شدو العندليب في حضرة السيف: كتابنا يناقشون أدب العقيد القذافي!

د. أحمد الخميسي

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2062 )

كتبت نشرة أخبار الكتاب الصادرة عن اتحاد الكتاب المصري في عدد أكتوبر الحالي أن مدينة سرت الليبية استضافت المؤتمر 24 للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وأقيمت خلال المؤتمر مائدة مستديرة حول ” أدب الكاتب معمر القذافي “. الكاتب هو ذاته الرئيس الليبي. وقدم د. مدحت الجيار أستاذ النقد الأدبي بحثا في الموضوع بعنوان ” قراءة نقدية في الكتابة الأدبية لمعمر القذافي “. بينما فضل الناقد شوقي بدر يوسف أن يتناول أدب العقيد معمر من زاوية أخرى فقدم بحثا عن ” جماليات النص القصصي ” لدي العقيد القذافي.

وبالطبع ما زلت أتمنى لو نشر الناقدان المصريان هذه الأبحاث القيمة في مجلاتنا الثقافية بالقاهرة ليستفيد منها كتابنا الشباب ويتعرفوا إلي ” الكتابة الأدبية ” و ” جماليات النص” وليتعرفوا عامة إلي أدب العقيد ليكون ركيزة لهم في التطور والتجديد والإلمام بالأساليب الأدبية الحديثة.

وقد سبق للتلفزيون الليبي أن نقل ندوة مماثلة تحدث فيها الكاتب فؤاد قنديل عن الموضوع ذاته. وأتساءل حين أقرأ أخبار ذلك النقد الأدبي: ترى ما الذي قد يغنيه العندليب في حضرة السيف؟!. وما الذي يكسبه ناقد مصري من عمل كهذا؟ وبالأحرى كم قد يكسب الناقد من عمل كهذا؟!. ولا أظن أن العقيد يصدق ما يقوله أولئك النقاد، ولا أن النقاد يصدقون ما يقولونه، أما القراء فهم بالتأكيد لا يصدقون لا هذا ولا ذاك، ويكتفون بمصمصة شفاهم حسرة على الأعمال الأدبية الجادة التي تظهر عندنا ولاتجد أدني التفات أواهتمام من النقاد أعضاء اتحاد كتاب مصر، ولجان المجلس الأعلى للثقافة، وغير ذلك.

واهتمام ” نقادنا ” بأعمال العقيد قديم، فقد نشرت هيئة الكتاب مجموعة القذافي القصصية المسماة: ” القرية القرية الأرض الأرض وانتحار رائد الفضاء ” وقدمها د. سمير سرحان رحمه الله في احتفالية كبرى عام 1997 بمعرض القاهرة الدولي للكتاب. وغرام الرؤوساء بالأدب قديم، لأن لدي معظمهم حلما بأن يصبح رب السيف والقلم معا، وأن يمزج صوت الجلاد بصوت الضحية في لحن واحد، وأن يغدو في الآن نفسه قلب الطائر الرقيق وفولاذ البندقية البارد. ومن قبل كتب هتلر كتابه ” كفاحي “، أما الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكاردستان فكان – حسبما نشرت الفيجارو الفرنسية – يفكر في كتابة رواية عن قصة حبه لأمرأة مجهولة. الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر تجاوز التفكير إلي العمل وطبع بالفعل رواية بعنوان ” عش الدبابير “. الملك فاروق اكتفى بهواية جمع الطوابع، الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كما قال هيكل ذات مرة فكر في كتابة رواية لكن مشاغله عاقته، لأنه كان صادقا مع مشاغله الوطنية. السادات كتب جانبا من حياته في كتابه ” البحث عن الذات “، ويكتب عدد كبير من الزعماء العرب القصائد بينما يمتطون الخيول في رحلات القنص. لكن أحدا لا يستطيع أن يدرج كل ذلك الهراء الرئاسي في خانة الأدب بحيث يحمل البعض حقائبه مسافرا إلي آخر الدنيا ثم يجلس ويقرأ بحثا عن شي من هذا. وقد حصل الرئيس السوفيتي السابق ليونيد بريجنيف على جائزة لينين في الأدب عام 1979 عن ثلاثة أعمال لم يكتبها هي ” الأرض الصغرى “، الانبعاث “، و” الأرض البكر “، هذا في الوقت الذي كان فيه الأديب العظيم سولجينتسين مطاردا ملاحقا. وبهذا تجاوز بريجنيف أحلام القياصرة التي انحصرت في شراء قلم الشاعر إلي دمج الشعر والمقصلة في بنيان واحد. لكن التاريخ الذي لا يرحم أحال بإيجازه كل تلك الأعمال الأدبية إلي مجرد نكتة، كتلك النكات التي انتشرت في روسيا حين أعطى بريجنيف بنفسه لنفسه جائزة الأدب عن كتب لم يكتبها. وجاء في إحدى أشهر تلك النكت أن بريجنيف استدعي رئيس الوزراء السوفيتي وسأله عن رأيه في كتابه الأخير ” الأرض البكر “، فقال له رئيس الوزراء: كتاب عظيم يا رفيق. فنظر إليه بريجنيف متسائلا: إذن يستحق أن أقرأه؟!. وفي حينه ألزمت الدولة المدارس والمؤسسات الحزبية والوزارات بشراء كتب بريجنيف حتى أن مكاسبه منها تجاوزت 15 مليون روبل! وظهر في ذلك الزمن نقاد يجتمعون ويناقشون بجدية وبمصطلحات نقدية الجوانب الجمالية في إبداع الرفيق، ويقدمون قراءات نقدية لأعماله! أما التاريخ فلا يستبقي من كل ذلك سوى ابتسامة ساخرة.

أسأل مرة أخرى: ما الذي قد يغنيه العندليب في حضرة السيف؟

:::::

أحمد الخميسي. كاتب مصري

Ahmad_alkhamisi@yahoo.com