أي الطرق تؤدي إلى إيران?

فاطمة الصمادي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2046 )

بالنص يؤكد بحث عنوانه “أي الطرق تؤدي إلى إيران” أعده مركز(سابان) التابع لمعهد الفكر الأمريكي (بروكينغز) مؤخرا، أن واحدة من أهم الطرق لمواجهة الجمهورية الإسلامية هي إيجاد زعيم داخلي معارض يتمتع بكاريزما تمكنه من أحداث التغيير، والتحول بإيران من دولة تبث السم للولايات المتحدة إلى حليف في الشرق الأوسط.

ووضع معدو هذا البحث هدفا يتمثل بـ”صياغة إستراتيجية شاملة” تعين واشنطن على انتهاج “سياسة مثمرة” في المواجهة مع النظام الإيراني الذي اعتبره البحث من أكثر الأنظمة السياسية “تعقيدا وغموضا “في العالم. وشرحوا فيه لتسع استراتيجيات ضمن محاور أربعة، يقوم المحور الأول على الدبلوماسية ضمن خيارين، ويقوم الثاني على العمل العسكري ويتضمن خيارات ثلاثة، ويركز المحور الثالث على ثلاثة خيارات لتغيير نظام الحكم، ويتحدث المحور الرابع عن “لجم إيران” وإفشال سياساتها وإضعافها داخليا وخارجيا. ونبه فريق البحث إلى أن كلا من هذه الإستراتيجيات له محاذيره وعيوبه ولذلك فإن الأفضل هو صياغة إستراتيجية مركبة تتضمن في الوقت ذاته عدة جوانب. واعتبر البحث أن الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان قدم خدمة كبيرة لإيران وقاد بالنتيجة إلى إضعاف الولايات المتحدة وتعزيز النفوذ الإيراني، وتكررت النتيجة ذاتها في المواجهة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل وكذلك في الحرب على غزة. وقال أن هذه التحولات التي شهدتها المنطقة أصابت سياسات الولايات المتحدة بـ”الاضطراب” كما أن تركيزها على الملف النووي الإيراني افقدها النظرة الكلية في المواجهة مع إيران.

البحث الذي قام عليه ستة من الباحثين الإستراتيجيين- كنت بولاك، دانييل بايمن، مارتن إنديك، سوزان مالوني، مايكل اهانلون وبروس ريدل- ويقترح تسعة سيناريوهات للمواجهة مع طهران، يشير إلى قناعة الكثير من الساسة الأمريكيين بعدم جدوى الخيارين الدبلوماسي والعسكري تجاه إيران، ويرجحون خيار الإطاحة بالنظام، ويرون أن المعأرضة والإصلاحيين ليسوا الطريق الوحيد لتغيير الوضع في إيران، ويركزون على أن إشعال الخلافات القومية والقيام بانقلاب عمل من شأنه أن يساهم في الإطاحة بالنظام. ويشدد هذا السيناريو على “الثورة المخملية” كخيار يجب دعمه لتغيير النظام في طهران وهو خيار لا يكلف واشنطن ضريبة كبيرة.

ويهدف هذا السيناريو كما يورد البحث الذي يقع في أكثر من 160 صفحة إلى إيجاد حكومة ترتبط بمصالح مع واشنطن وتنهي حالة العداء، وهو ما يقتضي التعاون ومد جسور التواصل مع المعارضة داخل إيران، واستخدام هذه المعأرضة كورقة ضغط من شأنه أن يحدث تغييرا في السياسات الإيرانية. و”الثورة المخملية” تحتاج كما يشير البحث إلى قادة محليين وهنا على واشنطن دعمهم، وهو ما يقتضي البحث عنهم قبل اطلاق شرارة هذا التحرك، كما انه يحتاج إلى معلومات استخبارية دقيقة، ويمكن استثمار تحرك شخصيات معارضة تهدف لإحداث التغيير على طريقة “برسترويكا” الروسية، ويمكن للتظاهرات وصدامات الشوارع أن تزلزل قاعدة النظام كما حدث في رومانيا والفلبين. ويوصي هذا السيناريو بتقديم الدعم المالي والسياسي لقادة هذا التحرك من الإيرانيين، وكذلك تقديم الدعم الخفي للطلبة والمجموعات داخل المجتمع الإيراني وذلك بتقديم مبالغ مالية ووسائل اتصال حديثة لهم.

ونبه البحث إلى أن إصلاحيي إيران أرسلوا إشارات تؤكد سعيهم لإقامة حكومة علمانية في إيران، واستطاع مفكرون في مقدمتهم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي أن يضعوا علامات استفهام على مشروعية الحكم الديني وصلاحيته.

ويشير السيناريو إلى أن نجاح “الثورة المخملية” مرهون بإضعاف حرس الثورة وقوات “البسيج” لمنعها من التصدي لمطالبي التغيير مما يقتضي تدخلا عسكريا ضد هذه القوات. لكن السيناريو يحذر من أن الدعم الأمريكي للإصلاحيين من شأنه أن يشوه صورتهم لدى الناس، ويؤتي ثمارا عكسية. ويعيد السيناريو الاهتمام إلى منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية كمنظمة قادرة على العمل العسكري ضد النظام في إيران. ويستعيد البحث عملية الإطاحة بحكومة مصدق الوطنية التي قامت بتأميم النفط عام 1953 كنموذج لتقويض الحكومات، ويرى أن واشنطن يمكنها أن تلعب دورا مؤثرا في التخطيط لإطاحة جديدة. ويؤكد أن عملية الإطاحة حتى وان فشلت من شأنها أن تجبر طهران على تقديم تنازلات.

ومن أهم ما حمله البحث هو الحديث عن خيارات العمل العسكري، ويعزز من هذا الخيار غياب الضمانات لنجاح العمل الدبلوماسي وارتباطه بشكل أساسي باستجابة طهران وتعاونها. ويدخل الزمن كعامل أساسي في الخيار العسكري إذ أن وصول إيران لصناعة السلاح النووي من شأنه أن يجعل من توجيه ضربة عسكرية لها أمرا في غاية الصعوبة ويرى كثير من الأمريكيين أن عملا عسكريا ضد إيران سيكون له ضريبة باهظة ولذلك يفضلون أن يقوم الإسرائيليون بذلك. وتواجه هذه الإستراتيجية مشكلات عدة من أبرزها أن الفشل الأمريكي في العراق وأفغانستان يجعل من ضربة عسكرية لإيران تحقق الأهداف الأمريكية أمرا شديد الصعوبة، لكن ذلك لا يعني إسقاط هذا الخيار خاصة وأن أوباما نفسه لم يسقطه من خياراته.

وسيكون من أهداف الحملة العسكرية إسقاط النظام في إيران بالقوة وشل قوته العسكرية وإفلات قبضته الداخلية وهو ما سيقود إلى إفشال المشروع النووي وإنهائه، ويرى البحث بوجوب أن يكون لدى واشنطن القدرة على إقامة حكومة ثابتة وموالية لها بشكل سريع ومنظم، وسيكون على واشنطن أن تدرك أن عملا عسكريا واسعا ضد إيران يجب أن يعقبه إعادة بناء لن تكون سهلة وتحتاج إلى ميزانية كبيرة كما أنها ستكون عملية دموية وطويلة. ولا يجب تجاهل إمكانية أن ترفض الدول المجاورة استخدام أراضيها لمهاجمة إيران. وتحتاج هذه الإستراتيجية إلى ذريعة وتوريط لإيران بعمل مرفوض على غرار الحادي عشر من سبتمبر، لتكون الولايات المتحدة قادرة على القيام بعمل عسكري مدعوم داخليا وخارجيا. ولا يمكن مقارنة احتلال العراق بإيران ذات المساحة الجغرافية الواسعة مما يتطلب إعدادا اكبر بكثير من الجنود الأمريكيين. وإن كان العمل العسكري الواسع كفيل بحل المشكلات الأمريكية مع إيران بالكامل إلا أن محاذيره تقود إلى الخيار الثاني الذي يرجح ضربة عسكرية محدودة للمواقع النووية الإيرانية تشبه تلك التي قامت بها إسرائيل ضد العراق، على أن يعقبها ضربات لشل المواقع العسكرية. وإن كان بدء العمل في يد واشنطن إلا أنه لا يمكن التنبوء بالشكل الذي سيكون عليه رد الفعل الإيراني. وسيقلل توجيه ضربة عسكرية لإيران من الثقة في أمريكا وسينعكس ذلك على قضايا كوريا الشمالية ودارفور، وسيعزز من صورة أمريكا كدولة عدوانية مهاجمة.

ولم يغب خيار توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية عن مخططي الجيش الإسرائيلي. وسيكون ذلك متاحا للإسرائيليين إذا ما حصلوا على الدعم والتشجيع الأمريكي. وهذه العملية تقتضي عبور الطيران العسكري الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والأردنية والعراقية ليتمكن من ضرب الأهداف الإيرانية، وهي تحتاج إلى طلعات عدة لعمل ذلك في حين يقتضي نجاح العملية أن تنفذ الضربة في طلعة واحدة وهو غير متاح لإسرائيل، كما أن بُعد الأهداف الإيرانية يجعل من الصعب على طائرات إف 15 وإف 16 أن تصل إلى أهدافها. وأكد معدو البحث أن بقاء أمريكا بعيدا عن هذا السيناريو أمر مستحيل وستجر القدم الأمريكية إليه بشكل أو بآخر. وسيكون من مهمات واشنطن أن يعطى الضوء الأخضر لـ”تل أبيب” وان تشارك في التخطيط للضربة.