جمال محمد تقي
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 1995)
الفشل الذريع الذي لازم حكومة المالكي لحلحلة القضايا المزمنة في ـ العراق الجديد ـ كان وراء اندفاعها لاشغال الراي العام الداخلي بامور ثانوية لا تمت بصلة لصلب المعضلات التي يعاني منها المواطن العراقي وعلى كافة الاصعدة، الامنية والمعاشية والخدمية، ناهيك عن فشلها في تحقيق اي من الشعارات البراقة التي تطبل لها، كالمصالحة الوطنية، ومحاربة الفساد، وانتزاع السيادة الكاملة، واقامة دولة القانون والمؤسسات على كامل التراب العراقي، فها هي حكومة اقليم كردستان تتصرف وكانها ند لحكومة بغداد، واخرالمتمة كانت زيارة المالكي المذلة لاربيل حيث اكد البرزاني له من خلال غرابة شكل وبروتوكول ومضمون الزيارة بانه ليس فقط ندا له وليس فقط مستقلا عنه وانما هو الحاكم الفعلي للشمال والقادرعلى شل حكم بغداد، وها هي انهار العراق تجف والحكومة عاجزة عن اتخاذ ما يلزم لدرء مخاطر الجفاف الشامل، اما مشاكل اللاجئين والمهجرين فهي ما زالت متفاقمة، ناهيك عن ازمات الكهرباء وماء الشرب ومفردات البطاقة التموينية، وما زاد الطين بلة الصراعات البينية بين القوى المتحاصصة على السلطة وتكالبها المسعور على التفرد بامتيازاتها من خلال التهيئة لابتلاع من يعرقل مساعيها بالاستحواذ على توكيلات اكبر عدد ممكن من الناخبين ـ بالترهيب والترغيب والتجريب ـ وعلى بياض في الانتخابات العامة بداية العام القادم، ناهيك عن فضائح سرقات رموزها للمال العام وفي عز النهار ـ سرقة مصرف الزوية من قبل مخابرات المجلس الاسلامي لتمويل جانبا من حملته الانتخابية ـ!
حكومة المالكي تبحث عن اي انجازات وهمية تسوقها بعد ان عجزت عن تقديم ماهو حقيقي منها، فهي تصور اعادة انتشار القوات الامريكية انتصار لقدرات قواتها النظامية، وهي تقدم استجواب وزير تجارتها الفاسد على انه انموذج لشفافيتها الفريدة ـ حيث يهرب الوزير بما سرقه بعد ان عرف القاصي والداني بسرقاته وتجاوزاته، وهي قطرة من بحر الفساد السائد ـ ثم يزف الناطق الرسمي باسم خطة فرض القانون خبر القاء القبض على ابوعمرالبغدادي زعيم تنظيم القاعدة المفترض في العراق وكانه خاتمة للاحزان وفاتحة للاستقرار والعمران، وياتي الخبر اليقين من الناطق باسم القوات الامريكية معلنا ان المقبوض عليه ليس بابو عمر البغدادي!
استعراض القوة على تجمعات للمدنيين الايرانيين اللاجئين في معسكر اشرف ومحاصرتهم والاعتقال التعسفي للعشرات منهم وترحيلهم الى اماكن مجهولة وقتل ودهس اعداد اخرى منهم ومضايقة عوائلهم واهانتهم هو نوع من الافلاس الذي يعلن عن نفسه بنفسه، فالسيادة العراقية الحقيقية لا يتم تحقيقها من خلال التجاوز على حقوق الانسان اللاجيء والذي تعاملت معه حكومات الاحتلال على انه لاجيء بمعزل عن اسباب هذا اللجوء، السيادة الحقيقية تكمن باستقلال القرار العراقي عن التبعية للاجندات الخارجية امريكية كانت او ايرانية، والدستور العراقي الذي تتذرع الحكومة به لاضفاء الشرعية على تجاوزاتها اللا قانونية واللاشرعية تلك هو نفسه محط شبهة لان اكثر بنوده هي قابلة ماذونة لولادة الفتن في الجسد العراقي الذي هو باشد حاجة للتماسك والوحدة والتكامل، انها تزرع في شكل الدولة العراقية القائمة ما نسميه بالتفريط التلقائي بوحدة الاقليم ـ بوحدة الهوية الوطنية. كان الاجدر بالمدعين حرصا على سيادة العراق ووحدته وسلامة شعبه واراضيه اعادة صياغة هذا الدستور الغير دستوري بما يضمن وحدة العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ناهيك عن وحدته الادارية والجغرافية، وبما يسد ذرائع التفريط بحقوق العراق الطبيعية كالسيادة على الحدود وعلى الثروات الحدودية وصد كل اشكال الاعتداءات المسلحة على اراضيه من قبل دول الجوار، وعدم التجاوز على حقوقه المائية والبحرية. كان الاجدر بهم مطالبة ايران بعدم التدخل بالشان العراقي وبارجاعها للطائرات العراقية المحتجزة لديها، كان الاجدر بهم مطالبة ايران وتركيا بالكف عن محاولاتهم لحجب تسرب الحصص المائية الخاصة بالعراق عبر الانهار العابرة للحدود، فليس جديرا بحكومة تدعي تمثيلها العراق وشعبه وتسكت عن هذا كله وتشغل نفسها بمحاصرة وتقتيل اناس مقيمين اقامة شبه جبرية على اراضي بلادها وهم عزل ومقيدي الحركة!
ان إشراف منظمة الصليب الاحمر الدولي ومنظمة الاغاثة الدولية والمفوضية العليا للاجئين على معسكر اشرف وحماية سكانه هو مطلب انساني ملح خاصة بعد تورط القوى النظامية التابعة لحكومة الاحتلال بارتكاب الجرائم الوحشية الشنيعة بحق سكانه العزل والذين يخشون من تكالب واسع ومنظم ومدروس تساهم به المخابرات الايرانية والقوى النظامية العراقية لتصفية سكانه وتسليمهم الى ايران حيث التصفية!
احرار العراق مطالبون قبل غيرهم بادانة هذه الاعمال الاجرامية، وبمعزل عن المواقف المسبقة من اصول هؤلاء اللاجئين وبمعزل عن الاتفاق والاختلاف مع مواقفهم السياسية، انها قضية انسانية وقبل اي اعتبار اخر.
نعم نحن مطالبون جميعا بالدفاع عنهم وحمايتهم!