هند صبري: تطبيع الفن وفن التطبيع

بعد تطبيع العرب بانتظار تطبيع الأكراد

د. عادل سمارة

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2055 )

قرأت خبراً في صحيفة القدس يوم 20 أكتوبر يروي انطباعات ممثلة تونسية اسمها هند صبري (أنا لفقري الفني لم اسمع بها قط) التي دخلت إلى الأرض المحتلة رغم أنف نتنياهو. فهي تقول انها تشعر في فلسطين أنها في بلدها. وأعتقد أن هذا صحيحاً.

ففلسطين محتلة من الصهاينة، وكافة القطريات العربية محتلة من أنظمة ليست منتخبة، فهي كما لو كانت أُنزلت بالمظلات على الأمة.

ففي حقبة العولمة، تغير مضمون الكثير من رواسي المصطلحات، فلم يعد معنى حقيقي للسيادة إلا عند الأقوياء، ولا للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان.

وقالت السيدة “جميل أن اقوم بهذا العمل الوطني من بلد عربي آخر، فأنا ادعم الحرية وأحب الانفتاح على الحوار”.

ترى هل تعرف هذه السيدة معنى هذه الكلمات؟ هل الأرض المحتلة بلد عربي آخر؟ سوى بالمعنى المشار إليه أعلاه، أن الجميع تحت احتلال! وما هي الحرية التي حصلت عليها في مسرح القصبة الذي لو علم مؤسسه (عبد اللطيف عقل) أن هذه التطبيعية دخلته لقرر العودة إلى مقبرة دير استيا! وما هو الحوار الذي تحبه وهو غائب في تونس بين السلطة وابناء الشعب أنفسهم؟

لعل أطرف ما قالته أنها مصرة على زيارة القدس؟ وماذا يا سيدة هند لو رفض الجندي على حاجز قلنديا وركلك على قفاكِ؟ ماذا ستفعلين؟ وماذا سيفعل الذين استضافوكِ؟ هل سيطلقون الدوشكا؟

يقول المثل: “إذا بُليتم فاستتروا”. لقد بُلينا بالتطبيع والاعتراف بالعدو على ارضنا، فما معنى استضافة عرب إلى الأرض المحتلة.

مرة أخرى أستذكر عبد اللطيف عقل مؤسس السراج/ القصبة. فهو يقول للفلسطيني الذي يهرب من الوطن، في ديوانه ” الحسن بن زريق ما زال يرحل” (والحقيقة انني الذي اقترح إسم الديوان في سهرة في منزلي). يقول:

“يكفيك ذل التصاريح

على الجسر

وقوفك في آخر الصفِّ…”

هل هذه هي الحرية التي تلذذت بها سيدة تونس هنا؟ لو سألت نفسها، ألم تشعر بالمهانة والجندي الصهيوني يلكزها برجله كي تقف في الصف على الجسر! أم أن هذه عادة دارجة في الوطن العربي، هكذا رأيت أنا في مطار تونس. وبالتالي فالجندي هو الجندي؟ هل حقا هو نفسه؟

هذا الحديث ليس عتاباً للسيدة، وليس نصحاً لمن استضافوها. هذا عتاب لكل فلسطيني يعرف ما هو التطبيع، وكيف يتم، ومع ذلك يقرر الذهاب للاستماع لهذه ولإلهام المدفعي وعبد اللطيف اللعبي…إلخ. ولا يستمع للروح العربي الحزين لثلاثماية مليون يرزحون تحت عذاب الذل والفقر والتبعية.

قد يقول قائل، نحن نريد الترفيه عن أنفسنا، سواء بحضور حفل موسيقي مثلاً لبرينباوم. ربما. ولكن المفارقة مثلاً، أن برينباوم أُستقبل هنا في القصر الثقافي برام الله رغم أنه كتب عنوان مقالة له حينما توفي الراحل ياسر عرفات: “مات الطاغية عاش الشعب”. أما السيدة هند فكتبت الصحيفة أنها حين رأت ضريح الرجل ، أجهشت بالبكاء؟ أليس هذه صورة سوريالية؟ اين نحن ومن نحن!

معترضة: لم أكن أنا من مؤيدي الراحل ياسر عرفات، وكنت ممن اعتقلته مخابراته. ولأني أعتقلت وهو حياً، فبالتاكيد لم أقبض منه بعد رحيله.

حين اعترضنا على تدنيس القصر الثقافي من برينباوم، اعترض أولياء أمور صبية وفتيات تدربوا على المشاركة في الحفل، بأن المنع سوف يصدم أولادهم نفسياً، وهناك رجال ونساء متعلمون وكتاب ايضا يتألمون إذا لم يحضروا حفلا هنا وآخر هناك، لأنهم مثقفون وناعمون، ونحن أخشاب، لذا يقرروا الذهاب إلى هذه الأماكن لأنهم ذوي ذوق فني عالٍ. نعم شتان بين المخملي وأكياس الخيش، وبطاطين البرش.

نعم ايها السيدات والسادة، نحن نحب ما وصلنا من الحضارة أي فقط “الشبابة والأرغول، والأقل كلفة، التصفير بالفم” لأننا لم نصل ولن نصل بعد البيانو. ولم نتحدث الأعجمية. ولكن بإمكانكم مشاهدة فضائيات والاستماع للكثيرين من بيتهوفن إلى بول روبصون إلى مادونا التي تحتقر العرب إلى المرحوم “الشهيد” مايكل جاكسون، الذي قاده فنه الطبقي العالي إلى مضاجعة الأطفال.

معترضة أخرى: كانت هناك فرقة “فنية” عام 1975 في القدس ورام الله اسمها البراعم، وذات ليلة اقاموا حفلا في مبنى جمعية الشبان المسيحية في القدس، وكنت محظوظاً بالحضور، فقد كانت تلك فترة نشاط مسرحي/فني…الخ دون تمويل ولا حتى من م.ت.ف وكنت من المتابعين. كتبت نقداً على الأداء زعمت فيه أنهم خلطوا في عملهم موسيقى الرحابنة بموسيقى غربية…الخ. ذهبوا إلى السيد سليم تماري المحاضر في جانعة بير زيت ، ليرد عليَّ، وكتب رداً نشرته أنا نفسي في جريدة الفجر التي نشرت فيها مقالتي. قال سليم في مقالته: “أصلاً، عادل سمارة فلاح لا يفهم في الموسيقى”. رددت عليه فعلقها طلبة جامعة بير زيت على الجدران واسموها “حرب البراعم”.

ليكن للعالم الرومانسي ما يريد، ولكن ليس بالتطبيع.

ولكن، ليس واجب الفلسطينيين وحدهم رفض استقبال هؤلاء، بل إن واجب القوى السياسية والنقابات والجمعيات واتحاد المرأة في تونس والوطن العربي مقاطعة هؤلاء. فالمعركة واحدة والوطن واحداً .

بقي لزوم الإشارة لنقطتين:

□ قالت السيدة أنها “صوتت لصالح رئيس تونس من رام الله”! جميل، ليس للمعارضة حتى “المسموح بها” فما بالك غير المسوح بها مثل “التجمع الوطني الديمقراطي، ترى هل تعلم هذه السيدة كم عدد سجناء الرأي في تونس طالما تعشق الحرية؟ أم أن تونس كأي بلد عربي (تونِسَيْنْ)، واحدة للنظام، وهي نخبوية، وواحدة للناس الذين الله يعينهم. كنت أتوقع بعد أن رأت حالنا أن تقول: وامعتصماه!! وهل تعرف هذه السيدة أن الاقتصاد التونسي، جرى شرائه من الشركات الأميركية، وأنه حتى العجوز الشمطاء فرنسا التي “ضاجعت” الاقتصاد التونسي منذ عام 1839، تبكي حظها العاثر حيت تتغلل الشركات الأميركية مكان شركاتها، أما الشعب التونسي، فإلى المجاعة سِرْ!

□ والثانية، أن على أهل الأرض المحتلة أن يتوقعوا جراد التطبيع القادم من مشرق الوطن ومغربه. فهناك وفد من كردستان سيأتي عبر نفس الجسور، “ليتضامن” مع الأسرى الفلسطينيين! لقد وصل التطبيع أجساد الأسرى! أليست كردستان العراق اليوم قاعدة للصهيونية؟

دعوني أذكر عبد اللطيف عقل مرة أخرى، لا سيما ديوانه: “الأطفال يطاردون الجراد”، فهل بقي في الأرض المحتلة أطفال ليطاردوا جراد التطبيع؟

معترضة أخيرة: آمل أن لا يكون هناك محامٍ تطبيعي يلتقط عبارة من هذا المقال ليرفع دعوة ضدي. وبالطبع سيفعل لأن وراء ذلك نقود كثيرة! فكيف لأعرابي مثلي أن يتطاول على التطبيعيين!

إعلان غير مدفوع الأجر، لوجه الله والوطن

سالني ذات مرة فنان تشكيلي أردني من آل الزعبي: هل لديك أية وثيقة تؤكد أن المسرحي الفلاني كان قد مارس التطبيع مع الكيان الصهيوني؟

قلت: لماذا؟

قال: لأنني قلت عنه تطبيعياً وبأنه اقام فرقة مسرحية بتمويل تيدي كوليك رئيس بلدية القدس الغربية المحتلة، (لاحظوا هناك قدس شرقية غير محتلة هي عاصمة الثقافة العربية)، وأن هذا المسرحي رفع ضدي قضية في محكمة أردنية؟

كان هذا قبل تسعة أعوام في عمان حيث قدمت أنا عادل سمارة، ورقة في احتفالية (عمان ـ عاصمة الثقافة العربية). لذا، أطلب ممن عاصروا المسرح وخاصة ما بين 1967-1978 تزويد كنعان الإلكترونية بأية معلومة موثقة عن الذين تعاونوا مع تيدي كوليك.

هل نختم بقول الشاعر:

حطاماً غدا الركب المروَّع يا هندُ               فقد ظفر الواشون وانفرط العقدُ