مناهضة التطبيع واجب عربي: أما دور الفلسطيني ف …المقاومة

د. عادل سمارة

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2078 )

رغم ان التطبيع مقصود به اساساً، وهكذا يُفهم وهو الدارج، بأنه بين فلسطينيين والكيان الصهيوني، إلا أن هذا يتضمن جهلاً بأسس الحقائق، وتناقضاً صارخاً ينم في الحقيقة عن انهيار سقف الكثير من الفلسطينيين ساسة ومثقفين وغيرهم بمعنى أنهم استسلموا للعدو وفتحوا ثغرة لعرب كثيرين كي يمارسوا جرائم التطبيع جرياً على طريقة هؤلاء الفلسطينيين!. ذلك لأن المقصود بالتطبيع العرب اساساً ومنطقياً وليس الفلسطينيين، أو هكذا يجب إذا مشت الأمور على اقدامها.

والحقيقة أن مناهضة التطبيع بدأت كموقف عربي ضد الكيان وليس كفلسطيني، لأن المفترض مبدئياً أن لا يقوم الفلسطيني بالتطبيع بل بالمقاومة. اي بمعنى أن لا منطق أن يُقال للفلسطيني لا تقم بالتطبيع لأنه، اي الفلسطيني تحت الاحتلال وكامل وطنه مغتصباً، ولذا، فهو في خانة المقاومة بالفطرة والموقف ولذا يجب أن يكون في المقاومة بطبعه. ولكن تطورات الوضع السياسي الفلسطيني وصلت بالكثير من الفلسطينيين ولا سيما خاصرتي فلسطين (السياسية والثقافية) إلى استدخال الهزيمة وتسويقها وتغطية ذلك ببطولات وعنتريات جوفاء، رغم أن الاحتلال ليس على الأرض وحسب، بل يكاد يكون في بطنها.

بدأ موقف مناهضة التطبيع وتبلور هذا المصطلح في أعقاب قرار النظام المصري مجسدا، حينها 1978-79- في أنور السادات الذي زار القدس المحتلة وزعم أنه إنما قام بكسر الحاجز النفسي مع الكيان. هذا وكأن الصراع هو بين جيران طبيعيين، وكأن لا وطن مغتصب، وكأن الأمر خلاف على هدف كرة قدم، أو ذهاب شخص للصلاة بلا وضوء.

وفي هذا تبخيس للقضية وتلاعب بوعي وذاكرة الشعب والأمة، بل والعالم بأسره. وهو بالطبع الأمر الذي أدى آنذاك إلى نقل جامعة الدول العربية إلى تونس، وتشكيل جبهة الصمود والتصدي حتى من الأنظمة العربية.

حتى تلك اللحظة كان ما زال الافتراض بالدور المقاوم للفلسطيني وارداً. ولم يتنبه الكثيرون أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية كانت “تغازل” أنور السادات، ولم تقطع الصلات بنظامه، إلى أن تورطت في مواقف مشابهة سواء إعلان استقلال بلا استقلال، ولاحقاً المشاركة في مؤتمر مدريد ومن ثم توقيع اتفاق اوسلو، الذي هو اعتراف بالكيان وترتب عليه التطبيع مع الكيان، وحتى وقف المقاطعة التي مارستها الانتفاضة الأولى داخل الأرض المحتلة! واذكر أنني للأسف كنت الوحيد الذي كتب ضد إنهاء المقاطعة عشية وصول سلطة الحكم الذاتي، وقد رد عليَّ أحدهم بأنني لست مع السلام، ولا أفهم لغة السلام. ولسوء الحظ كان من قادة حزب يساري!

والحقيقة ان وقف المقاطعة هذا، كان مثابة فتح الدرفة الأولى لبوابة التطبيع، هو المدخل لتوطين التطبيع من قبل قيادة سلطة الحكم الذاتي. فإعلان وقف المقاطعة كان بوضوح اغتيالاً للانتفاضة وتهيئة فلسطينيي الضفة والقطاع للتطبيع مع الكيان الصهيوني وصولا إلى وقف المقاومة كما هو الحال اليوم (بشكل نسبي في الضفة الغربية) ومشاغلة الناس بدولة او شبه دولة، اليوم أو بعد عامين…الخ. وباختصار إشغال الناس بالدولة بدل المقاومة والعودة. لعلها المرة الأولى في التاريخ أن هؤلاء الفلسطينيين:

* أعلنوا الاستقلال من تونس

* ويؤكدون أنهم سيعلنون دولة تحت الاحتلال

* وأجروا إنتخابات تحت الاحتلال

ولم يبق إلا ان يعلنوا أنهم “إحتلوا الاحتلال”. فأي إبداع سياسي هذا ؟

ولكي نحفظ للناس حقوقها ومساهماتها ونضالاتها، فقد كانت مناهضة التطبيع هي رد القوى الوطنية والرد الشعبي المصري على اعتراف النظام بالكيان، وما زال الموقف على حاله شعبيا لا سيما بعد فتوى البابا شنودة بتحريم التطبيع، يناقضه الموقف الرسمي.

بعد ذلك كانت اتفاقية أوسلو ومن ثم وادي عربة بين الأردن والكيان مما فتح الدرفة الثانية لبوابة التطبيع، وهي الأوسع نظراً للعلاقة الشعببية والجغرافية الأوسع والأعمق بين الأردنيين والفلسطينين. وعليه تبلورت حركة مناهضة التطبيع في الأردن وما زالت تقوم بدورها. إلا أن موقع الأردن من جهة، وقيام فلسطينيين باحتراف التطبيع واعتماده كموقف وعقيدة وبالطبع مصالح من جهة ثانية، أدى إلى حدوث اختراقات كبيرة في جبهة مناهضة التطبيع، وهي الاختراقات التي نلمسها اليوم في قيام أعضاء من نقابات في الأردن بدخول الأرض المحتلة في زيارات سياحية فردية ومن أجل متع شخصية ومكاسب مالية، لا علاقة لها بتضامن مع أهل الأرض المحتلة. واي تضامن لمن يأتون على نفقة المانحين الأجانب ويتنعمون في أكثر الفنادق كلفة، وهي مناخات سياحية بمقصد سياسي لا تتوفرلهم في اي مكان في العالم، ولا يلقون اي اعتبار في اس مكان سوى في الأرض المحتلة لأنهم ينفذون أجندة الاحتلال نفسه! ومن كان سيدفع تكاليف سفر وإقامة عضو في هذه النقابة أو تلك لو زار الرباط او باريس مثلاً!

لم يبق لنا سوى الاستنتاج، أن هؤلاء المطبعين عربا وفلسطينيين، إنما يقولون لا مباشرة، وغدا سيقولوها:

“إنتهى، لا فلسطين ولا حق عودة، ولا حتى دولة ذات سيادة في رام الله…أتركونا من اي جهد…تعبنا…دعونا ننام في أحضان الاحتلال والإمبريالية”.

قد يعتقد البعض أن هذا قول شاعر متشائم. كلا. لقد قالها لي كثيرون من هؤلاء في جلسات شخصية.

وكما أشرت في مقال سابق، فإن الخلل الأساسي في الساحة الفلسطينية أقصد الوطنية، أن مقاطعة الاحتلال ومناهضة التطبيع قد تأخرت هناك كثيراً مما وفر مناخاً خصباً للمطبعين بأن يقوموا بكافة معاصي التطبيع إلى درجة أصبحت تبدو معها المسألة عادية جداً، وهذا قاد إلى تشويه محلي في الوعي الوطني، وإلى إغواء وإغراء عرب كثيرين كي يمارسوا التطبيع.

وبلا مواربة، فقد تأخر مناهضو التطبيع في الأرض المحتلة عن الفرق العديدة من المطبعين، بغض النظر عن كون المطبعين يملكون الإمكانات على صعيد عالمي، ويُمْلَكون من قِبَلْ اصحاب هذه الإمكانات.

من هنا أهمية تنبه الموقف الشعبي العربي ليقف ضد الموقف الرسمي العربي. فليس الأمر مجرد مطالبة العرب بعدم دخول “مذلَّة” الأرض المحتلة، وأن يكتفوا بالذل اللاحق بهم من أنظمتهم. بل أن لا يطبعوا مع أنظمتهم بسبب ديكتاتورية الأنظمة القُطرية وبسبب تصالحها مع الكيان الصهيوني، وبسبب خضوعها لتعليمات المركز الإمبؤيالي في الغرب الراسمالي.

قد أختم هنا بما رددته مرات عدة، بأن الدولة القُطرية إنما تفرض حرباً أهلية على الشعب العربي بالقمع ووأد الحريات وبالتبعية والتخلف والفساد والمحسوبيات…الخ. فيكفيك اخي العربي أن ترفض الغوص المتواصل في “اسطبلات أوجياس” هذه، لأن ما في اسطبلات التطبيع أكثر!