مصير أكبر غيتو في التاريخ اليهودي!

نصر شمالي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1954)

إذا كان خطاب رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو قد وشى بأفظع الجرائم الصهيونية المبيّتة، ضدّ الشعب الفلسطيني خصوصاً والعرب عموماً، فقد وشى في الوقت نفسه بمقدار يأس الإسرائيليين وقلقهم وخوفهم الدائم، وهو ما عبّرت عنه تلك القطعان من ضباع الاستيطان الهائجة المسعورة، التي استقبلت الخطاب بتأييد محموم هو الهذيان والسّعار بعينه! إنّه هيجان وهذيان وسعار الاستعداد لارتكاب أفظع الجرائم ضدّ العرب في المستقبل، بمقدار ما هو هيجان وهذيان وسعار الخائف من أفظع مصير ينتظر المجرمين المتوحّشين، الخزريين الأشكينازيين، الذين تهوّدوا قبل حوالي ألف عام فقط، والذين لا علاقة لهم على الإطلاق بأرضنا الطاهرة في فلسطين العربية، ولا صلة لهم على الإطلاق بأجدادنا، لا بسيّدنا إبراهيم الآرامي العراقي ونسله، ولا بسيّدنا موسى الكناني المصري وقضيّته!

لا جديد في الخطاب الإسرائيلي منذ نهض الكيان الإسرائيلي وحتى يومنا هذا، والإيجاز الأخير الذي قدّمه الخزري الأشكينازي نتانياهو ليس سوى تأكيد آخر على البديهيات، بصدد الخطر الوجودي الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني من جهة، وأيضاً بصدد الخطر الوجودي الذي يتعرّض له اليهود في فلسطين المحتلّة من جهة أخرى! وبمناسبة خطاب نتانياهو الذي أحدث ويا للعجب حالة متميّزة من الخيبة والقلق الرسمي العربي، ولرؤية مأزق اليهود الرهيب الذي أوقعتهم فيه الصهيونية العالمية، اليهودية وغير اليهودية، فإنّ أفضل ما يمكن العودة إليه هو “وثيقة أولغا” التي وقّعها في 12/7/2004 عدد من المفكّرين الإسرائيليين المنصفين العقلاء، والتي يغني ما ورد فيها عن أيّ كلام أو إضافة أو تعليق من قبلنا، وقد جاء فيها ما يلي:

“كان المفترض أن تمنح “دولة إسرائيل” الأمن لليهود، لكنّها أصبحت مصيدة للموت، حيث يعيش مواطنوها في خطر مستمرّ لم يعرفه أيّ مجتمع يهودي آخر! وكان المفترض أن تفكّك جدران الغيتوات (المعازل) اليهودية في أنحاء العالم، وإذا بها تبني أكبر غيتو في التاريخ اليهودي! وكان المفترض أن تكون دولة ديمقراطية، لكنّها غدت كياناً استعمارياً، يضمّ عناصر لا لبس فيها من سياسات التمييز العنصري، مع استبدادية الاحتلال العسكري الوحشي! إنّ “إسرائيل” تسير على طريق المجهول! بعد 56 سنة من تأسيسها، يعيش عدد كبير من سكانها في اليأس والقلق والخوف الدائم من المستقبل! إنّ مفهوم “الدولة الفلسطينية” يستخدم من قبل العديد من السياسيين الإسرائيليين كفزّاعة، وللقفز من فوق واقع الاحتلال، وهم يتهامسون ويتغامزون بصدد “الكيان الفلسطيني” المستقبلي في المناطق، الذي يمكن أن يسمّى “دولة”، ولكن في غضون ذلك، وإلى أن يتحقق ذلك، سوف يواصل الإسرائيليون تخريب الضفة وقطاع غزّة كما لو أنّهم عازمون على سحق الشعب الفلسطيني! إنّ الإسرائيليين متوحّدون حول حقيقة صهيونية ترتكز إلى رفض الاعتراف بشعب فلسطين، وإنكار حقوقه، وطرده من أراضيه، واعتماد خيار الفصل كمبدأ وطريق أساسي للحياة، وهم مستمرّون في رفض تحمّل أيّة مسؤولية عن أعمالهم، ابتداءً بطرد معظم الفلسطينيين من وطنهم منذ أكثر من نصف قرن، وحتى إقامة جدران الفصل حول الفلسطينيين المتبقّين، وبالتالي فحيث التقى أو تواجه اليهود والعرب ينهض حدّ بينهم يفصل ويفرّق بين المبارك والملعون!

هكذا وصفت “وثيقة أولغا” الوضع القائم في فلسطين المحتلة منذ قيام الكيان الإسرائيلي، وهو وصف لا يزال صحيحاً ودقيقاً حتى يومنا هذا، وإن هو أغفل الدور الحاسم للأنكلو سكسون اللوثريين، البريطانيين والأميركيين، في إقامة قاعدة صهيونية عدوانية تخدمهم، بينما “يتوهّم” أصحاب الوثيقة أنّ “الدولة” تأسّست أصلاً كحلّ لمعاناة اليهود، وكواحة ديمقراطية حقّاً! وعلى الرغم من هذا الإغفال الذي لا يستقيم معه وصف الوضع في فلسطين المحتلّة، لننظر في رؤية هؤلاء العقلاء للمستقبل، ولنقرأ ما جاء في الوثيقة بصدده:

“إنّنا متّفقون بأنّ السلام مشروط باعتراف “إسرائيل” بمسؤوليتها عن ارتكاب الظلم بحقّ الشعب الفلسطيني، وبرغبتها في إنصافه، وباعترافها بحقّ العودة للفلسطينيين، وبالتعويض عن الظلم المستمرّ الموجّه إلى اللاجئين جيلاً بعد جيل، فهذا شرط ضروري للتسوية مع الشعب الفلسطيني! إنّ القادة الإسرائيليين يصوّرون الفلسطينيين على أنّهم دون البشر، وتؤيّدهم وتعزّز جهودهم النخبة المثقّفة وبارونات الإعلام والمسؤولون الفاشلون والكتّاب السطحيون من اليمين واليسار، ونحن نرفض باشمئزاز هذه الغطرسة العنصرية، لأنّنا نعرف أنّ الفلسطينيين، مثل جميع الشعوب، ليسوا شياطين ولا ملائكة، بل بشر خلقوا متساوين مثلنا، ولسنا أعداء أبديين كما يزعم المفسدون! إنّ الشرط الأساسي لتطوير رؤية حول العيش المشترك بات أمراً بديهياً، وهذا الشرط هو: النهاية الفورية للاحتلال! إنّها الطريق الوحيدة ليتحرّر الفلسطينيون من عبودية المستوطنات، وكابوس سياسة التمييز العنصري، وعبء الإذلال! فقط بعد أن يتحرّر الفلسطينيون بالكامل سوف يكون بإمكانهم مناقشة مستقبلهم وتقرير مصيرهم”!

تختم الوثيقة بالقول:

“إنّنا نتكلّم عن طريق لم تجرّب حتى الآن، فإذا وجدنا في أنفسنا الأمانة الخالصة والشجاعة الضرورية فسوف نكون قادرين على القيام بالخطوة الأولى التي يمكن أن تخلّصنا من تورّطنا في واقع التحريف والقمع والإنكار، ومن فقدان الإرادة والتخلّي عن الضمير، وهي الورطة التي تمّ إيقاع الإسرائيليين في شراكها منذ أجيال! إنّ كلّ من لديه عيون ترى وآذان تسمع يعلم أنّ الخيار أمامنا هو التالي: إمّا مائة عام من صراع سينتهي بالإبادة، وإمّا بناء شراكة بين جميع من يقطنون هذه الأرض، حيث من الممكن لهكذا شراكة أن تحوّلنا، نحن يهود “إسرائيل” من أجانب إلى سكّان أصليين”!

ns_shamali@yahoo.com