“فلسفة بقاء المستعمرين” في الدولة الفلسطينية”المنتظرة”…!

نواف الزرو

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1988)

الادارة الامريكية تعرض على الحكومة الاسرائيلية التوصل الى ما اسموه”عهدة بتجميد الاستيطان مقابل تطبيع عربي شامل”، وكأن المشكلة هي مشكلة تجميد وليس مشكلة تفكيك للاحتلال والاستعمار استيطاني السرطاني الذي يلتهم الارض الفلسطينية بلا توقف، وكأنها ليست مشكلة حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني بالاستقلال التام…!

الحاخام يعكوف سافير يرى”ان الانتقادات الدولية للاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية “سخيفة لان الله هو الذي وعد اليهود بهذه الأرض وعلى العرب ان يرحلوا الى مكان آخر/ ا.ف.ب – 2009/5/30 “، وقال هذا الحاخام الذي يدير مدرسة دينية في مستوطنة هافات جلعاد الصغيرة العشوائية “ان هذه الأرض هي ارض يهودية”، واوضح “انها ديارنا”، ويعني بذلك القول بان الضفة الغربية التي احتلتها الدولة العبرية ابان حرب حزيران1967 تنتمي الى اليهود.

واستخدم رئيس وزرائهم نتنياهو، أثناء استضافته لوزير الخارجية الالماني، فرانك شطاينماير، مصطلحا نازيا على نحو خاص للتنديد بمطالبة الفلسطينيين بازالة المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، فقال:”إن الضفة الغربية لن تكون “يودينراين”، أي نظيفة من اليهود”، وذلك في إشارة واضحة تعني إبقاء المستوطنين في الضفة الغربية/ الوكالات/10/07/2009 “.

كما جاء أن نتنياهو حث الوزراء في حكومته على استخدام هذا المصطلح لدى تطرقهم إلى مسألة الاستيطان في الضفة الغربية، وذلك دفاعا عن المستوطنات، وعن إصرار إسرائيل على الاعتراف بها كدولة يهودية.

وكان دان مريدور نائب رئيس الحكومة، قد حث صحفيين أجانب ايضا على أن يسألوا ما اذا كان “الفلسطينيون سيقبلون أن يعيش اليهود بينهم أم أن ذلك سيصبح غير مسموح به تماما”، وقال مريدور في حينه إن “نظيف من اليهود” هو المصطلح الذي كان يستخدم ذات يوم في دول أخرى، مشيرا إلى ألمانيا النازية.

ولكن- رغم هذه الفكار والايدويولوجيا وسياسات التطهير العرقي وحقائق الامر الواقع الاستيطاني التي تبنى على ارض الضفة والقدس على مدار الساعة، نتابع مع الاسف بعض التصريحات الفلسطينية التي تبدي تسامحا منقطع النظير تجاه المستعمرا..!.

فبعيدا عن معطيات التاريخ والحضارة والتراث والهوية والحقوق الشرعية، وبعيدا عن حسابات الحق والباطل، وبعيدا عن الحقيقة الكبيرة السافرة الساطعة بان دولة “اسرائيل” قامت على سياسات التطهير العرقي والمحارق والمجازر والتدمير الشامل للمجتمع المدني الفلسطيني، وبعيدا عن الحقيقة الكبيرة الثانية ان “اسرائيل” هي اكبر مافيا لسرقة الاراضي والاوطان والتراث على وجه الكرة الارضية، وانها اكبر دولة خارجة على كافة القوانين والمواثيق الاممية، بعيدا عن كل ذلك وغيره، واستنادا الى ما يطلقون عليه “السياسة الواقعية-البراغماتية-” و”الاعتراف بموازين القوى وحقائق الامر الواقع” ، يختار عدد من القادة والمنظرين والكتاب الفلسطينيين (وهم قلة) الحديث بفلسفة جديدة تتعلق بمشكلة مئات آلاف المستعمرين اليهود المنتشرين والمتمددين سرطانيا في جسم الضفة الغربية، جوهرها “انه يمكن استيعاب هؤلاء المستعمرين في اطار الدولة الفلسطينية العتيدة….!

وفي هذا السياق اطلق رئيس وزراء فلسطين في رام الله سلام فياض مؤخرا تصريحا ليس من شانه الا ان يشرع ذلك الوجود الاستعماري الاستيطاني على ارض الضفة الغربية بعد ان نجحت دولة الاحتلال بتهويد كامل فلسطين المحتلة /1948…!.

فقد رسم فياض رؤيته للدولة الفلسطينية المستقبلية خلال مؤتمر حول الشرق الأوسط عقد في ولاية كوليرادو الأمريكية السبت 4 / 7 / 2009 قائلا :”اليهود “المستوطنين” الذين يختارون العيش في الدولة الفلسطينية المستقبلية سيكون مرحب بهم وسيتمتعون بالحرية الدينية الكاملة وبحقوق الإنسان الكاملة وسيتم الحفاظ علي حقوقهم المدنية، ونقل موقع صحيفة معاريف 2009/7/6 عن صحيفة ( أسبان ديلي نيوز) التي أوردت النبأ، بان أقوال فياض جاءت ردا علي سؤال طرحه جيمس ويلس رئيس جهاز السي اي ايه الأسبق الذي قال لفياض: يعيش داخل إسرائيل حوالي مليون وربع مليون فلسطيني( فلسطيني 48) يتمتعون بحريه كأمله، فهل في حالة أراد اليهود العيش في مدن مثل الخليل أو في مكان آخر في الدوله الفلسطينية المستقبلية وتكون تلك الدولة دولة قانون، فهل سيحصل اليهود على نفس الحقوق التي يحظي بها فلسطينو الداخل…؟

فرد فياض قائلا ” لن أتجادل معك، فالدولة الفلسطينية التي أطمح لها ستتمتع بالقيم العالية والتسامح والاحترام المتبادل وستقبل بالتغير الثقافي دون أن يظلم أحد فيها، فاليهود الذين سيختارون العيش فيها سيحظون بجميع الحقوق السياسية السياسية وبقيم التسامح والتعايش والاحترام المتبادل وتفاعل الثقافات والاديان، ولن تقل حقوقهم بالتأكيد عن تلك التي يتمتع فيها عرب الداخل في اسرائيل”.

فهل يا ترى يناور فياض على ويلس ام انه جاد…؟!

وهل نسي السيد فياض ان اولئك المستعمرين الارهابيين ليسوا رعايا في دولة فلسطينية مفترضة، وانما هم غزاة مدججون بالاسلحة يمارسون الارهاب المنفلت ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس….!.

وهل نسي ايضا ان اولئك المستعمرين نجحوا في اقامة دولة خاصة بهم يحتشد فيها حوالي 240-260 مستعمرة يهودية منتشرة في جسم الضفة الغربية كالسرطان، ويستوطنها جيش ضخم من حوالي 500-650 الف مستعمر يهودي….!.

ونسي ربما الحقيقة الاكبر ان هناك اجماعا سياسيا استراتيجيا اسرائيليا على عدم السماح باقامة دولة فلسطينية مستقلة سيادية…!.

فالاراضي المحتلة ترزح تحت الحصارات والاطواق والحواجز القمعية والتجويعية ، والمصادرات والجدران والاستيطان وهجوم التهويد على المدينة المقدسة، وبعد كل هذه الجرائم الارهابية الاحتلالية نسمع ليس فقط أسفا وألما على مقتل الجنديين الصهيونيين في الخليل…!.

بل ونسمع استعدادا لتشريع وجود اولئك المستوطنين الارهابيين لصوص الارض والتاريخ…؟!.

فحينما يشرع رئيس وزراء فلسطين بقاء اولئك المستوطنون الرهابيون على تلك المساحات الشاسعة من الاراضي العربية المسروقة والمهودة، فان هذا هو الخراب الفلسطيني بعينه…!

كان من الاجدر وطنيا وديبلوماسيا وسياسيا واستراتيجيا ان يطلق فياض رسالة فلسطينية واضحة حاسمة جوهرها: “طالما هناك احتلال واستيطان.. هناك انتفاضات ومقاومة وتضحيات -ولا حل الا برحيل الاحتلال رحيلا شاملا عن الارض المحتلة..!”.

nawafzaru@yahoo.com