عرض رخيص وطلب عزيز: لماذا غالي والبرادعي وليس فاروق حسني

عادل سمارة

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2039 )

قدم وزير الثقافة المصري (السابق) فاروق حسني إلى الأوساط الغربية التي تقرر مسار اليونسكو على الأسس اليومية والتاريخية، قدم كل ما يؤكد تكيفه مع متطلباتها. وثابر قبيل كل جلسة تصويت على تحرير ملف حياته من اية علامة وطنية أو قومية أو راديكالية، إضافة إلى الاعتذار عن عنتريات سابقة مزيفة عن استعداده لحرق الكتب الصهيونية في مصر.

قد يقول البعض : كيف نصف أقواله بالعنتريات في حين أن مجرد قول ذلك هو موقف هام في حقبة السباق إلى القاع في السياسة والثقافة العربية، باعتبار أن أضعف خاصرتين في الوطن العربي حالياً هما السياسي (الحاكم وحتى الحزبي) والثقافي.

وردَّنا على هذا في مستويين:

الأول: ان وزير الثقافة كان وزيراً في نظام ديكتاتوري. ألم يمض على رئيس مصر ثلاثة عقود في منصب فرعوني ، اليست مصر تحت الأحكام العرفية عقاباً لها منذ قتل السادات؟؟ أليس هذا النظام هو المتمسك بكامب ديفيد رغم أنف الشعب؟ أليس هذا النظام هو الذي شارك في العدوان على العراق 1991، وايد عدوان 2003؟ ثم كيف يمكن أن يكون في اي بلد وزير للثقافة؟ هل يحق لأحد أن يكون وزيراً على الفكر؟

والثاني: أن فاروق حسني اعتذر عن كل ما فعل ضد الكيان الصهيوني، إن كان فعل شيئاً! ولم يعتذر لشعب مصر وأمة العرب وكل الشركاء مع العرب في هذا الوطن، عن خدمته لنظام كامب ديفيد، كنظام تطبيعي وقمعي!

ولكن، يظل السؤال لماذا رُفض بعد اغتسل وغُسل بالماء والبَرَدْ؟

يبدو أن التطبيعي العربي يدخل هذا المطهر والمحفل عشقاً منه لذلك حتى دون أن يُطلب منه. لقد اصبح التنازل عن القيم، وطعنها نهجاً في القشرتين السياسية والثقافية العربية. أو بقانون العرض والطلب، هناك إنتاج تطبيعي لماكينة تطبيعية لا بد لها أن تعمل حتى دون أن يكون الطلب على عرضها عالياً. هي آلية سوق إذن والمتنافسون يتكاثفون كالذباب على طبق حلوى مكشوف في الصيف.

لكن زيادة العرض لا تعني تكاثف الطلب، ولا يعني عدم دقة التوقيت.

كان الطلب الغربي الراسمالي على أمين عام عربي للأمم المتحدة عالياً جداً حين كان لا بد من تدمير العراق بعد أن انتقلت راية القومية الحاكمة والتنمية الرسمية من الناصرية إلى البعثية. لذا، لو لم يكن قد وُلد بطرس غالي لصنعه الغرب بيديه، أو بخصيتيه! وهذا يعني أن غالي لم يكن هكذا “غالياً” على المركز المعولم، بل كان ضرورياً لمرحلة وحدث محدد. وحين انتهت الحاجة أُهين غالي وشكا وبكى وطرق الأبواب أكثر من فاروق حسني، ولكن الغرب لم يُجدد له. ولا نتوقع أن يرتقي إلى مستوى وطني بسيط ليكتب في مذكراته أنه ندم على هذه الخيانة الكبرى. كان خائناً كأداة وليس حتى كرأس! ولا داعٍ للتحدث عن كوفي عنان.

ولا يختلف محمد البرادعي عن غالي في شيىء. وقد استخدم ضد العراق كذلك، وها هو حتى في آخر ايامه السوداء يُستخدم ضد إيران. فالمطلوب شخص من المنطقة ليكون حصان طروادة النووي، والبرادعي يقوم بكل شيء مطلوب، وهو مثل غالي يعلمان أن ما يقوما به هو خدمة للكيان الصهيوني والمركز وأنظمة عربية اقتحمت الأمة بالبراشوت.

من أجل اي هدف يحتاج المركز لأمثال فاروق حسني هذه الأيام، أية جريمة يصلح لتغطيتها؟ في اللحظة، لا يوجد طلب على بضاعته. فالتطبيع في الوطن العربي يُقلع ذاتياً ولا تكاد قوى الأعداء تحصد ما يقدمه لها طوعاً. دزينتين من الدول والدويلات، ودزينة محتملة من الكيانات المنشقة، تنتظر من نتنياهو أن يقول، ولا شرط أن يفعل، سوف أُجمد التوسع الاستيطاني، كي يتدفقوا كالذباب على الحلوى الصهيونية التي هي جثة فلسطين! أعلنت البحرين، وعُمان والإمارات أنها تحت الطلب، فليقلها نتنياهو. لكنه لم يقل!

ما الخدمة التي يمكن أن يقدمها فاروق حسني في نطاق الثقافة وحتى المناطق الثرية أماكن او مدناً، بينما، كما يقول الأثريون، يعمل الكيان الصهيوني على هدم الأقصى، أمام أبصار مليار ونصف مسلم يتوضأون بماء لو تجمَّع في وجبة واحدة لجرف الكيان الصهيوني. ويقتتل هؤلاء المسلمون، أو كثرة منهم على أفضل طرائق الوضوء وأشد آليات اعتقال المرأة في المخدع وتغطية حتى قاع قدميها، وعلى رضاعة الزميل!

وحتى بحسابات الدول ، ما هو وزن مصر، وكل دول العرب في السياسة الدولية اليوم؟ دزينتين من الدول ودزينة من الانشقاقات المقبلة يترجون الكيان الصهيوني لقبول أوراق اعتمادهم خدماً عنده “المبادرة العربية” ويركلها هو برجله مثل زير أُتخم بالعاهرات!.

قد يقول قائل، ربما لو قام النظام المصري بتحريك مئة ألف من مليوني شخص في قواته الخاصة وألبسهم ملابس مدنية وتظاهروا في القاهرة كمظاهرة قومية أو إسلامية لنصرة فلسطين، ربما عندها سوف يتحمس الغرب ويقرر قبول فاروق حسني كإجراء وقائي ضد اي شريان اعتراضي في الوطن العربي. لكن هذا لا ينطلي على الغرب، والأهم أن هذا النظام يخشى حتى من مظاهرات يصنعها، فهو لا يدري كم سيتدفق عليها من المصريين الذين يريدون اقتلاع النظام.

وهكذا، فإن كل الأنظمة العربية، والأنظمة المرشحة بعد تفكيك أكثر لهذا الوطن، لم تعادل وزن دولة صغيرة هي بلغاريا، التي هي ايضاً ليس لديها ما تقدمه للمركز هذه الأيام سوى أن تكون بعيدة بقدر ما عن روسيا. هذا الثمن الضئيل، اثقل في الميزان الدولي من كل العرب. لذا، تمكنت إيرنا بوكوفا من سحق حسني، أو بلغاريا من سحق العرب، وتحديداً، المركز من احتقار التطبيع العربي.

قد يقول مثقف تطبيعي عربي أو فلسطيني، هل بهذه الخفة يتم التعامل مع مناصب كهذه؟ ونقول، بخفة أكبر، فالمجتمع المدني الذي وضع جورج بوش على راس اقوى دولة في العالم، لا ينظر إلى الكفاءة بل يبحث عن “مادة” لملىء الوعاء! وغالباً من يقرر هي المجالس الخفية والخلفية وليس ديكور المكان.