دفاعا عن ما تمثله “كنعان”

الطّاهر المعز*

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1964)

نشرت “كنعان الإلكترونية”، منذ بداية شهر يوليو/تمٌّوز 2009، مجموعة من المقالات، بدأها عادل سمارة بورقة عن احتفال (في رام الله) دعي له موسيقي صهيوني، واعتبر الدعوة، كما المشاركة، تطبيعا… أثار المقال ضجّة جعلت البعض (ابراهيم نصر الله، عمر حلمي الغول، مهنٌد عبد الحميد…) يرد عليه بحدة، يشتم منها أن الشحص (عادل سمارة) مستهدف هو وأفكاره، وطروحاته “المتطرفة”… في المقابل كان ما كتبه الشاعر أحمد حسين (من فلسطينيي الإحتلال الأول عام 1948) هادئا ومساندا في نفس الوقت لجوهر مواقف عادل سمارة، وأعاد طرح القضة الفلسطينية من خلال ما كان بعضنا (ولا زال) يعتبره من الثوابت، وبذلك فإنه ارتفع بمستوى “النقاش”، ووضعه في إطاره السليم…

في خضم هذا السجال، كتبت الصحف عن التطبيع الرسمي العربي، وهذه بعض العناوين:

التٌمور القادمة من الكيان الصٌهيوني تباع علنا في المغرب، في صناديق كتبت عباراتها بالعبرية الفصحى…

في الأردن، قمعت قوات الشرطة تجمعا مهنيا يطالب بوقف توريد الفواكه والخضر “الإسرائيلية”

ولي العهد البحريني يطالب العرب بتفهٌم “الإسرائيليين” والتحاور معهم لتذليل العقبات النفسية…

أما في الضفة الغربية فإن شرطة الحكم الذاتي الإداري، المدربة والمسلحة أمريكيا، تتسلم مهمات “الأمن” في جنين، ونابلش، والخليل… لتعتقل وتسجن وتقتل كل من قاوم أو له نيٌة مقاومة المحتل، مهما كان انتماؤه الحزبي..حصل هذا ولازال، بعد خطاب الرئيس الأمريكي في القاهرة (وتركيا وموسكو…) وتأكيده على الروابط القوية بين قيادات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ودعوته الفلسطينيين للكف عن إزعاج المحتلٌين الصٌهاينة…

لقد تعددت السبل والهدف واحد: الإقرار بشرعية المحتل، والبحث عن “التقدميين” ضمن المحتلين، لتشريع التطبيع الإقتصادي والثقافي والأكاديمي… ونعت كل من قال أو فعل خلاف ذلك بالمجنون والمهووس والمثالي واللاواقعي الخ. أما اللاجئون، وهم أغلبية الشعب الفلسطيني، والرازحون تحت الحكم الصهيوني المباشر، منذ عام 1948، واصحاب الأرض التي صادرها المستعمرون، ومن هدمت منازلهم في حيفا ويافا وعكا وقلقيلية وطولكرم… فيمكن التضحية بهم لقاء وعد بسلطة ما في بنتوستان ما في جزء من مدينة فلسطينية، تشبه رام الله أو أريحا…

إن جوهر “الإختلاف” بين عادل سمارة وأحمد حسين من جهة وابراهيم نصر الله وصحبه من جهة أخرى هو الموقف من الإحتلال ومن التعامل معه، أي هل يجب التعايش مع الإحتلال والتأقلم معه أم محاربته على كل الواجهات، كل حسب موقعه وإمكانياته، ووضع أمكانيات الجميع (أفرادا وجماعات) في خدمة مهام التحرٌر الوطني، أي تحرير كل فلسطين وعودة اللاٌجئين وتقرير المصير، واستعمال كافة أشكال النضال لتحقيق هذه الأهداف، وعدم الرٌجوع إلى “المجتمع الدولي والمواثيق وقرارات الأمم المتحدة” وغيرها من المتحوٌلات الخاضعة لموازين القوى… الهدف أيضا هو تربية النشء على ثقافة المقاومة ونفي أي شرعية للإحتلال وعدم التنازل عن حقوق شعب لم يفوٌض أحدا لشطبها والتبرع بأرض فلسطين للغاصب والمحتل…

قد نختلف في الأشكال والطرق للتعبير عن أهدافنا ومطالبنا، وقد نختلف في التكتيك أو الطرق الموصلة للهدف الرئيسي، لكن لا يمكن أن نختلف في تعريف الإحتلال وضرورة التكيف معه باسم التكتيك أو “الفهلوة”… أو المصالح الذاتية (وظيفة في السلطة أو منظمات المجتمع المدني مثلا)… وإذا حصل هذا الإختلاف، فذلك يعني أن بعضنا متمسٌك بالثوابت (وهذا أضعف الإيمان) وبعضنا مطبع وينظٌر لإمكانية التعايش مع الإستعمار والهيمنة… إن التنظير للتعايش مع الإحتلال ومحاربة من يقاوم بيده أو بلسانه أو بقلبه، أو بقلمه، يعتبر طعنة في ظهر كل لاجئ وكل شهيد وكل سجين وكل فلسطيني أو عربي أو أعجمي آمن بعروبة فلسطين وبضرورة تحريرها من الإستعمار الصٌهيوني/الإمبريالي…

لقد مثّلت كنعان بنشرتها الإلكترونية ومجلتها الورقية مساحة صغيرة ومتواضعة للأفكار التقدمية بشكل عام وللكتٌاب المتشبٌثين بحق العودة والتحرير الكامل لفلسطين، بشكل خاص… لكن “كنعان” نشرت مقالات لبعض من لا يتفق مع هذا النهج، ومنها مقالات السٌادة ابراهيم نصر الله وصحبه، الذين نشروا ردودا في مواقع أخرى، عوض نشرها في “كنعان”…

إن الدفاع عن أطروحات عادل سمارة اليوم هي جزء من مقاومة التطبيع، بقطع النظر عن الشٌخص، وعندما يغير عادل سمارة مواقفه، أو يصبح موظفا في “منظمة غير حكومية” فلن يمكن لي الدفاع عنه…لذا فالمستهدف الأول هو الفكر التقدمي الدٌاعي إلى تحرير فلسطين وعودة اللاجئين وتقرير الشعب الفلسطيني لمصيره بنفسه، وليس في وادي عربة أو واي بلنتايشن أو كامب دفيد…أو أوسلو ومدريد… فليكن النقاش والإختلاف حول البرنامج الوطني الفلسطيني وطرق تحقيق التحرير والعودة وفرز الأصدقاء من الأعداء، محليا وعربيا ودوليا… قد يكون عادل سمارة حادا في تعابيره وكلماته وردوده، وهذا طبيعي ومفهوم لأن المعاناة تحت الإحتلال أقسى وأمر، وعندما يرى “يساريين”سابقين ينظٌرون للتطبيع والتعايش مع الإحتلال والإكتفاء بدويلة في بعض أجزاء الضفة الغربية، باسم الواقعية وميزان القوى، كيف تريدون منه أن يعتبر ذلك “اختلافا في وجهات النظر” ليس أكثر، بينما الخلاف جوهري واستراتيجي…

::::

كاتب عربي من تونس