انتفاضة فلسطينيّة على عبّاس: لماذا أُجهض تقرير غولدستون؟

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2038 )

بعد فضيحة إجهاض السلطة الفلسطينية لإقرار تقرير غولدستون بشأن العدوان على غزّة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، شهدت الساحة السياسية والشعبية الفلسطينية انتفاضة على الرئيس محمود عبّاس، الذي حاول احتواء الأمر بتأليف لجنة للتحقيق في الملابسات لم تجد السلطة الفلسطينية مفراً من التنصّل من المسؤولية عن قرار تأجيل التصويت على تقرير غولدستون بشأن جرائم غزة، بعدما وجدت نفسها محاصرة بسيل من الاتهامات والاتنقادات على خطوة أجمعت الفصائل والمنظمات الفلسطينية على اعتبارها خاطئة، ومضرّة بمصالح الشعب الفلسطيني، على عكس واشنطن، التي رحّبت بها، وإسرائيل التي عدّتها نصراً لدبلوماسيتها.
وقد أصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أمس، قراراً بتأليف لجنة وطنية لبحث ملابسات إرجاء مسوّدة مشروع قرار في مجلس حقوق الإنسان يتبنّى التوصيات الواردة في «تقرير غولدستون» إلى دورته في آذار المقبل.
وأوضح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، أن هدف اللجنة «التحقيق الشامل في ملابسات تأجيل القرار، وتحديد المسؤوليات بهذا الشأن»، مشيراً إلى أن اللجنة ستقدم تقريرها إلى اللجنة التنفيذية للمنظمة خلال مهلة أسبوعين.
وفي السياق، قال المفوض الإعلامي للجنة المركزية لحركة «فتح»، محمد دحلان، إن الحركة التي تعارض خطوة التأجيل، طلبت من اللجنة التنفيذية البحث في أسباب طلب هذا التأجيل ومعالجتها بسرعة «لكونها صاحبة الولاية الشرعية على السفارات الفلسطينية في الخارج».
إلّا أن الخطوة بدت غير متفق عليها من جانب أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. إذ أصدر عضوا اللجنة عبد الرحيم ملوح وغسان الشكعة، بياناً مشتركاً أمس انتقدا فيه الآلية التي جرى فيها تأليف اللجنة.
وقال العضوان «فوجئنا قبل مناقشة الموضوع في اللجنة التنفيذية بإعلان أمين سر اللجنة التنفيذية تأليف لجنة برئاسة حنا عميرة وعضوية عزمي الشعيبي والدكتور رامي حمد الله»، وأكدا، في المقابل، ضرورة عقد اللجنة التنفيذية اجتماعاً خاصاً لمناقشة الوضع، «وخصوصاً أنه لحق بالوضع الفلسطيني، وفي المقدمة باللجنة التنفيذية ورئيسها (محمود عباس)، الضرر الكبير».
من جهته، وصف رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، إسماعيل هنية، أمس قرار السلطة الفلسطينية بأنه «يفتقر إلى أدنى أشكال المسؤولية الوطنية». وشدّد على أن «هذا القرار الطائش الذي يتاجر بدماء الأطفال والنساء في غزة هو الذي شجّع على اقتحام الأقصى، ويشجّعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم».
من جهته، دعا رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز دويك، أمس، إلى تأليف لجنة برلمانية من كل الفصائل الفلسطينية للتحقيق في ملابسات إرجاء مسودة مشروع القرار، على أن ترفع الأمر إلى محكمة دستورية فلسطينية، لكون طلب التأجيل «مخالفاً للقانون الأساسي الفلسطيني في تعريضه المصالح العليا للشعب الفلسطيني للخطر». وشدّد على أن «مندوبنا (إبراهيم خريشة، مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف) ليس مندوباً للشعب الفلسطيني».
وفي السياق نفسه، طالب النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، القيادي في حماس، أحمد بحر، بمحاكمات شعبية واسعة في فلسطين والدول العربية والإسلامية والمدافعة عن حقوق الإنسان لفضح من وصفهم بـ«المتآمرين والمفرّطين» بحقوق الشعب الفلسطيني. كما طالب بإقالة خريشة «لتعاونه في إجهاض تقرير غولدستون بأوامر من عباس»، معتبراً طلب التأجيل «دليلاً معلناً على تواطئه مع الاحتلال في العدوان على غزة».
وعبّر بحر عن أسفه لتبرير الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إحسان أوغلو، عرض تقرير غولدستون على مجلس حقوق الإنسان، بأنه جاء بناءً على اتفاق أميركي مع السلطة، متسائلاً «كيف تتجاوب منظمة المؤتمر الإسلامي مع هذا الاتفاق الخياني، وهي تدرك أنه تفريط بدماء الشعب الفلسطيني؟».
بدورها، عبرت فصائل «حماس» والجبهتين الشعبية والديموقراطية وحزب الشعب الفلسطيني، التي اجتمعت في غزة بدعوة من حركة الجهاد الإسلامي، عن إدانتها لموقف السلطة الفلسطينة. ووصفت الجبهة الديموقراطية سحب مشروع القرار بأنه «جريمة سياسية وأخلاقية». ودعت السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى طرد الذين «ارتكبوا هذه الجريمة ومحاسبتهم علناً».
كذلك ندّدت 14 منظمة حقوقية فلسطينية مستقلة، «بشدة» بقرار السلطة الفلسطينية، معتبرةً ذلك تغليباً للسياسة على حقوق الإنسان، وإهانة للضحايا، وتنازلاً عن حقوقهم.
وفي السياق، نقلت وكالة «صفا» الفلسطينية عن رئيس مركز غزة للصحة النفسية، إياد السراج، الذي يرأس حملة الوفاق والمصالحة الوطنية، مطالبته «بالتحقيق مع أبو مازن، باعتباره المسؤول الأول، وتنحيته عن منصبه رهناً للتحقيق». وقال «أبو مازن لا يصلح لأن يكون في هذا الموقع لأنه خان الأمانة».
وكان لضحايا عدوان «الرصاص المصهور» موقف مماثل من خطوة السلطة الفلسطينية، وقال متحدث باسم الضحايا خلال مؤتمر صحافي عقدته حركة «حماس» في غزة، «نعدّ هذا العمل خيانة عظمى لدماء أبنائنا الشهداء والجرحى ولآلاف الأسر التي لا تجد مأوىً لها». وأضاف «نرفض رفضاً قاطعاً كل المبررات الخادعة التي قدّمتها السلطة».
ولم تنجُ حكومة سلام فياض في الضفة الغربية من تداعيات تأجيل التصويت على تقرير غولدستون. وأعلنت مصادر فلسطينية حكومية استقالة وزير الاقتصاد، باسم خوري، أول من أمس، احتجاجاً على خطوة السلطة الفلسطينية.
بدورها، رأت وزيرة الشؤون الاجتماعية وعضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، ماجدة المصري، في بيانٍ لها، أن الموقف الرسمي الفلسطيني ألحق أضراراً كبيرة بالمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وأنه «أحرج المؤيدين للشعب الفلسطيني، ووفّر فرصة لمجرمي الحرب الإسرائيليين للالتفاف على نتائج التقرير والتملّص من نتائجه واستخلاصاته».
وعلى الصعيد العربي، أكدت الجامعة العربية أنه «لم يجرِ التشاور» معها قبل اتخاذ القرار. فيما عبّر مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية عن استغرابه لقيام السلطة الفلسطينية «بمثل هذا العمل، الذي عطّل جهوداً عربية وإسلامية ودولية تضافرت من أجل اتخاذ الإجراء اللازم لتنفيذ توصيات هذا التقرير».
على الجانب الآخر، رحّبت الولايات المتحدة بقرار التأجيل. وقالت مساعدة وزيرة الخارجية، استير بريمر، «نعرب عن ارتياحنا لقرار تأجيل البحث في تقرير غولدستون». وأضافت «نشجّع أيضاً التحقيقات على الصعيد الوطني بشأن المزاعم الجدية عن انتهاكات لحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية»، في إشارة إلى إسرائيل.
من جهتها، توقّعت الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، أن تمارس الإدارة الأميركية ضغوطاً عليها لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بعد تأجيل التصويت على التقرير. ونقلت صحيفة «هآرتس» أمس عن مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى قولها إن «المساعدة الأميركية على كبح تقرير غولدستون ستجلب ضغطاً كبيراً على إسرائيل من جانب إدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما من أجل التقدم في عملية السلام».
وكشفت الصحيفة أن عباس هو من اتخذ قرار تأجيل التصويت على تقرير غلودستون، وذلك في «أعقاب زيارة القنصل الأميركي في القدس لمقر المقاطعة في رام الله، يوم الخميس الماضي، ولقائه أبو مازن».
وأشارت الصحيفة إلى أن قرار عباس جاء «دون الرجوع إلى أيّ من أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير، أو اللجوء إلى الحكومة الفلسطينية برئاسة سلام فياض، ودون التشاور مع أحد». ونقلت الصحيفة عن مسؤولين فلسطينيين مستقلّين في رام الله قولهم إن «القنصل الأميركي نقل طلباً قاطعاً لا لبس فيه، وبصيغة الأمر من وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بالعمل على سحب مسوّدة القرار».
ورأت «هآرتس» أن «قرار تأجيل البحث في تقرير غولدستون، إنجاز سياسي مهمّ لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان»، مشيرةً إلى أن «إسرائيل أدارت حملة دبلوماسية كبيرة، هدفت إلى دفن توصيات غولدستون، وإيقاف مبادرته لتقديم إسرائيليين للمحاكمة في خارج إسرائيل».
وقالت الصحيفة إن «المعالجة العنيفة لتقرير غولدستون، هي ما يميّز السياسة الخارجية الإسرائيلية التي يديرها نتنياهو وليبرمان، فهما يريان في رئيس السلطة الفلسطينية خصماً، لا صديقاً لإسرائيل، وبالتالي لا يقبلان أن يدير عباس مفاوضات سياسية وتنسيقاً أمنياً مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه ينطلق إلى حرب دبلوماسية وقضائية ضدها، في كل محفل دولي»، مضيفة إنه «إذا أراد عباس النزاع مع إسرائيل، فعليه أن يكون مستعداً لدفع الثمن». ( الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)

:::::

الأخبار : 5/10/2009
http://www.al-akhbar.com/ar/node/159674