فهد الخيطان
ثمة شيء يبعث على القلق في سلوك الدولة تجاه الناس وفي علاقة القوى الاجتماعية مع بعضها بعضا.
اعتقال مطلوب للأمن في بلدة نائية يتحول إلى مواجهة بالسلاح بين الأهالي و”الدرك”. وفض اعتصام سلمي يتطلب حشد قوى أمنية هائلة.
إشكال عشائري بسيط ينتهي بجريمة قتل، وجريمة القتل تجر عشيرتين إلى مواجهة مسلحة لا تجد من يوقفها غير قوات الدرك.
المعادلة مقلقة للغاية: الدولة تلجأ للقوة العارية دائما لحل كل إشكال والناس يأخذون القانون بأيديهم عند كل خلاف مهما صغر أو كبر. أما قوة القانون وأدواته فهما الخاسران الأكبران.
هل هناك استقواء على الدولة؟ نعم، ومظاهره كثيرة. وهل هناك تزايد في العنف وميل أكثر لاستخدام السلاح من طرف الأفراد تجاه بعضهم؟ نعم، ووصل الأمر إلى ساحات الجامعات.
لماذا يحصل ذلك إذا؟
يمكن لنا أن نحصى أسباباً عديدة تتصل كلها بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وهموم الحياة المعاصرة وأزماتها. وفي الأدراج كم كبير من الدراسات الاجتماعية والمسوحات الميدانية التي تعاين الواقع الاجتماعي والسياسي، وترصد آثار الفقر والبطالة على سلوك الأفراد والقوى الاجتماعية.
بيد أن الحاصل في الآونة الأخيرة يعد ظاهرة فريدة تحتاج لدراسة مستقلة، واعني الميل المتزايد للعنف من طرف الدولة يقابله عنف اجتماعي يتبدى في الصدامات العشائرية.
يشعر المراقب أحيانا أن المؤسسات الرسمية تتقصد استخدام هذا المستوى المفرط من القوة وتعطيل أدوات الحوار لصالح لغة “الدرك” في معظم الحالات لإثارة الخوف في نفوس الناس وكأنها تستشعر مرحلة مقبلة تتطلب التعامل بحزم وشدة يجري الاستعداد والتمرن عليها منذ الآن.
لا يجادل احد في مسؤولية الأجهزة بالمحافظة على هيبة الدولة وان قصرت وجبت محاسبتها، لكن من قال إن القوة وحدها تحفظ الهيبة، في التاريخ أمثلة كثيرة عن الأثر المدمر للقوة في إضعاف الدول.
كان لدينا دائما قوى وأدوات اجتماعية وسيطة “رجال دولة ووجهاء في المجتمع” إضافة إلى مؤسسات أمنية وحكومية قادرة على احتواء الصراعات الاجتماعية وتسوية الخلافات من دون اللجوء للقوة.
اليوم نفتقد دور هذه الوسائل الوسيطة ودور مؤسسات الدولة المدنية ولا نرى في الساحة غير “الدرك” ووجهاء يتنقلون من حي إلى حي لعقد صلحة أو “عطوة”.
ما نشهده يؤشر على اتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع بحيث لم تعد من وسيلة اتصال بينهما غير “الهراوة” وبين مكونات المجتمع الواحد بوحداته الصغيرة والكبيرة.
الدولة تخاف من شيء ما يدفعها للقوة دائما فلا تجد غير “الدرك” والناس يخافون من بعضهم بعضا وكأنهم أعداء تفصل قوات الدرك بين خنادقهم.