جميل خرطبيل
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1985)
(توضيح: لقد أضحت الضفة الغربية المحتلة من بلاد العجائب في زمن دايتون والسلطان عباس، فطلبت أًلِيْسُ “Alice” من لويس كارول “تشارلز لوتويدج دودسن” أن يعود إلى الحياة ويعيدها لتروي غرائب الأعاجيب عن سلطنة عباس المجيد.
فوافق لويس بشرط ألا يلحق الحكايات الجديدة بحكاياته القديمة “أليس في بلاد العجائب”، لئلا تشوه جماليتها. وأخذ يشرح لأليس ما استجد في التاريخ بعد وفاتهما، ولا سيما أن دولته الموقرة أقامت لليهود بعد وفاته بنصف قرن دولة لليهود، والفلسطينيون يناضلون لتحرير فلسطين كلها منهم…).
بدأت أليس زيارتها لمدينة بيت لحم وهي تسبح في أحلام رومانسية عن المدينة المقدسة التي يتمنى كل مسيحي بار أن يزورها، فرأت عساكر مثقلين بالسلاح الأبيض والأسود ومن كل الأنواع وقد انتشروا في الشوارع والساحات والأسطحة والبلاكين، ومنهم من اصطفوا طوابير وبأيديهم الهراوات والتروس الواقية، ومنهم من يصرخ ويقفز كقرد من نقطة إلى أخرى، فخافت وارتعدت وظنت أن حرباً ضروساً ستقع، ولكنها تمالكت نفسها واقتربت من أحد أولئك العساكر وسألته:
– أأنتم عساكر اليهود؟
فلم يلتفت إليها العسكور وكاد أن يضربها بهراوته ولكن طرف عينه وقع عليها فانتفض مرتبكاً وتغير تصرفه؛ فهي شقراء وعيونها زرق!
سألها:
– من أنت؟ ومن أين أتيت؟
قالت بثقة وافتخار:
– أنا أليس من بريطانيا العظمى!
اعتذر منها بحرارة لأنها من بلاد أولياء النعمة وخاطبها كما لو أنه بحضرة دايتون:
– نحن فلسطينيون جدد تابعون لسلطنة عباس وسيده المعظم دايتون باشا! انظري هذه هي صورهما، تحفظنا من الشر والحسد!
استغربت وقالت في نفسها ربما أولئك حرروا فلسطين من اليهود، ولم يسمع المستر كارول بذلك!!
ولكنها تذكرت أنها هي نفسها دخلت إلى بيت لحم من بين عساكر اليهود المدججين بالسلاح، وحاولت على قدر عقلها أن تستوعب ذاك التناقض، فقالت مستنتجة إن عساكر عباس يستعبدون عساكر اليهود ويسخرونهم لحماية حدود الفلسطينيين!
وأمام ابتسامة العسكور الولهى تجرأت واستفسرت منه عما يجري فأفهمها أنه سيعقد مؤتمر لحركة فتح وأراها كتابتها ولفظها لها بالعربي. لكنها قرأتها من اليسار إلى اليمين، وقررت أن تبحث عن معنى حتف فيما بعد في آلتها المترجمة!
ومع أن الأمور اختلطت في عقلها الصغير ولكنها ولكثرة غلبتها وشقاوتها، قررت أن تمحص في الأمر!
ولدى السؤال تلو السؤال فهمت أن اليهود هم الذين دربوا عساكر فتح السلطان وسخروهم لحماية اليهود من الفلسطينيين الأشرار الذين يريدون تحرير فلسطين من اليهود الطيبين، وهم الذين سمحوا بعقد هذا الكونفرنس العتيد للحركة بعد أن تابوا وتغيروا وقبضوا ما فيه من نصيب!
ولكن حاشية السلطان عباس تقول غير ذلك بل إن واحداً منهم بعد أن حياها راكعاً بين يديها كأميرة من القرون الوسطى، أخبرها أنهم يريدون تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، ولكنهم يخدعون اليهود الأغبياء!
وقفت كالبلهاء حيرى أمام تلك العبقرية، فوضح لها آخر الأمر وهو يضحك كالشمبانزي: نريد تحرير فلسطين من البحر إلى النهر بمساعدة عساكر اليهود ومباركتهم!
أخذت أليس تلملم بعض خيوط اللغز المحير الذي لم يمر عليها في حياتها مثله!
راحت تلهو بتمسيد شعرها الأشقر الذهبي، وهي تفكر وتفكر، وقرر فضولها أخيراً أن يُدخلها إلى قاعة الكونفرنس لمعرفة حقيقة ما يجري!
تسللت بتعويذتها السحرية لئلا يراها أحد حتى لو كانت معه أجهزة إلكترونية حديثة، ومعها جهاز ترجمة لكل لغات العالم من بشر وحيوانات وأشباح وعفاريت، واختارت مكانها بدقة وعناية حتى ترى كل شيء وتسمع كل شيء، ولكن لا يسمع تنفسها أحد ولا يشم رائحتها أحد.
رأت العساكر منتشرين في كل مكان؛ فوق المنصة وتحتها وعن يمينها وشمالها وعلى الحيطان والسقف.. ووراء المنصة الرئيسية صورة دايتون باشا يرفرف إلى جانبها علم أزرق وأبيض، وعلى الطاولة ثلاث قفف واحدة من ذهب والثانية من جواهر والثالثة فيها نقود ورقية مكدسة بألوانها المختلفة، ومن وراء القفف قبع السلطان وكانت أوداجه تحمر وتنتفخ فيحمر وجهه ويرغي ويزبد ويتطاير رذاذه في وجوه الحاضرين، وفي القاعة أيادي ترتفع مع كل نفخة ودج أو ودجين، ثم تهبط الأيادي مع ابتسامة رضا صاحب الودجين النابضين!
ورأت رجالاً بنظارات سود وبذلات سوداء يعلقون صورة دايتون على صدورهم يتجولون بين الحاضرين وقد انتفخ شيء ما من ورائهم. يدخل رجال ويخرج رجال ويُضرب بعض ويُطرد بعض.. وسمعت صراخات وهتافات لم تفهمها آلتها، فاستنجدت بآلتها السحرية الكاشفة لغموض الكون وأسراره فقالت لها:
في عام 1948، خاض اليهود حرباً ضد الفلسطينيين والعرب الذين كانوا يؤازرونهم، وكان قائد الجيش العربي بريطانياً تابعاً لقيادة إمبراطوريتنا البريطانية العظمى واسمه كلوب باشا، وقد قاد الجيش العربي لتحرير فلسطين من اليهود الذين قررت إمبراطوريتنا البريطانية العظيمة إقامة دولة لهم في فلسطين!!
اغتاظت أليس وصرخت في الآلة: أأنت تريدين توضيح الأمور لي أم تعقيدها علي، لم أعد أفهم شيئاً أيتها الغبية؟
حزنت الآلة وأوشكت على البكاء، فطيبت أليس خاطرها وقررت أن تعيد الاستماع إلى حكاية كلوب باشا البريطاني الذي كلفته بريطانيا بقيادة جيش العرب لتحرير فلسطين من اليهود..
ران صمت على القاعة وكل من فيها أخذ ينظر نحو مصدر الصوت، ولعلعت في القاعة أصوات تجهيز البنادق والمسدسات، ولكن لا أحد يراها.. وصاحب الودجين يحملق في الاستفهام، وفمه مفتوح على مصراعيه!
خافت أليس فقد اكتشفوا وجودها، ونظرت إلى آلتها فصدمت وشهقت لأنها عندما أعادت سماع التسجيل ارتكب أرنبها “بيني بني” خطأ فظيعاً؛ إذ ضغط على زر تحويل الصوت من سماعة أذنيها، إلى السماعة الخارجية؛ فسُمع الصوت في القاعة، فأغلقت الآلة وانسلت هاربة، وهي تقفز بحذائها السحري بخطى متباعدة من رأس إلى رأس آخر، ويلحق بها راكضاً خلفها خوفها وعرقها وبولها..
وفجأة لحق بها صوت أمها:
أليس، أليس هيا اصحي، ما بك، بماذا حلمت اليوم يا طفلتي العزيزة…!!!