حوار القاهرة في طريق مسدود!

محمد العبد الله

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1947)

ثلاثة أيام كانت كافية ليسدل الستار على لقاءات جلسة الحوار السادسة بين فتح وحماس، التي انعقدت في أجواء من “التشاؤل” الفلسطيني، خاصة وأن الفترة الفاصلة بين الاجتماع السابق، والأخير (28 / 6)، كانت قاسية وصعبة على الفصيلين، وعلى أبناء الشعب الفلسطيني الخاضع لقمع وعسف الاحتلال. فعلى صعيد القوتين المتناحرتين، استمر الشحن الداخلي المترافق باتساع حملة الاعتقالات في الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة، مع تسارع واضح في المنطقة الأولى. ويترافق ذلك مع بقاء الاستعصاءات السابقة المطروحة على جدول الأعمال، خاصة ملف الأجهزة الأمنية والانتخابات واللجنة/الهيئة الفصائلية المقترحة من مصر كبديل لحكومة الوحدة الوطنية. مارشح عن المداولات بين الطرفين بعد انقضاء اليوم الأول من اللقاءات، يشير إلى خلاف واضح بدأ منذ اللحظة الأولى على صيغة جدول الأعمال، كما عبّر عن ذلك عضو وفد فتح “نبيل شعث” بقوله (وفد حماس أصر على مناقشة موضوع المعتقلين قبل البدء في مناقشة قضايا الحوار الأساسية، إذ أن حماس تقول إن 900 من أعضائها معتقلون في غزة، وأنها تحتجز 240 من أعضاء فتح في غزة)، مما دفع بالمتحاورين للوصول إلى صيغة توافقية أدت لتشكيل لجنة فرعية لبحث موضوع المعتقلين .

أما قضية الانتخابات فقد بقيت مطروحة على طاولة الحوار كما يقول عضو وفد فتح “عزام الأحمد” الذي تحدث عن (وجود مقترح مصري بشأن الانتخابات تجري دراسته، يقوم على أساس نظام مختلط تتقسم وفقه الدوائر على الشكل الآتي: 75 في المئة نسبية، و25 في المئة دوائر، و3 في المئة نسبة الحسم). مؤكداً بذات الوقت على (أن الخلاف لا يزال قائماً إزاءها منذ بداية الحوار، معرباً عن أمله أن تلقى هذه القضية طرحاً جديداً يدفعها إلى الأمام). لكن اللافت لنظر المراقبين، كان التوقيت والإعلان عن المذكرة التي تقدمت بها ثماني فصائل فلسطينية للسفارة المصرية في رام الله المحتلة. فقد عبّرت الفصائل عن قلقها الكبير” ازاء المنحى الخطير الذي اخذ ينحو اليه مسار الحوارات الثنائية بين فتح وحماس” لأنه يشكل في بعض جوانبه” تراجعا عما انجزته جولات الحوار الشامل وما توصلت اليه اللجان الخمس المنبثقة عن مؤتمر الحوار”.

المذكرة حملت امتعاض القوى لعدم وجود ضمانات لانهاء الأمر الواقع لأن “اللجنة الفصائلية المشتركة دون ضمانات لن تكو ن اكثر من صيغة تنسيق كونفدرالية بين حكومتيين وكيانين منفصلين، الأمر الذي يعني قوننة وشرعنة واقع الانقسام بدلا من ازالته ، وتكريس الانفصال بدلا من تجاوزه”. واعتبرت المذكرة ان المقترحات لحل المسألة الأمنية عبر تشكيل قوة مشتركة من الطرفين بدلا من اعادة صياغة الاجهزة الامنية على اسس وطنية مهنية وغير فصائلية ” صيغة هشة وغير قابلة للحياة . ولأن اقرارها ينطوي على مخاطر جمة ، تنعكس على وحدة الكيان الوطني الفلسطيني ووحدانية التمثيل الفلسطيني وتقود الى تمزيقه وتآكل مكانة م.ت.ف كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني” . لأن هذه القوى ” لايمكن ان تقبله ولا أن تكون شريكة فيه”. كما نظرت القوى الموقعة على المذكرة “بخطورة بالغة الى التراجع عن مبدأ التمثيل النسبي الكامل، والارتداد الى مبدأ النظام المختلط والدخول في مساومات حول النسب بين القوائم والدوائر وحول عتبة الحسم .

وكان الموقف الأبرز في المذكرة، تأكيد تلك الفصائل على موقفها الرافض لنتائج الحوار الثنائي بين فتح وحماس “إن نتائج الحوار بين فتح وحماس لن تكون ملزمة لفصائلنا ،التي لا تقبل ان تكون طرفا في اي اتفاق لا يضمن وضع حد فوري لواقع الانقسام ،المتمثل في وجود حكومتين وكيانين في غزة والضفة الفلسطينية، او لا يوفر الضمانات لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها الدستوري المقرر في يناير/كانون الثاني 2010، مع تأكيد أهمية اعتماد نظام التمثيل النسبي الكامل بنسبة حسم لا تتجاوز 1،5% ” .

مذكرة الفصائل أثارت لغطاً كبيراً داخل أروقة غرف الحوار، وعلى صعيد الساحة السياسية، نظراً لأن بعض الفصائل الموقعة، مشاركة في حكومة سلام فياض، و بعضها الآخر متوافق _بل متطابق _ مع برنامج السلطة، مع الإشارة إلى أن أبرز القوى الموقعة ” الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” ما زالت تؤكد بخطابها السياسي/الاعلامي على تمايزها _عن معظم الفصائل الأخرى التي شاركت بصياغة المذكرة_ ، في رؤيتها لمعالجة الانقسام ونتائجه.

في ظل هذا المشهد الفلسطيني المتنافر، لم يكن ممكناً أن يكون يوم السابع من تموز الذي تسعى إليه القيادة المصرية كموعد لإنهاء الانقسام، ولتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية، “مسك الختام” في ماراثون الحوارات العتيدة، خاصة مع الرؤيا/الموقف الذي عبرّ من خلاله “أسامة المزيني” أحد قادة حماس عن انتقاده التمسك المصري بموعد السابع من تموز لتوقيع الاتفاق. متسائلاً (إن لم يكن هناك اتفاق على النقاط الباقية، فما قيمة أن تعلن مصر اتفاقاً…وإذا لم يُتوصَّل إلى حلول، فهل ستجبر مصر الطرفين على رؤيا معينة؟ وهل يمكن أن يحصل تصالح بين شخصين بالإكراه). مضيفاً (لا بد من أن نصل إلى حل من القلب يوافق عليه الطرفان، وإلا فستعود الأمور كما حدث بعد اتفاق مكة، وسرعان ما تنفجر الأمور بعد ذلك).

بعد انفضاض جلسة الحوار السادسة، صرح عضو وفد حركة فتح “نبيل شعث” بأنه ( تقرر أن تكون الجلسة المقبلة من الحوار يوم الخامس والعشرين من تموز المقبل، تعقب ذلك جلسة شاملة بمشاركة الأمناء العامين للفصائل أو من ينوب عنهم، ليتم التوقيع على الاتفاق يوم الثامن والعشرين من الشهر ذاته). موضحاً بأن (الأشقاء في مصر قد منحوا الحوار الفلسطيني فرصة أخرى للوصول إلى أهدافه). وهذا ما أكده مسؤول مصري رفيع المستوى في تقييمه لما حصل (سيتعيّن على الجميع أن يعودوا مجدداً إلى هنا قبل نهاية الشهر، تلك ستكون المهلة الأخيرة، بعدها لكل حادث حديث).

لقد جاءت نتيجة الأيام الثلاثة من الحوار، لتعكس عمق الأزمة بين القوتين المسيطرتين، ولتكشف بذات الوقت عن المأزق الذي يعانيه كل طرف، بما يفرضه ذلك على الشعب الفلسطيني في كل مناطق وجوده من مآس ٍ. إن قراءة الواقع الراهن بتطوراته ودلالات أحداثه، تؤكد أن خلاص شعبنا من حالة الانقسام مرهون بقدرته على تجديد وحدته ” شعباً وأرضاً وسياسةً ” حول برنامج المقاومة، وعلى رفضه صيغ الحكم الإداري الذاتي مهما تنوعت أسماؤها، والتي كانت إحدى افرازات اتفاق أوسلو الكارثي وملحقاته.