليس هذا وحسب، بل لأن فلسطينيين يرون في ذلك أكثر وأعلى من سقفهم. أما نصف الحل هذا فكافٍ لشطب حق العودة وقتل كل من يقاوم حتى يقول لا إله إلا الله. أما نصف الحل، فلأن الحل الفعلي هو هزيمة ماحقة للكيان الصهيوني، وهذا لا يتأتى إلا بالمقاومة، ليس للكيان وحسب، بل للدولة القطرية ايضاً. والمهم أن هذا محال هذه الأيام لأن الكيان ما زال ضرورياً لمصالح الغرب في الوطن العربي، وهي مصالح لا تُبقي للعرب مصالح في وطنهم. فربما يتحرك عرب هنا أو هناك، ربما يحاولون تنمية ما، تأميماً ما، وهنا يبقى الكيان ضرورياً.

جيش عربي في خدمة الكيان

يقولون أن غزة لم تنتصر على العدوان الأخير، كما لم ينتصر حزب الله. لا بأس، ولكن العدوان لم يهزمهما. فالاحتلال ليس مستعداً لقتل جنوده. لا بد إذن من جنود بلا ثمن. وعليه، إما أن تقبل حماس باحتلال عسكري عربي بلا قتال، أو احتلال بقتال.

لماذا نسميه احتلالاً؟

إذا كانت سيناء وهي أرض أكبر دولة عربية ما تزال تحت الاحتلال العسكري الصهيوني، وإذا كانت دولة بوش-أوباما بلا سلاح، كيف يمكن للكيان أن يسمح لجيش عربي أن لا يكون تحت إمرته في غزة؟ بل سيكون. فما معنى هذا؟ معناه حصان طروادة. معناه أن الدول العربية تعترف بالكيان وتقدم له جيشا تحت إمرته. وماذا يريد اكثر من هذا؟ جيش لتصفية المقاومة، وبعدها سيطرد الاحتلال هذا الجيش وقد يطرد معه أهل غزة بعد أن يفقدوا اسلحتهم ويُثخنون بالجراج.

عندها تكتمل الصورة، يصبح الاعتراف بالكيان تحصيل حاصل، ويتحقق مطلب اوباما باعتراف 57 دولة عربية وإسلامية بالكيان. ويظل نصف حل، لأن الكيان باقٍ، ولأن مقاومة عربية سوف تُزهر مرات ومرات. هذا رغم دور الجيوش العربية ورغم إئتمارها بإمرة الناتو!


[1] حينما قام الاحتلال بإعادة الانتشار في مدن الضفة الغربية زعم البعض واحتفل بأن المدن تحررت، ولكن دوريات الاحتلال بقيت تهتك المدن كما القرى والمخيمات.

[2] أذكر عام 2005 حينما أخذ الكيان بطرد حاملي الجنسيات ألجنبية، كانت زوجتي عناية من بينهم، وخلال احتجاجي لقناصل الدول الغربية كانوا يقولون: ” هذه إسرائيل This is Israel