عندما يُصْبِحُ التُمَسُّكُ بِالثَوابِتِ الوَطَنِيَّةِ مُثيراً للتقيؤ، والنَقْدُ البَنَّاءُ قَنْصاً،
وشَرَفُ الكلمةِ تُهْمَةٌ وحُبُّ الوَطَنِ جريمَةٌ تَقودُ صاحِبَها إلى ساحاتِ القضاء
بردى يوسف
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2050 )
الأثنين، 7 أيلول 2009
(2)
عزيزي عادل،
يبدو أنني أنسْتُ الكتابة اليك، علَّ وعسى أن يتسع وقتك لقراءة ما أكتب!
استكمالاً لمراسلاتي لك حول ما يُثار من هجمة حول محاربتك التطبيع والمطبعين، وبعد أن تبادر إلى سمعي أن أحد المجالِس في مدينة رام الله، مجلسٌ أقلّ من المجلس التشريعي وأكثر من مجلس طلبة، وبعد أن انبرت الأقلام المُتَكَسِّبَة للكتابة ضد محاربتك التطبيعَ والقائمين عليه، وبعد أن عجِزَتْ كافةُ أشكال الهجوم عن ثنيك عما تقوم به، قرر، أي المجلس، أن يلجأ للقضاء علَّه يجد فيه ضالته.
هذا حوار افتراضي حول ما يُفتَرَضُ أنْ يدور خلال المحاكمة من أحداث بعد أن تَمْثُلَ أمامهم عند استلامك تبليغاً بذلك.
عادة، يقوم القاضي بالاستماع إلى محامي المدعين ومن ثم يستمع إلى المُدَّعى عليه.
محامي المُدَعين |
سيدي القاضي، حضرات المستشارين، أقدم لكم نفسي أنا المحامي فلان الفلانيِّ، أُقرُّ وأعترف أنني أدَّيتُ قَسَمَ الشرف عند التخرج في الجامعة بأن أُدافع عن الحق والعدل والخير والفضيلة. نيابة عن موكليَّ، بعض أعضاء المجلس، أطلبُ اليكم أن توقعوا أقصى العقوبة بالمُدعى عليه المدعو عادل سمارة. اسجنوه! اقتلوه! حرِّقوه!
|
القاضي |
عليك من الآن فصاعداً أن تتوقفَ عن توجيه المحكمة لما عليها فِعْلُه. قلتَ إنك وكيل بعض أعضاء المجلس وماذا عن باقي الأعضاء؟
|
المحامي |
جزء منهم كان واضحاً في مواقِفِه ورفض فكرة اللجوء للقضاء بحجة أنَّ فكرهم يمنعهم من الإقدام على خطوة كهذه، إضافة إلى أنهم يروْن أن التطبيع الثقافي أخطر من التطبيع السياسي وأن على الجميع محاربته. لكن هؤلاء لا يقلقوننا فأمرهم سهل، هناك ألف وسيلة لإسقاطهم في الانتخابات القادمة كي “يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أبيكُمْ”. أمَّا الجزء الثاني فقد تغيب عن جلسة التصويت في المجلس.
|
القاضي |
ولم تغيب الجزء الثاني عن الجلسة؟
|
المحامي |
ربما لديهم أسبابهم!
|
القاضي |
لا، أنا لديَّ تفسيراً مغايراً أكثر عمقاً من تفسيرك توصلت إليه بمجرد النظر في قائمة أسمائهم. هم تغيبوا عن الجلسة كي لا يضطروا لتسجيل موقف على أنفسهم، فأولئك يريدون أن تبقى صورهم لامعة في نظر المواطنين الثوريين وبالمقابل لا يريدون أن يُغضِبوا رؤوساً كبرى في المدينة تريد لهذه المحاكمة أن تُعقَد.
|
المحامي |
كما تُريد سيدي، فلا تعليق لديَّ!
|
القاضي |
وما هو جرم المُدَعى عليه؟
|
المحامي |
جُرمُه أنَّه مُصِرٌّ أن يعيشُ في العصر البائد، إضافة إلى أنَّه مُحرِّض ويتدخل في عمل القائمين على شؤون المدينة على الرغم من أنه يعلم أن المواطنين قاموا بانتخابهم وأن لديهم سلطة مطلقة للتصرف في شؤون المواطنين حتى انتهاء الدورة، والتي بعونه تعالى ستكون غير محدودة كعمر المجالس التي سبقتها.
|
القاضي |
وما يُضيرُ المسؤولين أن يقوم مواطنٌ بنقدهم أو توجيههم، ألسنا شعباً ديمقراطياً عجز الاحتلال عن اسكاته وله تاريخ حافل في مقارعته، أي الاحتلال؟
|
المحامي |
هذا أمرٌ نجمُه أفَلَ.
|
القاضي |
كيف؟
|
المحامي |
سيدي، يبدو أنك لا تتابع الأحداث!
|
القاضي |
لم تصلني لوائح جديدة تقول بأننا لم نَعُد بلداً ديمقراطياً!
|
المحامي |
بلى سيدي، فقد حدث ذلك منذ أمدٍ بعيد، وتحديداً منذ العدوان الإسرائيلي على غزة في 27 كانون أول 2008م.
|
القاضي |
وكيف ذلك؟
|
المحامي |
سيدي، ألم تتابع الصحف المحلية وما ورد فيها من تقارير عسكرية إسرائيلية تلت الحرب تقول بأن الجيش الذي رصده الاحتلال لقمع التظاهرات داخل مدن الحكم الذاتي بقي عاطلاً عن العمل طوال مدة الحرب لأن جهات أُخرى أدت المَهَمَّة؟ ألم تسمع سيدي بأن المواطنين حول العالم خرجوا في تظاهرات احتجاج على العدوان الغاشم وسُمِحَ لهم بذلك وأن المكان الوحيد الذي ساد فيه الأمن والاستقرار هو بلدنا؟
|
القاضي |
بلى، سمعت!
|
المحامي |
سيدي لِنَعُدْ إلى لُبِّ الموضوع، أرفع إلى مقامك لائحة الاتهام ضد المُدّعى عليه والذي يتهمه موكليَّ بالطائفية والتي برزت واضحة في رسالة وجهها للمجلس.
|
القاضي |
أنا فَنَّدتُ الملف وقرأت الرسالة كلمةً كلمة ولم أجد فيها ما يدلُّ على أنه اقليمي أو طائفي أو عنصريِّ.
|
المحامي |
كيف ذلك سيدي؟!
|
القاضي |
هكذا ببساطة! من خلال قراءتي لبعض أعماله وعلمي المسبق بطريقته في الكتابة أدركت من نص الرسالة أنه تعمَّد أنْ يبسِّط لغتها وألا يُضمنها تعبيرات فلسفية، كعادته عندما يكتب، كي يتمكن موكلوك من فهمها، إلا أنَّ كلامك يدُلُّ أنه أخفق في ذلك؛ يبدو أن الرسالة رغم بساطتها استعصت على فهمهم!
|
المحامي |
سيدي القاضي، أقترح أن نعود إلى موضوعنا.
|
القاضي |
ما الذي تُريد قوله؟
|
المحامي |
المدعى عليه قام بتوجيه رسالة إلى المجلس يطلب إليه ألا يقوم بالسماح لموسيقار إسرائيلي أن يُحيي أُمسية موسيقية في قاعة المؤتمرات التابعة لذلك المجلس. كيف يجرؤ على قول ذلك وهو يعلم أن هذا الموسيقار شريك مفكرنا الفلسطيني العظيم الذي نفخر جميعاً به؟! وأن هذا الموسيقار يحمل الجنسية الفخرية الفلسطينية.
|
القاضي |
هل كونه شريكاً لمفكر معروف يمنع أن يقوم أحدٌ بانتقاده؟
|
المحامي |
سيدي، وجهة نظر موكليَّ أنَّ المجلس يقوم بتأجير القاعة للجهة التي تدفع الايجار، وأن أي نشاط تحييه تلك الجهة يبقى شأناً داخلياً لتلك الجهة ليس للمجلس أن يتدخل فيه.
|
القاضي |
هذا يعني أنهم على استعداد أن يؤجروا قاعة المؤتمرات تلك لمن يدفع بدل الايجار بصرف النظر عما سيفعله؟ بكلمات أُخرى لو أراد مهندسو وثيقة جنيف أن يستأجروا القصر ويُحضروا شركاءهم الاسرائيليين وينفذوا حكم الإعدام “بحق العودة” في صرح تابع للمجلس فهذا شأنهم الخاص ولن يتدخل المجلس في الأمر؟ ولو قامت مؤسسة متواطئة مع الاحتلال باستئجار القاعة وأخفت فيها “قوات خاصة” حضرت لاعتقال المواطنين المطلوبين للإحتلال فهذا أيضاً شأن تلك المؤسسة وليس شأن موكليك؟
|
المحامي |
الأمران مختلفان!
|
القاضي |
كيف؟
|
المحامي |
نحن نتحدث عن موسيقى، أتدري ما معنى موسيقى؟ “علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل”.
|
القاضي |
هذا الحديث قيل لأن تلك كانت مهارات الحرب التي يحتاجها المواطنون كي يذودوا عن حياض وطنهم، ولو كان قائلها بين ظهرانينا لحورها بحيث تصبح: “علموا أبناءكم قيادة الطائرة الحربية والمِدفع والرشاش”.
|
المحامي |
الخلاف يدور حول شخصٍ موسيقِيِّ، أتدري عَظَمَة أن يكون الإنسانُ موسيقياً؟
|
القاضي |
وهل كونه موسيقياً ينفي عنه فِكْرَهُ الصهيونيِّ؟ فَمَصَّاصَةُ الدماء كوندوليزا رايس تعزف الموسيقى باتقان شديد! ألا تعلمُ يا أُستاذيَ الفاضل أن المواطن الإسرائيلي العاديَّ يؤدي خدمة التجنيد الإجباريّ لمدة محدودة ولا يعود يربطه بالجيش شيء إلا إذا استدعوه للانضمام إلى قوات الإحتياط عند نشوب الحروب، بينما موسيقارُنا الذي تدافع عن حضوره إلى هنا يقدم الخدمة الإجبارية مدى الحياة لأنه نذر نفسه لتسخير موسيقاه لخدمة قضيته الصهيونية؟ لا، بل هو يقدم الخدمة الإجبارية حتى ما بعد انتهاء حياته لأن الموسيقى شيءٌ باقٍ وخالد وسوف تستمر موسيقاه في أداء رسالته نيابة عنه حتى بعد أن يُغَيِّبه الموت. ألم تقرأ رسالته إبان العدوان الأخير على غزة والتي أجاز فيها المجازر التي ارتكبت ضد أبناء شعبنا معتبراً أنَّ من حقِّ إسرائيل أن تدافع عن نفسها وتصد الصواريخ التي تطلق من غزة؟ كما واعتبر أن إسرائيل موجودة لتبقى. ألم تقرأ كذلك مقالته التي كتبها بعد رحيل ياسر عرفات بعنوان “مات الطاغية”؟
|
المحامي |
ائذن لي سيدي أن أقول لك إنك تخلط الأوراق ببعضها؛ فذلك الموسيقيِّ جاء ليحيي حفلاً موسيقياً وكما تعلم الموسيقى تهذِّبُ الذوق العام وتسمو بمشاعر المستمعين. إضافة إلى أن المجلس وقف عاجزاً أمام الحاح أهالي الأطفال طلاب معهد الموسيقى عندما تبادر إلى مسامعهم أن المجلس ينوي التراجع عن تأجير القاعة لتلك الجهة وبأن الحفل قد يُلغى.
|
القاضي |
ألا تعلم أنَّه قبل أن نُعلم أطفالنا العزف على الآلآت الموسيقية المختلفة علينا أن نعدهم لكيفية استخدام الموسيقى في ايصال قضيتهم للعالم؟ ألا تعلم أنه لو أخطأ الأهالي فمن واجب القوامين على المدينة، الذين انتخبهم الشعب كي يتصرفوا في شؤونه نيابة عنه، عليهم ايقاظ الوازع الوطني في نفوس الأهالي وبالتالي في نفوس الطلاب؟ ألا تعلم أن “الغرغرينة” عندما تصيب الرأس فإن سائر الجسد يفسد؟ ألا تعلم بأن على المجلس أن يتمسك بالثوابت الوطنية كي يكون قدوة للمواطنين وخاصة الأطفال منهم؟
|
المحامي |
إن كنت غير مقتنع بهذه التهمة فلدينا العديد من التهم الأُخرى التي تدينه، فقد أعددنا له مِلَفاً حافلاً بالاتهامات.
|
القاضي |
هاتِ ما في جعبتك!
|
المحامي |
يقول المتهم في رسالته ” … ونود التحذير من مخاطر لا نستطيع منعها. فمعروف أن بلدية رام الله هي بيد عرب مسيحيين (هكذا الاعتقاد وليس اعتقادنا أو موافقتنا)، وحينما تتورط في قضايا تطبيعية قد يجد البعض فرصة لتشويه إخوتنا العرب المسيحيين كمطبعين”.
|
القاضي |
هذه جملة محايدة لا تتهم أحداً بعينه فلماذا اعتبر موكلوك أنها موجهة إليهم؟ أم أنهم ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل “الذي على رأسه بَطْحَةٌ يَتَحَسَّسُها”؟
|
المحامي |
لا أدري لِمَ هذا التحامل على موكليَّ؟
|
القاضي |
هذا ليس تحاملاً إنما نظرة موضوعية للفساد والعشوائية التي تسود المدينة. أتريدني أن أُعدد لك بعض تلك المظاهر التي لا تنتهي؟
|
المحامي |
هذا ليس موضوعنا!
|
القاضي |
بل هو لُبّ موضوعنا. أتستطيع أن تقول لي ما هي الأُسس القانونية التي استند إليها المجلس بالسماح للقائمين على بناء برج في شارع يافا (المتفرع من دوار الساعة) بإغلاق الشارع لما يزيد عن عام أمام حركة السير من أجل انجاز بناء الأساس فقط لذلك المشروع؟ وكيف سمحوا بتحويل الجهة المقابلة، والتي لا يوجد فيها سوى مسلك واحد، بحيث تستوعب حركة السير في الاتجاهين وما ترتب عليه من اختناقات مرورية وتعقيد لحياة المواطنين؟
|
المحامي |
ألا تريد للإزدهار أن يعمَّ المدينة؟
|
القاضي |
بلى، لكن ليس من أجل ان نخدمَ مالكَ مشروع واحد نتساهل معه على حساب عشرات الاف المواطنين. ثم بأي عذر ستبرر قيام الرأسمال الخاص بشراء البيوت القديمة وهدمها وإقامة أبراج مكانها؟ ألا تعلم أن تلك البيوت كَنْزٌ لا يجب أن يتم التفريط به، وأن على المسؤولين سن القوانين التي تُجَرِّمُ مثل تلك الأفعال؟
|
المحامي |
هل تطلبُ من المجلس أن يُعَيِّنَ حارساً على كل مبنى؟
|
القاضي |
لا، لا أطلبُ إليه أن يُعَيِّنَ حارساً على كل مبنى إنما أُريد له أن يؤدي المسؤولية المنوطة به بالحد الأدنى من الاتقان. علماً أن هذا ليس التقصير الوحيد الذي يفعلونه، فلديك على سبيل المثال لا الحصر إقامة موقف للسيارات العمومية ملاصق لمدرسة ذكور رام الله الثانوية.
|
المحامي |
اقامةُ الموقف كانت ضرورة ملحة كي يَحُلُّوا مشكلة الاختناقات المرورية في “دوار الساعة”.
|
القاضي |
كلامٌ سليم! بدليل أن الاختناقات في ذلك المكان ما زالت قائمة، بل ازدادت أضعافاً عما كانت عليه، وكل ما أنجزه المجلس أن حال دون أن يتلقى التلاميذ دروسهم في جو هادئ ومريح.
|
المحامي |
أتريدهم أن يعطلوا مشروعاً ضخماً كهذا من أجل بضعة مئات من الطلاب المنحدرين من طبقة المسحوقين وعامة الشعب؟
|
القاضي |
بل كان يجب أن يقوم المجلس بشراء تلك الأرض وإن لم يستطع توفير ثمنها كان عليه أن يُصدر أمراً احترازياً بتجميد البيع ويضغط على وزارة التربية والتعليم لشرائها وضمها للمدرسة وتحويلها إلى ملعب للتلاميذ أو بناء صفوف جديدة كي يَحُلُّوا مشكلة الازدحام في الصفوف الذي تعاني منه المدارس الحكومية. ثم قل لي ماذا عن العشوائية التي تسيطر على دوار المنارة؟
|
المحامي |
سيدي، أنت تشتت انتباهنا بذهابك إلى قضايا جانبية!
|
القاضي |
هذه ليست قضايا جانبية بل هي قضايا جوهرية تقع في لبِّ مسؤوليات المجلس الذي يبدو أنه لا يكترثُ لحجم العبء الملقى على عاتقه.
|
المحامي |
لا يوجد كفاءات في هذا البلد كي يتم اللجوء اليها من أجل النصح والارشاد حول التصرف السليم تجاه العديد من المستجدات التي تطرأ بشكل يوميّ.
|
القاضي |
بل يوجد الكثير من الكفاءات. هل يستطيع مَجْلِسُكَ أن يقول لنا لماذا لم يستفد من كفاءات على مستوى عالمي لترتيب المدن، وما كان من الذين التقوا أحد هؤلاء المختصين إلا أن أفهموه أن ما يعنيهم هو الخصخصة.
|
المحامي |
سيدي القاضي، لا أستطيع مشاركتك في هذا النقاش الذي بسببه يَمْثُلُ المتهم أمامكم، فهو يزجُّ أنفه في نفس القضايا التي تتحدث أنت فيها.
|
القاضي |
ما رأيك أن تحيلني إلى قاضي القضاة كي يؤدبني؟
|
المحامي |
استميحك عذراً سيدي. كل ما في الأمر أن ما يمدني بالقوة للتحدث بهذا الشكل هو أنني أُمَثِّلُ ممثلي الشعب!
|
القاضي |
وأنا كقاضٍ أكثر منك قوة لأنني أُمَثِّلُ ضمير الشعب. إن لم تتوقف عن الدفاع عن الباطل سأزجُّ بك أنت في قفص الاتهام كي تكون عبرة لمن يعتبر!
|
المحامي |
…
|
القاضي |
إن كنت تعتقد أنت وموكلوك ومن يَقِفُ خلف موكليكَ أنني سأقع في الشَرَك وأزجُّ بالمدعى عليه في السجن كي يقضي كما قضى قبله عدد من المعتقلين فأنت مخطئ! وإن كنت تعتقد أنّي سأُسَلِّمُهُ لِمَنْ “لا يخشوْن الله ولا يرحمونَ من يقعُ تحتَ أيديهم” فأنت جِدُّ مخطئ!
|
المحامي |
لو أنك تتكرم وتعطيني فرصة كي أُوضح وجهة نظري بشكل أفضل؟
|
القاضي |
لن أفعل!
ولن أسمح لك أن تستخدم دراستك وتحول المادة القانونية التي تعلمتها في الجامعة إلى “حقٍّ يُرادُ به باطل”. اذهب يا شاطر والْعَب أنت وموكلوك بعيداً عن هنا. وإن رغبت في مُعاودةِ اتهام المدعى عليه فلا تفعل إلا بعد أن تنفذ قرار المحكمة القاضي بالآتي: حكمت المحكمةُ حضورياً أن يقوم أعضاء المجلس باستئجار شخص “يفهم” كي يقوم بمراجعة كتابات المدعى عليه التي ألفها على مدى عمره، وأن يقوم ذلك الشخص، الذي يفهم، بإستقصاء الحقائق حول سلوك المدعى عليه أيضاً خلال مسيرة حياته وإن وَجَدَ أيّاً من التهم التالية في “سيرته الذاتية”، أو في سيرة أي مواطن آخر مهما انخفض شأنه أو عَلا، فسيقوم القضاء باقتياده إلى هنا مُطَأطِئَ الرأسِ ومكبَّلاً بالأغلال. والتهم المقبولة لدينا هي: 1) أن يكون المدعى عليه قد ساهم في إحكام الحصار على أهلنا في غزة بالقول أو الفعل أو الإحساس. 2) أن يكون دعى إلى أو ساهم بأي شكل في التنازل عن حق العودة. 3) أن يكون أهمل قضايا ما يزيد عن عشرة آلاف معتقل يرزحون تحت نير الاحتلال ولا يجدون من يكترث لقضيتهم أو لمعاناة ذويهم. 4) أن يكون تواطأ في محاربة المقاومة وإنهائها ووصفها بالارهاب. ألم يقُل الشاعر “أنا لا أبكي منْ قاتَلَ، أبكي مَنْ يَبْحَثُ في “الادارة الأمريكية” عن دَوْلَتِهِ”! 5) أن يكون ساهم بأي شكل في تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني أو من يحمل طرحه السياسي وإن لم يكن يحمل جواز سفره. 6) أن يكون صمت عن بناء الجدار الذي حول بلدنا إلى كنتونات. 7) أن يكون صمت عن إقامة مئات الحواجز العسكرية التي حولت حياة موطنينا إلى جحيم وساهمت في تجويعهم وأوصلت نسبة البِطالة إلى 70%. 8)) أن يكون صمت عن بناء المستوطنات حتى الْتَهَمَتْ معظم أراضينا ولم يعد لأبنائنا موطئ قدم كي يشيدوا عليه بيوتاً. 9) أن يكون ترك فلسطينيي القدس يقارعون مِخرَز الاحتلال بأيديهم دون دعمٍ من أي نوعٍ كان. |
عزيزي عادل،
ربما يكون حلماً أن يكون لدينا قضاءً نزيهاً كهذا؛ ولربما يتحول هذا الحلم إلى حقيقة في يوم من الأيام. لكن حتى يأتي ذلك اليوم، على بعض الرجال العظماء أن يدفعوا ثمن مواقفهم الثابتة. لكنني على يقين من “أنك لها” فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
أتْرُكُكَ في رِعايَةِ اللهِ وأَمْنِه.
بردى يوسف