سيستان وبلوشستان..العرق والمذهب والسياسة

فاطمة الصمادي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2055 )

عشية استئناف المحادثات مع الدول الست الكبرى في فيينا بشأن الملف النووي الإيراني،كانت إيران تتلقى ضربة قوية في محافظة سيستان وبلوشستان غير المستقرة، وكما أن الهجوم الانتحاري أوقع 49 قتيلا على الأقل بينهم سبعة من قادة الحرس الثوري بمن فيهم نائب قائد القوات البرية الجنرال نور علي شوشتري وقائد “الحرس” في محافظة سيستان – بلوشستان الجنرال محمد زادة، فإن العملية وجهت ضربات ورسائل تهديد على أكثر من صعيد.

فالضربة استهدفت اجتماعا كان يحضره وجهاء ورموز سنية وشيعية ل “تعزيز التعايش المذهبي” في تلك المنطقة ضمن تحرك سياسي كان يشرف عليه الحرس الثوري لوضع حد لاضطرابات ذلك الإقليم والتي صنفت كواحدة من أخطر التهديدات، واعتبر مسؤولون إيرانيون، ومن بينهم رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان علاء الدين بروجردي، ان الهجوم استهدف التعايش المذهبي، وصولاً إلى ضرب الاستقرار فيها، وما يدعم هذا التوجه أن جماعة “جند الله” التي تبنت الهجوم دأبت على استهداف مراكز ورموز شيعية، وكانت آخر هجماتها الانتحارية أوقعت 25 قتيلاً في مسجد زهدان عاصمة المحافظة في أيار الماضي، وهذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها تجمعا فيه الكثير من السنة وبعضهم من وجهاء المنطقة وشيوخها.

ويأتي التحرك التقاربي بعد أن أعترف مسؤولون إيرانيون بأن هذا الإقليم يشهد إجحافا على كافة الصعد وأن هذه السياسة ساهمت في تعميق حالة الاضطراب وغذت التطرف، ويعتبر الإقليم المحافظة الثالثة من حيث مساحتها، والتي تمتد على 181600 كيلومتر مربع من الأراضي الإيرانية، ويزيد عدد سكانه على الثلاثة ملايين. وبدأت التقارير السياسية والتنموية الإيرانية تعترف صراحة بأن المنطقة تعاني إجحافا تنمويا مثلها مثل مناطق الأطراف إذ أن مشاريع التنمية توجه في الأغلب لمصلحة محافظات المركز.

من المفيد هنا أن نذكر أن مشكلة التعايش العرقي والمذهبي في الإقليم ليست جديدة بل تعود إلى القرن التاسع عشر، حين حاول ناصر الدين شاه القاجاري، أن يخضِع الإقليم البلوشي لسلطته، لكنه لقي مقاومة أفشلت ذلك، إلى أن وصل رضا شاه إلى السلطة في إيران في عام 1928 فقضى على آخر معاقل المقاومة في الإقليم الذي كان يتمتع بالحكم الذاتي.ومع دخول جيش رضا شاه الذي عرف عنه النزعة القومية حتى حوّل اسمه إلى سيستان وبلوشستان، ليكون من يومها مشطورا إلى قسمين بلوشي شيعي (سيستان)، وآخر بلوشي سني (بلوشستان).

ورافق تلك السياسة حظر للقراءة والكتابة باللغة البلوشية، وفرضت الثقافة ألفارسية ومحاربة أنماط الثقافة المحلية.ومنذ عهد الشاه، وإلى اليوم لم تشهد هذه المنطقة الاستقرار.

وإن كان الإقليم ضحية للسياسات فهو أيضا واحد من ضحايا عصابات المخدرات، فالمنطقة باتت جبهة مواجهة بين الشرطة الإيرانية وعصابات التهريب، ودخل الحرس الثوري إلى خط المواجهة مع تأكيدات طهران بأن عمل هذه المجموعات يتجاوز تهريب المخدرات إلى ممارسة التجسس لصالح الغرب ودول أخرى، وتقول طهران أن عصابات المخدرات هي التي تزود الجماعات المسلحة هناك بالمال والسلاح، وفي مقدمتها، منظمة “جند الله”، بعد إحجام عدد كبير من مشايخ أهل السنة عن الاستجابة لدعوات زعيم التنظيم، عبد المالك ريغي، قبل سنوات، بتشكيل منظمة تعمل ضد النظام الإسلامي في البلاد، ولعل حالة الرفض السني المتنامية لجماعة ريغي تقدم تفسيرا لبدء استهداف السنة في عملياتها.

وبدأ البحث في تعزيز التعايش يأخذ تحركا نشطا في الإقليم الذي يشهد عددا لا يحصى من التنظيمات، وبالإضافة إلى جماعات تمارس ألفكر الصوفي، هناك الجماعات السلفية وجماعات تستقي فكرها من جماعة الإخوان المسلمين، ومن أبرزها “ألفرقان” و”حركة الجهاد الإسلامي”.

طهران التي اتهمت واشنطن ولندن بالوقوف وراء الهجوم الذي استهدف اجتماعاً لزعماء العشائر من الطائفتين السنية والشيعية برعاية قادة الحرس ومسؤولين من الإدارة المدنية، وذلك في مبنى بلدية مدينة بيشين المحاذية للحدود مع باكستان وأفغانستان لا تجد في الاتهام مبالغة فهي ترى أن هذه الدول تسعى لإضعاف جبهتها الداخلية للضغط عليها دوليا، كما أنها أرادت توجيه رسالة إلى أن الحرس الثوري، وهو المؤسسة العسكرية والأمنية الأقوى في إيران يعاني من نقاط ضعف كبيرة ويمكن استهدافه وضربه، في محاولة للتأثير على موقع الحرس ودوره الذي تعاظم في الساحة السياسية الإيرانية خلال ما شهدته إيران من أحداث أعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

والضربة تعني في جانب من جوانبها رفع حدة التوتر في العلاقات بين إيران وباكستان، إذ أن الهجمات تنطلق من الأراضي الباكستانية، وتوتر العلاقات يعني نقطة جديدة في سياسة عزل إيران ومحاصرتها، وهذه السياسة ليست بعيدة عن دور مؤثر تطلب واشنطن أن تلعبه إيران في أفغانستان التي أصبحت جبهة أمريكا الأولى.

في المحصلة لا يمكن لأي عاقل أن يفصل ما يحدث في جنوب شرق إيران على الحدود مع باكستان وأفغانستان، عما يحصل في المنطقة من تحوّلات وأجواء شحن توظّف العرق والمذهب في اللعبة السياسية وتجعله وقودا لها.