الأمير والجنرال

موفق محادين

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1964)

بثت فضائية الجزيرة – القناة الوثائقية- تقريرا مهما للغاية ومدججا بالوثائق حول تاريخ وتفاصيل الغزو الفرنسي للجزائر، واستعمار ذلك البلد العربي منذ القرن التاسع عشر، وحتى طرد الغزاة وانتصار الثورة الجزائرية.

وقد أورد التقرير عبر الوثائق وشهادات مؤرخين وباحثين فرنسيين مشهورين الجانب الآخر المنسي، أو المحجوب من حرب التحرير المذكورة، وهو الجانب الحضاري والأخلاقي عند الجزائريين مقابل الجانب “البربري” عند الفرنسيين، بل إن شهادات أحد المؤرخين الفرنسيين دارت حول تساؤلات من نمط من هم البرابرة حقا؟.. سكان الجزائر الأصليون أم فرنسا؟

كما يظهر التقرير إضافة لانطباعات من كتابات أخرى، ومن ذلك:-

1- مقابل معرفة الأمير عبد القادر الجزائري مؤسس وقائد الثورة الاولى، بالفلسفة الاغريقية واهتمامه بأرسطو والافلاطونية الحديثة، فان الجنرال الفرنسي كان يظن ارسطو من قادة يوليوس قيصر.

2- ومقابل اهتمام الأمير عبد القادر بأفكار الثورة البرجوازية الفرنسية بل وانزلاقه تحت هذه الأفكار إلى عضوية محفل الشرق وشعاراته المزعومة حول الحرية والإخاء والمساواة، فان الجنرال الفرنسي كان معاديا لفكرة العقد الاجتماعي التي دعا لها المفكر الفرنسي روسو، وكان معاديا لكتاب مونتسكيو “روح القوانين”.

3- ومقابل اهتمام الأمير بتعليم جنوده القراءة والكتابة في الزوايا الصوفية والكتاتيب، كان معظم الجنود الفرنسيين من الأميين حتى إن الجنرالات الفرنسيين خصصوا مكاتب لكتابة وقراءة رسائل الجنود إلى ذويهم.

4- مقابل نظافة جيش الأمير واستخدامه صابونا خاصا إضافة للوضوء اليومي، كان الجندي الفرنسي بالكاد يستحم مرة واحدة في الشهر.

5- والاهم من كل ذلك توزيع الأمير “مدونة” على قادته حول كيفية معاملة الأسرى وفق التشريع الإسلامي الذي يؤكد احترامهم وصيانة كرامتهم الشخصية، وذلك مقابل الجرائم الفرنسية سيئة الصيت، حيث كان الجنرالات والجنود الفرنسيون يعلقون رؤوس المجاهدين ويقطعون آذانهم ويرسلونها كهدايا إلى باريس..

ولمن لا يعرف فقد كان العرب، قبل الإسلام وبعده من أوائل من سنوا وشرعوا احترام الأسرى، فمن وثيقة “حلف الفضول” التي شهدها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إشهار رسالته، إلى “وثيقة المدينة” إلى وصايا الخلفاء الراشدين التي حرمت قطع أعناق الشجر قبل أن تحرم قطع أعناق الأسرى من البشر.