الأهداف الحقيقية من وراء الهجمة الإسرائيلية على السويد!

صبري حجير

تتواصل الأزمة وتتصاعد، هذه الأيام، بين الحكومتين الإسرائيلية والسويدية، على خلفية تقرير إعلامي نشره الصحفي دونالد بوستروم في صحيفة أفتون بلادت السويدية، بتاريخ 17 – 8 – 2009 بشأن فضيحة الإتجار بالأعضاء البشرية للأسرى والشهداء الفلسطينيين.

بدأ الهجوم الإسرائيلي على الصحيفة السويدية، وكاتب المقال، من قبل نائب وزير الخارجية الإسرائيلية ” داني آيلون” الذي طلب من الصحيفة السويدية الإعتذار للحكومة الإسرائيلية، ومعاقبة كاتب المقال! حيثُ قال الناطق بلسان الخارجية الإسرائيلية، يغئال بلمور، إن ” مجرد النشر هو وصمة عار للصحافة السويدية، وأنه لا مكان في دولة ديمقراطية لفرية دموية ظلامية، قرون وسطوية، من هذا النوع، وأن التقرير مسيء للديمقراطية السويدية والصحافة السويدية كلها “.

أسفرت الحركة الهجومية الإسرائيلية على دفع السفيرة السويدية، في تل أبيب، لاستنكار التحقيق الصحفي الذي أوردته الصحيفة السويدية المذكوره، وطالبت من الصحيفة الإعتذار أيضاً! ” والسفيرة السويدية في تل أبيب هي ” أليزبت بونييّر ” تنحدر من عائلة يهودية سويدية، والجدير ذكره أن عائلة بونيير في السويد، كانت تحتكر الإصدارات المطبوعة للكتب المدرسية التي تنغرس في أذهان الأجيال، وتشكل لهم القاعدة الثقافية والمعرفية! “

في المقابل رفضت الصحيفة السويدية تقديم الإعتذار، واعتبرت الطلب الإسرائيلي تعدياً على القيم الأخلاقية، وقيم الحرية التي يقوم عليها المجتمع السويدي، وخاصة حرية الرأي والتعبير!

تلقت السفيرة السويدية صفعات من عدد من قيادات الأحزاب السويدية الذين طالبوها بالعودة الى بيتها في السويد، كي تعيد صياغة تربيتها على القيم السويدية الأصيلة، قبل أن تمثل السويد في المحافل العالمية، من جانب آخر رفضت وزارة الخارجية السويدية ما جاء على لسان السفيرة السويدية في تل أبيب، واعتبرته رأي فردي لا يمثلُ بالضرورة موقف وزارة الخارجية السويدية!

استعرت الحملة الإعلامية الإسرائيلية على الصحيفة والحكومة السويدية معاً، وتواصلت عبر تصريحات لوزيري الدفاع والخارجية الإسرائيليين، لتصل الى حدّ الأزمة في العلاقات بين الحكومتين.

يبدو أن العقلية النرجسية الصهيونية ما زالت تسيطر على القادة الإسرائليين، وهي القائمة على الإعتقاد المطلق ؛ بأن كلّ ما تقوم به الدولة الصهيونية يجد له تبريراً أو تمريراً لدى القوى الحيّة الأوروبية، ولم يدرك الصهاينة بعد، أن الظروف قد تغيرت، والأحوال قد تبدلت في العالم، حيثُ أنّ الجرائم التي ارتكبتها الدولة الصهيونية بحق الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين في الضفة، وفي قطاع غزّة أخيرأً، وعلى مدى سنوات الإحتلال، قد أثرت في السيكيولوجية الشعبية، وأصابت الضمائر الحيّة للشعوب الأوروبية. أن مسؤولية الصمت والإنصياع للسياسات الإسرائيلية، لما جرى، ويجري في المناطق المحتلة قد أثقلت كاهل الشعوب الأوروبية بالعبيء الأخلاقي والمادي! لأنّ التدمير المادي الذي ألحقته الوسائل العسكرية الصهيونية، في الضفة وقطاع غزّة، بالبنية التحتية للمدنية الفلسطينية، بل للمكونات الأساسية للحياة الإنسانية للفلسطينيين، تحملَ مسؤوليته الضمير الأخلاقي الأوروبي أولاً، ودافع الضرائب في الإتحاد الأوروبي ثانياً، الأمر الذي أفضى الى توجهات مختلفة في الرأي العام الأوروبي، وأسهم بالتالي في صياغة مواقف تقيمية معادية للدولة الصهيونية.

يبدوأن القيادات الإسرائيلية لم تستوعب بعد المتغيرات التي تكونت في ذهنية الشعوب الأوروبية، وخاصةً لدى القوى الحيّة فيه، ولم تدرِ أن في السويد فقط عشرات المقالات السياسية التي تنتقد بل وتهاجم السياسة الإستعمارية الصهيونية يومياً! وهذا بحدّ ذاته يشكل عاملاً مهماً من عوامل تكوين الرأي العام المعادي للدولة الصهيونية وممارساتها الهمجية والإجرامية، وكذلك لم تستوعب بعد أن التلويح بمعادات السامية بات ضرباً من الماضي، ولم يعد يجدي نفعاً!

في حقيقة الأمر، الأزمة التي اشعلتها الحكومة الإسرائيلية مع الصحيفة السويدية بنت على أطرافها مداميك هجومية أشرس عدوانية على الحكومة السويدية، لتصل الى أهدافٍ ومرامي أبعد عمّا يظهر على السطح، أبعاد تتجاوز التحقيق الصحفي الذي يدين اسرائيل، الى أهداف خبيثة تتمثل في إرباك رئاسة الإتحاد الأوروبي، والتأثيرعلى موقف الحكومة السويدية من مسألة تجميد الاستيطان التي أكدت عليها السويد في بداية تسلمها لرئاسة الإتحاد الأوروبي، وإضعافه ثمّ تبديده، ففي بيان غلبت عليه الشدّة، دعت الرئاسة السويدية للإتحاد الأوروبي اسرائيل الى وقف الإستيطان، وعدم القيام بأي عملٍ استفزازي في القدس الشرقية بما في ذلك عمليات التدمير والإبعاد التي تطال البيوت والمواطنين الفلسطينيين في المدينة المقدسة، مؤكدةً أن عملاً من هذا النوع يعتبر غير قانوني ولا يخدم مساعي السلام. إضافة الى أنّ الهجمة الإعلامية الإسرائيلية تأتي عشية جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الى عدد من الدول الأوروبية، حيثُ سيكون ملف الإستيطان حاضراً في أجندته. الدول الأوروبية اتخذت موقفا شبيها من موقف الإدارة الأمريكية التي تطالب بتجميد تام للاستيطان لتحريك المفاوضات مع الفلسطينيين، وبحسب مسؤولين إسرائيليين، وفي سياق التضليل الإسرائيلي، اقترح نتانياهو تعليق منح العروض لبناء مساكن في الضفة الغربية حتى مطلع 2010. وقد اعتبر ذلك الرئيس الأمريكي باراك اوباما ذلك بادرة حسنة رحبَ بها، رغم أن الأنباء تفيد بأنَ عملية البناء تتواصل على أشدّها في مستوطنات الضفة والقدس!.

:::::

كاتب فلسطيني مقيم في السويد

sabri_hajir@hotmail.com