خلف علي المفتاح
بعيداً عن عدم شرعية الكيان العنصري الصهيوني القائم أساسا على الاغتصاب ومنطق القوة والعدوان طفت على السطح خلال السنوات الماضية، الدعوة إلى أن (إسرائيل) دولة يهودية أو دولة لليهود ولعل هذه الدعوة التي أصبحت جزءا من الخطاب السياسي الصهيوني وخاصة بعد الكلمة التي ألقاها رئيس وزراء الكيان في بار إيلان تثير العديد من التساؤلات لما لها من منعكسات خطيرة على عملية الصراع العربي الصهيوني وتكييف بنيته، فالقول بيهودية الكيان يعني أولا وقبل أي شيء أنه يتأسس على حامل عرقي أولاً وديني وهذا يقوض أحد أهم الأكاذيب التي سوقتها الحركة الصهيونية والتي تدعي أنها دولة ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة الإسرائيلية وليس الدين اليهودي, والأمر الآخر وهو الأشد خطراً القول إن الصراع في المنطقة هو صراع ديني وليس صراعا بين القومية العربية بكل ما تعنيه من معانٍ حضارية وحركة التحرر الوطني الفلسطيني من جهة والحركة الصهيونية كحركة عنصرية استيطانية استعمارية فاشية وإحلالية من جهة أخرى.
إن محاولة الصهاينة تديين الصراع هو أمر في غاية الخطورة لأنها دعوة لقيام كيانات في المنطقة على حوامل دينية وطائفية وهذا يعني محاولة تدمير الكيانات الوطنية وفرط العقد الاجتماعي الوطني والقيام بما يمكن تسميته إحيائية دينية وطائفية تقصي الهوية الجامعة لتحل بدلا منها هويات فرعية زائفة، ناهيك بأنها تعطي مبرراً للفكر المتطرف ليسوق خطابه الظلامي في مناخ أفضل.
وإضافة لما تقدم تبدو الدعوة ليهودية الكيان أشبه ما تكون بالضربة الاستباقية لإغلاق ملف عودة اللاجئين إلى وطنهم الأم وهو مضمون القرار 194 الصادر عن هيئة الأمم المتحدة ،فالاعتراف بيهودية الكيان يعني عدم قبول عودة أي فلسطيني إلى أرضه ووطنه، ناهيك بأنها تعطي المبرر لطرد العرب الفلسطينيين من وطنهم كونهم من غير اليهود، إضافة إلى أنها تفسح المجال لتهجير أي يهودي في العالم إلى فلسطين المحتلة وهذا يتأسس على مقولة كاذبة روجتها الصهيونية في الأوساط الأوروبية، مؤداها أن اليهود في العالم هم ضحية ترانسفير جماعي قام به الرومان منذ القرن الأول الميلادي، وكذلك محاولة إضفاء شرعية ما على حقيقة التمييز العنصري والديني الذي تقوم به الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه الفلسطينيين، إلى درجة أن الكنيست الإسرائيلي تبنى مشروع قانون يعاقب بالسجن كل من يرفض ما يسمى الطابع الديني (للدولة)، والغريب في الأمر أن بعض الساسة في دول العالم بدؤوا يسوقون مثل هذه المقولات العنصرية الكاذبة متناسين أن اليهودية ديانة انتشرت في كافة أصقاع الأرض شأنها شأن الديانات الأخرى وأنه لا توجد دولة في العالم تقوم على أساس ديني سوى دولة الفاتيكان، علماً أنها حاضرة دينية رمزية أكثر مما هي دولة بالمعنى القانوني ولها احترامها وتقديرها على مستوى العالم.
إن الدعوة للاعتراف بيهودية الكيان يجب أن تواجه بفعل عربي وفلسطيني منظم يركز على طبيعة الكيان الصهيوني وعنصريته، والدعوة إلى إعادة الاعتبار إلى قرار الامم المتحدة رقم 1379 الذي يعتبر الصهيونية حركة عنصرية والذي ألغي في ظروف غير طبيعية مر بها العالم في فترة القطبية الأحادية وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على المنظمات الدولية، إضافة للتأكيد على بنية وطبيعة الصراع على أنه صراع بين محتل غاصب وشعب آمن طرد من أرضه واقتلع من جذوره ولكنه بقي متمسكا بهويته رغم كل الظروف المأساوية التي مر بها، وأن حركة التحرر الوطني الفلسطيني هي حركة تحرر وطني ضد الظلم ويجب على المجتمع الدولي والرأي العام العالمي مساندتها كما ساند حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وجعل منها قضية رأي عام.
وهنا لابد من تنسيق عربي وإقليمي ودولي، وفعل سياسي وإعلامي وثقافي يواجه تلك الدعوة المشبوهة التي يحاول من خلالها الكيان القيام بما يمكن تسميته عملية مزدوجة الأبعاد تتضمن مبادلة السكان بالسكان والأرض بالأرض. والمقصود بذلك السكان الفلسطينيين الذين لم يغادروا أراضيهم عند النكبة مع قطعان المهاجرين الذين جيء بهم من أصقاع الأرض بذلك تتكرس على الواقع يهودية الكيان وعنصريته وتصبح قضية المواجهة أكثر ثمناً وأشد إيلاماً على الفلسطينيين والعرب عموماً.
“الثورة”