ستة تقارير حول الهجوم على غزة: يا محامي العرب تحركوا

عبد الحميد صيام*

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2039 )

لم يتوقف سيل التقارير التي توثق بطريقة أو بأخرى ما جرى من تدمير متعمد وتهديم للبيوت والمنشآت واستهداف للمدنيين في غزة أثناء الهجوم الدموي الشامل الذي شنته إسرائيل تحت اسم’ الرصاص المسكوب’ بين السابع والعشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) 2008 والثامن عشر من شهــــر كانون الثــاني (يناير) 2009.

صدرت في الأسابيع الأخيرة أربعة تقارير، كل واحد منها يعالج جانبا من آثار الهجوم. تقرير منظمة ‘بتسيلم’ الإسرائيلية الذي يركز على تصنيف الضحايا حسب جنسهم وأعمارهم وما إذا كانوا من المدنيين أو ينتمون لميليشيات المقاومة ويخلص التقرير إلى نتيجة مهمة مؤداها أن معظم الذين سقطوا من المدنيين. وهناك تقرير آخر صدر عن منظمة ‘مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية’ (الأونكتاد) حول تقدير قيمة الخسائر المادية في القطاع، وتقرير ثالث صادر عن لجنة تقصي الحقائق المرسلة من قبل مجلس حقوق الإنسان برئاسة المحقق الدولي المشهور ريتشارد غولدستون. والتقرير مكون من نحو 600 صفحة ويوثق الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين والتي ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويكشف عن مدى انتهاك الطرفين المتنازعين للقانون الإنساني الدولي ويتهم التقرير إسرائيل بالاستخدام المفرط للقوة. كما يدعو التقرير مجلس الأمن، في حالة ما إذا فشل الطرفان بإجراء تحقيق مستقل وشفاف وشامل، إلى دعوة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بمتابعة المسألة وتقديم مرتكبي تلك الجرائم للمحاكمة.

وآخر هذه التقارير صدر الأسبوع الفائت عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة والذي يركز على الأضرار التي لحقت بقطاع المياه والمجاري بسبب الحرب الأخيرة والأخطار التي تسببها فيضانات المجاري في المناطق السكنية وضرورة تأمين مبلغ مليار ونصف مليار لإصلاح الشبكات المائية والمجاري وتأمين مياه نظيفة للشرب وإلا فالأضرار المستقبلية لا يمكن احتواؤها.

وقبل هذه التقارير الأربعة أصدرت كل من منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان تقريرا عن تلك الحرب الشاملة. وكلا المؤسستين من بين تلك المنظمات الكبرى المعنية بحقوق الإنسان وكانتا ستفقدان مصداقيتهما لو لم تـُدليا بدلويهما في تلك الحرب التي نقلت تفاصيلها على الهواء مباشرة من طواقم ‘الجزيرة’ بقناتيها العربية والإنكليزية، ووزعت على العالم أجمع وشوهدت فيها جثث الأطفال والمدنيين متناثرة في ساحات المدارس والمساجد والشوارع والمباني السكنية وقنابل الفوسفور تضيء عتمة الليل وهي تنهمر على رؤوس الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن.

تقارير أربعة تركز على الجانب الإنساني والقانوني للعدوان، وتقريران يوثقان بعض الخسائر المادية والاقتصادية للقطاع. ثلاثة من هذه التقارير صادرة عن منظمات الأمم المتحدة وثلاثة عن منظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان.

طبعا كان هناك تحقيق ‘مهزلة’ لم يأخذه أحد مأخذ الجد قام به الجيش الإسرائيلي نفسه على طريقة المتنبي ‘فيك الخصام وأنت الخصم والحكم’ وخلص إلى نتيجة أنه لم يرتكب أية مخالفة للقانون الدولي وحاول، ‘كجيش في منتهى المهنية’ أن يتجنب استهداف أو إصابة المدنيين.

أما رد الفعل الإسرائيلي على جميع تلك التقارير المستقلة فجاء متشابها: ‘هذا تقرير غير متوازن ولا يعنينا في شيء لأننا أجرينا تحقيقا شاملا وثبت لدينا أن قواتنا، التي كانت في حالة دفاع عن النفس، لم ترتكب أية مخالفات قانونية.’

لقيت معظم التقارير المتعلقة بالخسائر البشرية شيئا من الاهتمام والتغطية الإعلامية، غير أن تقريري الأونكتاد وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لم يلقيا أي اهتمام يذكر رغم أهميتهما. وسأحاول في هذا المقال أن أتناول تقرير الأونكتاد، وآمل أن أعود قريبا لمراجعة تقرير برنامج البيئة لما يحتويه من معلومات هامة تتعلق بالأضرار التي لحقت بشبكات المياه وقنوات الصرف الصحي وتحذيراته من مخاطر محدقة إن لم تتم معالجة الأمور بأسرع وقت ممكن.

الأونكتاد والاقتصاد الفلسطيني


أونكتاد هي منظمة دولية تعنى بتقديم المساعدات التقنية والمادية للدول النامية. تأسست سنة 1964 بهدف إدماج اقتصاد الدول الفقيرة في الاقتصاد العالمي عن طريق نقل التكنولوجيا وترشيد مشاريع التنمية وتجسير الهوة بين السياسات المحلية والدولية في مجالات التنمية.

بدأت منظمة الأونكتاد بمراقبة الاقتصاد الفلسطيني وتقديم المساعدات المادية والتقنية وتقييم أدائه منذ خمس وعشرين سنة. ويقر التقرير، الذي اكتمل إعداده بتاريخ الثامن من آب(أغسطس) وأطلق مؤخرا تمهيدا لمناقشته في المؤتمر العام للمنظمة في نهاية الشهر الحالي، أن سنة 2009 كانت الأسوأ بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني منذ عام 1967 .
ويعزي التقرير أسباب تدهور الاقتصاد الفلسطيني إلى تبعيته شبه المطلقة وارتباطه العضوي بإسرائيل، حيث ارتفعت حصة إسرائيل من التجارة الفلسطينية من 63% عام 1999 إلى 79 %’ عام 2008. كما أن انتشار مئات الحواجز وبناء الجدار الفاصل والإغلاقات المستمرة وتقييد حركة الناس والمواصلات والبضائع، وإغلاق المعابر المستمر وانحسار مصادر الدخل المحلية كالضرائب وغيرها من العوامل الهامة التي ساهمت بشكل أو بآخر في الوصول إلى حالة شبه الانهيار الاقتصادي الحالية.

الحرب على غزة

يتناول التقرير المكون من ست عشرة صفحة الآثار الاقتصادية للهجوم العسكري الشامل الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة أواخر عام 2008 وبداية عام 2009 بعد حصار شامل بدأ في شهر حزيران (يونيو) عام 2006. لقد ترك الهجوم 1326 ضحية و 5450 جريحا و100,000 مشرد داخليا . كما شهدت معظم البنى التحتية نوعا من الدمار شمل المؤسسات الإنتاجية ووسائل المعيشة الأخرى. ويقول التقرير في صفحته السابعة إن التقديرات الأولية لخسائر الاقتصاد الفلسطيني المباشرة وغير المباشرة تصل إلى أربعة مليارات دولار. ويشمل هذا الرقم الخسائر التي تعرضت لها البنى التحتية والدمار الشامل أو الجزئي لـ 21,000 مبنى خاص أو عام.

ويقول التقرير إن الإجراءات الإسرائيلية قد أدت إلى إصابة القطاع الخاص بحالة من الشلل لم يتمكن معها من استيعاب المزيد من الأيدي العاملة بحيث ارتفعت البطالة من 28 % عام 2007 إلى 32 % عام 2008 في الضفة الغربية بينما ارتفعت البطالة في غزة في نفس الفترة بنسبة 13′ زيادة عن المعدل العام في الضفة.

ويعزي التقرير زيادة الفقر في كل من الضفة وغزة إلى خسارة القطاع الزراعي المزيد من الأراضي الخصبة بسبب الجدار العازل ومصادرة الأراضي أو منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم.

ويؤكد التقرير أن نسبة الفقر في الأراضي المحتلة قد قفزت من 20 % عام 1998 إلى %57 عام 2007 من بينهم 48% في حالة فقر مدقع. بينما وصلت النسبة في القطاع إلى 79% عام 2007 من بينهم 69 % في حالة فقر مدقع.

ويقول التقرير إن الحرب على غزة أعادت الاقتصاد هناك إلى أسوأ وضع له منذ الاحتلال عام 1967. لقد خلف الحصار الذي سبق العمليات العسكرية بالإضافة إلى عملية ‘الرصاص المسكوب’ التي استمرت 22 يوما قطاعات واسعة من السكان ‘في حالة من الضياع والتدمير تصبح معها عمليات التنمية محدودة الآثار’.

بعد شهور من توقف العمليات العسكرية ما زال قطاع غزة يتعرض لحصار شامل، وحركة السفر من وإلى القطاع محدودة جدا بسبب إغلاق المعابر والمعبر الوحيد الذي يفتح بطريقة محدودة لأغراض إنسانية هو معبر رفح. لكن التضييق على استيراد مواد البناء وقطع الغيار واستجلاب الأموال والوقود جعل قضية إعادة الإعمار شبه مستحيلة.
ومع انهيار القاعدة الإنتاجية في غزة، والتي قد تستمر لعدة سنوات قادمة، فمن المتوقع أن ترتفع حدة الفقر والتشرد إلى مستويات أعلى، حيث تشير التوقعات إلى أن قطاع غزة سيفقد من مداخيله عام 2009 الحالي ما قيمته 700 مليون دولار إضافية.

يخلص التقرير إلى مجموعة من النتائج والملاحظات، أتمنى على جميع المهتمين أن يقرأوها بتمعن. ومما جاء في تلك الملاحظات أن الإجماع الدولي الذي تبلور في السنوات الأخيرة حول هدف الحل القائم على الدولتين بدأت فرصه تتبخر شيئا فشيئا بسبب سياسات الاحتلال الاقتصادية ومصادرة الأراضي وعدم تمكين الفلسطينيين من بناء مؤسساتهم والإجراءات أحادية الجانب التي تهدف إلى تهميش الاقتصاد الفلسطيني وإغلاق كافة المنافذ لبناء اقتصاد مستقل والذي يعتبر شرطا أساسيا من شروط السيادة فيما لو قامت دولة فلسطينية.

هذه التقارير إلى أين؟

أكرر مرة أخرى صرخة زميلنا عبد الباري عطوان في تعليقه على تقرير غولدستون، هل هناك من يهتم بهذه التقارير ويأخذها بجدية؟ هل يقرأ أحد هذه التقارير؟ هل أحد من السلطة في رام الله معني بهذه التقارير المهمة التي تؤسس لمرافعات قانونية تدين الاحتلال وممارساته ويمكن أن تجرجر مجموعة من مجرمي الحرب إلى السجون الدولية أو على الأقل تحرمهم من الخروج من جحورهم.

وإذا لم يكن هناك أي أمل بتحرك رسمي، فلسطيني أو عربي، فهـلا قام اتحاد المحامين العرب بخطوة في هذا الاتجاه؟ أين منظمات حقوق الإنسان العربية؟ أين الاتحادات المهنية والنقابات ومنظمة البرلمانيين العرب؟ تحركوا جميعا أيها المعنيون والغيورون على أمتكم على أكثر من جبهة قبل فوات الأوان وقبل أن تركن هذه التقارير في الأرشيفات، كما ركن مئات القرارات والتقارير الدولية من قبل، تستخدم فقط من قبل الباحثين.

:::::

* أستاذ جامعي وكاتب مقيم في نيويورك

القدس العربي