إنقلاب أبطحي

فاطمة الصمادي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1979)

قبل أشهر من الانتخابات الإيرانية قابلت محمد علي أبطحي في مكتبه في شارع ولي عصر، يومها كان يتحدث بحماس على برنامج للإصلاحيين “لإنقاذ إيران”، وكان سؤالي له يومها: من ماذا؟ وكيف؟ أما جوابه فكان بالتحديد: نريد إنقاذ إيران من تبعات حكم نجاد، ولدينا نحن الإصلاحيين مخطط لذلك. فهل كانت حركة الاحتجاج في الشوارع التي أعقبت الانتخابات الرئاسية هي ذلك المخطط الذي تحدث عنه أبطحي الذي تقلب في مناصب عدة أيأم حكم الإصلاحيين كان من أهمها منصب مدير مكتب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ومساعده.

لكن أبطحي في أولى جلسات المحاكمة التي عقدت يوم السبت للمتهمين بـ”إثارة الشغب” خيب ظن تياره الإصلاحي، ووجه من الاتهامات إلى رموزه ابتداء من رفسنجاني ومرورا بخاتمي وانتهاء بموسوي، ما لم يصدر حتى عن خصومهم من المحافظين.

وكان أمرا غير مسبوق أن يعقد متهم مثل أبطحي مؤتمرا صحافيا، ليؤكد فيه أن الترويج لفكرة تزوير الانتخابات كانت “أكذوبة” اختلقها الاصلاحيون عندما بدأوا يدركون أنهم لن يفوزوا بالانتخابات. ووصف أبطحي كلا من الرئيس الإيراني السابق خاتمي والمرشح الخاسر موسوي ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظأم هاشمي رفسنجاني بأنهم المثلث الذي أوجد ودافع عن فكرة تزوير الانتخابات الرئاسية العاشرة، وأنهم “أقسموا على مواصلة التحرك وألا يتخلى أحد منهم عن الآخر” وذلك في اجتماع أعقب إعلان النتائج. ولن يفلح نفي رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظأم هاشمي رفسنجاني ووصفه ما صدر عن أبطحي بأنه “كذب محض” في التقليل من تبعات هذه الاتهامات.

في المؤتمر الصحافي لم يداعب أبطحي الصحافيين كعادته، ولم يبد ذلك “السمين المرح”، لكنه قدم ما يشبه بيانا أعده مسبقا، طال بالاتهأم حتى صديقه الحميم “خاتمي”، وهو ما يمكن وصفه بانقلاب قاده أبطحي ضد تياره.

ومما قاله أبطحي أنه “امتلك الجرأة لقول الحقيقة والاعتراف بالخطأ”، أما الحقيقة كما قدمها فهي غير سارة لجماهير التيار الإصلاحي، ولا لأصدقائهم ولا تليق بشخصية مثل شخصية الرئيس خاتمي، ولعل من أخطر ما قاله تأكيد العلاقة مع الغرب، وهي العلاقة التي واظب خاتمي وموسوي على نفيها، أما أبطحي فجاء بالعكس وقال إن فرق عمل أعدت لاحتجاجات الشوارع، لكن “علاقة خاتمي بالغربيين وتواصله خاصة مع الصحافيين منهم كانت أعمق حتى من فرق الاحتجاج التي أعد لها.” و كانت الصورة ستكون مختلفة لو صدرت الاتهامات بحق خاتمي من قبل خصومه، ومثال ذلك ما تنشره جريدة كيهان، فقد واظب مديرها حسين شريعتمداري على كيل الاتهامات لخاتمي بالعلاقة مع الخارج منذ سنة تقريبا، من دون أن يرتب ذلك تأثيرا عميقا يخدش صورة خاتمي الايجابية على الساحة السياسية في إيران، لكن أن تصدر الاتهامات من أبطحي الشخصية التي وصفت بالأقرب والأكثر وفاء لخاتمي، فذلك يعني الكثير. وجاءت أقسى الاتهامات عندما وصف أبطحي صديقه خاتمي بأنه “خان المجتمع الإيراني، لأنه أصر على دعم موسوي رغم أنه يدرك اقتدار الأمن والنظام، ويعرف جيدا تأثير قيادة الثورة وقوتها”.

وقد يكون الحديث عن “ملجأ” سياسي لخاتمي في سويسرا يصب في هذه الخانة، واليوم يتداول أهل السياسة في إيران أخبارا عن نية خاتمي الاستقرار في سويسرا حيث فرع مؤسسته التي تعنى بحوار الحضارات.

ومما قاله أبطحي أيضا أن موقف رفسنجاني جاء نابعا من “الرغبة في الانتقام” من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وممارسة الضغط والمقاومة للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي. وأشار أبطحي أن التيار الإصلاحي نجح في إقناع العالم بإمكانية فوز موسوي في الانتخابات، وروج إلى أن ذلك من شأنه أن يؤثر على قرارات وسياسات خامنئي ويجبره على التراجع في عدد من الملفات، خاصة أن السنوات الأربع الماضية أثبتت تنفيذا مخلصا من قبل التيار المحافظ لتوجيهاته.وقال أبطحي أيضا ان موسوي تمسك بفكرة التزوير لأنه لا يعرف المجتمع الإيراني بشكل جيد، ولم يبق له شيء يخسره، لكن الجمهورية الإسلامية “لديها الكثير مما يمكن أن تخسره”.

اللافت أن “المتهمين الثلاثة” سارعوا إلى نفي تصريحات أبطحي خاصة فيما يتعلق بالعلاقة والتنسيق مع الغرب، بل وأكدوا “نفورهم” من الخارج.

وبات من المؤكد أن الحال في إيران بعد الانتخابات ليس كما كان قبلها، ولن يعود كما كان، ورفسنجاني اليوم الرجل القوي يقف مدافعا عن نفسه، فيما تتواصل الضربات، إيران اليوم بالفعل لا تشبه إيران قبل شهر واحد فقط، أنها تتغير، والاحتمالات كثيرة ومفتوحة، لكن من الواضح أن ثورتها ما زالت قوية رغم آمال وتمنيات أعدائها بعكس ذلك، ومن الواضح أيضا أن آلاف الشباب والشابات الراغبين في التغيير والذين اندفعوا إلى الشوارع سيصابون بخيبة أمل، تقف الرموز والشخصيات الكبرى في مقدمة أسبابها.