يحيى أبوصافي – القاهرة
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2088 )
علق أحد الظرفاء المصريين على إستضافتي لصديقتين من الشقيقة الجزائر قبل رحيلهما عن المحروسة مصر بقوله: ( من دخل دار أبوصافي فهو آمن)، وذلك بعد مباراة كرة القدم التي أطلق عليها على سبيل الخيبة..ليس إلا، ( واقعة أم درمان)!
في البدء تناولت الموضوع على محمل الظرافة.. ومع تسارع الأحداث المشوبة بالإدانات والإتهامات من كلا الشعبين الشقيقين، إمتد التشويه والعبث (المنظم) عبر وسائل الإعلام، ليحط وبشكل جنوني في قلوب الناس ولتشتعل نار الكراهية بين ناس بسطاء، بالكاد يتذكرون ان ثمة ترف يسمى رياضة كرة القدم.. ناس – يادوب- يتذكرون رياضتهم اليومية بالركض وراء لقمة العيش، في كلا البلدين.
لم يقع قتلى أو إصابات ( تستحق كل هذا اللطم) في البلدين الشقيقين، والحمد الله رب الشعبين المسلمين أنه لم بحدث هذا..
وهذه حقيقة اولى يجب إدراكها.
وفي مقال نشر في مواقع على الأنترنت، لعلي الهواري ومعنون ب(عفواً بوتفليقة) عمد فيه الكاتب إلى عقد مقارنات غير دقيقة بين المذابح التي أذكتها نار السلطة والفكر السلفي الكذابين في الجزائر، وتداعيات مبارة كرة القدم التي بين مصر والجزائر!!
وقد ساق كاتب المقال مجموعة من البراهين مستنداً إلى كتاب ألفه (ضابط) وصفه الهواري بالتائب، وحشر مضامين الكتاب (حشراً) في تحليل غاضب ومتوتر لما جرى بين شعبين عربيين (أتمنى لهم جميعاً السلامة من السقوط في فخ الإلهاء والعبث المنظم) من قبل بطراني الدولتين.
ولا أظن ان أي سيدة أو رجل جزائري ممن عاصرو شلالات الدم، وأكتتو بنار القتل بإسم الله والعسكر يرغبون إن تحشر ذاكرتهم المفخخة بكارثة الفقد واللوعة ب(ماتش كورة)، أياً كان السبب..ولا ننسى ويأخذنا الصراخ وجلد) أخو فلان وإبن علنتان) عما يحدث للأهل في فلسطين والعراق من قتل يومي معلن على ذات الشاشات، وصفحات الجرائد التي نشرت – ولا زالت تنشر- تلك تداعيات الخيبة العربية في أم درمان.
يكاد عام 2009 أن ينتهي على مشهد عربي غاية في السوء، لم يتمنَ أي منا أن يكون أحد عناصره الفاعلة، المتفاعلة، والمفعول فيها، وأرجو ان ينتهي الآن ونحن في نوفمبر منه قبل ان نصحو على حدث آخر في أي بلد عربي.. فلا شعوب عربية تدرك جحيم الآتي بكل ثقله الإمبريالي الصهيوني.. ولا دول تتنبه للكوراث الأنسانية التي يكتوي بها الناس هنا وفي شتى البلاد العربية والتي قاربت نسب الفقر (الممزوج بالذل والمهانة اليومية ) فيها إلى مستويات تقترب من موات طموحات وأماني الإنسان العربي بأقلهَ..حياة كريمة، ولقمة حلال! وبأكثره مقاومة مستلبيه، ومستبديه.
كيف لنا الآن أن نتشدق بعروبة ؟
وما الذي يجمعنا بعد كل هذا التشويه الولداني بالعروبة، غير مفاهيم خاوية ينخرها سوس العصبيات القبلية، الوطنية، القومية، الطائفية، الحزبية، الإقليمية، المذهبية.. حتى بتنا على قاب قوسين او أدنى من داحس (تلهث الآن خلف كرة وعلم وأقدام مرتبكة، وتحاول أن تسجل هدفاً يرفعنا من قيمة اللاشئ إلى أي شئ حتى وإن كان ذاك الشئ وهمي، متبخر، وأجوف).
كيف للجماهير العربية أن تلعب دورها الحقيقي في التصدي للمشروع الإمبريالي الصهيوني في البلاد العربية بينما تكدست مثل البضائع منتهية الصلاحية حول فضائيات غيرت إعلانتها ( بإبعث رسالة وإشتم أخوك العربي ببلاش) قمة العيب! والله
ثم عن أي عروبة نتحدث ومشروع التحرر العربي يمسخ أمام أبصارنا وضمائرنا، ذاك المشروع الذي طالمنا حلمنا به محرراً، وبانياً لنهوض حقيقي وديمقراطية حقيقة..ذات المشروع/الحلم، الذي حملت لوائه مصر والجزائر، والأمة العربية بأن يبقى السلاح صاحي خلف مزياني مسعود ( احمد بن بيلا) وجمال عبد الناصر، ليتحول إلى ميادين لكرة تقفز ويقفز معها ملايين الشباب والصبايا المرهونون للعبث..والعبث فقط .
اية روابط مقدسة تجمعنا ونحن نرى أن الله قد إنقسم إلى مشرقي، ومغربي في مشهد عبثي على ساحل المتوسط العربي، والكل يتضرع إلى السماء ليقول يارب..إلى درجة أن الرب (الواحد الأحد) قد إحتار لمن يمنح مباركته بالذهاب إلى جنوب أفريقيا، وعن أي روابط لغة تجمعنا وقد تحولت اللغة إلى شتائم يتبارى الجميع في نحتها وإلباسها لتاريخ الشعبين العربيين..ولن أسرد قائمة الشتائم..للتعفف ليس إلا.
لماذا لا نصر أن نشيح بوجههنا عما يجري الأن في بعض الدول العربية المهددة حقيقةً (داخلياً وخارجياً) ويكفي أن ناخذ اليمن كبلد عربي ظل حاضنة دافئة للثورة الفلسطينية في أحلك ظروفها، وللمقاومة العراقية في التكالب الأممي عليها، كي ندرك حجم المخاطر التي تحيق بالإنسان العربي من محيطه إلى خليجه. فاليمن يكاد ينقسم إلى جنوب محتج ووسط مضطرب وشمال تتفجر جباله بقذائف الأهل والأهل المضادين للأهل، ليسقط مئات القتلى ويتشرد الآلاف.. يمن ينقسم إلى ثلاثية يختلط فيها القبلي بالمذهبي بالإيدولوجي.. ليسود فيها القتل والتشريد بسم الله والعصبيات القبلية، أليس الشعب العربي هناك هم أهلنا وأبناء جلدتنا، هل نلتفت للصومال- على أعتبار أنه بلد عربي- وما يحدث به من كوارث حقيقة من مجازر، وجوع، وفساد..هل نلتفت لفلسطين والعراق، ولبنان وسوريا والأردن ومصر والجزائر والسعودية والسودان والجميع الآن (أنظمة وشعوباً) تحت نار قناص أمريكي يرابط (كعزرائيل) في أباتشي أو هامر او فرقاطة؟
هل نلتفت ولو قليلاً لجولات نتنياهو، ولبرمان، وباراك في عواصم العالم وهم يمهدون لمرحلة جديدة تتطلب منهم الحراك الهادئ والمنظم لإقناع الحكومات الغربية، بمزيد من الحصار والتدمير والإستيطان، ليمتد حراكهم إلى دول أمريكا اللاتينة والتي لن تظل صديقة لقضايا الأمة العربية طالما نحن أعداء لذات القضايا.
جراحنا تتعاظم.. ونحن نلهو بنبش الجراح فقط لكي نعبث.. أليس فينا رجل عاقل؟!