سؤال اليوم ـ ما الفرق بين ابراهيم وعادل؟

عمر حلمي الغول

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1944)

استوقفني مقال للاخ مهند عبد الحميد امس دافع فيه عن الروائي والشاعر ابراهيم نصرالله وزيارته للوطن الاسبوع الماضي برده المباشر على الدكتور عادل سمارة، الذي اتهم الاديب نصرالله بـ”التطبيع” لمجرد انه زار وطنه، وطن ابائه واجداده. وهذا دفعني لاستخراج مقال د. سمارة من موقع مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، الذي جاء بعنوان: ” من حرب غَُوَار الثقافة الى التطبيعي فارغ اللغة ابراهيم نصرالله”.


من المؤكد انني لم افاجأ بما جاء في مقالة الدكتور عادل، لانه يعتبر نفسه “وكيلا حصريا” للوطنية الفلسطينية، ولان معاييره غير الموضوعية والبائسة، هي المعايير التي تقاس من خلالها وطنية او عدم وطنية اية شخصية فلسطينية؟! رغم ذلك اعتقد ان الدكتور سمارة ذهب بعيدا في مغالطاته واتهاماته ليس فقط للاديب المبدع ابراهيم نصرالله، بل للراحل الكبير شاعر الشعب والقضية والامة محمود درويش وللراحل والمفكر العالمي ادوارد سعيد ولكل العائدين من الفلسطينيين. ولا يعلم المرء كيف لرجل من المفترض انه مثقف فلسطيني، ويدعي الدفاع عن الوطنية الفلسطينية، ويدعو لتجذيرها في التربة والتاريخ الفلسطيني يصل في خوائه الفكري والسياسي الى هذا الحد من العدمية والاغتراب عن الهوية والثقافة الوطنية.


واذا كان يعتقد الدكتور سمارة ان اي شخص فلسطيني زار بلده ووطنه للتواصل معه ومع جذوره الثقافية والمعرفية، ومع ناس وطنه وزملائه من المثقفين “مطبع” مع اسرائيل ومع ثقافة الاحتلال، لماذا لا يرحل عن الوطن حتى يحمي نفسه من التطبيع؟ واسأل اليساري جدا هل استطاع الاحتلال على مدار العقود الماضية من احتلاله للارض الفلسطينية ان يفرض خياره ومنطقه وثقافته على اي مثقف وطني؟ هل استطاعت او تمكنت سلطات الاحتلال الاسرائيلية من مصادرة حق اي مثقف فلسطيني بالتعبير عن نفسه؟ وما هي معايير التطبيع مع الاسرائيليين؟ هل العودة الى الوطن تعتبر ” تطبيعا “؟ كيف؟ ولماذا؟ وما هي اسس ذلك؟ وهل على الفلسطينيين الذين عادوا الى وطنهم ان لا يعودوا قبل ان يعود الملايين الستة من الفلسطينيين؟ واذا عاد عشرات الالاف منهم هل يُعتبروا انهم باعوا اشقاءهم ودخلوا دورة التطبيع؟ وهل النظرة الى زيارة المثقفين العرب الى الارض الفلسطينية هي ذات النظرة للمثقف الفلسطيني؟ الا يوجد فرق بين الحالتين؟


القراءة الموضوعية لما جاء في مقالة د. عادل سمارة تشير الى انه غادر المنطق العقلي في محاكمة الاشخاص والقضايا، فضلا عن ان محاكاته لزيارة الروائي والشاعر نصرالله ومن خلاله الكل الوطني بغض النظر عن موقعه ومسؤولياته، تبدو محاكاة نرجسية ذاتوية مفرطة، لاتمت بصلة لمعايير الوطنية. وفيها جنوح نحو السياسة التكفيرية والتخوينية التي تنتهجها قيادة الانقلاب الحمساوي، مع الفارق بين الحالتين، غير ان الاقصوية والذاتوية تجمعهما وتشكل قاسما مشتركا لهما. ما حدا بالدكتور سمارة للسقوط في متاهة الطفولة اليسارية (ذكرنا سمارة بماض تليد لتلك المفاهيم) والافراط في العدمية. كما ان سمارة بحكم افول مدرسته سعى من خلال التعريض بشخصية الاديب الفلسطيني نصرالله وقبله شاعر الشعب والامة درويش والمفكر العالمي سعيد ان يعلق ذاته على شماعتهم لعل وعسى ان يحظى ببعض الاهتمام، والتأكيد على الذات البائسة الايلة للاندثار والاضمحلال.


واذا عاد المرء لجادة الملموسية وسأل الدكتور عادل هل دققت في بعض المعلومات التي اوردتها عن القامة الثقافية المتميزة ابراهيم نصرالله؟ والا تعتقد ان القاءك التهم جزافا على الرجل المبدع فيه اتهام لك ولمنطقك الغوغائي؟ يا سيد سمارة اتهمت الروائي ابراهيم تهمةً باطلة لا اساس لها من الصحة وتتنافى مع الواقع ومع تاريخ وهوية الرجل الثقافية والوطنية، لان ابراهيم نصرالله لم يذهب للسفارة الاسرائيلية ولم يختم جواز سفره على المعبر لانه دخل بتصريح زيارة. فهل الان امسى غير مطبع ام ان التهمة راكبته لا محالة.


وفي سياق المحاكمة العقلانية لموضوع حق العودة للفلسطينيين، هو حق كفلته المواثيق والاعراف والقوانيين الدولية والقرار الدولي 194 واضح الدلالة في هذا الشأن، فضلا عن ذلك من احق من الفلسطيني بالعودة الى دياره ووطنه وبغض النظر عن الطريقة التي عاد بها. أيجوز لاسرائيل الصهيونية ان تعيد ملايين المهاجرين اليهود الى الوطن الفلسطيني ويستوطنوا الارض الفلسطينية، والفلسطيني صاحب الارض والرواية وصانع تاريخها وثقافتها وهويتها على مدار حقب التاريخ المختلفة يقف متفرجا حتى تتغير معالم الارض ويطرد الجزء المتبقي تحت حجج وذرائع الصهاينة؟ من أولى وأحق من الفلسطيني العربي بوضع وتثبيت فلسفة العودة والعمل على تطبيقها وتجذير الفلسطيني في ارض وطنه ليبقى الحارس لنارها وثراها وروايتها؟ واليست زيارة الفلسطيني لارض الوطن واجبا مقدسا ليجدد الترابط والتواصل معه ومع الشعب المتجذر في وطنه؟ وهل تخلى ابراهيم نصرالله عن هويته وثقافته الوطنية؟ الا تمر وتتعامل صباح مساء يا سيد سمارة مع المؤسسات الاسرائيلية والحواجز العسكرية الاسرائيلية؟ فهل تغيرت وطبعت ام انك تفترض انك الوحيد القادر على التمييز بين التطبيع وعدم التطبيع؟


حرصت على انتهاج الطابع الموضوعي في مناقشة فكرتك العدمية والجائرة والتي لا تمت للوطنية والدفاع عنها بصلة، لانها تتصادم مع الحقيقة وروح الوطنية الحقة، ولان فكرتك انت، هي التي تصب في منحى خطير يفوق التطبيع، لانك بحرمانك الفلسطيني من زيارة وطنه ورفضك لخيار العودة لاي فلسطيني للارض الفلسطينية وكأنك تريد ان تسلم الارض للصهاينة، وتفرط بها تحت ادعاء ” رفض خيار التطبيع”. لان التطبيع لا يتم ولا يرتكز على مجرد زيارة الوطن بل هي سياسة وارتباط مع العدو الاسرائيلي وتنفيذ برامجه ومخططاته العدوانية ضد الشعب، وحرمان ابناء الشعب من ارضهم وتاريخهم وهويتهم، وفي السياق ليس من المنطق المزج بين زيارة الفلسطيني والعربي، زيارة الفلسطيني مثقفا كان ام مواطنا عاديا، هو واجب ملزم كما حجة بيت الله عند المسلمين والمسيحيين، اما زيارة العربي فهي اختيارية، مع ان زيارة اي عربي للاراضي الفلسطينية تمثل دعما لصمودهم وكفاحهم التحرري، ولا تلزمه زيارته بأية تبعات تطبيعية مع اسرائيل. فضلا عن ذلك ياسيد سمارة لم يقل احد من قادة السلطة الوطنية او كوادرها ان الضفة وغزة والقدس باتت محررة. لم يدع ِ احد ذلك، وبامكنك ان تعود لتصريحات الرئيس ابو مازن وقبله الرئيس الراحل الرمز ابو عمار والقائد الشهيد ابوعلي مصطفى وغيرهم من شهداء واحياء الشعب والقضية وتنقب فيها لتعرف وتتأكد ان لا احد اعلن ان الارض الفلسطينية باتت محررة، واعيدك ايضا الى قرار صدر عن الحكومة الثانية عشرة السابقة اكدت فيه على ضرورة استخدام مصطلح الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 حين الحديث عن اراضي السلطة الوطني الفلسطينية.


اذا يا دكتور عادل آن لك ان تغير خطابك السياسي البائس، وتعود الى رشدك، وان تكف عن نرجسيتك وانعزاليتك واقصائك للاخر الوطني تحت مسميات وذرائع بعيدة بعد الارض عن السماء عن الوطنية حتى لو استخدمت كل المصطلحات والشعارات الكبيرة والنافرة والتي لم تعد ترق لمستوى كفاح الشعب التحرري، كما ان اتهامك للاديب نصرالله بالتطبيع مردود عليك، والفرق بينك وبين الروائي والشاعر ابراهيم نصرالله انه اكثر دفاعا عن الوطنية واكثر تمسكا بثقافته وهويته الفلسطينية العربية من ادعياء الوطنية امثالك، وكفى استذة غير مجدية لان الوطنية ابعد واعمق من كل ادعاءاتك فارغة المعنى والمضمون. أأدركت ذلك الان ام لا؟

المصدر: جريدة الحياة الجديدة ـ فلسطين المحتلة

http://www.alhayat-j.com/details.php?opt=1&id=90909&cid=1557