جمال محمد تقي
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2040 )
لا مسار امامه غير اليمين، ومثلما قال نزار قباني في الحب واللاحب ـ لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار ـ الوسط الوحيد بين اليسار واليمين هو الواو، وفيها ما فيها من قناطر التلاقي لاطراف القطبين المتطرفين، ساق هنا وساق هناك وظل لفتحتيهما يخيم على الجانبين المتلاصقين، هذا هو الوسط الوسيط، وسط لا تحسب اتجاهاته ايضا الا اذا قلنا يسار الوسط او يمينه!
قرأت مقالة غاية بالروعة للكاتب الاستاذ والزميل العزيز صباح علي الشاهر في موقع ثوابتنا “ليس ـ اليسارـ يسار القاعة” اثار لدي الكثير من الشجون والتساؤلات العميقة، وهو ان لم يفعل ذلك كعادته لما بقي متميزا بما هو فيه من روح يسارية متدفقة، تجلي نفسها بنفسها وكانها من نسيج كاشاني يتألق كلما عتق، يقول في واحدة من مقاطع المقالة: قضية الوطن بالنسبة لليسار ـ قدس الاقداس ـ، ليس لان الوطن جغرافية فقط ولا تاريخ فقط وليس لانه بيتنا الذي يضمنا جميعا وليس لان حريتنا ترتبط بحريته وعبوديتنا ترتبط بعبوديته وليس لان بقوته قوتنا وبعزته عزتنا ليس هذا فقط وانما لان مصالح الناس الذين يدافع عنهم اليسار ترتبط بهذا الوطن . . “. تؤشرالمقالة على مفصل قاطع من مفاصل حالة اليسار العراقي قبيل وبعيد الاحتلال، اجتماع لندن الذي حضره السواد الاعظم من اليسار العراقي المتهافت ليؤسس مع المعتقين في خدمة الانظمة الرجعية والطائفيين والعنصريين برعاية وعناية موظفي مخابرات زعيمة الامبريالية في العالم، لتتم البيعة لعملية ذبح العراق وعلى قبلة البيت الابيض وكان البيع المبدئي علنيا اما تفاصيله فبقيت ملكا صرفا للمشتري الذي كان ينتظراعلانا بمباركة ـ الجميع ـ لاقتحام الدار بما فيها ومن ثم يقرر هو وبحسب الوضع الميداني الكيفية التي سيكون عليها وضع العراق!
مقالة الشاهر تصرخ معلنة ان هناك يسار وطني واخر باع وطنه، يسار يرفض الحرب على العراق في السر والعلن ويرفض احتلاله ويرفض التعامل مع المحتلين ويدعو لمقاومتهم، واخر سار مع السائرين من جماعة اجتماع لندن وتعامل مع الاحتلال ودعا لمهادنته بل وراح يبرر لمواقف من اعلن تاييده للحرب والاحتلال وكل تداعياتهما، حتى انفضح انخراطه الكلي على قاعدة حشر مع الناس عيد!
مقالة الشاهر تستنتج، ان اليسارية ليست صفة ابدية تلتصق بهذا الشخص او ذاك، بهذا الحزب او ذاك، انها بكل بساطة ممارسة نهج يتصف باليسارية ولا يتناقض معها بحيث لا تبدو الصفة غير متطابقة مع الموصوف .. من كان يساريا بالامس قد يكون اليوم يمينيا والعكس صحيح!
نعم اليسارية ليست ثوب تلبسه او ديباجة تحفظها، انها مواقف وممارسات ترتقي بنفسها لمستوى النهج المتكامل والذي لا يميزه في الجوهر غير انحيازه لمصالح الاغلبية الطبقية المقهورة في مجتمعها اي انه تعبير عن تطلعات الطبقات الدنيا بالضد من سياسات وانظمة الطبقات العليا التي تتبلور مناهجها وباتجاه معاكس هو اليمين، فاليسار الحقيقي غير المدعي هو عدو طبقي وسياسي لليمين الذي يدعو للمحافظة على سيادة نهجه في السلطة وتابيدها على حساب المصالح الحقيقية للاغلبية الداعية للعدالة الاجتماعية ونظام متوازن يكفل للجميع الحد الادنى من الحياة التي تليق بالانسان اي انسان كان في المجتمع من الغفير الى الوزير!
ان من تطبيقات ما ذهبنا اليه هو ضرورة تمييز اليسار المتحول الى اليمين والذي ما زال متشبثا بيافطته للتضليل، وذلك بفضحه حتى في بطلان مضامين رايته المرفوعة زورا وبهتانا، فليس كل من حمل اللواء الاحمر مثلا صار شيوعيا، فلا يليق بحملة الوجوه المتناقضة غير وصمة الانتهازية تمييزا لها عن اليسار الحقيقي الذي لا يحتاج الى زوائد جديدة لتمييزه، لانه لا وجود لاي يسار خارج نطاق الوطنية الحقة، فهذا يوسف سلمان يوسف ـ فهد ـ يقول ما معناه، كنت وطنيا وعندما اصبحت شيوعيا ازداد وطنيتي قوة، ويقول اخر الشيوعية اعلى درجات الوطنية لان الوطنية الحقة لا تناقض الاممية الحقة!
التطبيق الاخر هو ضرورة وحدة القوى اليسارية الاصيلة في العراق ومحاصرة انتهازيي اليسار والتصدي للحلف المتكالب من الاعداء الطبقيين والسياسيين لشعبنا وقواه الحية ومن الاحتلال المباشر وغير المباشر للمستعمرين الجدد وبشكل استثنائي لان الخراب معمم وبشكل استثنائي ايضا!
من التطبيقات المهمة ايضا حتمية وجود برنامج واضح وعملي لليسار العراقي ليكون مشروعا للنهوض الوطني الشامل، فمهمات ملحة مثل التحررالكامل والانقاذ الذي لا يقبل التاخيرواعادة البناء والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ستكون مضادات حيوية بوجه جراثيم الطائفية والعنصرية والانتهازية والتبعية السائدة في عراقنا المنكوب!
اما انتهازيو اليسار فهم يعرون انفسهم بانفسهم عندما يواصلون السير كالذيول خلف الطائفيين والعنصريين والليبراليين الممسوخين املا بالحصول على لقمة هنا اوهناك، وشعبنا ممثلا بقواه الحية يمهل ولا يهمل، فلا مستقبل للمتخاذلين والفسدة والمتحاصصين حكم العراق مع المحتل الامريكي!
في الختام تبقى تراودني تساؤلات يثيرها هكذا تناول، ومنها :
هل ستكون ولادة يسار عراقي موحد ومتحرر من الانتهازية اسيرة لتكامل الذاتي والموضوعي من العوامل ؟
هل تقدم العامل الذاتي والارادوي سيساهم بالحسم في تسريع نضج العوامل الموضوعية ؟
هل انهيار اليسار الانتهازي المتلاحق في الميدان يسرع من الولادة الجديدة ام ان التصدي وبقوة لنهجه ورموزه سيساعد على انهياره وبالتالي انبثاق يسار اصيل بوطنيته وامميته وفاعل وموحد؟
اتذكر ايام الحرب الامريكية على العراق كيف تضامنت شعوب العالم ومنظماتها الحرة الى جانب كل حركات اليسار مع شعبنا وكيف انها استشعرت عمق المخاطر التي ستحيق به، واتذكر كيف كان التماثل بين وطنيي العراق وهذه الحركات وعلى مستوى العالم اجمع، واتذكر ايضا الانزعاج الواضح الذي تميزت به وجوه رموز اليسار الانتهازي العراقي من عمق ومبدئية هذا التضامن الاممي النزيه ومدى الاحراج الذي اصابهم نتيجة وضوح الرؤية الاممية للشعوب المناهضة للامبريالية وتغولها وتلاحمها مع وطنية اليساريين العراقيين الاصلاء المناهضين للحرب والاحتلال، ثم عزلة اليسار الانتهازي عن اي تحالف اممي يساري او حقوقي انساني!