محمد أبو الروس
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1992)
الأصدقاء في كنعان،
تحية طيبة
ربما تستحق البيانات المتكررة عن تأسيس جبهة مثقفين هنا أو هناك، وبغض النظر عن محتوياتها، أقل من التجاهل.
أعتذر عن تطاولي، ولكن كمواطن عادي جدا ولا يدّعي “التثقفن”، لا أفهم معنى جبهة للمثقفين هي عادة بيان أو سلسلة بيانات توقع عليها مجموعة من لشخصيات التي يعرفها الكثيرون، لا يقرأها سوى من وقع عليها وبعض المؤمنين، وهكذا تعرّف شريحة المثقفين ذاتها ومن تعتبره هي مثقفا، ثم يعود نفس الإخوة ليحتجوا على التجاهل الشعبي والرسمي والمحفلي ويتهموننا جميعا بالخيانة وبالإهمال ولا أدري بم أيضا، ثم تنطوي الصفحة.
كمواطن عادي يتلقى مثل هذا البيان لا أجرؤ أصلا على التوقيع، ليس يداعي الخوف أو عدم الاهتمام، ولا بداعي التنكر لفضل الإخوة المثقفين المناضلين الذين نحن نعيش عالة على إنتاجهم الفكري، ولكن ببساطة لإنني كمواطن عادي لا أجرؤ على وضع إسمي بجانب أسم رنّان (وما أكثرهم) والادعاء بأني مثقف من وزن الأستاذ… ليس هذا سخرية، لكن بالفعل القارئ العادي الذي يحترم نفسه لا يجرؤ على التوقيع على “بيان مثقفين” يحترمهم ويعترف بهم كمثقفين، ولا يضع نفسه “فكريا” في مصافهم.
أن تقوم شريحة مأجورة من المناضلين السابقين ومن مرتزقة الأنجزة والتطبيع بنشر “بيان مثقفين” يطالب بوقف عمليات المقاومة، فهذا يتساوق مع فكر هذه الشريحة وشخصيتها، ومع علاقتها الاستعلائية مع الجماير، وأصلا مع فهمها للثقافة ولدور المثقف. لكن أن تقوم مجموعة ممن يعدّهم الكثيرون مناضلين سياسيين وممن يتغزلون طوال الوقت بدور المثقف العضوي الغرامشي، بنشر بيان مطلبي، مستخدمة إسم “جبهة” رغم غياب أي شكل تنظيمي عدم وجود رغبة أو إمكانية لخلق شكل تنظيمي، فهذا مخيف.
أحد الأصقاء كتب في مدونته “الباب الآخر” ذات مرة تعليقا على نوعية التعارف مع الفلسطينيين العاملين في الحقل الفني، إذ يعرف الواحد نفسه أمام فلسطينيين بـ “أنا فلان، فنّان فلسطيني”. يعلق الرفيق: كيف أقدم أنا نفسي؟ أنا فلان، عامل بناء… قلسطيني، أنا فلان، بائع خضروات فلسطيني…إلخ
طيب ماذا يفعل غير المثقفين؟ هل ستقوم في الضفة وشرق الأردن جبهة الحلاقين المناهضين للتطبيع؟ جبهة بائعي العلكة على الإشارات لمقاطعة الخضروات الإسرائيلية؟ الجبهة الفلاحية ضد التطبيع الثقافي؟
إذا أصر مثقفونا على رفض العمل الحزبي وواصلوا الابتعاد عن النشاط السياسي وسط الجماهير، فليخدموها على الأقل فكريا وبمزيد من التحليل السياسي والدراسات الجادة، وليرحموا أنفسهم ويرحمونا من البيانات والعرائض، والجبهات “مابعد الحداثية”..
مع خالص الود والاحترام
محمد أبو الروس