رئيس الموساد السابق داني ياطوم مفوض سام غير رسمي في بلغاريا

كتابة: يوري كوزنيتسوف

ترجمة: جورج حداد

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1995)

تمخضت الانتخابات النيابية الاخيرة التي جرت في بلغاريا في 5 ـ 7 ـ 2009 عن مفاجآت عديدة. ومن هذه المفاجآت بروز حزب “نظام، شرعية، عدالة” وتجاوزه نسبة الحد الادنى (4،0%) للدخول الى البرلمان، حيث نال الحزب نسبة 4،13% وحصل على 9 مقاعد من اصل 240 مقعدا.

ويحيط هذ الحزب نفسه بضجة مصطنعة ومتواصلة، حيث يكثر رئيسه ومسؤولوه من الظهور في اجهزة الاعلام اجمع، ومن الاجتماعات واللقاءات العامة. ولفت الحزب النظر اليه:

اولا ـ بادعائه شن حملة على الفساد وملاحقة السياسيين والموظفين الكبار بتهم الرشوة والصفقات المشبوهة وما الى ذلك.

ثانيا ـ بعلاقاته الخارجية القوية، خصوصا مع الاجهزة الاسرائيلية.

وفي احد الاجتماعات التي عقدتها قيادة الحزب الاشتراكي للبحث في اسباب خسارة الحزب للانتخابات، انبرى رومين فودينيتشاروف، احد قادة الحزب، المعارض لرئيس الحزب الحالي سرغيي ستانيشيف والمرشح للحلول محله، للادعاء بأن الحزب الاشتراكي (الذي كان حاكما حتى الانتخابات) هو الذي اوجد حزب “نظام، شرعية، عدالة” من اجل اضعاف المعارضة. ولكن رئيس الحزب ياني يانيف رد على هذه التهمة، مدعيا ان الحزب تأسس في كانون الاول 2005. وان رومين فودينيتشاروف نفسه سيأتي دوره في المثول امام القضاء بتهم الفساد.

ونرى من الضروري تسليط الضوء على هذا الحزب، لما له من خصوصية، ولا سيما علاقاته الخارجية. ولا يسعنا الا ان نورد الملاحظات التالية:

ـ1ـ ان السيد ياني يانيف، رئيس الحزب، هو سياسي مغمور لم يكن له “لا طعم ولا رائحة”، وكان عضوا في الحزب الشيوعي البلغاري السابق، الاشتراكي اللاحق (اي حزب رئيس الوزراء الخاسر)، ثم انتقل الى حزب “أتاكا” المعارض، ثم تركه ليشكل حزبه الخاص، الذي نحن بصدده. ولكن ابرز نقطة في السيرة الذاتية للرجل انه كان احد عناصر جهاز المخابرات البلغارية في العهد “الشيوعي!!”، التي كانت على اوثق علاقة بالمخابرات الروسية عهدذاك، والتي اصبحت تقف على “مفترق طرق” بعد ما يسمى “التحول الدمقراطي” في 1989، وخصوصا بعد انضمام بلغاريا الى الحلف الاطلسي، مما فتح “قناة جديدة” لعمل المخابرات الروسية، والمخابرات الغربية، على الساحة البلغارية. وفي السنتين الاخيرتين، ولا سيما في فترة التحضير للانتخابات الاخيرة، سلطت الاضواء الاعلامية على ياني يانيف، بشكل يحسده عليه اي سياسي مخضرم بارز.

ـ2ـ اخذ حزب “إر، زد، إس” RZS (نظام، شرعية، عدالة) يتصدر واجهة الحياة السياسية في البلاد، بادعاء محاربة الفساد وملاحقة رجال السياسة والموظفين الكبار في الجمارك وغيرها من الادارات بتهم الفساد وجمع الثروات غير المشروعة، واخذ يقدم الملفات تلو الملفات الى المدعي العام الرئيسي حول الفساد والفاسدين. وقد تساءل العديد من المراقبين: بصرف النظر عن صحة او لا صحة تلك الملفات، من اين يأتي هذا الحزب الناشئ بكل تلك الملفات، ومن هي الجهة التي تزوده بها؟ و… أليس الظهور العجائبي لهذا الحزب، وطرح تلك الملفات، هو محاولة من طرف خفي ما، ولكنه طرف قوي، للسيطرة الكاملة او شبه الكاملة على الحياة السياسية في البلاد؟

ـ3ـ ان اسم حزب “نظام، شرعية، عدالة”، ونمط نشاطه الاجتماعي ـ السياسي هو قريب جدا الى درجة التقليد لاسم ونمط نشاط الحزب الاسرائيلي المسمى حزب “العدالة الاجتماعية” لمؤسسه الملياردير أركاديي غايداماك.

ـ4ـ في ايار 2009، وبدون مقدمات ملحوظة، ظهر ياني يانيف رئيس حزب “نظام، شرعية، عدالة” في اسرائيل. وجاء في النشرة الالكترونية البلغارية Blog.bg (بتاريخ 16-5-2009) ان ياني يانيف سافر الى اسرائيل للتعرف الى سياسة الدولة (الاسرائيلية) في مكافحة الفساد والجريمة المنظمة. وصرح بأن خبراء في المخابرات المالية الاسرائيليين يمكن ان يساعدوا زملاءهم البلغار على هذا الصعيد، بعد تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات. وفي مقابلة بين يانيف ورئيس شعبة مكافحة غسيل الاموال القذرة وتمويل العمليات الارهابية في اسرائيل ايهودا شافر، صرح الاخير ان المخابرات المالية ينبغي ان تكون مؤسسة مستقلة تماما، وليس كما هي الان في بلغاريا. وشعبة المخابرات المالية الاسرائيلية تأسست سنة 2002 وهي تعمل بتعاون وثيق مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية وتحضر لديهما بصفة مراقب.

ـ5ـ وفي مجرى الشهر ذاته حط الرحال في بلغاريا الرئيس السابق للموساد الجنرال داني ياطوم، الذي جرت في “عهده” محاولة اغتيال المناضل الفلسطيني خالد مشعل في الاردن، والذي اضطر لتقديم استقالته بسبب فشل محاولة الاغتيال والازمة التي نشبت حينذاك بين اسرائيل والاردن. وقد اشتهر الجنرال ياطوم في اسرائيل، بشكل خاص، بالنشاطات “الخيرية” التي قام بها خلال العدوان على لبنان سنة 2006. وقيل يومها ان الجنرال داني ياطوم جاء الى بلغاريا بناء لدعوة خاصة من ياني يانيف. ومنذ وصوله الى بلغاريا اخذ الجنرال ياطوم يظهر بشكل شبه يومي في وسائل الاعلام البلغارية (تلفزيون، راديو، صحف) ويقدم المقابلات ويلقي المواعظ عن “الرسالة الحضارية” للموساد واسرائيل، وعن مكافحة الفساد والجريمة المنظمة وغسل الاموال القذرة ومنع تهريب السلاح وطبعا… مكافحة الارهاب. وقال في احد تصاريحه ان الشعب البلغاري ينبغي ان يكافح الفساد، والا فإنه … سيخسر دولته. وقد قدم الجنرال نفسه بأنه صاحب شركة او مؤسسة استشارات، سياسية وقانونية وامنية، حول مكافحة الفساد والجريمة المنظمة.

ـ6ـ وفي البدء اعتقد كثيرون ان الجنرال ياطوم انما يقوم بزيارة “صداقة” الى بلغاريا، وانه لا يلبث ان يعود الى اسرائيل (واحة الدمقراطية في الشرق الاوسط) بعد ان يختتم دورة مواعظه ضد الفساد والجريمة المنظمة. ولكن يبدو انه لم تكن هذه حسابات الجنرال واسياده. ففي اوائل شهر تموز نشرت وسائل الاعلام البلغارية كلها تقريبا ان ياني يانيف، رئيس حزب “نظام، شرعية، عدالة” هو مهدد بالقتل، من قبل الاوليغارشيين الماليين الذين يقوم بفضحهم، وانه جرى احباط محاولة اغتياله بتفجير سيارته. وانه ـ اي ياني يانيف ـ قام بتكليف مؤسسة الجنرال داني ياطوم، الى جانب مؤسسة امنية بلغارية، بالاضطلاع بتأمين حمايته الشخصية وحماية شخصيات اخرى بارزة في حزبه. وتعقيبا على ذلك عبر الجنرال داني ياطوم عن سروره بهذا التكليف، واكد انه سيستقدم اللوازم اللوجستية التي يقتضيها نظام الحماية … من اسرائيل.

وقد تم توقيع اتفاق الحماية مع الجنرال ياطوم، من قبل المجلس السياسي لحزب يانيف. وافادت المعلومات الصادرة عن الحزب ان اللوازم اللوجستية للحماية التي سيتم استيرادها من اسرائيل ستكون هدية بدون مقابل، بفضل “وساطة” الجنرال ياطوم.

ـ7ـ من المعلوم، لدى المتابعين، ان الجنرال ياطوم هو على علاقة وثيقة برجال المافيا ـ المليارديرية اليهود الروس، المرتبطين خصوصا بتجارة تهريب الماس وتجارة الاسلحة في افريقيا. وهذه العلاقة بالمافيا المالية “اليهودية ـ الروسية” هي “مسألة فيها نظر”، ويمكن النظر اليها من اكثر من “زاوية نظر” سياسية ومخابراتية، الان ومستقبلا.

ـ8ـ من اهم الشخصيات (المليارديرية) الاسرائيلية من اليهود الروسيي الاصل، التي هي على علاقة وثيقة بالجنرال داني ياطوم، اثنان هما:

أ ـ الملياردير اليهودي الروسي الاصل اركاديي غايداماك مؤسس حزب “العدالة الاجتماعية” في اسرائيل ورئيس مؤتمر المنظمات الدينية اليهودية في روسيا. وهو احد اكبر عمالقة تجارة الماس. وقد اتهم بالمشاركة في فضيحة ما يسمى أنغولاغيت، المتعلقة بالصفقات المشبوهة لتهريب الاسلحة الى انغولا خلال الحرب الاهلية الطويلة في تلك البلاد. كما سبق ان حققت معه الشرطة الاسرائيلية بتهمة غسل اموال قذرة. وكان في وقت ما ممنوعا من مغادرة اسرائيل. ويملك غايداماك شركة عقارية في تل ابيب. وقد بدأ مؤخرا في توظيف اموال في بلغاريا، منها في صناعة محروقات الديزل، وكذلك في الحقل العقاري.

ب ـ الملياردير اليهودي الروسي الاصل ليف ليفايف (واحيانا يسمى ليفييف)، المعروف بأنه اغنى اغنياء اسرائيل ويسمى ملك تجارة الماس. وقد وجه ليفايف انتقادات الى الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ 1990 بأنها لا تحسن استيعاب اليهود الروس. وقد وقع خلاف بينه وبين مصلحة الضرائب الاسرائيلية. وتقول جريدة “الاندبندنت” انه انتقل الى لندن واشترى مسكنا محصنا ضد التفجيرات بقيمة 35 مليون جنيه استرليني. وتقول نشرة mediapool.bg الالكترونية وغيرها من وسائل الاعلام البلغارية ان الشركات الخاصة بليف ليفايف بدأت بشراء اراض وعقارات في مدينة صوفيا وغيرها من المناطق البلغارية، واقامة مشاريع عقارية، بعضها على شكل احياء كاملة مغلقة، وهي تعتمد اسلوب البيع المؤجل بالتقسيط.

ـ9ـ ليست اسرائيل جمعية للبر والاحسان. وهذه مسألة لا يختلف عليها اثنان. ولكن حتى لو كانت اسرائيل ـ جدلا ـ جمعية خيرية، فمن هو ياني يانيف حتى تتبرع له اسرائيل باللوازم اللوجستية الضروروية لحمايته وحماية ازلامه الذين هم مجموعة من المرتزقة والمغامرين من امثاله. ان واقعة “تبرع” اسرائيل باللوازم التي يطلبها الجنرال داني ياطوم، بحجة حماية يانيف ورجاله، تبين كذب الجنرال ياطوم وتفضحه، اذ تدل ان الجنرال ياطوم انما يقوم بمهمة اسرائيلية “رسمية” في بلغاريا، وان له حسابا “مفتوحا” لتنفيذ هذه المهمة.

ـ10ـ كيف يقدم ياني يانيف الجنرال ياطوم ويحدد مهماته؟

في مؤتمر صحفي له يقول ياني يانيف: “ان شخصية في حجم الجنرال داني ياطوم، الذي سبق له العمل في كل انحاء العالم، لديه الامكانية ان يختار هو بنفسه مهماته”.

اي ان داني ياطوم وموساده هم طلقاء الايدي في العمل كما يشاؤون في بلغاريا، بغطاء سياسي وقانوني من قبل حزب “شرعي” بلغاري هو حزب “نظام، شرعية، عدالة”.

ـ11ـ وكيف يحدد الجنرال داني ياطوم اطار مهماته؟

انه، ببساطة كلية، يتصرف كمفوض سام مطلق الصلاحية، بدون ان يبدي الحاجة لان تعترف به الجهات البلغارية المعنية.

فخلال الحملة الانتخابية قام بمرافقة احد مرشحي حزب يانيف، المدعو ديميتر ابادجييف، الى مدينة فارنا السياحية المشهورة على البحر الاسود. وصرح ياطوم امام الصحفيين “ان البرلمان لا ينبغي ان يكون ملجأ لرجال العصابات”. وبسؤاله عن الصفة التي يتكلم بها قال “لست هنا كسياسي، بل كممثل للمجتمع الدولي، الذي يكافح ضد الشر”.

في الموقع الالكتروني البلغاري http://www.cross-bg.net/، يذكر على لسان الجنرال في احد مقابلاته التلفزيونية ان “كل سياسي ترفع ضده دعوى قضائية، ينبغي ان يقدم استقالته، او ان يخرج في اجازة”. اي انه يضع نصب عينيه “وضع اليد” على الحياة السياسية (وطبعا غير السياسية ايضا) البلغارية، لا اكثر ولا اقل!!!.

وهو يضيف: “في الوقت الراهن، حينما اصبح الارهاب مفهوما عالميا، وحينما تقوم ايران بالحصول على السلاح النووي، فإن الموساد يكتسب اهمية كبرى في التعاون الدولي”. وان وكالة المخابرات الاسرائيلية لها “تعاون مدهش” مع الولايات المتحدة الاميركية، انجلترا، فرنسا، المانيا، ايطاليا، اليونان وبلغاريا. وان الارهاب يمثل تهديدا ثقيلا لسبب اضافي هو ان المنظمات الارهابية لا تمتلك بنية تحتية منظورة ولا قواعد كبيرة، ولهذا من الصعب جدا الحصول على المعلومات.

اي ان الجنرال ياطوم وموساده، وبغطاء حزب “نظام، شرعية، عدالة”، وتحت شعارات مزيفة مثل مكافحة الرشوة والفساد والجريمة المنظمة، سيبدأون، انطلاقا من بلغاريا، بنصب شباكهم لـ”صيد الساحرات” في كل اوروبا الشرقية، وهم يعتقدون انهم هنا هم في مأمن بحماية الحلف الاطلسي والقاعدة العسكرية الاميركية في مدينة بورغاس البلغارية، بعيدا عن خطر “العدو الدائم” روسيا.

ـ12ـ ان الجنرال داني ياطوم، وان كان ظاهريا خارج الوظيفة، الا انه شخصية سياسية وامنية بارزة، وهو يسمح لنفسه بأن يدلي بالتصريحات ويمارس من النشاطات على الارض البلغارية، مما يعتبر ـ بكل المقاييس والاعراف الدولية ـ تدخلا فظا في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة هي الجمهورية البلغارية. ورغم ذلك، مما يلفت النظر جدا، انه لا السلطات المعنية البلغارية، ولا الاحزاب والقوى السياسية البلغارية الرئيسية تعترض على هذا التدخل الاسرائيلي المكشوف في الشؤون الداخلية لبلغاريا. ويمكن ان نستنتج من ذلك احد امرين، او كلاهما معا:

اولا ـ ان هناك قوة كبرى، او اكثر، على علاقة مباشرة او غير مباشرة بالحضور الميمون للجنرال داني ياطوم في بلغاريا. والدولة والاحزاب والقوى السياسية البلغارية لا تريد الاصطدام بهذه او تلك من القوى الكبرى المعنية.

ثانيا ـ ان دور داني ياطوم في بلغاريا متعدد الاحتمالات، وكل طرف خارجي او داخلي، على علاقة مباشرة او غير مباشرة به وبنشاطه، يستفيد الان، او سيستفيد لاحقا من هذا النشاط. ولهذا يتم “التغاضي” ولو مرحليا عن هذا النشاط المرشح للتزايد في المستقبل المنظور.