عمان: 27/11/2009
(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2090 )
بعد الاعلان عن حل مجلس النواب الأردني الخامس عشر, وتجديد الثقة بزيد الرفاعي، رئيسا لمجلس الأعيان، (الذي سبق وأن اطاحت بحكومته هبة نيسان المجيده)، انطلقت الماكنة الاعلامية الرسمية وكتابها في حملة مديح واسعة لهذه الخطوة، وهي الماكنة الاعلامية نفسها, التي سبق وشنت حملة واسعة ضد المعارضين الذين وصفوا المجلس المنحل بالمجلس المزور، ودعوا لإجراء انتخابات نزيهة, وفق قانون انتخاب ديموقراطي يمثل ارادة الشعب. وسبق وأن حذروا من ان يتحول هذا المجلس الى ساحة للصراع بين مراكز الفساد المختلفة، وهو ما حصل فعلا.
وفي سياق حل المجلس النيابي هذا، تتوقفالمبادرة الوطنية الاردنية لتضع بين يدي احرار الاردن الملاحظات التالية:
1. أن مصير مجلس النواب ، مرتبط بالرغبة والأرادة الملكية، كما ينص الدستور الأردني في مواده ذوات الارقام 25 ،34 ، 68 ،73، و124.
2. ان قرار حل المجلس الأخير، والذي جاء وفق للمادة 34، التي تعطي الملك حق اصدار الأوامر الملكية، بأجراء الانتخابات, أو حل البرلمان، لم تتضمن أية حيثيات تفسيرا لهذه الخطوة.
3. أن حل مجلس النواب قبل انتهاء مدته الدستورية، كان ولا يزال تقليدا ثابتا في السياسة الرسمية الاردنية، كلما وجدت هذه القيادة، ضرورة لإنفاذ مشاريع قوانين، أو توجهات محددة، أوكلما حجب المجلس الثقة عن الحكومة ، أو اعترض على الموازنة العامة. ولهذه الأغراض، حلت اربعة مجالس تشريعية في عهد الأمارة (1921-1946)، منها المجلس الأول (1931)، والثالث (1937)، والرابع (1940) والخامس (1945). واستمرت هذه السياسة في عهد المملكة الثانية والثالثة، حيث تم حل ستة مجالس, وهي المجلس النيابي الثاني (1951) والثالث والرابع والخامس، كما حل المجلس السابع (1963) والذي لم يعمر سوى أربعة أشهر، بسبب عدم منحه الثقة لحكومة سمير الرفاعي آنذاك، وكذلك حل المجلس الثامن (1964) واستمرت هذه السياسة ايضا، بعد هبة نيسان (1989)، وذلك لتمرير أجندة اقليمية كمعاهدة وادي عربة, أو لتمرير مشاريع قوانين في خدمة قوى التبعية، حيث تم حل المجلس الثالث عشر عام (2001)، والمجلس الخامس عشر عام (2009) في عهد المملكة الرابعة.
4. أن قانون الصوت الواحد، والذي صدر أصلا بقانون مؤقت، جاء لإعطاء شرعية مزيفة ” لمعاهدة وادي عربة”، واستحقاقاتها مع العدو الصهيوني. مما اسقط عن الدولة الاردنية صفة دولة القانون واستحقت صفة دولة القوانين المؤقتة, وغير الشرعية.
هذا وقد جاء قرار حل مجلس النواب الخامس عشر فاقدا لذكر الأسباب الحقيقية لهذه الخطوة. وعليه فأن المبادرة الوطنية الأردنية، تجتهد لتفسير هذا القرار ضمن السياقات التالية:
· انجاز مشروع قانون ( البرلمانات المحلية المفترضة)، تحت غطاء اللامركزية الادارية، وهو الوجه الأخر لمشروع الاقاليم، الذي سبق وأن رفضه الشارع الاردني، كونه يصب في خدمة مشروع تفكيك الدولة الأردنية، في سياق مشروع الشرق الاوسط الجديد، الذي سيفتت المنطقة, ويحولها الى كنتونات تديرها الدولة الصهيونية, مما يستوجب اصدار قانون انتخابات مؤقت لهذا الغرض.
· تمرير المزيد من القوانين المؤقته بدون رقابة.
· انفاق وتبذير مالي سيرافق الحملات الانتخابية, هدفه تلويث المناخات العامة، بشراء الذمم والرشوات، والمساهمة في امتصاص جزء من الأزمة العامة بالانفاق على الدعاية والاعلان والولائم والحملات المختلفة.
· محاولة القيادة السياسية الهروب من الأزمة المركبة, الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المستفحلة, والتي تعيشها البلاد، حيث تذكرنا بمحاولتها الهروب من الاستحقاقات الحقيقية لهبة نيسان (1989)، والتي هدفت الى:
1. إحداث تغيرات ديموقراطية حقيقية.
2. صياغة خطط تنمية وطنية ، عبر تحرير الثروات والموارد، واستثمارها في بناء اقتصاد منتج.
3. الانتقال بالدولة والمجتمع من سمة الاستهلاك الى الانتاج.
4. وعلى الصعيد الاقتصادي كان الشعب في الاردن قد اكتشف ان الخزينة خاوية، واحتياط الذهب في البنك المركزي مباع، والمديونية بلغت، بحسب التصريحات الرسمية، حوالي ستة مليارات دينار.
5. وعلى الصعيد السياسي، انعكست الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1990)، بمأزق حقيقي على القيادة السياسية الاردنية، وما تلاها من قرار فك الأرتباط مع الضفة الغربية.
6. وتكمن أوجه المقاربة بين الحالتين، (هبه نيسان وحل البرلمان الحالي) بمحاولة تنفيس الاحتقان وإدارة الأزمة، بدلا من حلها، وتعمد صرف الانتباه عنها بإجراء انتخابات ستكون رشوة للنخب السياسية، دون أن تقدم حلولا حقيقية للأزمة الاقتصادية بخاصة والأزمة الوطنية بعامة.
تتجلى الأزمة الاقتصادية الاردنية الخانقة، في العجز غير المسبوق في الموازنة الحالية، والعجز المصاحب في ميزان المدفوعات، و تداعيات الازمة الإقتصادية العالمية وانعكاساتها بقوة على الاقتصاد الاردني. كما أن المناخ في الاردن مهيأ لهذا التدهور, بسبب طابعه الاستهلاكي التبعي القائم داخليا, على الضرائب غير المباشره والمفروضة على الطبقات الشعبية ، وخارجيا على تحويلات المغتربين التي تتراجع باستمرار, وعلى المساعدات الامريكية التي تتمركز في الجوانب الأمنية.
ولربما وجدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ،في كل هذا, أن الوقت مناسبا لإبتزاز الاردن في ازمته الاقتصادية، من أجل تمرير أجندة اقليمية خطيرة، تحت شعارات مضلله مثل: توسيع الهامش الديموقراطي, واللامركزية ,وزيادة الكوتا النسائية, … الخ.
وتتجلى الازمة السياسية في شقين خارجي وداخلي.
أما الخارجي، فيتلخص في أن الاردن يعيش حالة انعدام وزن سياسي, بين المحور الصاعد، السوري-التركي-الايراني، وبين المحور الهابط، الامريكي-السعودي- المصري، والذي يتعامل مع الاردن كملحق أمني، وبين العدو الصهيوني, الذي قد تدفعه أزمته الديموغرافية نحو اسوأ السيناريوهات المحتملة فيدفع الشعب في الاردن الثمن ويفوز السماسرة بالغنيمة
و أما الشق الداخلي فيتمثل بعجز النظام عن ترميم نفسه، وظهور التآكل البنيوي باحتقانات عشائرية وجهوية وتدمير عملت على تفتيت الشعب الشباب وتخريب البنية الجامعية، وتراجع في الوظيفة السياسية لصالح أجندة أمنية اقليمية، وباستعداد الاردن الوظيفي, لتمرير مشاريع خارجية تخدم تصفية القضية الفلسطينية على الساحة الاردنية، و تكييف قانون الانتخابات ومجلس النواب نفسه، و البرلمانات المحلية المفترضة، لتكريس تفكيك الاردن، ضمن ما سبق وحذرت منه المبادرة الوطنية، وهو مشروع البنيلوكس الثلاثي، ومركزه في دولة العدو الصهيوني.
وبناء على ما تقدم فأن المبادرة الوطنية الأردنية، ترى أن المشكلة الحقيقية تكمن في ما يلي:
1. طبيعة الدولة الوظفية المستهلكة التابعة، التي لا تسمح بطبيعتها بقيام حياة سياسية ديموقراطية حقيقية، لما يترتب عليها من فصل السلطات، وفصل المصالح الخاصة عن المصالح العامة، ووقف التغول على المال العام. وكون الديموقراطية الحقيقية, تنتج مناخا ووعيا شعبيا حقيقيا, يضمن حشد طاقات المجتمع لحل أزماته ا لتي تجذرت، وعبر انجاز التنمية الوطنية الحقيقية التي تقود الى التقدم والتطور والازدهار, حيث لا يمكن تحقيق التنمية الوطنية الحقيقية ألا بفك التبعية لمراكز رأس المال الخارجي، ورفض املاءات صندوق النقد والبنك الدوليين.
2. سياسة استسهال حل المجالس النيابية على عللاتها، والتي كانت ولا زالت تخدم سياقات محددة، جوهرها عدم السماح للمجلس النيابي بممارسة صلاحياته في التشريع والرقابة والمحاسبة، أي فصل السلطات، بدءا بحل المجلس التشريعي الأول في زمن الامارة الذي اعترض على قانون الموازنة، مرورا بحل المجلس السابع الذي حل نتيجة عدم منحه الثقة لحكومة سمير الرفاعي ، وصولا الى حل المجلس الاخير المزور ولذي لم تعلن القيادة السياسية الأسباب الموجبة لحله.
3. ان المبادرة الوطنية وهي تحذر من تمرير الأجندة الاقليمية، وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية على الساحة الأردنية، تحت شعارات مختلفة، لتحذر في الوقت نفسه من استغلال المزاج الشعبي، وموقفه من المجلس المزور، من أجل تمرير الأجندة المذكورة، عبر انتخابات المجلس المقبل, والذي لن يكون افضل من سابقه, وعبر انتخابات المجالس المحلية المفترضة.
4. تقتضي الشروط الموضوعية لبناء حياة نيابية وحزبية حقيقية، ولإحداث تنمية سياسية وطنية, سن قوانين وتشريعات ديموقراطية، تنسجم مع طبيعة المرحلة ومهماتها, بحيث تندمج المهام الوطنية- الطبقية، والديموقراطية الشعبية في برنامج واحد هو برنامج مرحلة التحرر.
إننا ونحن نضع هذا التشخيص امام شعبنا، لنرحب في الوقت نفسه، بأي اعتراف رسمي بالأزمة، وبأية رغبة صادقة للبحث عن مخارج وطنية جادة ومسؤولة، ومنها اقرار رزمة من القوانين والخطوات الديموقراطية, كقانون انتخاب ديموقراطي ، وأخر للاحزاب وقوى المجتمع المدني، وإطلاق حرية الصحافة وحرية الاجتماعات العامة, والتوقف عن محاولات صناعة الرأي العام, بما يكفل قيام حياة برلمانية حقيقية لا صورية ولا وهمية، تأخذ على عاتقها سن قوانين ضرائبية تصاعدية، تنصف الطبقات والشرائح الشعبية المستنزفة،وتلاحق الفساد والتغول على المال العام, و سن القوانين التي تجرّم التعامل مع العدو الصهيوني بكافة اشكاله, وتنهي استغلاله وتأمره على المواطن والمُزارع الاردني في رزقه ومعاشه اليومي.
يا أبناء الاردن
“كلكم للوطن والوطن لكم”