الطاهر المُعز
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2032 )
توظيف الرياضة لطمس القضايا الإجتماعية
في الرابع عشر من يوليو/تموز 1969، اندلعت حرب ضروس بين دولتين في أمريكا الوسطى، هما سلفادور وهندوراس، وكلاهما يخضع لحكم عسكري، وينتمي البلدان إلى السوق المشتركة لأمريكا الوسطى (مركومون) التي أسستها الولايات المتحدة لحلفائها… أما عن التعلة الرسمية لاندلاع الحرب، فكانت مقابلة كرة القدم في إطار تصفيات كأس العالم لعام 1970، بالمكسيك، حيث جرت استفزازات واعتداءات على لاعبي ومشجعي الفريقين، سواء في مقابلة الذهاب أو الإياب، وصلت حد القتل لمرافقي فريق هندوراس، وفاز كل فريق على أرضه، وانتصر فريق سلفادور، في مقابلة فاصلة جرت في مكسيكو.
عرفت هذه الحرب باسم “حرب كرة القدم”، ودامت من 14 إلى 19 جويلية/تموز، ولم يوقّع البلدان اتفاقية إنهاء حالة الحرب بينهما إلا عام 1980. أما خسائر الحرب فكانت ما بين 3 آلاف و6 آلاف قتيل، وآلاف الجرحى، الذين لم يعلن عددهم رسميا، وهدمت عديد القرى الحدودية، مما ترك50 ألف شخص بدون مأوى، واستغلت الشركات الإحتكارية والمالكين العقاريين الوضع، لشراء الأراضي التي باعها الفلاحون الصغار بثمن بخس، وغادر هندوراس 130 ألف سلفادوري كانوا مستقرين بها (من جملة 300 ألف سلفادوري كانوا في هندوراس عام 1969… كما استغل الحاكمان العسكريان في البلدين حالة الحرب للقضاء على عدد من النقابيين ومناضلي اليسار، فاغتيل ما يقارب 200 مناضل يساري في هندوراس وإخفيت جثثهم وادعت السلطات أنهم قتلوا أثناء الحرب.
أما خلفيات ما عرف ب“حرب كرة القدم“ فيتلخص بعضها في ما يلي:
طيلة عام 1968 وجزء من عام 1969، تكاثرت إضرابات العاملين الأجراء، في هندوراس، واحتل الفلاحون الأراضي الصالحة للزراعة أو الرعي، وعاشت البلاد عددا من المظاهرات المطالبة بإصلاحات سياسية وانفتاح ديمقراطي، في ظل حكم عسكري، يقوده العقيد “أسفالدو لوبس أرلانو” الذي قام بانقلاب عام 1963 وأطاح بالرئيس الإصلاحي “رامون فيليدا”، الذي بدأ إصلاحا زراعيا قبل عام واحد…أصبحت البلاد عبارة عن قاعدة عسكرية جوية أمريكية، استعملتها أمريكا فيما بعد ضد نيكاراغوا في عهد الصندينيين، وقاعدة لمحاربة ثوار سلفادور…كان يعيش في هندوراس حوالي 300 ألف سلفادوري، خصوصا من الفلاحين الفقراء، حيث يعملون في الأراضي الخصبة، لأن بلدهم أقل مساحة وأكثر سكانا: 4 ملايين نسمة في مساحة 23000 كم مربع عام 1968 في سلفادور، مقابل 3 ملايين نسمة في مساحة 120000 كلم مربع في هندوراس، وقبل مقابلة الذهاب، طردت هندوراس 500 عائلة من هؤلاء الفلاحين السلفادوريين، لتحويل الأنظار عن الإضرابات والحركات الإجتماعية، وللتعبير عن الغضب من اتفاقية التجارة لأمريكا الوسطى التي استفادت منها جارتها وغريمتها سلفادور، التي هي أكثر تصنيعا وتطورا اقتصاديا.
في السلفادور أيضا، حكم عسكري بقيادة الجنرال “فيدل سانشس هرناندس”، متحالف مع البرجوازية العقارية القوية ( 2بالمائة يملكون 50% من الأراضي )، إضافة إلى سيطرة الإحتكارات الأمريكية (خصوصا يونايتد فروت) على زراعة وتجارة الموز، مثلما هو الحال في كافة دول أمريكا الوسطى… قمع الجيش بشدة الحريات في المدن والأرياف واغتال قادة الفلاحين المطالبين بالإصلاح الزراعي، ثم اندلعت في ما بعد حرب شعبية بقيادة “جبهة فاربوندو مارتي للتحرير الوطني “، من 1980 إلى 1992… أما “أوغوستو فارابوندو مارتي” فهو قائد شيوعي، قاد انتفاضة “ماتنزا ” للفلاحين عام 1932، ضد تحالف العسكر وملاكي الأراضي الذين قتلوا أكثر من 30 ألف من الفلاحين، خلال هذه الإنتفاضة، وما أشبه اليوم بالبارحة.
سلفادور هي أيضا عبارة عن قاعدة عسكرية أمريكية، جيشها أقوى وأحسن تجهيزا من جارتها…وكان بها خبراء عسكريون صهاينة، دربوا الجيش على شن غارات جوية مفاجئة ضد مواقع استراتيجية هامة في هندوراس، مثلما فعل الجيش الصهيوني في حرب حزيران 1967، لكن هذا التكتيك لم يصمد طويلا، لأن الظروف مغايرة.
إضافة إلى المسألة الزراعية وانخرام التوازن الديمغرافي والإقتصادي بين البلدين، والعداء المتبادل الذي تغذيه الحكومتان، كما حصل دائما منذ 1861، فإن أمريكا كانت متخوفة من انتشار “عدوى” الثورة الكوبية، وحروب التحرير الشعبية في المنطقة، خصوصا بعد الحراك الإجتماعي والإضرابات الجارية في البلدين، فكانت الحرب فرصة للقضاء على المعارضين للحكم العسكري وحلفائه في البلدين، ولتحويل الغليان إلى شوفينية وغضب ضد الجيران… وما مباراة كرة القدم إلا الفتيل الذي كان سريع الإشتعال…ولم تتدخل أمريكا (في عهد الديموقراطي ليندن جونسون) لإيقاف الحرب، بل تركت منظمة الدول الأمريكية تفاوض ممثلي الدولتين المتحاربتين.
في تونس، ترشح الفريق الوطني لكرة القدم، لأول مرة في تاريخه، إلى كأس العالم التي دارت في الأرجنتين، عام 1978، بعد أشهر قليلة الإضراب العام الذي دعا له ونفذه “الإتحاد العام التونسي للشغل” (نقابات الأجراء)، يوم 26 جانفي(يناير) 1978 . تدخل الجيش لقمع الإضراب، مما أدى إلى قتل وجرح المئات وسجن أغلبية الكوادر القيادية النقابية… استغل النظام التونسي هذا الحدث الرياضي، قبل وبعد المباريات بعدة أشهر، للتغطية على القمع والمحاكمات والطرد من العمل، وانعدام الحريات والبطالة والفقر الخ. اجتاحت أخبار الرياضة صفحات الجرائد وبرامج الإذاعة والتلفزيون، ونجح النظام نسبيا في استعمال كرة القدم، لقمع اليسار (ثم الإسلام السياسي بعد سنوات التحالف معه)، وللتغطية على الأحداث الإجتماعية، التي سرعان ما عادت وفرضت نفسها، بسبب صمود الأجراء والنقابيين والديمقراطيين.
ويستعمل النظام التونسي، كما بقية الأنظمة العربية وغير العربية، استغلال الأحداث الرياضية المحلية والدولية، بجعلها في صدارة أحاديث واهتمامات الناس، واستغلالها لنشر الجهوية والنزعة المحلية الضيقة… ففي عام 1971، فاز فريق النادي الرياضي الصفاقسي على الترجي الرياضي التونسي في نهائي كأس الجمهورية، فغضب جمهور الفريق الخاسر وعاث في البلاد فسادا، حيث أحرق ودمر وخرب أملاك من يشتبه به من أصيلي مدينة “صفاقس ” واعتدى على الأشخاص الخ. وفي مناسبة أخرى اعتدى جمهور نفس الفريق بالعنف الشديد على أحباء فريق مدينة “باجة ” مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. وفي الملعب يصيح أحباء الترجي الرياضي التونسي “ترجي يادولة ” (أي أن فريقهم في قوة الدولة)، وهو اندماج لا يشبهه إلا اندماج الحزب الحاكم بهياكل الدولة… وكثيرا ما أجبر رجال الأعمال على دفع “هبة ” إجبارية لهذا الفريق للحصول على ترخيص أو قضاء حاجة… الملاحظ أن فريق الترجي الرياضي التونسي تأسس عام 1919، في حي شعبي (باب سويقة)، بجهود محلية، لمنافسة فرق المستعمرين الفرنسيين، وبعده بعام واحد تأسس فريق النادي الافريقي في حي مجاور (الباب الجديد)، وكان الفريقان يحظيان بشعبية كبرى (ولا يزالان)، بسبب ما يمثلانه من وازع وطني في عهد الإستعمار المباشر… أما الآن فإن تنافسا غير شريف يحصل بين أحباء الفريقين، تغذيه السلطة، ويضاهي ما يحصل في القاهرة بين الأهلي والزمالك، غير أن الفرق يكمن في أن حي الزمالك يسكنه الأثرياء (القدامى والجدد) عكس الأهلي الذي يتكون مشجعوه من المواطنين البسطاء…أما الحيان التونسيان فهما شعبيان ولا تمايز طبقي بينهما، والمستفيد الوحيد من هذه الخلافات والخصومات هو النظام الحاكم وبائعوا الأزياء الرياضية وشركات الإشهار.
هذه بعض الأمثلة القليلة على طمس الهوية الوطنية ( فضلا عن الهوية القومية العربية) واستعمال الرياضة للإنحطاط بالوعي إلى الدرك الأسفل، وحصر الهوية في حي من أحياء عاصمة عربية ما، مثل الزمالك في القاهرة أو باب سويقة في تونس أو بلكور في الجزائر الخ. فضلا عن استعمال الفرق الرياضية لتغذية الشعوبية أو النزعة الإنفصالية، كما هو الحال بالنسبة لشبيبة القبائل الجزائرية…لأحباء الفرق الرياضية أناشيدهم وأعلامهم ويافطاتهم وشعاراتهم الخاصة، ويدفعون الكثير من مالهم لشراء القمصان والأعلام والشارات والرايات، إضافة إلى معلوم الدخول إلى الملعب واستهلاك الأغذية والمشروبات و”المنتوجات الفرعية” داخل الملاعب أو في محلات الفرق، بأسعار خيالية، والتنقل داخل المدينة وخارجها لمتابعة مقابلات الفريق المفضل الخ، لأن الملعب هو المكان الوحيد الذي يسمح فيه بالتجمهر والصياح والإحتجاج ورفع الشعارات ثم التظاهر خارج الملعب، بعد المقابلات سواء ربح الفريق، للتعبير عن الفرح أو خسر، للتعبير عن الغضب. لذا فهو متنفس للكبت، فالعشق الجنوني للرياضة أفيون مخدر، لكنه يسمح بالزفير، والإحساس بالإنتماء إلى مجموعة أو عائلة كبيرة كل نهاية أسبوع، والعيش على الأوهام أو الأمل الزائف… في غياب (أو ضعف) أحزاب ونقابات وجمعيات أهلية قادرة على توعية الناس بمصالحهم الحقيقية والنضال من أجلها، لتغيير الواقع على الأرض.
الرياضة والإستثمار السياسي
عام 1934، نظمت إيطاليا في عهد الفاشية بزعامة “بنيتو موسليني”، كأس العالم لكرة القدم وفازت بها. كان الملعبان الرئيسيان اللذين دارت بهما جل المقابلات يسميان “ملعب الحزب الفاشي” في روما وملعب “بنيتو موسليني ” في تورينو. استغل موسليني شعبية الفريق الإيطالي واستثمرها سياسيا لصالحه، مركزا على “قيم” الذكورية والشجاعة والنزعة الهجومية (العدوانية) التي يتميز بها حسب رأيه، الجيل الإيطالي الجديد، الذي لا يرضى بغير الإنتصار بديلا، فزادت شعبيته التي بدأت تهترئ بسبب عدم تحقيقه لوعوده تجاه العمال والفلاحين والفقراء الذين صدقوه…ووصل الأمر بقائد الفريق الإيطالي “جيوسبي ميازا ” الذي فاز بكأس العالم 1938 أيضا، في فرنسا، إلى تحية الرئيس الفرنسي “ألبير لوبران” بالتحية الفاشية، وقد كان ينتمي إلى “منظمة الشبيبة الفاشية”، وهو المنحدر من أصل طبقي فقير وكادح. استغلت الفاشية الصورة الإيجابية للفريق الإيطالي الذي فاز مرتين متتاليتين بكأس العالم، لإدماجها في دعايتها السياسية، وكأنها من إنجازات الفاشية، إذ اعتبر “بنيتو موسليني” انتصار الفريق انتصارا للفاشية وقيمها، التي تمثل المستقبل حسب زعمه… وبعد سنتين استغل أدولف هتلر الألعاب الأولمبية (برلين 1936) لينفث سمومه حول تفوق “العرق” الأبيض الأروبي، فكذبه العداء الأمريكي الأسود “جيسي أوينس” الذي حاز على أربع ميداليات ذهبية، في عقر دار النازية والعنصرية، وقد ساند أوينس العداءين سميث وكارلوس عام 1968.
أما الأرجنتين في عهد الإنقلابيين العسكريين فإنها نظمت كأس العالم عام 1978، وفازت بها، غير أن حملة دعائية جرت في جميع أنحاء العالم للتعريف بوضع الحريات الديمقراطية والسياسية. أما مدرب الفريق فإنه قال للاعبين: يجب أن تحرزوا الكاس، ليس من أجل الدكتاتورية العسكرية وإنما من أجل شعبكم الذي لم يبخل عليكم بالتشجيع، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها.
أما “سيلفيو برلسكوني”، رئيس الحكومة الإيطالي الحالي، فإنه رجل أعمال، يملك مجموعة مؤسسات مالية و5 قنوات تلفزية تبث على كامل التراب الإيطالي، ومؤسسات إعلامية واقتصادية أخرى، أضافة إلى جمعية “ميلانو أ. س ” التي ضخ فيها أموالا لشراء اللاعبين، عادت عليه بالفائدة المالية من عائدات الإشهار والكؤوس، وبفائدة سياسية أكبر، حيث ضاعف الفريق من شعبيته عند هواة كرة القدم وجعله أكثر شهرة من أي سياسي إيطالي آخر، ثم كون حزبا أعطاه تسمية مستوحاة من شعارات جمهور كرة القدم ومن الشعارات الفاشية للثلاثينات: “فورزا إيطاليا” أي إلى الأمام إيطاليا، وأدمج معه مجموعة من الأحزاب الفاشية أو اليمينية المتطرفة، وأعلن عدة مرات أن العهد الفاشي ليس شرا كله، بل له إيجابيات عديدة منها فرض الإنضباط…
أما في أسبانيا، فإن الفاشية وضعت موالين لها على رأس كل الفرق الكبرى، رغبة في توسيع رقعة الموالين لها أو المحايدين… إلا أن فريق “أتلتيك بلباو”( بلاد الباسك )، أبقى على معارضة حكم فرانك، ومنع جلب لاعبين من غير الأصول الباسكية، للمحافظة على لغتهم أثناء اللعب والتمارين وعلى روابطهم مع الجمهور وعلى روح المعارضة للحكم المركزي (عكس فريق اتحاد أبناء سخنين الذي يتخاطب أفراده بلغة المحتل).
بشكل عام، تولي الدول والحكومات أهمية كبرى لللقاءات الدولية التي يعزف فيها النشيد الرسمي ويرفع فيه العلم، لأن ذلك بمثابة الدعاية التي لا مثيل لها، خاصة في حظور معظم قنوات العالم التلفزية…ويذكر الكثير كيف تآمر الفريق الألماني والفريق النمساوي (ومن ورائهما الحكومات والهيئات الرياضية الدولية )، اثناء دورة كأس العالم بأسبانيا عام 1982 لإقصاء الجزائر التي هزمت فريق ألمانيا العتيد (أحد لاعبية “ماتيوس” أصبح مدربا في الكيان الصهيوني)، وكان لا بد لألمانيا أن تفوز بنتيجة 2 مقابل 1 لكي يترشح الفريقان الأروبيان وتقصى الجزائر، ففعلا ذلك بشكل مفضوح وبارز للعيان، دون أن تحرك “الشرعية الرياضية الدولية” ساكنا، بل اعتبرت الأمر في صالحها لأن الفريقين الأوروبيين يجلبان جمهورا وإشهارا وأموالا أكثر.
أمأ الصين فاستغلت فرصة أولمبياد بيكين 2008، لتظهر للعالم أنها دولة رأسمالية “عادية” من الناحية الإقتصادية – وهذا هو الأهم- أما من الناحية السياسية فيجب الإنتظار، لأن الحريات السياسية تعني أحزابا ونقابات وإضرابات… وهذا ليس في صالح الإحتكارات التي حققت أرباحا هامة بهذه المناسبة، وضاعفت من حضورها في هذه السوق العملاقة، وتستثمر في المناطق الصينية التي لا تعرف أجرا أدنى أو نقابات أو إضرابات، لكي تجني أرباحا طائلة.
الإستغلال السياسي للرياضة ليس حكرا على الحكومات، ففي الملاعب الأروبية، أصبحت الشعارات الفاشية والعنصرية أمرا مألوفا، خصوصا في إيطاليا حيث يعرف فريق “لازيو روما” بكثرة اليمينيين الفاشيين في صفوف أحبائه الذين كثيرا ما رفعوا صور موسليني، وأدوا التحية الفاشية، وكثيرا ما أهانوا وشتموا اللاعبين السود، وصرح بعض اللاعبين أنهم يعلقون صور موسليني في بيوتهم، ويتمنون عودة الفاشية وانهم لا يحترمون اللاعبين ذوي البشرة السمراء، كما أن بعض المدربين مثل “دينو زوف” الحارس الدولي السابق الذي شغل منصب مدرب الفريق الوطني، وكذلك المدرب “أوجينيو فاشتي”، صبوا الزيت على النار بتبرير التصرفات العنصرية والتقليل من خطورة ما يجري في صفوف أحباء كرة القدم الإيطالية.
في فرنسا، يعرف أحباء فريقي باريس ومرسيليا بالعداء لبعضهما وبعداء أجزاء عريضة منهما للاعبين القادمين من الدول الفقيرة. أما في باستيا (جزيرة كورسيكا الفرنسية ) فإن حوالي 30 متفرج قاموا بالإعتداء بالعنف على لاعبين أسودين من “سانت إتيان ” بعد هزيمة فريقهم عام 2000.
لئن لم تكن الرياضة عنيفة في حد ذاتها، فهي تخضع لقوانين تنظمها، فإن الأموال الضخمة والرهانات الكبرى، تجعلها مجالا للإستثمار السياسي والمالي والإعلامي، ومتنفسا للجماهير المقهورة وأفيونا تنفس به عن بعض كربها وتحويل وجهة الغضب أو الطاقة الكامنة لدى الشباب، لاستغلالها فيما ينفع رأس المال.
الرياضة: إستثمار اقتصادي مربح
أصبحت الرياضة مجالا للإستثمار مثل كل المجالات الأخرى، وتخضع لنفس المقاييس، من دراسة الجدوى والأسواق ووضع مخططات قصيرة ومتوسطة المدى الخ… وتعكس كذلك علاقات الهيمنة بين البلدان الرأسمالية التي بلغت مرحلة الإمبريالية، والدول الفقيرة والمتخلفة اقتصاديا، حيث هجرة الرياضيين من “الجنوب إلى الشمال “، واستثمارات أوروبية في افريقيا وأمريكا الجنوبية، لتكوين أو انتقاء لاعبين بأبخس الأثمان وبيعهم في سوق كرة القدم الأروبية بعشرات أضعاف ذلك…أما تنظيم الدورات العالمية، مثل الألعاب الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم، فهي حكر على الدول الغنية، لما تتطلبه من استثمارات (بنية تحتية، اتصالات، فنادق، مواصلات وطرقات ومطارات وملاعب…) ولما تدره من عائدات… وتلتجئ دول امبريالية للغش والرشوة، للفوز بتنظيم مثل هذه التظاهرات، مثلما فعلت أمريكا التي تعطي دروسا في “الحكم الرشيد” والنزاهة، والشفافية… بينما قامت بإرشاء لجنة تحكيم اللجنة الأولمبية الدولية (بزعامة “خوان أنطونيو سامارانش”، المعجب بفرانكو) للفوز بتنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية في “سالت لايك سيتي” في فبراير 2000، والتي جنت منها 220 مليون دولار مقابل حقوق البث التلفزي وحده…كما وضعت اوروبا كل ثقلها السياسي والإقتصادي لكي تفوز أسبانيا بتنظيم كأس العالم 1982، ثم الألعاب الأولمبية ببرشلونة عام 1992 وساعدتها على الإستثمار في البنية التحتية، كي تلحق بمستوى الدول الأروبية الأخرى اقتصاديا، وتستقر أوضاعها السياسية، في مواجهة النزعات القومية في بلاد الباسك وكاتالونيا، والفقر في مناطق أخرى مثل الأندلس.
تعكس الرياضة، وكرة القدم بشكل خاص، علاقات الهيمنة التي تفرضها الدول الرأسمالية الإمبريالية على غيرها من الدول، وعلى افريقيا خصوصا، التي اختص الجزء الغربي منها في تصدير لاعبي كرة القدم إلى أروبا، والشرقي في تصدير عدائي المسافات الطويلة والمتوسطة، واختصت دول الخليج العربي في استقطاب الرياضيين المتقاعدين من كل الجنسيات. افريقيا وأمريكا الجنوبية، هما المنطقتان الرئيسيتان المصدرتان للاعبي كرة القدم، لتوفر “الجودة والثمن المناسب” للمنتوج، المتمثل في اللاعبين الشبان…ويخضع اللاعبون الأفارقة (كما العمال ) للإستغلال والإبتزاز والغش الخ. وللضغط على المصاريف و”ثمن الكلفة”، أصبحت الفرق الأوروبية الكبرى تتعاقد مع بعض الدول أوالشركات لفتح مراكز تدريب في ساحل العاج و الكامرون والسنغال وغانا… واختيار اللاعبين البارزين، الممكن بيعهم في القارة العجوز، الذين لا تتجاوز نسبتهم 12% من جملة اللاعبين، يتمكن نصفهم فقط من التعاقد كمحترفين مع فرق كبرى… وفي طرف 10 سنوات، ما بين 1995 و 2004، تطور عدد اللاعبين الأفارقة في 11 بطولة أوروبية من 160 إلى 316 وعدد اللاعبين القادمين من أمريكا الجنوبية من 155 إلى 431….واختصت الفرق السويسرية والبلجيكية في استقبال اللاعبين الأفارقة وغيرهم، الذين تريد الفرق الأنغليزية أو الألمانية والفرنسية تجربتهم، قبل استعادتهم أو بيعهم مع تحقيق فائض عريض… ففي عام 2000 اشترى فريق سويسري اللاعب الكامروني “تيموثي أتوبا” ب28000 أورو، وبعد سنة ونصف باعه إلى فريق آخر بثمن جاوز 10 مرات ثمن شرائه، وبعد سنتين، بيع بثمن تضاعف 10 مرات أخرى أي 2،8 مليون أورو لفريق توتنهام الانغليزي…أما اللاعب الغاني “ميخائيل إيسين” فقد اشتراه فريق “باستيا ” الفرنسي ب50 ألف دولار عام 2000 وباعه عام 2003 إلى فريق “أولمبيك ليون” الفرنسي ب8 ملايين أورو ثم باعه فريق ليون إلى فريق شيلسي الانغليزي عام 2005 ب38 مليون أورو… أي أن” ثمنه” قفز من 50 ألف إلى 50 مليون دولار في ظرف 5 سنوات، وما يتقاضاه اللاعب لا يساوي شيئا أمام ما يربحه فريقه والشركات المتعاقدة معه… فشركة “بوما” للمعدات الرياضية تكفلت بتوفير الملابس الرياضية للفرق الافريقية الثلاثة المشاركة في كأس العالم لكرة القدم عام 2006، مقابل بيع الأوهام والأحلام على لوحات إشهارية كبرى في عواصم ومدن هذه الدول وملاعبها وعلى شاشات تلفزاتها، مستعملة صورة اللاعبين كرمز للوصول إلى قمة المجد، ويساهم الإعلام الإفريقي والعربي في مغالطة الجمهور واستغلال سذاجة المراهقين، معرفا بحالات النجاح المادي القليلة، ومتكتما عن حالات الإحباط الكثيرة… ومن النتائج المدمرة لهذه الحملات الإشهارية على عقليات البسطاء ما تبرزه هذه دراسة قامت بها قناة “ب.ب.سي” البريطانية في 10 دول افريقية عام 2005 على شكل استطلاع لدى الشباب، فلم تتجاوز نسبة من يرغبون في العيش في بلادهم 40%، وفي ملاوي وساحل العاج، يود 84% منهم العيش في بلد آخر (أوروبي مثلا)… وهو مثال على تردي الأوضاع وانعدام البديل الجدي في المستقبل المنظور، إضافة إلى غسل الدماغ الذي قامت به الإحتكارات والحكومات على حد السواء. احتد نزيف اللاعبين منذ بداية الثمانينات، أثناء تواجد رونالد ريغن ومارغريت تاتشر في الحكم، وزمن “مخططات الإصلاح الهيكلي” التي فرضها صندوق النقد الدولي، والهجوم الإيديولوجي من أجل فرض هيمنة الفكر والإقتصاد اللبرالي، مما أدى إلى المجاعات والإنتفاضات..
أرقام ودلالات
كثر الحديث عن الأزمة المالية والإقتصادية، منذ نهاية ضائفة 2008، وتأثرت عديد قطاعات الإنتاج والتوزيع والإستهلاك، كما تم تسريح ملايين العاملين عبر العالم الخ. أما مجال الرياضة فلم يتأثر قط بذلك، بل يعيش ازدهارا غير مسبوق، فالأموال المتدفقة في تزايد مستمر (تجهيزات، ملاعب، ملابس رياضية، إشهار، إعلام)، وما زالت سوق بيع وشراء لاعبي كرة القدم مزدهرة، بل بلغ ثمن شراء اللاعب “كريستيانو رونالدو” رقما قياسيا أثار جدلا كبيرا… فالرياضة مجال استثمار تبلغ فيه الارباح (وفائض القيمة) حدودا يندر تحقيقها في مجالات الإستثمار الأخرى، غير أنها تحتوى بعض المخاطر، إذ يكفي أن يصاب لاعب بجروح أو رضوض حتى يبقى خارج الحلبة لعدة أسابيع أو أشهر، لكن مسؤولي المؤسسات ذات الصبغة الرياضية رجال أعمال فطنون، ينوعون مجالات الإستثمار، ويعقدون الصفقات بحنكة كبيرة، وكأن ما يهمهم أولا هو الربح السريع، أما الرياضة فهي تعلة لجني الأرباح، كأي مجال اقتصادي آخر.
نورد في ما يلي بعض الأمثلة والأرقام ذات الدلالة في مجال “الإستثمار الرياضي”:
في داخل أوروبا يتم انتقال 3500 لاعب سنويا، من فريق إلى آخر، بتحقيق فائض، عند كل عملية بيع وشراء، وبطبيعة الحال فإن هذا التضخم في أثمان وأجور اللاعبين والمدربين، لا بد وأن يسترجعه المستثمر من الجمهور بشكل أو بآخر… في موسم 2008/2009، بلغت الأجور السنوية لخمس لاعبين في البطوبة الأوروبية 116 مليون أورو، وبلغت أجور 20 لاعب حوالي 300 مليون أورو… أما أجور المدربين لنفس الموسم فقد بلغت بالنسبة لعشرة منهم، حوالي 85 مليون أورو، علما وأن معدل الأجر الأدنى السنوي للعامل في البلدان الأروبية الغنية، لا يبلغ 12000 أورو… ويجب لعامل عادي، في أدنى السلم أن يعمل حوالي 300 عام لكي يحصل على الأجر السنوي ل”دفيد بيكام”، بقي أن نقوم بعملية حسابية بسيطة لمعرفة عدد ملايين البشر تحت خط الفقرالذين يمكن أن تعيلهم هذه المبالغ، ولمدة كم سنة، أو احتساب مداخيل كم من لاعب للحصول على المنتوج الداخلي الخام لبلد فقير مثل هايتي أو بنغلاديش… أما فريق ريال مدريد فإنه صرف مبلغ 300 مليون أورو لشراء 5 لاعبين، واشترى اللاعب “كرستيانو رونالدو” بمبلغ 94 مليون أورو وهو ثمن تاريخي وقياسي، جلب بعض النقد لرئيس النادي، فما كان منه الا انتظار أسبوع واحد، قبل أن يعلن في ندوة صحفية بأن 120 مليون قميص كتب عليها رقم واسم هذا اللاعب، قد تم بيعها في العالم (منها 360 ألف في أسبانيا)، بثمن 80 أورو (115 دولارا) للقميص الواحد، أي أن “ريال مدريد” استرجع الثمن إضافة إلى مليوني أورو، قد تكون ثمن الكلفة للقمصان، في ظرف أسبوع واحد، دون احتساب مداخيل الإشهار التي كتبت على القميص… وهي مبالغ دفعها أحباء الفريق وأنصاره، من كافة الطباقات، وخصوصا الفئات متوسطة الدخل، ولم يدفعها نادي ريال مدريد، في نهاية الأمر.
يمثل الإشهار والبث التلفزي للمقابلات مصدر دخل للفرق الأوروبية الكبرى، التي بلغت مداخيلها 2،2 مليار أورو من بطولة الأندية الأوروبية في ظرف 4 سنوات، ووصل ثمن الدقيقة الواحدة للإشهار التلفزي أثناء المباريات الأوروبية 250 ألف أورو، وتمثل حقوق البث التلفزي نسبة 50 بالمائة من مداخيل الفرق الكبرى… هذه المبالغ الضخمة المتداولة، جعلت من الإتحاد الأوروبي لكرة القدم والإتحاد الدولي واللجنة الأولمبية الدولية، شركات معولمة، عابرة للقارات، تنظم هذه التظاهرات بغرض ” التنافس النزيه” ظاهريا، وبدقة متناهية لتحقيق الربح الوفير، والتثبت من توفر الظروف اللازمة لذلك…وعلى سبيل المثال حقق الإتحاد الأوروبي لكرة القدم، في موسم 2007/2008، عائدات بلغت 820 مليون أورو، وفاقت المرابيح الصافية قاربت 40 مليون أورو…
تشابك المصالح الإقتصادية والسياسية مع الرياضة
نكتفي في هذه الفقرة بالحديث عن شخصية “روبيرت لويس درايفوس” الذي كان فرنسيا قبل طلب الجنسية السويسرية عام 1995، تهربا من دفع الضرائب. توفي هذا الرجل يوم 4 يوليو/تموز 2009، وقدمته وسائل الإعلام الأوروبية على أنه شخص ضحى بالغالي والنفيس من أجل الرياضة والفريق الذي يملكه “أولمبيك مرسيليا” بفرنسا (ويملك أيضا فريق ستاندار دو لياج البلجيكي).
ينتمي الرجل إلى عائلة ثرية، اختصت في احتكار المضاربة بالحبوب والقطن مند 1851، وتملك أسطولا بحريا لنقل البضائع التي تحتكرها، للسيطرة على النقل ومسالك التوزيع… فالرجل ليس كما قدمته لنا وسائل الإعلام “سلف مايد مان” أي أنه انطلق من الصفر وأقام امبراطوريته الإقتصادية والمالية بعرق جبينه… أما مؤسساته الخاصة فهي متنوعة: المضاربة بالمواد الغذائية على اختلاف أنواعها، النقل البحري، الطاقة (البترول والغاز والخشب الافريقي)، الإعلام والإتصالات وشركات الهاتف، شراء حقوق نقل المقابلات الرياضية (وبالتالي السيطرة على مداخيل الإعلانات والإشهارلكأس العالم 2006)، شركات خدمات أو ذات صبغة مالية…. اشترى عام 1993 شركة “أديداس” للملابس الرياضية، التي قدرت قيمتها آنذاك بحوالي315 مليون أورو، واستحوذ على مؤسسات منافسة مثل “لوكوك سبورتيف” و”ريبوك” واشترى أسهما في “نايك”… وأصبحت “أديداس” متعاقدة مع عدة فرق دولية مشاركة في بطولات الفرق أو الأمم في أروبا والعالم، منها فريق الكيان الصهيوني… وباع دريفوس شركة أديداس عام 2007 بما قيمته 4،76 مليار دولار، وكانت تبيع سنويا 100 مليون حذاء (40 بالمائة من السوق العالمية) و150 مليون قطعة ملابس رياضية… ولأسباب مالية (التهرب من الضرائب)، غير جنسيته عام 1995، كما أسلفنا، مع الإبقاء على مصالحه في فرنسا، وهي نفس السنة التي صدر فيها حكم ضده، بسبب التلاعب والتهرب من الضريبة.
عام 1995، اتصل به الوزير السابق ورئيس بلدية مدينة مرسيليا “جان كلود غودان”، ونصحه بشراء فريق “أولمبيك مرسيليا”. الرجلان أصدقاء، يشاركان معا في الإحتفالات بالذكرى السنوية لتأسيس دولة الكيان الصهيوني، وفي جملة التظاهرات المساندة لجيش العدوان الصهيوني، وفي العشاء السنوي لمنظمة “كريف” الصهيونية الفرنسية… رغم تكتم “دريفوس” عن نشاطاته الصهيونية، فقد عرفنا أنه، في شبابه، عمل في “كيبوتسز” لتمتين تكوينه الإيديولوجي الصهيوني، ثم شارك كجندي في الإعتداء العسكري الصهيوني على الأمة العربية أثناء حرب 5 حزيران 1967، ولا توجد تفاصيل أخرى عن هذه المرحلة من حياته، لما كان شابا، ولا تتعرض لها وسائل الإعلام، حتى بعد وفاته، ولا نجد غير بعض الإشارات في وسائل الإعلام الصهيونية.
اشترى إذا فريق مرسيليا عام 1995، وبالطبع فإن الفريق أصبح يقتني أزياءه من شركة “أديداس”، ويشهرها على ملعبه، وتعددت محلات بيع هذه الأزياء للآحباء، الذين كانوا يقتنون حوالي 120 ألف قميص مقابل 75 أورو للواحد… غير درايفوس الإستراتيجيا “المالية/الرياضية” للفريق فأصبح يغير قمصانه كل موسم ويخصص قميصا للمباريات المحلية وآخر للمقابلات التي تدور خارج مرسيليا، وآخر للمقابلات الأوروبية الخ، ليضطر الأحباء لشراء خمسة أو ستة قمصان في الموسم الواحد… واصبحت فرق عديدة تنسج على منواله، لجني أكثر ما يمكن من المرابيح، من جيوب الأحباء ومن الإعلانات على الأزياء الرياضية…تقول الصحف أن السيد درايفوس صرف 210 مليون أورو “من ماله الخاص” على فريق مرسيليا في ظرف 10 سنوات، ويقول بعضها أنه جنى أرباحا طائلة من الفريق، منذ 2003، لكن عملية حسابية بسيطة تبين بجلاء أن أرباحه الصافية من فريق مرسيليا، تتجاوز 23 مليون أورو في الموسمين الأخيرين وحدهما، وقدرت مداخيل بيع القمصان لفريق مرسيليا في موسم 2007/2008 ب122 مليون أورو… فهو رأسمالي بارع “يعرف من أين تؤكل الكتف”، وإعلامي بارع أيضا ( يملك مؤسسات إعلام واتصالات)، ربح المال والجاه والشهرة، وأخفى التزامه الإيديولوجي والعسكري إلى جانب الكيان الصهيوني… من دلائل براعته في مجال الأعمال أنه كان على علاقة وطيدة برئيس الرابطة الدولية لكرة القدم “جوزيف سيب بلاتير” (منذ 1998 بعد أن كان أمينا عاما لها منذ 1981)، والذي خلف “جواو هافلانج”… عندما تم تعيين بلاتير في الرابطة الدولية لكرة القدم، كان يعمل بمؤسسة أديداس، التي تمكنت من فرضه على رأس هذا الأخطبوط الرياضي/المالي، حيث قال رئيس أديداس آنذاك، هورست داسييه “سننصبه على رأس الرابطة لأنه يخدمنا، فهو منا وإلينا”… تعاقدت الرابطة مع أديداس لتأطير وتنظيم التظاهرات الدولية من عام 2005 حتى 2014، ولا غرابة في ذلك إذ أن ابن بلاتير يشغل منصب مدير في أديداس، ورئيسه روبرت لويس درايفوس، صديق لأبيه.
هذا المستثمر الرياضي (متزوج من ابنة صاحب بنك “لازار”)، ترتيبه 77 لدى أكبرأثرياء العالم، يملك مجموعة مؤسسات تبلغ قيمتها 280 مليار دولارا وهي ثالث مؤسسة عالمية في مجال احتكار المواد الغذائية وتحويل المواد الغذائية إلى بنزين، وجنى 30 مليار أورو جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية عام 2007 ويسيطر على قدر هام من الإنتاج العالمي للقهوة والقمح والصويا والذرة والشعير والكاكاو والسكر(والمواد المعدلة جينيا)، وتحويل الغلال إلى عصير والقطن والبترول والغاز والكهرباءالخ… وتشغل المؤسسة 15 ألف عامل، وبلغت أرباحها الصافية للمواد الغذائية وحدها 750 مليون أورو عام 2006…مثل شراء “أولمبيك مرسيليا” واجهة لمؤسسته “أديداس” التي كانت على حافة الإفلاس، فأصبحت منافسة جدية ل”نايك” وابتلعت “ريبوك” وأضاف لهما “لوكوك سبورتيف”… لقد اتبع أسلوبا رأسماليا، بمنهجية مدروسة، ونجح في ذلك، ماليا وإعلاميا… وعندما مات عن عمر يناهز 64 سنة بكاه أحباء الفريق ومنهم العرب، رغم ماضيه وحاضره الإستغلالي والصهيوني.
خلاصة
أجرى فريق طبي دراسة تناولت 60 سنة من حياة الرياضيين، فتبين أن تناول المنشطات يؤدي إلى احتمالات الموت الفجائي (سكتة قلبية) قبل سن 45 سنة تفوق 5 مرات احتمالها لدى غير الرياضيين، مع العلم أن الفريق لم يدرس إلا الحالات التي تبين فيها بوضوح الموت نتيجة تناول المنشطات… وهذه الوفيات الفجائية ناتجة غالبا عن تغذية العضلات “اصطناعيا” بالأكسجين لإضافة عدد الكريات الحمر، مما يؤدي إلى تخثر الدم وبالتالي إلى السكتة القلبية، عندما تكون دقات القلب منخفضة، في أوقات الراحة… هدف المنشطات بشكل عام هو مقاومة الإرهاق والتعب، وخلق توازن بين فترات التعب والرحة، والنوم واليقظة… مما يؤدي إلى مضاعفات جانبية وأخطار (لا يعلمها الرياضيون أحيانا) على القلب والكلى، والعضلات التي قد تصاب بالتقلص الخ.
ما بين عامي 1967 و2007، توفي ما لا يقل عن 17 عشر من أبطال سباق الدراجات بسبب تناول المنشطات، إما أثناء فترة السباق أو بعدها بمدة قصيرة نسبيا… هؤلاء الرياضيون، مهما استفادوا ماديا، يعتبرون ضحايا المستثمرين والمخابر وشركات الأدوية والعقاقير، التي تراهن على التظاهرات الرياضية لتحقيق الربح الوفير، في إطار التنافس الرأسمالي.
أثناء موسم 2005/2006 لكرة القدم بلغ رقم الأعمال لهذه الرياضة في بلدان أروبا 250 مليار أورو أي 1 بالمائة من المنتوج الداخلي الخام للبلدان الرأسمالية المتطورة، وتتضاعف أجور الرياضيين 2،5 مرات كل 5 سنوات، بعكس أجور العاملين التي تتضاعف بمعدل مرة واحدة كل 20 سنة وتضاعفت أجور الرياضيين بمعدل 14 بالمائة في موسم 2007/2008، بينما لم ترتفع أجور بقية الأجراء إلا بمعدل 5 بالمائة، استفاد منها ذوو الأجور العليا… وبلغت عائدات دوري كرة القدم في 5 بلدان أوروبية 7،7 مليار أورو، في موسم 2007/ 2008، بينما صرفت 14،6 مليار أورو لشراء اللاعبين، وارتفع معدل حضور الجمهور في الملاعب بنسبة 2 بالمائة رغم الأزمة الإقتصادية والبطالة وغلاء ثمن التذاكر والإشتراكات السنوية وإمكانية مشاهدة المباريات على القنوات التلفزية، مقابل اشتراك لأن حقوق البث التلفزي تمثل 50 بالمائة من عائدات الفرق الأوروبية.
هذه الإستثمارات الكبرى ينتج عنها تنافس بين الشركات الرأسمالية، يبرز خاصة أثناء الألعاب الأولمبية أو كأس العالم لكرة القدم أو البطولات القارية الخ، ويذهب ضحيته عديد الشبان بأشكال مختلفة، ففي البرازيل، واعتمادا على الأرقام الرسمية فقط، قتل 42 شابا ما بين 1999 و2008، تتراوح أعمارهم بين 14 و25 سنة، إثر مشاجرات بين أحباء فرق كرة القدم، 80 بالمائة منهم فقراء، أما في كولومبيا فقد اغتيل في نفس الفترة 7 لاعبين… وفي عام 1989 أدى تدافع جمهور فريقي لفربول وتوتنغهام، بملعب “هباسبورغ” إلى وفاة 96 ونقل 300 إلى المستشفيات إثر جروح خطيرة إضافة إلى 800 آخرين أصيبوا بجراح خفيفة… وفي عام 1985 بمناسبة تهائي كأس النوادي الأوروبية بين لفربول وجوفنتس، في ملعب “هيزل” ببلجيكا، توفي 39 متفرجا إثر مشاجرات بين أحباء الفريقين… أما عن الحوادث المماثلة القاتلة في البلدان الفقيرة، مثل افريقيا، فإن عددها أكبر لكن الأخبار والأرقام غير متوفرة، أو لا تحظى بنفس الأهمية، حسب جنسية الضحية.
في آخر اولمبياد (بيكين 2008)، برعاية كوكاكولا وماك دونالدز وأديداس وكوداك…بلغت ميزانية التنظيم 65 مليار دولار وبلغ الفائض الصافي 146 مليون دولار، وركزت الصين دورها كدولة رأسمالية جديرة بالإعتبار مثل أمريكا وأوروبا واليابان… ولا زالت الصين تستغل البنية التحتية التي أقامتها بمناسبة الأولمبياد، ففي ظرف 9 أشهر زار هذه السنة، الملعب الأولمبي ببيكين 3،5 مليون صيني مقابل 8 دولارات للفرد وزار 3،5 مليون شخص المسبح الأولمبي مقابل 5،5 دولارات للفرد.
أليست الرياضة عملية استثمارية مربحة أكثر من القطاعات الإقتصادية الأخرى، بل أحسن بكثير لأن الإستغلال مقنع ولا يحتمل حصول إضرابات، ويجلب المال الوفير والوجاهة والشعبية، وقد يوصل إلى هرم السلطة.