الحلقة الثانية
د. عادل سمارة
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1945)
بعد مرحلة طويلة من تدفق منظمات الأنجزة الغربية على الأرض المحتلة، بتسميات يمينية وراسماية ولبرالية…الخ أدهشني قبل عام ونصف افتتاح مقر لمنظمة أنجزة “ماركسية”. أقول ماركسية، لأنني لست بحمد الله بحاجة إلى شرح ألماني لمن هي روزا لكسمبورغ، فهي لم تكن يسارية، ولم يكن سقف اليسار قد هبط إلى هذا الحد. كما أنها لم تكن “لينينية” لأن الخلاف بينها وبين لينين كان واسعاً وحادَّاً. هذا علماً بأن بعض كتابات قيادات أعضاء في الحزب الذي يقف وراء هذه المنظمة يتقاطعون مع لينين (أنظر مقال بروفيسور نورمان بيش، امبراطورية أم إمبريالية جديدة، في كنعان الفصلية العدد 134 تموز 2008 ص ص 39-50).
ولأن الأرض المحتلة هي “مطية” تجارب للآخرين، بأنواع الآخرين، لم يعد هناك اعتراض على اي شكل من اشكال الاستعمار! وما الغرابة؟ فما يقوم به الغربيون هو تدريب الفلسطينيين كل في اختصاصه. على هذه الأرضية تبنت مؤسسة روزا لكسمبورغ في رام الله تمويل مؤتمر لتوحيد اليسار.
ولكن، إذا كانت كلمة يسار فضفاضة ولبرالية، وهي أكثر سلبية من هذا، فإن مهمة روزا لكسمبورغ في منتهى الصعوبة لأسباب عديدة منها ان هذا اليسار موجود وغائب معاً. فإذا كان اليسار راديكالي، فكثيرون منه في مؤسسة المخابرات؟ وفي قمة الأنجزة، وفي إدارات السلطة الفلسطينية التي لا تخفي أنها إلى اليمين ابداً. هناك يسار معتقل بعقوبة الكفاح المسلح (الرفيق أحمد سعدات) وهناك يسار لم يقتلوه بالرصاص ، بل أرسلوا له طائرة (الرفيق الشهيد أبو علي مصطفى)، وهناك يسار يشتغل في تجارة الثقافة التطبيعية وتمويل زيارات مطبعين عرب وفلسطينيين، حيتان التجارة الثقافية بين رام الله وعمان، ويسار يشجب العمليات الاستشهادية، ويسار لم يبق من يساريته سوى “شتم الدين” وتبرير التسوية والاعتراف بالكيان لتجد الفرد الواحد وقد أتته مصادر تمويل يعجز عن لملمتها!
ترى هل عرف الروزويون- أهل روزا لكسمبورغ الجدد ـ هذه الحقائق؟ وما هي الحالة في اليسار وغير اليسار التي بوسعها ضم الرفيق أحمد سعدات وجثمان الشهيد غسان كتفاني وابو علي مصطفى إلى جانب يساري يعترف بالكيان منذ عام 1948، اي قبل أن يفعلها الكمبرادور القطري، ومثقفو التطبيع على الجسور، أهل السُلَّم الموسيقي. وهو يقبض من العرب وأنجزة العجم “الأعداء منهم تحديدا”، يشتم الدين ويستغل الطبقة العاملة ويعترف بالكيان على “ما أراده ويريده الكيان من الوطن”، ويسخر نفسه للتطبيع، وبالطبع بسبب التمويل.
بقي في راسي هذا السؤال إلى أن سمعت مداخلة بيتر شيفر المفوض العام لمؤسسة روزا لكسمبورغ في اليوم الأول للمؤتمر المذكور، فكانت المداخلة إجابة شافية على السؤال!
قال: “لقد قررنا دعم مؤتمر التيار هذا، نظرا لأهمية دعم كافة الجهود نحو تطوير القيّم والفكر والفعل التقدمي”.
وعلى هذا يقوم السؤال الأول: هل يحتاج اليسار إلى دعم لعقد مؤتمر لمناقشة قضاياه؟ فجميعهم في مكان واحد، ولو شاؤوا الحوار لتحاوروا، ولا بد تحاوروا؟ وهل يحتاج الأمر ل 40 ألف دولار لتنفق هكذا في الهواء؟ وهل يتم الحوار بهذه الطريقة، بحديث مجتزىء ولدقائق قليلة، إن الحوار هو بالورشات الصغيرة المعمقة وبالكتابة والرد المجذر! يمكن لهذه الأمور أن تتم في غرف صغيرة ولأوقات طويلة.
ولكن، ألا يعرف اليساريون الألمان هذا؟ إن كلمة بيتر أدناه تؤكد أنهم يعرفون. وكما اشرت في موضع آخر، حيث سألته كتابة: ” كيف تمولون يساراً فاسداً، فأجابني : لأن الآخرين لا يستطيعون تنظيم أنفسهم”.
هذا الموقف يعني أن الشرقي المتخلف يحتاج للغربي العبقري كي “ينظمه” وبالطبع يوحده. لا أود هنا استدعاء الكثير من التنظيرات المركزانية الأوروبية من اليمين ومن اليسار بدءاً من الاستعمار الإيجابي (رمزي ماكدونالد)، إلى الستالينية السوفييتية إلى التروتسكية اليوم. ما أدهشني أن الرجل يقولها بملىء الفم؟
وقال: “…وليس من استراتيجية (حقيقية) جديدة هناك، فما بالكم باستراتيجية يسارية موّحدة!… اليوم، صار طابعكم فردي وصرتم تعملون ضد بعضكم البعض، وتعتمدون بشدة على الدعم الأجنبي، في حين ان هذا الأخير لا يصرف وفقا للأولويات الفلسطينية، والا لكان هنالك دولة فلسطينية اليوم. اذا ما أردتم فعلا التغيير فعليكم أن تعودوا مجددا الى العمل معا”.
لا أود التساؤل مطولاً، عن العلاقة بين الصرف الصحيح “للدعم” وإقامة دولة فلسطينية. يبدو ان بيتر لا يعرف أن قرار دولة فلسطينية هو صهيوني وأميركي أولاً وأخيراً. فلو قال أن الصرف المناسب كان سيخلق مناخاً تنموياً وتطورا إنتاجياً لكان الأمر مفهوماً. أما الصرف الفاسد فقد أدى إلى فساد أخلاقي وسياسي واجتماعي سمح للمطبعين أن يفتخروا بما سرقوا، وأن يدينوا من لم ينهب. إذا كان مفوض مؤسسة يسارية كهذه لا يفرق بين الدولة والتنمية[1]
موماَ وبين دولة بيد الاحتلال وتنمية بالحماية الشعبية، فهذه مشكلة وخاصة بعد تجارب التحريفية السوفييتية وبلدان الاشتراكية المحققة، وقد كتب عن هذا كثيراً.
ولكن، إذا كانت هذه المؤسسة ضد الإدارة المالية السيئة، فلماذا تدعم يساراً تقول هي أنه معتمد على الدعم الأجنبي؟ هل يعتبر بيتر أن مؤسسته ليست أجنبية لأنها يسارية “جرياً على الخطاب اليساري الغربي (الكولونيالي بالطبع) الذي من مدخل أممي يعتبر نفسه صاحب حق في تعليم الآخرين”! ورغم هذا فالعيش والتعيُّش على الدعم مرفوض لأنه لا يمت إلى التنمية والاستقلالية بصلة.
كان بوسع مؤسسة روزا لكسمبورغ أن تنفق هذه الأموال على استصلاح دونمات عديدة ومحاولة تجربة تعاونية زراعية نسوية فيها. وهذا يحقق موقفاً مبدئياً من المرأة والتنمية والوطنية. أم أن التنمية ليست على أجندة هذه المؤسسة، أو أن هذه المؤسسة لا تملك لغة مشتركة مع فلاحات عاديات! كان بوسع المرء تفهم وجود هذه المؤسسة لو قامت بإقراض تنموي إنتاجي. وحتى لو اقامت صندوق إقراض دوَّار وبفوائد Revolving Fund.
وقال: “ثانيا، لدي سؤال يتعلق بالقيادات: فبعض الأحزاب تبدو كملكية خاصة لقبضة من الناس (لبضع شخوص فقط) تماما كما في شركة خاصة. وطبعا يشكو الجميع من ذلك وهذا مفهوم. لكن ما لا أفهمه أن الذين يشكون يتصرفون بنفس الطريقة تماما! الكل يرغب بأن يصبح قائدا، وهذا يسري على غالبية مؤسسات ما يسمى بالمجتمع المدني والتي بدورها انبثقت عن اليسار، وهو أيضا يسري على التيار الوطني التقدمي نفسه. إذا ما كانت الامتيازات الشخصية أهم من الأهداف الوطنية اذا لا عجب أن الاحتلال ينمو ويتطاول كل يوم.”
ونحن نقول “طيب الله الأنفاس” ما قلته يا سيد بيتر صحيح، ولذلك كان يجب أن لا تمول هكذا يسار، أو تيار ديمقراطي لأن النضال الطبقي لا يحتاج كي يتفاهم ويتوحد إلى مهرجان. نعم إن ما حصل كان مهرجاناً وليس حوارا معمقاً. وأعتقد ان السيد بيتر تجرأ على نقد هؤلاء، بشكل فيه استهزاءً، للأسباب التالية:
□ لأنه يعرف أن كثيرا من قياداتهم تعمل في مؤسسات الأنجزة ، وتعمل في مؤسسات السلطة وتزعم أنها ضد اوسلو[2].
□ ويعرف أن كثيرا منهم يعمل في مؤسسات سلطة الحكم الذاتي بوظائف لا تنتج وليست سوى “كوتا” حزبية.
□ وأن كثيرا منهم يقوم بالتطبيع مع مثقفين عرب وفلسطينيين كي يأتوا عبر الجسور سواء بفيزا من سفارة الكيان في عمان، أو بتصاريح زيارة[3].
□ والأهم يعرف أنه يمولهم؟ ومن يتموًّل من اي طرف لا بد أن ينخَّ له. ومن يتمول لا بد يحقد على من لا يتمول![4]
ويقول: “لا أدري اذا أنتم تعلمون أن لديكم بعض الشبان والشابات الرائعين في أحزابكم نفسها ومن حولها! شباب/ات ينتجون أفكارا هامة، ولا ينّظرون فقط بل يعملون مع الناس على الأرض. وهم/ن محترمون في مجتمعهم. والشيء الوحيد الذي يحتاجونه هو فرص حقيقية. وهم بكل تأكيد لن يقترفوا أخطاءا أكبر مما فعله قادتهم في العقود الأخيرة”.
وهذا صحيح أيها اللكسمبورغي. ولكن، طالما أنك ارتكبت خطيئة الأنجزة ـ واتيتم هنا، ألم يكن حرياً أن تعمق علاقتك بالشباب وتشجعهم على إقامة تعاونية حتى لو استهلاكية، أو تعاونية نشر ثقافي يساري؟ بهذه الآليات يمكن للشباب تجاوز الذين شاخوا فكريا وثورياً. ما قمت به هو محاولة إنقاذ من يشكلون حالة إنسداد في طريق اليسار. لا شك أنك تعرف الشهيد أنطونيو غرامشي، الذي وصف المأزق الثوري أو مأزق التحول بشكل عام بأنه: “حالة انسداد حيث لم يمت القديم تماماً ولم يلد الجديد تماماً[5]“. وهذا اليسار الذي تنتقده هو في أكثره معترف بالكيان الصهيوني الإشكنازي. فهل تؤيد أنت هذا الاعتراف؟ يبدو اكيداً لأن قرار دخولك إلى هنا هو من الاحتلال، تماماً مثل قرار دخول كل فلسطيني لم يكن هنا قبل 1967. أنت مختلف، فليس لنا مطالبتك بعدم التطبيع، لكن لنا حق برفض أموالك. بالمناسبة، لا أجادلك كي أقبض منك كما يفعلون. اسمح لي أن اؤكد حقيقة لا افخر بها لأنها واجبي، أنا مع الجوع والتجويع تعففاً عن أموال التطبيع. سجل هذا لديك، وإذا اتيت لأطلب منك حتى مقابل بحث قد أُعده لمؤسستك ولتنمية هذا الوطن الحزين، فلن أطلب أتعاباً. وإذا فعلت إفضح الأمر. لماذا أتحداك وأنت لست خصمي، أفعل هذا لكي يعرف الناس أن من ينتقدونني ينهبون ويسرقون ويرشون ثم يذهبوا لأمسيات مخملية ويبكون الوطن الذي قتلوه فيهم أولاً. ولإكمال الصورة، أنا لست غنياً، لكن جوعي في بطني وليس في رأسي.
هل تعرف أيها السيد كيف يدخل الناس إلى هنا؟
يدخلون عبر جمع شمل بموافقة الاحتلال أو اتفاق أوسلو الذي سمح لمنظمة التحرير وليس للشعب أن يعود إلى الضفة والقطاع وليس إلى 1948. فهل هذا استقلال. دخول المواطن العادي بجمع الشمل له علاقة بما يسميه العدو “حالات إنسانية” اي وجود اسرة منشقة بين هنا والخارج. ومع ذلك دخول المواطن العادي أمر عادي، أما دخول من يعتبرهم الناس رموزاً فهو أمر خطير، ولذا يسمح لهم الاحتلال بالدخول! وسأجادلهم حتى لو كان لهم جيوش دايتون، ومثقفي الأكاديميا الذين يكرهون المثقف المشتبك، سابقى أُناجزهم حاسراً!(أُناجزهم يوم الحديقة حاسراً) ليس لأنني بطلاً، لكنني في خدمة البطل الوحيد …وطني.
ويقول:“وثالثا، لدي أسئلة عن المال: منذ عشرين عاما أسمع منكم أنكم غير قادرين على تطوير أوضاعكم لأنكم لا تملكون المال. وفي غزة، يشكو اليساريون أن كل من المجتمع الدولي وفتح وحماس حوّلوا المجتمع الى شحاد. يتحدثون عن ثقافة “الكوبونات” واعتماد الجميع على المعونات. وفي نفس الوقت يطالب غالبية اليساريين بالمال لعمل الشيء ذاته بهدف تحسين “موقفهم” أو “صورتهم” في المجتمع! هذا غير مفهوم وغير منطقي. ويبدو لي ان اليسار في فلسطين لم يعد يرى نفسه قوة سياسية،مسؤولة عن توفير مخرج نحو مستقبل افضل لشعبها، وتطوير وسائل تقدمية لمقاومة الاحتلال. ويبدو ان اليسار يقدم نفسه فقط كميّسر -اضافي- للخدمات. وهنا قد يتبادر السؤال للذهن: لماذا على أي أحد ان يدعمكم اذا كنتم تريدون أن تفعلوا تماما كما تفعل حركة فتح؟ “
بداية إسأل نفسك يا سيد بيتر، الإجابة في جيبك؟ لماذا تدعمهم؟ ثم ما الذي يحتاجه اليسار حتى يتمكن من الحراك داخل المجتمع؟
يقول الفهم الأممي للتنمية أن المال ليس العامل الحاسم في التنمية. فالقرار السياسي هو الأهم، ومن ثم القوة والقدرة البشرية ولاحقاً الأدوات، والشفافية ومن ثم المال. فإذا كان دور المال ضئيلاً إلى هذا الحد في التنمية، فلا شك أن دوره في النضال الحزبي والطبقي اقل.
ماذا يحتاج مناضل يساري غير أن يأكل ويشرب ويقرأ ويحب الفلاحين والعمال واللاجئين بالطبع. كي يكون مناضلا جيدا؟ هل تعرف كتاب ليو تشاو تشي؟ (كيف تكون مناضلا جيدا)؟ أم لأنك مركزاني غربي لا تقرأ لمناضلي المحيط وخاصة الماويين. هناك مناضلون في المحيط ليسوا كالذين رايتهم هنا! لنناقش خطيئتك من باب أل Cost-benefit . بإمكان اليسار الحوار والتوحد، ولن يكلفه ذلك أكثر من 1000 دولار لمؤتمرات متواصلة وذلك ثمن شاي وقهوة وبعض الخبز والبسكويت (المحلي). وأنا العبد الأكثر فقراً لله بوسعي دفعها، مع أنني لست موظفاً في أية جامعة محلية لأنني من اصحاب الوعي المشتبك. بإمكان مدير عام في السلطة من اليسار أو من اليسار الذي كتب ضدي أن يدفع هذا المبلغ. لماذا لا يدفعوا؟ بل لماذا كما تقول يطلبون نقوداً! أتعهد لك بدفع ألف دولار لمؤتمر حقيقي، وتأكد أنني لست مديراً عاماًـ ولا أنجوز كبير أو صغير.
على الأقل فتح وحماس لا ينكرون أنهم يتمولون. وفتح وحماس لكل منهما مشروعه السياسي. فما هو مشروع اليسار؟ فاليسار إما مأنجز، أو تابع للسلطة، ملحق، ولا يمكن للملحق أن يصبح كتاباً أو متناً. وهل تتحسن صورة اليسار بالمال! عجيب! فاليسار تحديداً هو الذي يفتخر تاريخياً بأنه ليس غنياً، ولا يقلقه المال. ربما لهذا، حين قبض اليسار لم يعد يساراً!
ويقول: “إن ما يسمى بالدعم الدولي أدى للدمار اكثر مما ادى للبناء في الخمسة عشر عاما الماضية”.
بل إن الدعم الدولي مقصود به تخريب المجتمع الفلسطيني وتحديداً تخريب النضال الوطني، وإنهاء المقاومة؟
هل تشك يا سيد بيتر أن الاتحاد الأوروبي عدو بالمطلق للمقاومة؟ وماذا عن الولايات المتحدة؟ ولكن ما رأيك في الفنانين الفلسطينيين الذين يقيمون معارض فنية في بيت “القنصلة الأميركية”.
أتدري يا سيد بيتر، لو كنت مكانك للعنت ابو هكذا وضع وعدت إلى ألمانيا. ولكن ربما أنك تعيش من هذه الوظيفة ولن تضحي براتب قد يصل عشرة آلاف يورو شهرياً[6] لمجرد أنك غضبت من يسار قابض. ولن ترحل حتى لو علمت أن برينابوم الذي غازل ذبح الكيان لأهل غزة سوف يتبختر فنياً في رام الله. وأن من يعترض على ذلك يقول عنه اليسار هذا خالق للإشكالات، هذا “اللعين” هو أنا!
ويقول: “…فاليسار محكوم من الرجال، وعادة من أولئك الذين اجتازوا الخمسين. واذا ما سألت في أي مناسبة لماذا لا توجد نساء يمثلن الأحزاب، يكون جوابكم بالعادة أنه لا يوجد لديكم نساء مفوّهات. … فانا شخصيا أعرف نساء ذكيات جدا، ممن يعّرفن انفسهن كيساريات، كذلك من هن عضوات أحزاب. لذا، حتى ان هناك أشخاص في اليسار يؤكدون ان شرفهم يتلخص في أجساد نسائهم!!”
الا توافقني أن يساراً من هذا الطراز وفي هذا المجال ليس حتى يميناً! فاليمين كالبرالي يعطي للمرأة هامشاً علميا أكاديميا وجنسياً…الخ. لقد أعطاها اللبراليون هنا في مقر السكاكيني فرصة الاستماع للشاعر ابراهيم نصر الله، الذي زعم أنني ضد المرأة. أنا ضد نساء، وليس كل النساء. أنا ضد المرأة البرجوازية (معذرة على هذا الخطاب الماركسي) التي ايضا تعتبر الوطن جسدها، وضد المرأة الذك/نسوية. (سوف أهديك كتابي قريبا عن المرأة. طبعاً هذه دعاية راسمالية . أنت تفهمها!)
هناك نساء عبقريات ومفكرات وشهيدات، لكن مجتمعاً بطريركياً أكثر مما هو شبه صناعي يمارس عليهن احتلالاً. المرأة هنا تحت ثلاث احتلالات: الصهيوني والذكوري والأنجزة. لذلك ايها السيد حين تمول هؤلاء فإنك تعتدي على المرأة، والمرأة وطني.
وقال: “كذلك، فإن النساء في هذا المؤتمرلا يشاركن في الاوراق، هن فقط ميّسرات للجلسات! وسوف ترون أنه اذا ما وقفت بعض المشاركات من الحضور للكلام فإن بعض الرجال سوف يأخذون بالكلام فيما بينهم ، او ربما يقاطعوهن، أويتغامزون -يقرقرون بسخرية- كالأولاد الصغار. هذا السلوك غير مناسب لتنمية حركات تقدمية وتاريخكم دليل على ذلك”.
جميل، طالما تؤمن بما تقول، ما الذي يمنعك من إغلاق المكتب والعودة إلى المانيا، فلو أنفقتم هناك ما تنفقونه هنا، لتنظيف بقايا هتلر لكان أفضل للإنسانية.
وقال:” وخامسا،ما يتعلق بالسياسة العملية (الواقعية!): في العادة عندما يخوض أي حزب حملته الانتخابية فان نشاطاته المختلفة توضح للناس كل ما ناضل لأجله وكل ما انجزه، وعمل عليه بنجاح منذ الحملة الانتخابية السابقة. أما هنا في فلسطين، فانتم لا تفعلون ذلك ، ويبدو ان لا فهم واضح لماهية سياسة المعارضة. واذا ما خسرتم الانتخابات فانتم إما تاخذون جانب الجهة الحاكمة أو تنحون الى شكل من السبات حتى الانتخابات اللاحقة! لماذا تفعلون ذلك؟ انا اعتقد ان الاحزاب السياسية تحتاج الى تبادل العلاقات الاجتماعية، والعمل معا على مبادرات عملية. أن قول الشيء الصحيح فقط ليس كافيا بحد ذاته، لأن الناس يريدون ان يروا حلولا عملية-واقعية لمشاكلهم.”
أيها السيد أطلت عليك كثيراً وعلى القراء. لكن هذه الفقرة تذكرني بالبرلمانية ورفضها. وهو جدل طويل في تاريخ الغرب الراسمالي وموقف الثوريين منه، وخاصة الشيوعية الأوروبية. هل تعرف سنتياغو كاريو من الحزب الشيوعي الإسباني (الشيوعية الأوروبية والدولة) يناقش هذا الأمر. لكن هنا ايها السيد، من الغريب أنك هنا منذ عشرين عاما، أو ثمانية ولا تدري أنه لا يوجدهنا برلماناً ولا ديمقراطية. لا يليق بك جهل هذا. لا برلمان تحت الاحتلال ولا ديمقراطية تحت الاحتلال؟ ولا سلطة تحت الاحتلال. لا شيىء شرعي هنا سوى المقاومة. هل تعرف أن اي مولود هنا لا يسجل إلا بعد أن يقبله الكمبيوتر الصهيوني؟ أنا اكاد ابكي لخرافة ونفاق وضعنا. كنت أتمنى لو أنك فكرت اكثر قليلا لتقول معي أن مؤتمر اليسار للتيار وقادة المنظمات الأخرى هو سباق تنافسي على كسب اصوات انتخابية لقاعدة مشتركة للطرفين، أو للأطراف. كل ما يبغونه مقاعد في مجلس الحكم الذاتي للأفراد.
[1] بصدد كون الدولة ناقلة سلبية للتنمية أنظر كتاب عادل سمارة
Beyond de-Linking: Development by Popular Protection, Chapter: Class is the Decisive Dimension of Development, Not the State, 2005.
[2] لم أحضر اليوم الثاني للمؤتمر ولكن قال لي صديق ان رجلا من الأمن الوقائي حضر المؤتمر وقدم مداخلة قال فيها: أنتم في اليسار تتوظفون عندنا، وتطالبون بوظائف، وامتيازات وتهاجمون أوسلو، كيف؟ هل أخطىء هذا الرجل؟ لا. مثلاً، الأشخاص الثلاثة الذين كتبوا ضدي هم من اليسار ويعملون مع السلطة، وأعتقد أنهم يشتمون اوسلو!
[3] يزعم الذين أحضروا إبراهيم نصر الله والذين أحضروه إلى هنا عدة مرات منها 1984 و 1987 وقبل ايام أنه جاء بتصريح زيارة. وتصريح الزيارة هو أيضا من الاحتلال وليس من السلطة الفلسطينية، كما أن تصريح الزيارة هو من فرد في اسرة لأحد أفراد اسرته. هذا ناهيك عن الفارق الآخر، وهو أن المواطن العادي لا يلحق هزيمة معنوية أو ثقافية إذا زار أهله، أما إبراهيم فمولود في عمان، ولا أهل له هنا سوى المطبعين، ولأنه شاعر معروف فمجيئه ضربة معنوية، ولهذا يسمح له الاحتلال بالدخول. وإلا لما لا يسمح لستة ملايين لاجىء؟ ألم يكن حريا به أن يفعل ما فعله الحكيم والقدومي…الخ.
[4] وعليه، فالذين دافعوا عن إبراهيم نصر الله هم يدافعون عن مصادر تموُّلهم، وليس حرقة على الرجل الذي ردَّ بشكل موتور، لا لسبب إلا لأنه دُعي هنا كي يُتوَّج ملكا للشعر، فوجد أن هناك من يقول هذا التاج ايها السيد ثمنه دماء أطفال غزة وتراب الوطن! أنا أفهم اضطراب نصر الله النفسي، ولكن الوطن أعز! ونصر الله ربما صُدم مني لأنه كان يعتبرني صديقاً، وأهداني عمله الأخير. ولكن ايها السيد الوطن فوق الجميع!
[5] هذه ملاحظة للشاعر ابراهيم نصر الله الذي نقدته وشتمني واتهمني بالفاشية، هل قرأت طالما انك اديباً ما كتبه ناظم حكمت وهو في إيطاليا عن الفاشيين الذين قتلوا الشيوعي غرامشي، إرجع إلى “:إثني عشرة قصيدة إلى تارنتا بابو” لتعرف كيف يُعذب الثوريون جسديا وعاطفياً من أجل قضاياهم، وأن النضال ليس بقراءة أعذب القصائد تحت الاحتلال.
[6] لا تجادلني في الراتب لمؤسساتكم. فما يسمى في علم التحديث، وليس التنمية Modernization not Development، ما يسمى Admin-cost يبلع 40% من الدعم. أنت لا تعرف د. مفيد قسُّوم. هو عبقري فلسطيني (حين أنجز أطروحته Global Dialectics in the Production and Reproduction of Space Under the various Phases of Globalization, في جامعة شيكاغو إلينوي، أُكرم في جامعة أوريغون كمتج لأفضل أطروحة دكتوراة في أميركا ذلك العام 2004، لم تسمح له مؤسسات الأكاديميا ولا الأنجزة بالبقاء هنا، لم يعمل كما يريدون، لم يتطعوج أو يتركَّح كما يريدون، ، فاستقال وغادر. ذات مرة طلبت منه مؤسسة نرويجية أن اتقدم لوظيفة عن اللاجئين براتب شهري 7500 يورو. تصور لو فعلتها، لما كنت كتبت بعد ذلك سطراً.