فاشي، ونازيّ، وماركسيّ.. وكاذب!

نصر شمالي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2034 )

بدأت رياح السموم العنصرية هبوبها الشديد في الولايات المتحدة بالذات، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى ضعف فعالية هذه الرياح وجدواها في البلدان الأخرى، وهو الضعف الذي انعكس بقوة في الداخل معبّراً عن نفسه بوصول رجل أسود إلى البيت الأبيض، وبالتالي في ازدياد عدد المنظمات العنصرية البيضاء في الولايات المتحدة اليوم بنسبة 54 في المائة عنه في العام 2000، فقد ارتفع العدد من 202 إلى 926 منظّمة مسلّحة، وهي المنظّمات التي ترفض انتخاب باراك أوباما، وتتصدّى لبرنامجه الصحّي(الاشتراكي!) الذي سوف يستفيد منه المهاجرون الذين حصلوا حديثاً نسبياً على الجنسية الأمريكية!

تقول إحدى الجمعيات الأمريكية المناهضة للعنصرية نقلاً عن مسؤول في الشرطة أنّه: ‘لا ينقص سوى شرارة لاندلاع أعمال العنف’! إنّ العنصريين المنادين بتفوّق العرق الأبيض، الذين يعدّون الحكومة الفيدرالية التي يرأسها رجل أسود عدوّهم الأول، هم الآن على أهبة الاستعداد، وإنّ عدداً من الإعلاميين يروّجون لتوجّهات هذه المنظّمات، وفي مقدّمتهم غلين بيك في شبكة ‘فوكس نيوز’ الذي وصف الرئيس أوباما بأنّه ‘فاشي، ونازي، وماركسي’! (جمعية ‘ساوذرن بوفرتي لو سنتر’ دراسة منشورة في شباط (فبراير) الماضي تحت عنوان: ‘الموجة الثانية: عودة الميليشيات’!).

لكنّ الأمور لم تقف عند هذا الحدّ، بل انتقلت رياح السموم العنصرية بسرعة مدهشة إلى الكونغرس، وهاهو النائب الجمهوري جو ويلسون يصرخ في وجه الرئيس: ‘أوباما.. أنت تكذب’! (الأربعاء 9/9/2009) بينما كان الرئيس يلقي خطاباً أمام النواب تضمّن دعوتهم إلى الكفّ عن المماطلة والتأجيل في إقرار مشروع الإصلاح الصحي، محذراً من أنّ كلّ يوم إضافي يعني أنّ عدداً أكبر من الأمريكيين سيخسر تأمينه الصحي وعمله ومنزله، وكذلك أحلامه وطمأنينته، داعياً إلى وضع البلاد والعائلات فوق المصالح الحزبية!

لقد اتهموا الرئيس بالكذب لأنّه يلحّ على أنّ مشروعه الصحي هو لمصلحة الأمريكيين عموماً، لكنّ الأقلية الأنكلو سكسونية اللوثرية التي تعدّ عشرات الملايين ترى نفسها هي الأمريكيين كلّهم، لأنّها من أحفاد الروّاد الإنكليز المستعمرين المؤسّسين، ولأنّها ترى الأكثرية التي تعدّ مئات الملايين مجرّد مهاجرين وإن هي حصلت على الجنسية، وبالتالي فإنّها ترى في المشروع الصحي ضرائب مالية ليست ملـــزمة بتحمّلها، فهي اعتـــادت أن ‘تأخــذ’ من الأكثرية لا أن تعطيها، كما تخبرنا أسرار الأزمة المالية/الاقتصادية الاحتيالية!

وهكذا، بعد ثلاثة أيّام فقط (12/9/2009) كان عشرات الألوف يحيطون بالبيت الأبيض وبمقرّ الكونغرس وهم يهتفون: ‘أوباما.. أنت تكذب.. أنت شيوعي، وقيصر، وخائن’! أمّا النائب ويلسون فقد أعلن رفضه الاعتذار أمام الكونغرس عن الإهانة التي وجّهها لرئيس البلاد، كما ينبغي عليه أن يفعل، على الرغم من أنّ جون ماكين، السناتور الجمهوري المرشّح للرئاسة ضدّ باراك أوباما، وصف تصرّف ويلسون بغير اللائق أبداً، وقال أنّه لم يشهد في حياته فعلاً مماثلاً (وهو المحافظ اليميني المتطرّف)!

على أيّة حال فإنّ ما جرى ويجري في الولايات المتحدة ينبغي أن يذكّرنا بما جرى في القارّة الأم، في أوروبا، فعلى مدى عشر سنوات، حتى أواخر عقد السبعينيات الماضي، انتشرت فصائل اليسار الجديد المتطرّف والجيوش الحمراء المقاتلة، من أمثال منظمة بادر ماينهوف، ثمّ انحسرت تلك الموجة اليسارية وقضي على تشكيلاتها مع صعود الريغانية/التاتشرية، بينما بدأت فصائل اليمين المتطرّف والفاشية العنصرية المقاتلة تخرج من مكامنها وتنتشر في جميع البلدان الأوروبية!

لقد كانت العنصرية الأوروبية الكامنة تنظر بهلع إلى الضعف الذي انتاب امتدادها الأمريكي وقيادتها الأمريكية، والذي ظهر منذ أواخر عقد الستينيات، عندما أعلن عن تحوّل الولايات المتحدة من مصدّرة إلى مستوردة ومن دائنة إلى مدينة، فهبّت تتأهّب لاسترداد دورها القيادي العالمي إذا ما اقتضت التطورات ذلك، وبدأت تطرح فكرة إنقاذ أوروبا من الضياع، وتعمل على إثارة الشوق والحنين في أوساط الشبيبة إلى أمجاد أوروبا الماضية، فكانت سلسلة مؤتمراتها التي بدأت بمؤتمر برشلونة عام 1969، وبعده مؤتمر باريس عام 1970، ثمّ مؤتمر ميونيخ عام 1972..الخ!

إنّ النظرية العامة التي تروّج لها العنصرية الأوروبية/الأمريكية/الإسرائيلية تؤكّد على أنّ فكرة المساواة بين البشر مستحيلة ومحض خرافة، وأنّ عامل الوراثة هو أهمّ شيء في تكوين الإنسان، وأنّ مبدأ تكافؤ الفرص بين الأفراد والشعوب هو بدوره محض خرافة، وأنّ تحقيق الديمقراطية مستحيل ولا بدّ من العودة إلى الأرستقراطية وحكم النخب، فلا مساواة بين الأجناس والشعوب، والعرب والأفارقة (تحديداً!) أجناس دنيا لا يمكن لها أن تصل إلى العلم ولا تستطيع تحقيق الحضارة الرفيعة!

إنّ العنصرية الأوروبية/الأمريكية/الإسرائيلية ترفض كلّياً المبادئ التي وضعتها الثورة الفرنسية عام 1789، الحرّية والمساواة والأخوّة، وتطالب بالرجوع إلى الأفكار التي كانت سائدة قبل تلك الثورة، حتى أنّها تنتقد أدولف هتلر الذي ‘أخطأ خطأً فادحاً عندما وضع العلم في خدمة سياسته’، فقد كان عليه إخضاع سياسته لقوانين العلم (علم الأجناس) لكنه حسب قولها كان يفتقر إلى الحزم والصراحة العلمية التي لا تقبل بالمناورات السياسية، أي بالتراخي والتساهل!

في تلك الفترة، التي جاءت الريغانية/التاتشرية تتويجاً لها، كتب لويس باولز رئيس تحرير صحيفة ‘لوفيغارو ماغازين’ يقول: ‘إنّ المصير التاريخي للمجتمعات البشرية يقوم على النخبة لا على الجماهير، ويجب أن ننظر في الوقت نفسه إلى ما قبل عام 1789 وإلى ما بعد عام 2000’! وبالفعل، رأينا ما حاول المحافظون الجدد فعله بالعالم بعد عام 2000، لكنّهم فشلوا فشلاً ذريعاً، بفضل المقاومة العربية والإسلامية بالدرجة الأولى، وبدليل وصول رئيس أسود إلى البيت الأبيض، هو هذا الذي يتهمونه اليوم بالفاشية والنازية والماركسية والخيانة.. والكذب! فكيف إذا أضافوا ما يضمرونه عن أصوله: أفريقي ومسلم؟!

ns_shamali@yahoo.com