من مخيم جنين إلى الجدار ومن بيت حانون إلى غزة: كم من التقارير دفنت وهي حيّــة

عبد الحميد صيام*

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2049 )

سحب تقرير غولدستون في اللحظة الأخيرة بناء على تعليمات من رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى سفيره إبراهيم خريشة ليست سابقة في تاريخ عمل مجموعة أوسلو الراكبة في قطار الهوان وتريد أن تحمل معها الشعب الفلسطيني إلى المهلكة. وأود أن أذكر أبناء الشعب العربي بأن السوابق كثيرة ولا تقتصر على تقرير غولدستون. وسأتوقف قليلا عند ثلاث سوابق تم التراخي عن متابعتها أو التآمر عليها أو بيعها بثمن بخس أو إهمالها، على افتراض حسن النية، من مجموعة فريق المفاوضات العبثية الذين ما زالوا متمسكين بالوهم الذي أوصل القضية إلى ما هي عليه الآن. والمحطات الثلاث التي سأتوقف قليلا عندها هي حل فريق تقصي الحقائق في مذبحة مخيم جنين 2002 برئاسة مارتي إحتساري، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول جدار الفصل العنصري الصادر في 9 تموز (يوليو) 2004 وتقرير لجنة ديزموند توتو عن أحداث بيت حانون في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006. أما تقرير غولدستون حول الهجوم على غزة في أواخر 2008 وأوائل 2009، والذي تجاوز كل ما سبقه من مواقف، فقد اشبع تحليلا وليس لدي ما أقوله أكثر مما قيل.

فريق تقصي الحقائق في أحداث مخيم جنين 2002

اعتمد مجلس الأمن الدولي بتاريخ 19 نيسان (أبريل) 2002 القرار 1405 والذي دعا “إلى تشكيل فريق مستقل لتقصي الحقائق في الأحداث الأخيرة في مخيم جنين وإبلاغ مجلس الأمن بتلك التطورات”. شكل الأمين العام كوفي عنان وفدا رفيع المستوى بقيادة الدبلوماسي الفذ رئيس فنلندا السابق مارتي إحتساري، ترافقه السيدة صاداكو أوغاتا، المفوضة السامية السابقة لشؤون اللاجئين، والسيد كورنيليو سوماروغا، الرئيس السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر.

إسرائيل من جانبها رفضت، منذ البداية استقبال الوفد ووضعت شروطا تعجيزية للسماح للوفد بالقيام بمهمته، ووعدت، كالعادة، أن تجري تحقيقا في الموضوع. كان الوفد قد تجمع في جنيف للانطلاق إلى ميدان الأحداث حالما يتم تذليل العقبات الإسرائيلية، لكن السيد عنان انصاع للإملاءات الأمريكية فأعلن يوم الخميس الثاني من أيار(مايو) حل الوفد وطلب من أفراده العودة إلى ديارهم بطريقة مهينة لم تحدث في تاريخ المنظمة الدولية على حد علمي. لقد احتج الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والعديد من الدول على موقف إسرائيل الرافض للتعاون مع الفريق والسماح له بالقيام بالمهمة التي كلفه بها مجلس الأمن. رومانو برودي رئيس المفوضية الأوروبية قال: “إن رفض إسرائيل لاستقبال فريق تقصي الحقائق غير مقبول. وإذا لم يكن لديهم ما يخفونه فما هو السبب في عدم استقبال الفريق؟ إنها فرصة أمام إسرائيل لتظهر للعالم بأن ليس لديها ما تخفيه”. جاك سترو، وزير الخارجية البريطاني قال: “إذا لم يكن لدى إسرائيل ما تخفيه فعليها أن تسمح لفريق تقصي الحقائق بمباشرة عمله في أقرب وقت ممكن. إن هذا أمر في غاية الأهمية لإسرائيل وسمعتها”. إيغور إيفانوف، وزير الخاجية الروسي آنذاك قال “إن الاتحاد الروسي يصر على أن تسمح إسرائيل للفريق أن يصل جنين”. عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، قال إن رفض إسرائيل لاستقبال الفريق “أمر مهين، ومن شأنه أن يقوض ما تبقى من مصداقية للأمم المتحدة”. أما السيد ياسر عبد ربه، وزير الإعلام الفلسطيني، فكرر نفس الفكرة الباردة بأن مصداقية الأمم المتحدة على المحك.

المهم في الأمر أن حل الفريق لم يثر أي ضجة لدى السلطة الفلسطينية، ولم تقم حينها باحتجاج عال يدل على أنها فجعت بالقرار. ولم تمض إلا أيام حتى تبين أن هناك صفقة تمت عن طريق الولايات المتحدة للتخلي عن فكرة فريق تقصي الحقائق. وتتضمن الصفقة فك الحصار عن ياسر عرفات المحاصر في المقاطعة وسحب وحدات الجيش الإسرائيلي التي تطوق المكان. ويتم وضع الأشخاص الستة المطلوبين لإسرائيل والمحاصرين في المقاطعة في سجن بأريحا تحت حراسة أمريكية بريطانية مشتركة، حيث كانت إسرائيل مصرة على تسليمهم أو اقتحام المقر لاعتقالهم وهم أربعة عناصر من الجبهة الشعبية متهمين باغتيال رحبعام زيفي، وزير السياحة الإسرائيلي السابق، وأمين عام الجبهة الشعبية أحمد سعدات، والعميد فؤاد الشوبكي المتهم بتمويل وترتيب صفقة الأسلحة التي ضبطت في سفينة كارين.

يقول تقرير منشور على موقع “كاونتربنش” المشهور بعد أربعة أيام من إنهاء مهمة الفريق أي بتاريخ 6 أيار (مايو) إن إدارة بوش والمملكــة العربية السعودية توصلا للصفقة ثم عرضها بوش على شارون وعرضها ولي العهد السعودي على عرفات. عقد شارون جلسة للحكومة وعرض الإتفاقية على الوزراء. وعندما اعترض أحدهم على فك الحصار عن عرفات قال شارون: “ا بد من قبول هذا العرض لأن الرئيس بوش وعد أن ينهي إقتراح إرسال فريق تقصي الحقائق”. وقد صوت مجلس الوزراء الإسرائيلي على الإقتراح بغالبية 17 صوتا لصالحه بينما رفضه 9 وزراء. ومما جاء في المقال: “لقد كان الوعد بإنهاء فريق التحقيق في مذبحة جنين عرضا مغريا لشارون. فقد توصل الرئيس بوش ومستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس إلى رزمة من الإجراءات تمت صياغتها مع المملكة العربية السعودية.”

وهكذا تم تمييع قرار مجلس الأمن وحل فريق تقصي الحقائق واستعيض عن ذلك بالطلب من كوفي عنان تقديم تقرير إلى الجمعية العامة، وهو ما فعله بالضبط حيث جمع مواده، كما يقول في المقدمة، من مصادر ثانوية والتي لا تغني عن الزيارات الميدانية. وقد جاء التقرير، الذي قدم في شهر أيلول (سبتمبر)، أي بعد خمسة أشهر من تدمير المخيم على من فيه، مكونا من 83 فقرة ولا يحمل أية توصيات ويكاد يساوي بين جريمة الاجتياح الإسرائيلي للمخيم و”الإرهاب” الفلسطيني للمدنيين الإسرائيليين. ويقر التقرير أن عدد ضحايا اجتياح المخيم كان 52 نصفهم من المدنيين، وتدمير 150 مبنى وتشريد 450 عائلة. وقدرت خسائر المخيم بـ 27 مليون دولار.

الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية 9 تموز(يوليو) 2004

بناء على القرار 10/13 الصادر عن الجمعية العامة المنعقدة في دورتها الاستثنائية الخاصة العاشرة عام 2003، طلب من محكمة العدل الدولية أن تقدم رأيا قانونيا في قيام إسرائيل ببناء جدار فاصل على الأراضي الفلسطينية بحجة الضرورة الأمنية ولمنع تسلل الانتحاريين إلى داخل إسرائيل. بعد مداولات في لاهاي استمرت قرابة السبعة أشهر، قاطعتها إسرائيل لكنها قدمت تقريرا مكتوبا، بينما لعب ممثل فلسطين في الأمم المتحدة ناصر القدوة، دورا رئيسيا في المرافعات وبمشاركة وفد قانوي من خيرة المحامين الدوليين من بريطانيا والولايات المتحدة. في التاسع من تموز(يوليو) أصدرت المحكمة رأيها القانوني في طلب الجمعية العامة متضمنا الأمور التالية:
1. اتفقت المحكمة بإجماع القضاة الخمسة عشر بأن من صلاحيات المحكمة النظر في شرعية بناء الجدار
2. . أقرت المحكمة بأن بناء الجدار مخالف للقانون الدولي( 14-1). ( القاضي الأمريكي توماس بورنغثال خالف الإجماع في التصويت على كافة أجزاء الرأي الاستشاري إلا في بند صلاحية المحكمة)
3. أقرت المحكمة بأن إسرائيل ملزمة بوقف انتهاكاتها للقانون الدولي، وهي ملزمة بوقف بناء الجدار، لأنه يقام على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وطالبت بإلغاء كافة الإجراءات المتعلقة ببناء الجدار؛ (14-1)
4. أقرت المحكمة بأن إسرائيل ملزمة أن تدفع تعويضات لكل الأضرار التي تعرض لها الفلسطينيون بسبب بناء الجدار على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية؛ (14-1)
5. أقرت المحكمة بأن كافة الدول ملزمة بعدم الإعتراف بكافة الإجراءات الناتجة عن تشييد الجدار وبعدم تقديم أية مساعدة من شأنها أن تساهم في استمرار الوضع الذي نشأ عن بناء الجدار. كما أن على الدول الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 وميثاق الأمم المتحدة أن تعمل على التأكد من إلتزام إسرائيل بالقانون الإنساني الدولي كما هو منصوص عليه في تلك المعاهدات؛ (13-2)
6. أقرت المحكمة بأن تقوم الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن بالنظر في إجراءات إضافية من شأنها أن تحمل إسرائيل على إنهاء الوضع غير القانوني الناتج عن إنشاء الجدار وكافة الخطوات المنبثقة عن هذا الإنشاء مستندين إلى هذا الرأي الاستشاري الصادر عن المحكمة؛ (14-1)
كما أقرت المحكمة في مقدمة تقريرها أن البند 51 من الميثاق والذي يعطي الدول حق الدفاع عن النفس، لا ينطبق على الأراضي المحتلة لأن التهديد الآتي منها لا يشكل عدوانا خارجيا حيث تخضع السيادة في تلك الأراضي لإسرائيل.

قدم الرأي الاستشاري إلى الجمعية العامة في تقرير للأمين العام فتم الترحيب به وتبنيه باعتماد القرار 10/15 بغالبية 150 صوتا لصالح القرار وستة أصوات ضده (من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل) وعشرة دول امتنعت عن التصويت. كما شكلت الجمعية لجنة لحصر الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين. لكن القرار، بقدرة قادر، وبطريقة مشبوهة ذاب واختفى من أدبيات السلطة والدول العربية وغيرها. واستمرت إسرائيل في بناء الجدار واستمرت السلطة في المفاوضات وكأن شيئا لم يكن، ولم يشكل الجدار بالنسبة للسلطة أي عائق أمام المفاوضات، وكما اختفت قضية الجدار بدأت تتآكل قضية الاستيطان غير الشرعي واقتصرت مطالب الوفد الفلسطيني المفاوض بتجميد الاستيطان.

تقرير الأب ديزموند توتو عن أحداث بيت حانون- تشرين الثاني (نوفمبر) 2006

في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 قامت إسرائيل بقصف منطقة بيت حانون شمال قطاع غزة دون استفزاز من الجانب الفلسطيني مما أدى إلى مقتل 19 مدنيا معظمهم من النساء والأطفال من عائلة العثامنة. وقد طلب مجلس حقوق الإنسان من الأب ديزموند توتو، الجنوب أفريقي والحائز على جائزة نوبل للسلام تقديرا لجهوده في الكفاح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ومن الأستاذة البريطانية المعروفة كريستين شنكن أن يقوما بمهمة تقصي حقائق لتحديد المسؤولية عن مقتل المدنيين التسعة عشر.

لم يتمكن الفريق من الوصول إلى منطقة الأحداث إلا بعد 18 شهرا بعد أن رفضت إسرائيل منح الوفد تأشيرة دخول من تل أبيب فاضطر الوفد أخيرا للدخول من معبر رفح بين 27 و 29 أيار (مايو) 2008. وقد التقى الوفد بأهالي الضحايا وشاهد منطقة الدمار والخراب التي لحقت بالمنطقة، ورفع تقريره إلى مجلس حقوق الإنسان في الأول من أيلول( سبتمبر) 2008. وقال توتو في مؤتمر صحافي بمناسبة اكتمال التقرير “إن آثار القصف ما زالت قائمة على المستويين المادي والمعنوي، من تدمير البيوت والبنى التحتية وتجريف الأراضي الزراعية وفقدان مصادر الرزق والأهم من ذلك الإحساس بأن المجتمع برمته على حافة الانكسار”.

يقول التقرير إن إسرائيل منذ انسحابها من غزة في آب (أغسطس) 2005 ولغاية أحداث بيت حانون ألقت على القطاع 15,000 قذيفة مدفعية وشنت 550 غارة جوية أدت إلى مقتل 525 فلسطينيا وجرح 1527 بينما أطلقت فصائل المقاومة في نفس الفترة 1700 قذيفة مسببة جرح 41 إسرائيليا. وبين الأول والسابع من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 نفذ الجيش الإسرائيلي عملية “غيوم الخريف” حيث دخل منطقة بيت حانون واحتل البيوت بما في ذلك بيت عائلة العثامنة، وقام بفرض منع التجول وألقى ما مجموعه 239 قذيفة مدفعية وشن 66 غارة ودمر نحو 1000 بيت، وتعطلت الدراسة لنحو 10500 طالب وقدرت الخسائر بـ23 مليون دولار.

انسحبت القوات الإسرائيلية نهار الثلاثاء السابع من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) معلنة نهاية “غيوم الخريف” وبدأ السكان يتفقدون أقاربهم وبـيوتهم وممتلكاتهم ثم أخلدوا للنوم دون قصف أو غارات جوية أو إطلاق نار. وفي الساعة 5:35 من صباح الأربعاء سقطت أولى قذائف عيار 155 مم على حي المضخة المزدحم بالسكان شمال بيت حانون، ثم تلا ذلك ست قذائف والتي أصابت بيت العثامنة بصورة مباشرة وأدت إلى مقتل 19 مدنيا من بينهم سبعة أطفال وست نساء وستة رجال وهم نائمون وكلهم ما عدا شخص واحد من عائلة العثامنة كما جرح خمسون شخصا في نفس منطقة القصف المحددة ب 800 متر مربع. والنتيجة التي تأكدت منها اللجنة أن عملية “غيوم الخريف” بالإضافة إلى قصف صباح الأربعاء قد أدت إلى مقتل من 77 إلى 82 شخصا من بينهم 39 مدنيا وجرح 250 من بينهم 67 طفلا و 58 إمرأة بينما قتل إسرائيلي واحد أثناء العملية.

واستنتج التقرير أن القصف كان متعمدا وأن فريق التحقيق قد توصل إلى نتيجة مفادها أن هناك احتمالا بأن قصف بيت حانون يشكل جريمة حرب، وعلى إسرائيل والمؤسسة العسكرية أن تتحمل المسؤولية. وقد اقترح الفريق أن تحمّـل المسؤولية يكون بدفع تعويضات لأهالي الضحايا ودفع تكاليف إعادة إصلاح ما دمرته العملية وبناء مصحات وعيادات لمساعدة السكان واقترح التقرير أن يقام مكان بيت العثامنة نصب تذكاري لتكريم الضحايا.

كان الرد الإسرائيلي على التقرير، كالعادة الاستهزاء والتهجم على الفريق ومجلس حقوق الإنسان نفسه واعتبار التقرير متحيزا لطرف دون الآخر. ومما جاء في تعليق ممثل إسرائيل لدى الأمم المتحدة في جنيف أهارون ليشنو يار: “سيحتل هذا التقرير موقعه بين مكتبة التقارير الهائلة التي تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي . وأي قرار سيصدر عن هذا المجلس سيأخذ موقعه أيضا ضمن قائمة القرارات أحادية الجانب التي اتخذها المجلس ضد إسرائيل وتنتهي إلى النسيان. ومن وجهة نظري أن أحدا لن يتذكر إسهامات تلك القرارات أو التقارير في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.

وفعلا هذا ما حدث. لم تقم السلطة بأي إجراء أو متابعة للتقرير الذي انتهى إلى النسيان كما توقع السفير الإسرائيلي.

تقرير غولدستون

لقد أشبع التقرير تحليلا وتمحيصا بعد أن قامت مجموعة أوسلو بحماية مجرمي الحرب الإسرائيليين مقابل صفقة رديئة، تتعلق بمصالح شخصية وخوفا من قيام إسرائيل بفضح أدوار بعض أعضاء تلك المجموعة في الحرب على غزة. وأود هنا أن أذكر مجموعة من النقاط تتعلق بحجم المصيبة التي ارتكبتها القيادة الفلسطينية:
1. لقد كشف التقرير مدى انخراط هذه المجموعة في التفريط بالقضية الفلسطينية. إن أية محاولة لتبرير موقف السلطة إنما يصب لصالح هذا التيار المتهالك على حماية مصالحه الخاصة لا القضية الوطنية.
2. إن إسرائيل كانت واضحة تماما في تهديدها بكشف دور السلطة في الحرب على غزة.
3. . إن ردود الفعل الفلسطينية والعربية يجب ألا تنتهي عند حد اللوم والتقريع بل يجب أن تتحول إلى برنامج عمل حقيقي لإسقاط هذه المجموعة بالطرق السلمية والشرعية.
4. إن موقف حركة حماس لا يصب إلا في صالح هذه السلطة، حيث تحاول الحركة أن تثبت أنها مؤهلة أكثر لاستلام السلطة بدل هؤلاء وهذا ما نختلف فيه جذريا معهم. فعلى حركة حماس أن تعترف بخطيئتها التاريخية عندما تحولت من حركة مقاومة إلى حركة تبحث عن سلطة تحت الاحتلال وضمن السقف الذي حددته اتفاقيات أوسلو. ولتعرف حركة حماس أن الشعب الفلسطيني انتخبها أساسا لأنها حركة مقاومة تشكل بديلا لتيار أوسلو الذي تغول فسادا وتفريطا ودكتاتورية.
5. إن فصائل اليسار الفلسطيني تثبت للمرة الألف أنها فارغة من أي محتوى وما زالت تلعب دورا ذيليا للسلطة رغم ادعائها بمعارضة اتفاقيات أوسلو، وعند المنعطفات الخطيرة تتبع حكمة “قل كلمتك وامش” ويبقى الحال على ما هو عليه.

القضية الآن مهددة بخطر الزوال النهائي ولا بديل عن تشكيل قيادة وطنية بديلة غير مشوهة تمثل كافة التيارات الوطنية لإعادة اللحمة لأبناء الشعب العربي الفلسطيني المدعوم من أبعاده العربية والإسلامية والإنسانية للخروج من هذا المأزق المميت الذي وصلت إليه أعدل قضية في التاريخ المعاصر بسبب قيادات لا علاقة لها بالشعب الفلسطيني ونضاله المرير وجراحه وعذاباته وأسراه وشهدائه.

:::::

* أستاذ جامعي وكاتب مقيم في نيويورك

المصدر: “القدس العريي”، 17/10/2009